الراحل والمثقف الشعبي » حسن أبو علي » غادرنا بجسده في 25 آذار من العام 2022 ولكن ظلت روحه وعلاقاته مع الناس والصحافة والادب والفكر والفن تعيش في ذاكرتنا وفي تاريخ عمان التي أحبها بعشق عظيم.
عايشته منذ البدايات البسيطة، فمنذ أن كنت فتىً صغيراً أصبحت أتعرف على الجرائد والمجلات والصور والمقالات،حيث أخذت أطلع وأقرأ المجلات من بسطة صحفه وكتبه القليلة، تلك التي كان يضعها أمام درجة مرتفعة قليلاً أمام الواجهة الزجاجية لمحلات يوسف المعشر لأقمشة الجوخ الفاخرة قرب سوق الصاغة والذهب في «شارع الملك فيصل» أشهر الشوارع الراقية والجميلة آنذاك في عمان وذلك في منتصف ستينيات القرن الماضي.
كنت بداية أقرأ من مجلاته ما يناسب عمري آنذاك مثل مجلات سمير و ميكي، ثم فيما بعد عندما ظهرت المجلات المترجمة للعربية الصادرة من بيروت مثل سوبرمان والوطواط و لولو... منها ما أقرؤها عند الجلوس بجانب البسطة ومنها ما أقرؤها في البيت ثم أرجعها له.
وفي بعض الأيام أذهب إليه وإلى بسطته أقف معه, وأحياناً أنوب عنه ببيع الجرائد والمجلات إذا ما غادر لساعة من الزمن لشأن ما.
انتقال بسطة الصحف
وبعدها توسع حسن أبو علي في مهنته تلك، حيث انتقل عدة أمتار إلى دخلة آل ماضي الشهيرة، حيث صار يُبسط ويضع مجلاته وكتبه الكثيرة بجانب محلات الحايك أول الدخلة, إذ صار يهتم بعرض الكتب كثيراً بجانب الجرائد والمجلات المحلية والعربية القادمة من مصر ولبنان والكويت.
وفي تلك الفترة التي كانت البسطة الأرضية تتواجد في أول دخلة آل ماضي–استمرت تلك الفترة لأكثر من عشر سنوات–وكان يتردد عليه العديد من زبائنه من القراء والأدباء والشخصيات السياسية وغيرها.. ومن هناك تعرفتُ على بعض الأدباء والكتّاب من مثل: الشاعر علي فودة والقاص مصطفى صالح والشاعر عز الدين المناصرة والشاعر محمد القيسي والشاعر محمد الظاهر وفخري قعوار وفايز محمود وتريز حداد وزهرة عمر وخليل السواحري و د.حسين جمعة وفنانين مثل إبراهيم حداد ومالك ماضي.
ثم بدأت أهتم وأقرأ لهؤلاء الأدباء والكُتاب، بجانب قراءاتي التي تطورت فيما بعد حيث صرت أقرأ كتب المؤلفين الكبار والمشاهير الأردنيين والعرب والعالميين.
فقد أخذت أشتري بعد أن توظفت وأصبحت معلم مدرسة بعض الكتب الأدبية، وبالذات القصص القصيرة والروايات وبعض المجلات الثقافية الشهيرة العربية والأردنية، مثل كتب نجيب محفوظ ويوسف إدريس وزكريا تامر وحنا مينة وعبد الحليم عبد الله واسماعيل فهد اسماعيل والطيب صالح, وبعض كتب النقد الأدبي كذلك.
كُتب عالمية
وفي تلك الفترة أو ما قبلها بقليل نشطت دار نشر الكتاب اللبناني، التي كانت تصدر كتبها في كل من بيروت وبغداد بإصدار أهم وأشهر الروايات العالمية القديمة مترجمة إلى اللغة العربية، بطبعات شعبية بورق أصفر زهيد الثمن, حيث كانت تباع تلك الروايات والكتب والقصص بمبلغ (25) قرشاً للكتاب فقط, وهي كتب لكل من همنغواي, تولستوي, دوستوفسكي, ديكنز, فكتورهيجو, مورافيا... الخ.
وكان الكثير من الأدباء والقراء يأتون لشراء وقراءة هذه الروائع بكميات وعناوين مختلفة–لأنها فرصة ذهبية لا تُعوض–وهكذا اطلعت بشكل جيد على بعض هذه الآداب العالمية.
ثم هناك كانت الكتب الحديثة بورق أبيض والأكثر ثمناً مما سبق ذكره, لكنها كانت كذلك مناسبة الثمن إلى حد معقول, فاشترينا وقرأنا كتب سارتر وألبير كامي وألبرتو مورافيا وكولن ويلسون وكتب عن جيفارا وماوتسي تونغ, وكتب المفكرين العرب لكل من زكي نجيب محمود, وأدونيس وغالي شكري وأنيس منصور, ود. مصطفى محمود... الخ.
وكالة التوزيع الأردنية
وبعد نكسة حزيران عام 1967, أخذ الناس والقراء يهتمون كثيراً بقراءة الجرائد والمجلات العربية التي تتحدث عن أحوال وصمود العرب بعد هزيمة حزيران لأنها تبث الروح والتفاؤل في نفوس العرب لذا فقد أخذت الصحف تهتم وبشكل مثير بأخبار المقاومة والمؤتمرات العربية، ومحاولات التوحد والوحدة ما بين بعض الأقطار العربية، وخطابات الحكام والرؤساء العرب ورؤساء المنظمات الفلسطينية والعربية، لذا اقبل الناس على شراء وقراءة تلك الصحف بشكل نهم، حيث كانت تستعين بإبراز المانشيتات المثيرة والصور المبهرة.
وكان حسن أبو علي يذهب إلى مكان توزيع الصحف العربية والقادمة من مصر ولبنان وهي (وكالة التوزيع الأردنية لصاحبها رجا العيسى في أول طلوع الحايك بجبل عمان) ليحضر مئات الصحف والجرائد المثيرة بأخبارها ليعرضها على بسطته تلك، ويبيع منها عشرات المئات مثل جرائد الأهرام والجمهورية والأخبار،والصحف اللبنانية الشهيرة مثل الأنوار والنهار والحياة والمحرر... الخ.
ثم المجلات المصرية مثل المصور وآخر ساعة و روز اليوسف وصباح الخير, والفنية والثقافية منها مثل الكواكب والهلال، وغيرها اللبنانية الثقافية مثل الأديب والآداب، والفنية كالموعد والشبكة والحسناء, والمصرية النسائية مثل حواء, عدا عن مجلات الأطفال وغيرها السياسية, اللبنانية مثل: الصياد والأسبوع العربي, والحوادث والوطن العربي... الخ, كذلك المجلات والصحف الكويتية مثل: العربي, النهضة، الوطن, السياسية, الرأي العام, البيان, العربي, النهضة, القبس... الخ.
أما من أشهر الجرائد الأردنية الأسبوعية فقد كانت جريدة الحوادث, وأخبار الأسبوع, واللواء, ثم فيما بعد شيحان.
أبو علي داخل الإبداع الأدبي
لذا فإن بسطة حسن أبي علي دخلت التاريخ الثقافي الأردني, فما من مثقف أو سياسي أو أديب أو فنان إلا وتعامل مع كتب وصحف وصداقة أبي علي شخصياً.. وذلك لأنه يتميز بحس ثقافي رائع، ويعرف ما هي الكتب القيمة والهامة والمفيدة لزبائنه، من كل فئات المجتمع وأفكاره وأمزجته الثقافية عدا عن أن لأبي علي حضوراً وكاريزما محببة!! في قسمات وجهه وحديثه وترحيبه وأحاديثه الجذابة القريبة للقلب والروح.
ومن أجل هذا فلا نستغرب للعديد من عشرات المقالات واللقاءات الصحفية والتلفزيونية والإذاعية التي سبق أن أُجريت مع «حسن ابو علي", كذلك دخول اسمه وشخصيته في عشرات من الروايات والقصص والقصائد الأردنية والعربية لشخصيته العمانية الأردنية المؤثرة.
بجانب البنك العربي
وفي منتصف السبعينيات أو بعد ذلك بسنة أو سنتين تم انتقال بسطة ابي علي من دخلة ماضي إلى كشكه المعروف الآن بِ » كشك الثقافة العربية» بجانب مبنى البنك العربي حيث بدأ مشواراً تكميلياً لما سبق من مسيرته الثقافية مع عالم الصحف والكتب والتواصل مع مثقفي الأردن والعالم العربي كذلك, والذين منهم قد أصبحوا أصدقاء حميمين له مثل: الشاعرة فدوى طوقان, عبد الوهاب البياتي،سميح القاسم،والمفكر الخليجي محمد المسفر, والكثير الذين لا تحضرني الآن أسماؤهم, عدا عن معظم أدباء وشعراء وكتاب وصحافيي وسياسيي الأردن من وزراء ورؤساء وزراء وقضاة ومحامين ومهندسين وأطباء وموظفين...الخ, ومن كل فئات الشعب الأردني, وبعض العرب من الدول الأخرى.
مبدعون أردنيون وعرب وأجانب
وفي كشك الثقافة العربية زاد الاهتمام بتنوع الكتب المعروضة، التي كان يعرف أبو علي أهميتها وحداثتها على الساحة العالمية والعربية والأردنية.
لذا كنا نراه من الأوائل الذين أحضروا أهم الكتب الفكرية والسياسية ودواوين الشعر والروايات العالمية والعربية الحديثة لعرضها وبيعها للقراء الأردنيين والعرب هنا في عمان.
• وسيط وباعث الثقافة
وكان «حسن أبو علي» حالة ثقافية خاصة ومميزة ونادرة في مشهدنا الإعلامي الأردني بل والعربي, لأنه خدم الثقافة والوعي والفكر لدى العديد من أبرز شخصيات هذا البلد ومن كل التخصصات.. فقد اعترف الكثير منهم قائلين: لقد تعلمنا من كتب «أبو علي» مثلما تعلمنا من جامعات الأردن. ومنهم من أكد أنه كان يشتري الكتب منه بالدين وعلى الدفتر, ومنهم من كان يقترض النقود منه أيام الزنقات.
والكثير من زبائنه أصبحوا أصدقاء مقربين فهناك بينهم اللقاءات والزيارات الدائمة في الكشك أو البيت.. حتى أن بعض الأدباء والصحافيين الذين توفاهم الله من أصدقائه كان أبو علي يستقبل التعازي فيهم بعد مدة من الزمن للذين فاتهم الذهاب لبيت العزاء أو لم يعرفوا مكان العزاء.. فهو كان بمثابة الأب والأخ للكثيرين.
ولكل هذا فقد استحق صاحب هذا الكشك الصغير والعظيم في أثره وتأثيره الثقافي الأردني أن ينال تكريماً من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في العام 2002 حيث نال الميدالية الفضية من الدرجة الثانية، وفي العام 2007حيث نال وسام الاستقال من الدرجة الرابعة.. ورحمك الله يا أبا علي
(الرأي)