حسين الرواشدة
إلى أي مدى كان خطابنا العام، الرسمي والشعبي، مُعبرّا عن موقفنا السياسي من العدوان الصهيوني على غزة؟
الإجابات التي سمعناها، على مدى شهر ونصف من بدء العدوان، كانت متباينة، معظم أعضاء نادي النخبة يعتقدون أن هذا الخطاب كان متطابقا تماما مع مواقفنا تجاه المحتل وحلفائه من جهة، وتجاه المقاومة وأهل غزة والقضية الفلسطينية من جهة أخرى، أما الشارع -بما احتشد فيه من قوى وأحزاب وفعاليات شعبية - فله خطابه الذي يتناسب مع الآمال والرغبات المفهومة في سياق رمزية فلسطين، ورد الاعتبار للذات العربية المجروحة من كثرة الهزائم والانكسارات.
لا يختلف الأردنيون، رسميا وشعبيا، على الموقف من فلسطين : القضية والشعب والحقوق، ولا على الكيان المغتصب وعدوانه وأطماعه ومخططاته، لكن هذا الموقف يحتاج إلى خطاب يُعبّر عنه، يتناسب مع خيارات الأردنيين ومع اضطرارات الدولة وخياراتها أيضا، أقصد، هنا، أن الدولة تتعامل، أو هكذا يفترض، مع الأحداث والنوازل التي تواجهها بهدوء، وبحسابات دقيقة، تراعي فيها مصالحها وعلاقاتها وإمكانياتها وأدوارها، وبالتالي فإن خطابها الرسمي ينضبط على مسطرة هذه الحسابات؛ حسابات المصالح والخسائر، في الحاضر والمستقبل، فهو ليس ردة فعل «اللحظة» وانفعالاتها، وإنما بناء مصمم ومدروس، ينظر إلى المعادلة من كافة زواياها، وإلى الحدث تبعا لكل الاحتمالات، والى التوقيت بدقة وحذر.
في ضوء ذلك، ليس من الضرورة أن يتطابق الخطاب الرسمي مع الخطاب الشعبي، الأول سياسي ومنضبط، ومحكوم لاعتبارات مصالح وإمكانيات، ومعلومات واتصالات ربما لا تكون معلنة، وله كلفته في سياق العلاقات والالتزامات الدولية، فيما خطاب الشارع ونخبه مفتوح على فضاء واسع، يتحرك فيه بحرية، مع مراعاة المصالح العليا للدولة وأمنها الوطني، ومع ضرورة استدعاء رموزها وقيمها ومواقفها، بحيث لا تتحول الصور والرموز التي يتم استدعاؤها من الحدث إلى خطاب استفزازي، أو إتهامي، يجرح الهوية الوطنية، ويتجاهل تضحيات الأردنيين ومواقفهم، هذا، وغيره، ان حصل، لا يصب في مصلحة الأردن ولا فلسطين، ولا يدعم أهل غزة في مواجهة هذا العدوان البشع.
صحيح، انتصار المقاومة في غزة انتصار لنا جميعا، ودعمهم واجب وطني وديني وإنساني، لا يجوز لأحد أن يتخلف عنه، صحيح، أيضا، انحيازنا في هذه الحرب -كما فعلنا تاريخيا- لاشقائنا في فلسطين ومعركتهم من أجل الاستقلال واستعادة الحقوق، هو - في الأصل - انحياز للدفاع عن بلدنا وحمايته من خطر قادم ومعلن من قبل الكيان المحتل، ويستدعي أن نستعد له على الدوام، لكن الصحيح الذي يجب ان لا يغيب عن أذهاننا هو أن منطق الدولة، في خطابها العام أثناء الحروب والأزمات تحديدا، يختلف عن منطق التنظيمات التي تباشر أفعال المقاومة، ويختلف عن منطق الشارع، وليس من الضروري أن يسبقه أو يتطابق معه.
الأردن دولة معتبرة في الإقليم والعالم، وهو عنوان الحكمة والاعتدال، وسقف خطابه العام في هذه الحرب الظالمة ضد اهلنا في فلسطين وغزة، يقرره الملك، والملك فقط؟ وقد فعل ذلك منذ بداية العدوان، حيث اتسم خطابه في كافة المناسبات والمحافل، بالحكمة والتوازن والشجاعة، وكان تقديره للموقف بمنتهى الدقة، وهذا ما يجب أن تلتزم به كل النخب، لاسيما الرسمية، لأن أي تصعيد غير محسوب، خارج ذلك، قد يأخذنا إلى أماكن وحسابات تضر ببلدنا، ومصالحنا العليا لا سمح الله.
هل وصلت الرسالة؟ لا أدري، ولكنني أتمنى ذلك.