د.خليف الخوالدة
فظاعة ما جرى ويجري من أحداث وما رافقها من خذلان عالمي غير مسبوق، قد يدفع البعض للمطالبة مثلا بطرد سفير أو إغلاق سفارة أو إلغاء اتفاقيات والتعبير عن ذلك بطريقة حضارية. وهذا الأمر مقبول ومتاح وفعال في إيصال الرسالة. أما محاولة اقتحام سفارة أو محاولة إلحاق أذى بها أو التوجه لنقاط حدودية أمنية وعسكرية وإعاقة عمل القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية أو محاولة الاحتكاك بها أو الإساءة إليها، فهذه الأفعال والتصرفات غير مقبولة ولا تخدم القضية بأي حال. ومثلها - لا قدر الله - تنال من هيبة الدولة وهذا ما لا يسمح به المواطن قبل المسؤول. ولهذا، ما قد يصدر عنا من أفعال أو تصرفات يفترض أن تكون مدروسة ومحسوبة بدقة لكي تخدم الغاية والهدف الأساس. هذا على المستوى الداخلي.
وعلى مستوى آخر الأحداث في غزة، فقد عج الإعلام الصهيوني قبل عدة أيام بأن العدو الصهيوني بات جاهزا للدخول في حرب برية في قطاع غزة واجتياحها ولكن كان تقديري حينها وما يزال بأن العدو الصهيوني لن يقدم على هذه الخطوة على الأقل في المدى القريب وإنما الاستمرار بقصف قطاع غزة بكثافة ليلا نهارا، وأشغال فكر العالم أجمع عن ذلك وعن المجازر السابقة وآخر قصف المستشفى الأهلي بالحديث عن الاجتياح البري للقطاع ومتى يبدأ وكيف وما إلى ذلك. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الشهداء أمس وخلال 24 ساعة زاد على 350 عليهم جميعا رحمة الله.
أما على المستوى الدولي، فقد لاحظنا حدوث تحولات كبيرة بصورة مندفعة ومكشوفة في مواقف بعض دول العالم وللأسف الكبرى تجاه مقاومة الفلسطينيين أصحاب الأرض للمحتلين وكان آخرها الموقف من حرب الإبادة الجماعية التي سنها ويشنها الكيان الغاصب على قطاع غزة وازهقت أرواح آلاف المدنيين.
قد يفسر البعض مواقف قيادات هذه الدول أنها جاءت لدوافع انتخابية قادمة ادراكا منهم بتأثير اللوبي الصهيوني العالمي وهذا صحيح ولكنه ليس هذا فحسب، بل لأن الحركة الصهيونية قد تغلغلت في مراكز القرار في الكثير من هذه الدول لدرجة أنها تكاد تحكم سياساتها وتوجهها لما فيه مصلحتها. ولكن بالمقابل لا شك في أن هذه الدول وجراء هذه المواقف المتحيزة غير المحايدة قد فقدت وتفقد مصداقيتها ومكانتها العالمية وخلقت حراكا داخليا ضدها من قبل أصحاب الضمائر الحية والمنطق السليم من مواطنيها بسبب فقدان ثقتهم بها.
أما الصهاينة المغتصبين، فبعد ما اقترفوه من مجازر لا إنسانية، لن يهنأون بعد اليوم لحظة فالأجيال لا تنسى والمقاومة لن تموت وسيبقون يدورون في دوامة فزع وعنف وعداء دائم ومستمر ومتجذر. وهذا ما سيدفع بالكثيرين من العقلاء منهم للهروب إلى دول أخرى حيث يجدون الاستقرار والأمان.
وأما الأمة الإسلامية والعربية، فهي أمام علامة فارقة في تاريخها، إما أن تنهض بعدها وتستعيد أمجادها وإما أن تفقد تأثيرها وحضورها.
لقد تكشف الغطاء عن سياسات بعض دول العالم المتقدم وبان زيف مناداتها بالمبادئ والقيم المثلى ليلا نهارا.
أما الفائزون الحقيقيون، فهم الفلسطينيون الذين يدافعون عن وطنهم بأرواحهم، ومن يدعمهم ويقف إلى جانبهم في الحصول على حقوقهم المشروعة. والله نسأل أن يمدهم بنصر من عنده ويثبت اقدامهم ويحقق تطلعاتهم.
ما يحدث في غزة وموقف العالم الغربي من ذلك قد أدمى قلوبنا جميعا وأصابنا في مقتل وخيبة أمل تجعلنا نعيد حساباتنا بالكامل والساسة وأصحاب القرار منا قبل غيرهم. نعم نحتاج لقراءة دول العالم أجمع ومواقفها من جديد ليبان لنا العدو من الصديق والسلبي الذي لا نجده وقت الضيق.
غدا ليس كالأمس بالمطلق، لا في توجهاته ولا في تقديراته ولا في أدواته. ولنعلم جيدا أن المنعة وحدها والاعتماد على الذات سبيلنا لبناء المستقبل الذي نريد.
نعم، لنعيد النظر في تقديراتنا وتوقعاتنا ولنتذكر دائما أن منعتنا الذاتية الشاملة هي السبيل الوحيد لانتزاع مكانتنا التي نستحق ونريد وألا نعول على غير ذلك أبدا لا من قريب ولا من بعيد.