كل التقارير التلفزيونية والصحفية المكتوبة تنشر صوراً وفيديوهات ومعلومات مرعبة عن تأثيرات الكارثة التي وقعت، ويزيد من التوتر آراء الخبراء وأنصاف الخبراء وأرباعهم، والهواة ايضا، حول تأثيرات هكذا كوارث على دول مختلفة بما فيها الأردن على وجه الحصر.
تقرأ تقريرا في ” الغد” حول الشاب فيصل بشابشة، الذي يعد أول أردني ناج من زلزال تركيا، والذي عاد إلى الأردن قبل يومين، وكان اهله في انتظاره في المطار، والصور بحد ذاتها للشاب في المطار وعائلته مؤلمة أمام نجاته بعد أن بقي فيصل حوالي 19 ساعة تحت أنقاض البناية التي كان يقطن بها في تركيا، قبل أن يتمكن من الخروج، حيث كان نائما لحظة وقوع الزلزال.
بقي تحت الانقاض كل هذا الوقت، قبل أن يزحف ليجد فتحة صغيرة خرج منها، وقد أوذي جسدياً بسبب الكارثة، وبعد ان خرج من الحادثة اصيب بأذى نفسي حيث لم يعد يتمكن من النوم في اماكن مغلقة، فوق انفعاله الحاد، امام ما تعرض له للمفارقة بعد ساعة فقط من وصوله الى تركيا، ليجد هذا الموقف المر والمؤلم في انتظاره، دون سابق ميعاد او توقع.
قصة المطار هذه على كونها حالة واحدة، الا انها بمثابة قصة شاهد عيان، لما واجهه أردني لهكذا ظرف، مثل الملايين غيره، تنزلت عليهم هذه الفاجعة من حيث لا يحتسبون.
عشرات آلاف الأتراك والسوريين رحلوا في هذه الكارثة، والارقام سوف ترتفع، لأن عمليات الانقاذ مستمرة، وآلاف المباني تهدمت كليا، او جزئيا، ومخيمات الناجين اقيمت لأكثر من مليون شخص في تركيا، غير الذي اقيم في سورية ايضا، ونحن نتحدث هنا عن كارثة نجمت عن زلزال استمر فقط اربعين ثانية، ادت الى نتائج مروعة، ووصلت ارتداداتها الى لبنان والأردن وفلسطين، وسط مخاوف من حدوث هزات اكبر تشمل مصر، وبقية دول المنطقة، ومع هؤلاء أردنيون رحلوا في هذه الكارثة، او أردنيون عالقون لا احد يعرف عنهم شيئا حتى الآن.
كارثة شملت اكثر من 25 مليون شخص، على مستويات الحياة، وتضرر البيوت كليا او جزئيا، وفقد الاهالي، وتضرر الاعمال والاقتصاد والقطاع الصحي، والضرر اوسع بكثير مما قد يبدو.
كل هذا يعني ان انظمة الاغاثة المحلية في دول المنطقة، ضعيفة جدا، بما فيها الأردن، وهذا يفسر حملات الاغاثة الدولية التي تواصلت لمساعدة الأتراك والسوريين، بما يؤكد ان اي كارثة من هذا القبيل اكبر من قدرات اي دولة بشكل منفرد، مهما كانت قدراتها وامكاناتها.
في الأردن يسود جو من القلق، لأن أغلبنا يعرف ان هناك عمارات وبيوتا قديمة، والخبراء تحدثوا عن وضع المباني في عمان الشرقية، وعمان القديمة عموما، واغلب مناطق الأردن، وقد عشنا تجربة هدم لعمارة اللويبدة ورأينا كيف احتاجت الى وقت طويل، من اجل التعامل معها، خصوصا، ان ازاحة اي حجر من مكانه بطريقة خاطئة بعد الهدم قد تؤدي الى فقدان حياة انسان، بما يدفعنا الى اعادة توجيه النداء حول اهمية مراجعة اوضاع المباني القديمة في الأردن، وعدم التهرب من هذه المهمة بسبب عدم وجود حلول امام وضعها او بدائل سكنية، اضافة الى اهمية تحديث انظمة الاغاثة والدفاع المدني في الأردن، مع اهمية بناء نظام اغاثة اقليمي لدول المنطقة، لمواجهة ظروف الكوارث التي قد تقع بشكل مفاجئ في اي توقيت.
الخلاصة هنا ان ردود فعل الأردنيين تنوعت بين التأثر الشديد على ما جرى، والخوف على النفس مما قد يقع لا سمح الله، وسؤال المستقبل، حول قدراتنا للتعامل مع هكذا ازمات، ولا يجوز في كل الاحوال ترك هذه المشاعر، لتتراكم ولا علاج لها، الا بحلول جذرية مع الاعتراف المسبق هنا ان لا الدولة، ولا الافراد لديهم القدرة على معالجة هذا الملف المرعب حقا.
تركت الهزات ارتدادات نفسية في الاردن، اكثر تأثيرا من الارتدادات الفعلية، بما يجعنا جميعا امام ملف يتوجب عدم التعامي عنه خصوصا امام التوقعات العلمية لكل المنطقة.
(الغد)