هناك العديد من الجرائم التي يرتكبها الجمهور، لا سيما في ظل ما يشهده العالم اليوم من تطور في وسائل الاتصال الحديثة، من دون أن يكون لديهم أدنى علم بمخاطرها ليس على المجتمع فحسب، بل عليهم أنفسهم وعلى الغير باعتبارها من واحدة من تناقل الشائعات التي يمكن أن تؤثر في بنيان المجتمع ككل.
والمشكلة في ذلك لا تتعلق فقط بتناقل الشائعة والتأثير على حياة شخص معين فقط، بل بإمكانية أن تتضمن الشائعة العديد من الجرائم الأخرى التي يمكن أن تلقي مسؤولية قانونية إضافية على من يرتكبها ومثال ذلك، أن تتضمن الشائعة العديد من الألفاظ التي تندرج في إطار جرائم الذم والقدح المجرمة بموجب نص المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية.
ومن هنا لا بد من الإشارة ابتداءً إلى أن حرية الرأي والتعبير المكفولة بموجب الدستور الأردني، وبصريح نص المادة 15 من القانون لا تعني الخروج على القانون، وهو ما كرسته المادة ذاتها، حيث نصت على أن "وجوب أن تكون حرية الرأي والتعبير بما لا يتجاوز حدود القانون"، ومن هنا فإن تداول الشائعات لا سيما الإلكترونية يمثل خرقاً دستورياً وقانونياً على حد سواء.
ومن هنا سنشير إلى مجموعة من النصوص القانونية في هذا الإطار والتي تشكل قواعد قد تحد من الآثار السلبية التي تخلفها هذه الجريمة، مع قناعتي الشخصية، بعجز هذه النصوص حتى الآن عن ضبط الانفلات الذي تشهده مواقع التواصل الاجتماعي في عملية نقل المعلومة والشواهد على ذلك كثيرة.
بداية، لم يرد نص واضح على تعريف الإشاعة، في أي قانون من القوانين الجزائية الأردنية بل وردت مفردات مثل "الأنباء الكاذبة" و"الدعاية" و من دون وجود نص يحدد المفهوم القانوني للشائعة؛ حيث ترك المشرع الأردني – حاله حال العديد من المشرعين – مسألة تحديد الكثير من المصطلحات والمفاهيم إلى الفقه والقضاء، وهو موقف نتفق معه في عدم إغراق المشرع نفسه في التعريفات وترك ذلك للفقه.
لكن المشرع الأردني تناول الشائعة في المادتين 109 و 110 من قانون الأرواق المالية المؤقت لسنة 2002، كما ورد النص عليها في المادة الخامسة من قانون الجيش الشعبي، والمادة 14 من تعليمات مدونة الأمن البحري على المرافق المينائية في الميناء لسنة 2004.
أما قانون العقوبات الأردني فقد نص على حالاتٍ ومفاهيمٍ مُختلفةٍ، في المواد من 130 إلى 132؛ حيث نصت المادة 130 من قانون العقوبات الأردني على أنه "من قام في المملكة زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاية ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالأشغال المؤقتة".
ومن هنا نلاحظ أن هذا النص اقتصر على حالة الحرب أو توقع نشوبها؛ أي أنه إذا ما قام شخص ببث دعاية كاذبة في وقت السلم، فإنه يخرج من التجريم الذي يشمله هذا النص، وكذلك يجب أن يكون الهدف الذي يسعى الشخص من خلاله إلى بث هذه الدعاية هو إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية، بمعنى أن الركن المعنوي للجريمة يتمثل في أن تتجه إرادة الجاني إلى ذلك، على أن يكون ذلك في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها.
كما نصت المادة 131 إلى أنه "1- يستحق العقوبة المبينة في المادة السابقة من أذاع في المملكة في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة 2- إذا كان الفاعل قد أذاع هذه الأنباء وهو يعتقد صحتها، عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر".
وكما أرى فإن هذا النص يعد مطاطاً إلى حد ما، حيث نصت على أنه يستحق عقوبة الأشغال المؤقتة من أذاع أنباء يعرف أنها كاذبة ومن شأنها أن توهن نفسية الأمة، ومن هنا لا بد من التساؤل ما هي الأمة التي قصدها المشرع؛ هل هي أبناء الوطن، أو المجتمع الأردني بمختلف فئاته أم قصد الأمة العربية أم الأمة الإنسانية، كما نص على أنه إذا ما أذاع هذه الأنباء وهو يعتقد بصحتها فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر وذلك لطبيعة هذه من دور في إضعاف الشعور الوطني لدى المجتمع، لكن هذا النص لم يشترط وقوع حرب. ومن هنا أرى بأن المشرع كان يمكن له أن يدمج هذه المادة مع سابقتها بصورة أكثر وضوحاً، فضلا عن كون هذه العقوبة عقوبة بسيطة وغير رادعة.
كما تنص المادة 132 على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تنقص عن ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا.ً -1 كل أردني يذيع في الخارج وهو على بينة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن تنال من هيبة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة اذا كان ما ذكر موجها ك أو ولي العهد أو أحد ً -2 ضد جلالة الملك أو أوصياء العرش".
ومن هنا، يعد قانون العقوبات هو المظلة الرئيسية والأساسية فيما يتعلق بجميع الجرائم وإن كان ينص على الأشاعات أو ما أسماها ببث الدعايات في المواد من 130 إلى 132 من قانون العقوبات فإن هذا القانون هو القانون واجب التطبيق وليس أي قانون آخر، وكذلك في حال مخالفة قانون الأوراق المالية وقانون الجيش الشعبي أو أية تعليمات ذات علاقة، فتطبق عليها هذه النصوص القانونية، لكن تداول الشائعات لا يخرج من تطبيق نصوص قانون الجرائم الإلكترونية على عكس الاعتقاد السائد، لعدم النص عليه وذلك بدلالة المادة 15 منه.
لكن المعضلة الأساسية التي تواجه المشتكي في هذه الحالة وجود حسابات وهمية أو مزيفة وهنا فإن ذلك قد يصعب من عملية الإثبات استناداً إلى القاعدة البينة على من ادعى، ومن هنا جاء تأسيس وحدة الجرائم الإلكترونية في الأمن العام التي مهمتها تتبع هذه الجرائم ومرتكبيها والتوصل إليهم وإحالتهم إلى القضاء لتطبيق المقتضى القانوني عليهم.