د. عبدالله سرور الزعبي
بدأ اهتمامي في دراسة فوالق القشرة الأرضية منذ العام 1991 وبعد اطلاعي على الكثير من معطيات المسوحات الجيوفيزيائية والصور الفضائية لأفريقيا والشرق الأوسط. وإن الاهتمام يعود للبحث عن قوة العلاقة التي تربط بين وجود الفوالق والتموضعات المعدنية والتراكيب الحاضنة للنفط والغاز، لتقديم خدمة للأردن الذي يتواجد على طول فالق حفرة الانهدام. كما أنه من الجميل قد تم إهدائي كتاب أنظمة الفوالق الأفريقية والعربية لمؤلفه كوندراتف وآخرون، والذي عند قراءة الكتاب وتتبع الحركات الأرضية المتعاقبة منذ ما قبل عصر الكامبري قبل 542 مليون سنة نجد أن من أقدم البراكين على سطح اليابسة كان بركان دالول في أثيوبيا ويزيد عمره على 900 مليون سنة، واستمرت التصدعات الأرضية والاندفاعات البركانية في القارة عبر العصور الجيولوجية ومنها ما زال نشطا إلى العصر الحالي. ان عملية البناء المستمرة نتيجة لحركة الصفائح والتي أدت إلى فصل الصفيحة الأفريقية عن أميركا اللاتينية والهندية والعربية ما زالت مستمرة وستؤدي الى تشكل صفيحة جديدة منفصلة عن الافريقية عبر صدع الوادي العظيم ستضم معظم دول القرن الأفريقي، وسيتشكل ممر بحري جديد. إن خرائط الجيولوجيا التركيبية لأفريقيا تبين وجود أنظمة من الفوالق باتجاهات وأطوال مختلفة تزيد على 1000 كم أحياناً، من أقدمها فالق وسط افريقيا والذي يمتد من شمال شرق القارة وبطول يتجاوز 4000 كم وحتى خليج غينيا. يضاف لها فالق صدع الوادي العظيم والمتصل بفالق البحر الأحمر فاصلاً الصفيحة العربية عن الأفريقية وما زال التوسع في قاع البحر مستمراً.
إن المتتبع للاكتشافات النفطية والغازية والمعدنية خلال العقود الماضية والتي ما زالت مستمرة يجد أن هذه الثروات المكتشفة لها ارتباط مباشر مع وجود الفوالق حسب العصور الجيولوجية المتعاقبة.
إن التنافس على ثروات أفريقيا بين الدول الاستعمارية بدأ منذ أواخر القرن الثامن عشر وكان بهدف السيطرة على الثروات الزراعية والحيوانية والأخشاب، وبعض الخامات المعدنية التي كانت معروفة أو اكتشفت لاحقاً، وكانت السيطرة لفرنسا وانجلترا بشكل رئيسي. استمر الحال حتى ستينيات القرن الماضي التي رافقت مرحلة الاستقلال ورافقها دخول الاتحاد السوفيتي بقوة إلى دول القارة الأفريقية.
تراجع الاهتمام العالمي بأفريقيا لفترة من الزمن وخاصة مع تزايد اعتماد الاتحاد الأوروبي على مصادر الطاقة والمعادن من روسيا الاتحادية ودول حوض قزوين والدول التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. إلا أن الاكتشافات النفطية والغازية والمعدنية المتسارعة منذ بداية القرن الحالي، دفعت القوى العالمية وشركاتها للتنافس من جديد وبقوة للحصول على نفوذ في مناطق غرب ووسط وشرق افريقيا. جاءت معظم الاكتشافات النفطية في منطقة خليج غينيا (نيجيريا، انغولا وغينيا وغيرها) والاكتشافات الجديدة في ليبيا وساحلها والجزائر ومصر وجنوب السودان.
إن النفط والغاز المكتشف في أفريقيا يشكل ما يقارب 12 % من الاحتياطي العالمي النفطي، و7 % من احتياطيات الغاز، حسب تقديرات مراكز الطاقة العالمية.
الاكتشافات المعدنية المتسارعة في العقود الأخيرة، وخاصة في دول جنوب الصحراء تأتي ضمن مجموعات منها المعادن الاستراتيجية والنادرة والمعادن ذات الأهمية للصناعات عالية الدقة والثمينة وغيرها كخامات الحديد والفوسفات والأحجار الكريمة والكثير من الخامات الأخرى وباحتياطيات مختلفة.
تشير تقارير البنك الدولي وتقرير معهد علوم الأرض في جامعة غرينوبل التقنية الفرنسية (سبق أن زرتها مراراً لنقل بعض تجاربهم الى الأردن) إلى أن احتياطيات أفريقيا من اليورانيوم تشكل ثلث الاحتياطي العالمي، ومن الذهب 50 % من احتياطيات العالم، ومن الألماس ما يشكل 40 % من الإنتاج العالمي، والبلاتين يشكل
80 % والكوبالت 70 % والكروم أكثر من 40 % والبوكسايت 33 % والكولتان 80 % من الإنتاج العالمي. كما أن النحاس يتواجد بكميات كبيرة على الحدود بين زامبيا والكونغو والفضة وغيرها من المعادن.
إن تقرير الثروة المتغيرة للأمم 2021 يشير الى ان افريقيا تحتوي على 7 من أصل عشرة معادن في العالم تحتاجها الصناعات عالية الدقة. يضاف إليها الفوسفات والذي يشكل 70 % من الإنتاج العالمي وزادت أهميته لصناعة الأسمدة بعد العقوبات على روسيا. كما ان الاكتشافات الاخيرة لوجود غاز الهيليوم في تنزانيا والمرتبط بالنشاط البركاني تحت السطحي وبكميات تضاهي الاحتياطات الأميركية. ناهيك عن أن أفريقيا تمتلك أكبر مصدر للطاقة الشمسية التي يمكن إنتاجها من مناطق الصحراء الكبرى.
إن الثورة الصناعية الرابعة وما رافقها من نقلة نوعية في التكنولوجيا عالية الدقة والإستراتيجية العالمية لتفادي أخطار التغيرات المناخية وما رافقها من خطط للانتقال إلى الطاقة النظيفة والتطور في صناعة السيارات الكهربائية والصناعات الفضائية والعسكرية خاصة الصواريخ والأسلحة الموجهة بالليزر وصناعات الأجهزة الطبية الدقيقة وغيرها الكثير من الصناعات تحتاج إلى المعادن النادرة والإسترتيجية وغيرها والمتوفرة في أفريقيا بشكل رئيسي جعلت من أفريقيا مسرحا للتنافس، ازدادت حدته بسبب الصراع الروسي الأوكراني.
الثروات الأفريقية الهائلة والمرتبط تواجدها بالفوالق القديمة والبراكين تعد نعمة كبرى لدول القارة الأفريقية، إلا أنها حولتها إلى مركز للصراع للدول الاستعمارية وصراع داخلي ودولي من قبل الدول العظمى بعد الاستقلال.