تنبّه الأردن إلى ضرورة أن يكون مركزاً لإنتاج وتصدير الطاقة الخضراء النظيفة، خاصة الهيدروجين الأخضر، باعتبار موقع المملكة، يمثل فرصة ذهبية لذلك.
وأكد خبراء ومتخصصون بالطاقة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن تحقيق طموحات البلاد في أن تكون لاعباً أساسياً على مستوى الإقليم، في الاستثمار بالطاقة المتجددة، خاصة الهيدروجين الأخضر، ممكن بدرجة كبيرة، لعدة ميزات، تتعلق بوقوع المملكة في وسط منطقة الحزام الشمسي الحيوي، والموقع الجغرافي كرابط بين دول آسيا وأوروبا، ووجود خبرات متخصصة في مشاريع الطاقة المتجددة والمستدامة.
ويعد الهيدروجين الأخضر، مصدراً من مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة، ووقوداً نظيفاً، يساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، ويُنتج بفصل جزيئات الهيدروجين عن الأكسجين الموجودة في الماء.
وبنحوٍ عام؛ حقق الأردن نجاحات متعددة في استثمار مصادر الطاقة المحلية المتجددة، إذ تشير أرقام رسمية إلى وصول نسبة الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المتجددة إلى 27 بالمئة من مجمل الكهرباء المولدة في نهاية العام 2022.
وتسعى المملكة إلى الوصول لنسبة 50 بالمئة من الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030.
وسارع الأردن خطواته نحو هذا الهدف عبر توقيع أربع مذكرات تفاهم هذا الشهر، مع أربع شركات محلية ودولية، يهدف تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر محلياً.
وقال أمين عام الهيئة العربية للطاقة المتجددة المهندس محمد الطعاني، إن العالم يتوجه نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر لإنتاج الأمونيا بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، بهدف تقليل الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون، والوصول إلى الصفر الكربوني بحلول عام 2050.
وأكد أن هذا النوع من الطاقة يعتبر الأفضل بالعالم لتخزين الطاقة المولدة من الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، عبر الأمونيا، ليتاح استخدامها وقت الحاجة لتوليد الكهرباء أو محطات شحن الوقود.
وبين أن الأمونيا غاز ذو رائحة قوية يستخدم في صناعة الأسمدة الزراعية، والمستحضرات الطبية، والنسيج والصناعات المعدنية والمنظّفات المنزلية والمبيدات الحشرية.
وأوضح أن للأمونيا أنواعا متعددة، تختلف باختلاف الطاقة المستخدمة، ومنها الهيدروجين الرمادي، وهو إنتاج الهيدروجين باستخدام الوقود الأحفوري، والهيدروجين الأخضر الذي ينتج باستخدام الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأزرق من الغاز الطبيعي، والهيدروجين الأبيض من الطاقة الحيوية. واعتبر الطعاني الهيدروجين الأخضر، حلاً عمليا وخيارا اقتصاديا لمستقبل الطاقة، خاصة إذا ما أُنتج بكميات كبيرة، عبر الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى أنه حل مزدوج لتخزين الطاقة المتجددة واستخدامها بنحو عملي وقت الحاجة.
بدوره، أوضح خبير النفط والطاقة هاشم عقل، أن الهيدروجين الأخضر، ينتج بفصله عن أكسجين الماء بطريقة التحليل الكهربي، لافتاً إلى أنه يُعد مصدر طاقة نظيفًا، إذ لا ينتج عن تلك العملية أي انبعاثات ضارة، ولا حتى بعد احتراقه، مما يعني أنه يتمتع بميزة الاستدامة.
وعدّد عقل جملة من المزايا للهيدروجين الأخضر، منها قابليته للنقل، وسهولة تخزينه، ما يتيح استخدامه لاحقًا لأغراض أخرى وفي أوقات أخرى غير مباشرة بعد إنتاجه، وتعددية الاستخدامات؛ إذ يمكن تحويله إلى كهرباء أو غاز اصطناعي واستخدامه للأغراض المنزلية أو التجارية أو الصناعية أو التنقل، بالإضافة إلى قابليته للمزج مع الغاز الطبيعي بنِسب محددة.
وقال إن موقع الأردن الاستراتيجي على البحر الأحمر، يعد مستقطباً لدعم صناعة الهيدروجين الأخضر في البلاد، إذ يمكن استخدام مياه البحر الأحمر كمصدر للمياه في عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر، مشيراً إلى عدد من البحوث التي درست إمكانيات إنتاج الهيدروجين في العقبة، وتقييم إمكانية إنتاجه هناك، حيث وجدت أن الإنتاج السنوي للهيدروجين يمكن أن يصل إلى 70956000 كيلو غرام.
وأشار أيضاً إلى أنه يمكن لميناء العقبة دعم عمليات تصدير ونقل الهيدروجين من خلال توفير البنية التحتية لتخزينه ونقله وتوزيعه، موضحا أن الأردن بدأ بإعداد استراتيجية واضحة بالتعاون مع وزارة الطاقة، لتمكين البلاد من إنتاج الهيدروجين الأخضر من طاقة الشمس والرياح، إذ ستساعد على توفير بنية تشريعية تمهيداً لبدء العمل على مشاريع الإنتاج من طاقتي الشمس والرياح في الأردن قريباً.
وأكد أن أهمية وجود استراتيجية للهيدروجين الأخضر، تكمن في إنشاء فرص اقتصادية جديدة في عدة قطاعات مثل النقل والصناعة وتوليد الطاقة والتدفئة، لافتاً إلى أن الاتحاد الأوروبي، قدّر أن استراتيجيته للهيدروجين الأخضر يمكن أن تولد ما يصل إلى مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة بحلول عام 2030 وما يصل إلى 5.4 مليون وظيفة بحلول عام 2050.
وقال إن وجود استراتيجية متخصصة يعزز الأمن الطاقوي من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، مستشهداً باليابان وكوريا الجنوبية اللتين تهدفان إلى تنويع مصادرهما الطاقية وتقليل أثرها الكربوني عن طريق استيراد الهيدروجين الأخضر.
وأكد عقل أن الاستراتيجية ستسهم في الجهود العالمية للحد من الاحتباس الحراري من خلال دعم التخلص من الانبعاثات الكربونية في القطاعات التي يصعب الحد من الانبعاثات فيها، مثل صناعة الحديد والصلب والشحن البحري ونقل البضائع على الطرق، أسوة بألمانيا التي تخطط لاستخدام الهيدروجين الأخضر لاستبدال الفحم والغاز الطبيعي في صناعتها الحديدية، التي تشكل نحو 6 بالمئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة لديها.
وأفاد بأن وجود استراتيجية للهيدروجين مهم في تأكيد الالتزام بمواجهة التغيرات المناخية والتوافق مع الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاق باريس وأهداف التنمية المستدامة، وللتسريع في مشاريع طاقة الهيدروجين، الذي يعتمد على تسهيل الاستثمار في طاقته، مبينا أن 12 شركة تقدمت للاستثمار في هذا المجال، لكن الموافقة صدرت لشركة واحدة فقط.
ودعا الحكومة إلى تسهيل وتشجيع الاستثمار في طاقة الهيدروجين وتقديم كامل الدعم للمستثمرين لتخفيف الفاتورة النفطية التي تعتبر مشكلة مزمنة للدولة والمواطن.
وقال إن "الاستثمار في طاقة الهيدروجين مصلحة اقتصادية وطنية لدعم الصناعات وتوليد الطاقة والنقل، حتى نستطيع المنافسة خاصة في قطاع الصناعة محليا وعالميا الذي يؤدي إلى رفع نسبة النمو الاقتصادي وتخفيض نسب البطالة التي تعتبر من أكبر المشاكل في المجتمع الأردني".
وبين مدير تطوير الأعمال والبيئة في شركة ميلينيوم للطاقة، علي الطراونة، أن الطلب العالمي على الهيدروجين، ازداد بنحو 65 بالمئة في الفترة ما بين عامي 2000 إلى 2020، مرتفعاً من 70 مليون طن، إلى 120 مليون طن.
وأشار الطراونة إلى أن الهيدروجين كان يستخدم بنحو تقليدي، في الصناعات الكيمياوية، وإنتاج الأسمدة، ومعالجة المعادن وإنتاج الغذاء، إلا أنه وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي، ظهر استخدام الهيدروجين كوقود للمركبات، لكنه ظل محدوداً، بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجه.
وأكد أن الأردن يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، حيث يربط دول آسيا مع دول أوروبا، بالإضافة لوجود ميناء العقبة، الذي يعطي سهولة لعملية النقل، بالإضافة لوجود المملكة في منطقة وسط الحزام الشمسي الحيوي، ما يعني أن نسبة الإشعاع الشمسي تعد من أعلى النسب في العالم، مما يعطي ميزة إضافية، لوجود مشاريع طاقة متجددة، لافتا لوجود خبرات أردنية كفؤة ورائدة في مجال الطاقة المتجددة ومشاريعها.
وقال إن المحتوى الطاقي للهيدروجين، يبلغ 120 ميغاجول لكل كيلو غرام، بالمقارنة مع الغاز الطبيعي المسال، الذي ينتج الكيلو غرام الواحد منه، نحو 55 ميغاجول، فيما ينتج الكيلو غرام الواحد من الفحم، قرابة 27 ميغاجول.
وأضاف أن الهيدروجين الأخضر، يشكل فرصاً استثمارية داخل المملكة، منها إنتاج كميات كبيرة من الطاقة البديلة بتكاليف أقل، وإنتاج الأمونيا الخضراء القابلة للنقل والتصدير، والاستثمار في استخدام الهيدروجين كمادة خام في صناعة الصلب، واستخدامه في عمليات تكرير النفط.
وتابع كما يمكن إنشاء محطات وقود هيدروجين أخضر في المدن، والاستثمار في إنتاج المزيد من السيارات العاملة بهذا النوع من الوقود، وإمكانية تصديره للأسواق العالمية، لوجود احتمالية كبيرة في أن يحل محل الفحم، وبالتالي أن يزداد الطلب عليه بنحو أوسع مقارنة بالنفط، وإنتاج حرارة مرتفعة تلبي احتياجات الصناعات الثقيلة، وتوليد فرص العمل.
ودعا إلى تسريع بدء الإنتاج عبر الاستعانة بالخبرات الناضجة المتخصصة بالهيدروجين الأخضر، من دول كأستراليا والنرويج وكوريا الجنوبية، وبناء تشريعات واضحة وطويلة المدى، وإنشاء هيئة للانتقال الطاقي.
ولفت الطراونة إلى وجود عدد من التحديات، التي تواجه إنتاج الهيدروجين، منها الحاجة إلى المياه المحلاة، والتحدي البيئي المتعلق بخروج رواسب من عمليات التحلية المائية، التي يجب التخلص منها من قبل متخصصين.
من جهته، أشار مسؤول قسم الدعم الفني في غرفة صناعة عمان، المهندس بشار قطيشات، إلى وجود وفرة بمشاريع الطاقة المتجددة في الأردن، التي يمكن أن تسهم في إنتاج الهيدروجين الأخضر، بالإضافة لامتلاك الأردن خبرات متميزة، من فنيين ومهندسين متخصصة بهذا المجال.
وأكد أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يحقق فوائد في قطاعات متعددة، مثل تحقيق أمن التزود بالطاقة، وتحسين خلية الطاقة الموجودة بالأردن، والمساهمة في الالتزام بالحد من الانبعاثات الضارة ومواجهة تداعيات التغير المناخي، وإيجاد وظائف جديدة، مشيراً إلى ما حددته استراتيجية قطاع الطاقة.
وبين قطيشات أن الهيدروجين مهم في الصناعة، إذ يمكن استخدامه كمصدر طاقة مباشر، قليل التكلفة، مما يسهم في تخفيض تكاليف التشغيل، بالإضافة إلى استخدامه في بعض الصناعات كمدخل إنتاج خاصة في الصناعات الكيماوية، داعيا لتوفير تشريعات متخصصة، وتسريع إعداد الاستراتيجية الخاصة بالهيدروجين، وإنشاء البنية التحتية اللازمة.