سهم محمد العبادي
هو ليس بالأمر الجديد، رغم أن هذا الجانب يمتاز به الأردن عن غيره من الدول لاعتبارات عدة أهمها أننا الأقرب لفلسطين أرضا وشعبا ومصيرا، ناهيكم عن باقي العلاقات التي لن تجدها بين أي دولتين على خارطة العالم.
العارف بتاريخ العلاقة التاريخية بين الأردن وفلسطين سيعلم عن الثوار الفلسطينيين الذين كانت الكرك لهم الأمان والاطمئنان في اللجوء إليها ومعالجتهم وإيواؤهم حتى العودة ومواصلة مشوار الجهاد، وهذا ما قبل 1900 ميلادية.
وبصورة أقرب قليلا كان منزل المجاهد مبارك أبو يامين -رحمه الله- مقرا لتجهيز الثوار الفلسطينيين عام 1936 وإمدادهم بالأسلحة والعتاد ومعالجة المصابين، حيث كان الطبيب المعالج في ذلك المنزل لعدة سنوات متتالية من العام 1936 ولغاية العام 1940 الدكتور قاسم ملحس (مؤسس مستشفى ملحس لاحقا) حيث عُولِجَ المئات من الثوار والمدنيين في منزل المجاهد أبي يامين، على نفقته الخاصة، وفي إحدى المرات قامت الجمعية العربية الفتاة في بيروت بإرسال 10 آلاف جنيه ذهب للمجاهد مبارك أبو يامين نظير الخدمات العظيمة التي يقدمها للثوار الفلسطينيين حيث أرسلوها مع الدكتور قاسم ملحس، وكان رد المجاهد أبو يامين برفضها، وطلب من الجمعية شراء أسلحة للثوار بهذا المبلغ، وكانت عبارته الشهيرة التي تناقلتها الأجيال ردا على صديقه الدكتور ملحس "أحنا نعشي، ونمشي ع كيس الله".
وفيما بعد، منذ عام 1948 وحتى عام 1967 كانت كتائب الجيش العربي الأردني في فلسطين من خلال الأطباء والممرضين العاملين بها تقدم الخدمات الطبية للفلسطينيين في كافة مدن الضفة الغربية والقدس، وهنا أستذكر الممرض في الجيش الأردني الشهيد علي سليمان العياصرة -رحمه الله- وباقي رفاقه في فلسطين.
بعد سنوات كانت الخدمات الطبية الملكية تضع إمكانياتها لرعاية الجرحى والمصابين الفلسطينيين الذين نُقِلُوا إلى عمان سواء خلال الانتفاضة الأولى وما بعدها، ثم أصبح الأمر من خلال مستشفيات ميدانية في عدة مناطق في فلسطين مثل جنين (وقد زرته قبل سنوات قريبة) وآخر في رام الله ثم منذ سنوات طويلة يوجَد المستشفى الميداني الأردني في غزة، إضافة لاستمرار نقل المصابين للعلاج في الأردن.
في العدوان الذي يشنه العدو الصهيوني على غزة كان الموقف السياسي الأردني ملكا وشعبا وحكومة متقدما على باقي دول العالم، وهذا ليس جديداً عندما يتعلق الأمر بفلسطين، وهنا اختصر تاريخ العلاقة العظيمة بمقولة جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة حينما قال "فلسطين بوصلتنا وتاجها القدس الشريف"، فهذه العبارة الأنقى والأكثر تعريفا لعلاقتنا بفلسطين وأهلها، التي يختلط دائما دمنا الأردني مع دمنا الفلسطيني على أرض فلسطين ليروي ثراها الطاهر، ويثبت وحدتنا التي اخترناها لنا.
المستشفى الميداني الأردني في غزة طلب منه العدو الإخلاء، لكن الرفض كان من الدولة ورأس الدولة جلالة الملك، وبقي المستشفى الميداني الأردني في غزة، رغم أنف الاحتلال واتصال جلالة الملك وولي العهد بقائد المستشفى هي رسائل مهمة وعظيمة بأن من يقف مع هذا المستشفى والعاملين به وتيسير كافة الخدمات لأهلنا في غزة هو الملك وولي العهد، حيث كانت الرسائل أيضا من خلال كسر الحصار وإنزال معدات طبية وإغاثية أعلن عنها جلالة الملك وكذلك في الإنزال للمرة الثانية بعد كلمة جلالته في مؤتمر القمة العربية والإسلامية الطارئة، وكان لذهاب ولي العهد بطائرة عسكرية يحمل بها المستشفى الميداني الأردني الخاص 2 برفقة الكادر الطبي والإداري ووصوله إلى المسافة صفر مع غزة بلباسه العسكري، وعلى جانبه سلاحه العسكري جميعها إشارات ورسائل إقليمية ودولية، بأننا في الأردن لن نتخلى عن فلسطين وأهلها ومقدساتها وأرضها مهما كلف الأمر.
هذا التاريخ الناصر الناصع في تاريخ الأمة تجاه فلسطين وأهلها ومقدساتها يحمل ذات الرسالة التي حملها الآباء والأجداد "أننا لفلسطين أرضا وشعبا حتى قيام الساعة"، ونعم الرسالة، وأنها أمانة في أعناقنا، حتى نصلي في القدس صلاة التحرير، ونرفع إعلامنا على شواطئ يافا وحيفا وغزة.