إذا كان وجود معارضة أردنية في الخارج يتناقض - كما قلت أمس - مع طبيعة الدولة الاردنية، والنظام السياسي ومشروعيتهما، ومع قيم المجتمع وتقاليده ايضا، وبالتالي فإنها لم تتشكل تاريخيا، ولن تتشكل في المستقبل، فماذا عن المعارضة في الداخل : هل هي موجودة، واذا كانت كذلك، فهل هي فاعلة ومؤثرة، وما علاقتها بالدولة وبالمجتمع، ثم ما مستقبلها ايضا....؟
نحتاج ان نتفق على عدة مسلمات، منها، أولا، ان المعارضة حق انساني، وضرورة وطنية للدولة، كما انها مشروعة ما دامت تمارس اعمالها من داخل الدولة ولا تتجاوز قوانينها، والمعارضة، ثانيا، ليست مواقف او خطابات فردية وانما «أطر» ومجموعات منتظمة، قد تأخذ شكل الاحزاب او جماعات الضغط او غيرها، واذا كانت صورتها واضحة في الدول التي حسمت خيارها الديموقراطي، فانها في الدول التي ما تزال تخطو نحو الديموقراطية ما تزال ملتبسة بكثير من الاشكاليات والهواجس.
لدينا في الاردن معارضة، هذا صحيح، لكن حين ندقق في مشهدنا السياسي الداخلي سنجد عشرات، وربما مئات النماذج لمعارضات هي أقرب الى الاستعراضات أو «الشو الإعلامي»، خذ مثلا نسخة المعارضة بالصراخ والبيانات، وخذ، ايضا، نسخة المعارضة «الشعبوية» التي تتصيد مواسم الازمات للانقضاض على «الوليمة» السياسية والتهامها، وخذ، ثالثا، معارضة «الجزر المعزولة» التي تُستخدم، احيانا، لتزيين الحالة السياسية، لكن مع ذلك لدينا حالة صحية من المعارضة التي تعبر عن حيوية المجتمع، وهذه تتوزع على بعض الاحزاب والنقابات وغيرها، ، مشكلتها الاساسية انها تفتقد الى العمق الشعبي، والى البرامج الواقعية، والى التجربة في ممارسة السلطة، كما انها لم تحظ بعد لا باعتراف الدولة بشكل واضح، ولا بقبول المجتمع وتقديره.
المعارضة، إذا، موجودة لدينا وحاضرة، لكن السؤال: هل نحن امام حالة انحسار للمعارضة او ربما اقترب انقراضها، ام ان ثمة تحولات في مفهوم هذه المعارضة وخطابها ومواقفها وفي مصادرها واتجاهاتها ايضا؟
أعتقد ان الاحتمالين واردان وصحيحان، فنحن امام مرحلة ضعف تعاني منها المعارضة، ونحن ايضا امام تحولات، وان كانت بطيئة، في جوهر هذه المعارضة وطبيعتها، وفي علاقاتها مع المجتمع والدولة، لاحظ هنا ان ضعف المعارضة المنظمة فتح المجال امام معارضة « الشارع» من خلال الاعتصامات والاحتجاجات، ولاحظ ايضا ان هذا الضعف اغرى حكومات على الاستفراد بالقرار السياسي، لكن السؤال المهم هنا : هل تصب هذه التراجعات او التحولات في مصلحة الدولة، وهل تعبر عن التطلعات في المجتمع وطموحاته ومطالبة، وتتناسب مع التغيرات التي طرأت على المنطقة من حولنا، والاهم من ذلك هل نفكر جديا في تقوية المعارضة السياسية باعتبارها مصلحة للدولة ؟
اعتذر عن عدم الاجابة على هذه الاسئلة لان غيري اقدر على الاجابة عليها، لكن لدي ملاحظتان اثنتان، الاولى هي ان بلدنا اصبح بحاجة فعلا الى معارضة وطنية تحظى باعتراف الدولة وتقدير المجتمع، وهذه المعارضة المنظمة على شكل احزاب وتيارات تحتاج الى مقومات لوجودها ونجاحها، ولمناخات سياسية تمكنها من تأدية دورها، واعتقد ان مثل هذه المناخات والمقومات ما تزال قيد التشكل، وبالتالي فان ايجادها بشكل كامل وواضح يحتاج الى مصارحات ومصالحات حقيقية بين الدولة والمجتمع.
اما الملاحظة الثانية فان مثل هذه المعارضة الوطنية لا يمكن ان تنتزع مشروعيتها وشرعيتها الا اذا اجبنا بوضوح عن سؤالين مهمين : الاول يتعلق بموضوع الهوية الاردنية والمواطنة ومن هو الاردني، وكل ما يتعلق بالذاكرة الاردنية والتاريخ الاردني، اما السؤال الثاني فيتعلق بالمشروع الوطني الاردني الذي يفترض ان يحظى بتوافق النخب الاردنية من كافة الاتجاهات الفكرية والسياسية، كما يفترض ان ينطلق في لحظة تاريخية تعكس إرادة «النخبة « الأردنية على التوحد لتحقيق هدف واحد.. واحد لا أكثر.
(الدستور)