هل يمكن أن يكون لـ«الملح» حضوره الثقافي والتراثي، إضافةً إلى استخدامه المعتاد كأحد مكونات المادة؟!
السائد أنّ الملح يعدّ أحد أهم مكونات في الطعام ومن المستحيل الاستغناء عنه، حيث يضيف نكهة ومذاقا للطعام ويجعله مستحسنا، لكن، لم يقتصر استخدامه على هذا، بل كان يتجاوز ذلك إلى استخدامات أخرى، إذ يقول الشاعر منصور الفقيه:
الملح يصلح كُـلَّ مـايخشى عَلَيهِ من الفَساد
فَإِذا الفَسادُ جَرى عَلَيهِ فـحُـكمُه حُكمُ الرّماد
وهذا يدفعنا إلى السؤال التالي: هل يمكن للملح أن يكون له دلالات ومعان واستخدامات آخرى، ما هي؟ وكيف يكون ذلك؟
الملح مركب أيوني يحتوي على أيونات الصوديوم والكلوريد، وهو مركب كيميائي ينتمي إلى فئة أكبر من الأملاح والتي تساعد الجسم على أداء معظم المهام أساسية، والحفاظ على السوائل في خلايا الدم، بالإضافة إلى وظائف حيوية أخرى للجسم.
دلالات رمزية للملح
وقد تعددت الممارسات والدلالات الرمزية إلى أكثر من هذا الاستخدام، وأبرزها الاستحمام بالملح والماء، فهذه الخاصية جعلت بلدانا عديدة تتحول إلى محطات للسياحة العلاجية، ليبلعب ذلك دورا مهما في دعم اقتصاد السياحي ومنها الأردن.
واستعمل الملح في عناوين وأمثال شعبية، حيث أضفت عليه الذهنية الشعبية أهمية رمزية، في الأمثال والأقوال، ومنها «يرش على الملح السكر»، والمقصود أن الكل يعرف الفرق بين الملح والسكر، ولكن إذا خلط السكر بالملح، أو إذا رش الملح على السكر، فإن الطعم يكون غير مقبول تماماً، ويضرب هذا المثل لمن يعقد الأمور إذا كانت سهلة ويمكن حلها، ويقابله مثل آخر يقول «أجا يكحلها عماها»، وفي جانب اجتماعي آخر،يعد الملح رمزا للثقة والأمان بين الناس، كما في المثل الشعبي» بين فلان وفلان خبز وملح».
الملح في الحلم
ويشير الملح إلى معان مختلفة في الأحلام، فعندنا يظهر الملح في الحلم، فهذا يعني أن الحالم سيختبر قريبا الفرح والسعادة، بينما عند انسكابه في المنام يعد ذلك تحذيرا للحالم بوجود مشاكل عائلية.
وقد كان الملح لعدة سنوات رمزا للطهارة، إذ استخدمته الحضارات القديمة لدرأ الأرواح الشريرة وتحنيط الأجساد وعلاج الجروح، كما يستخدم كمادة حافظة للغذاء ولتحنيط الموتى،بالإضافة إلى أنه يعتبر رمزا للخلاص، حيث تم استخدامه للتأكيد على التعهد بالإخلاص لشخص آخر،كما في قولنا «بينا عيش وملح» للتعبير عن الوفاء.
وفي العصور القديمة، كان الملح سلعة ميسورة التكلفة فقط للملوك والأغنياء، وكان الملح يدل على الرفاهية وسعة العيش، بالإضافة إلى كونه وسيلة للترحيب بالضيوف، فقد كانوا يقدمون لهم الخبز والملح،للترحيب بهم.
الدلالات السلبية
وعلى الرغم من أهميته، فقد كان له بعض الممارسات والدلالات السلبية، ومن أهمها: تلوث وموت النباتات ومياه الشرب، كما كان يعبر عن أفكار أو مشاعر سلبية مشتقة من المياه المالحة، بينما الماء يعبر عن المشاعر النقية.
الملح في الموروث الشعبي
ومن التقاليد الشعبية الموروثة، رش الملح في مناسبات كثيرة، وخصوصا في حالات الفرح من ميلاد وزواج، وربما خلطه بالشعير والطحين، وقد يذرون الخليط على النار، أو يضعون شيئا من المح مع القزحة «الحبة السوداء» في جيب العريس، وهذا كله اعتقادا منهم بقدرة الملح على دفع الحسد ورد العين، ويذهب بعض الناس في فلسطين على سبيل المثال إلى تنقيط الماء والملح في عيني المولود، وربما دهنوا جلده بالماء والملح مع قليل من الزيت، لاعتقادهم بأن الملح يشد الجلد ويكسب الطفل نوعا من الدماثة مستقبلا.
يرش الملح على الباب - ما الغرض؟
وبفضل الرمزية غير العادية، اكتسب الملح بسرعة، القدرة على تطهير الأرض من لعنات وتأثير الشيطان، لأن نثر الملح أمام الباب كان لحماية الأسرة من تأثير قوى الشر، إضافةً إلى تناثر الملح في المناطق التي كان من المخطط بناء هيكل جديد فيها، وكذلك في الغرف التي كان هناك شك في أن قوى الشر تسكنها.
وهكذا تعددت الدلالات الرمزية والأبعاد الأسطورية، وكذلك المعتقدات الشعبية للملح. أما فيما يخص مجتمعنا المغربي فما يزال للملح دوره الأساسي في ثقافتنا الشعبية بمختلف أنماطها.