يُسارع الأردن لتحقيق جملة مستهدفات استراتيجية، تحقق مفاهيم الاستدامة الاقتصادية، عبر مجاراة الركب العالمي الرامي لمواجهة التغير المناخي ومسبباته، التي باتت تنتج تحديات متسارعة في الأمن الغذائي والتلوث البيئي والتنوع الحيوي والطاقة والتمكين المالي، والفقر والجوع وغيرها.
وأكد خبراء بيئة واقتصاد لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن تطبيق أي من الحاجات الملحة لتحقيق الاستدامة في مختلف المجالات، يتطلب توعية الأفراد بأهمية الحفاظ على الموارد المتاحة حالياً، لتلبية الاحتياجات، مع ضمان أن تلبي الموارد الحاجات المستقبلية للأجيال القادمة.
ويهدف محرّك البيئة المستدامة في رؤية التحديث الاقتصادي، إلى تعزيز الممارسات المستدامة بوصفها جزءًا أصيلاً من النمو الاقتصادي المستقبلي للأردن وتحسين نوعية الحياة، عبر 20 مبادرة في مجالات الاقتصاد الأخضر ونمو القطاعات الخضراء، التنمية الحضرية الخضراء.
وتعد الاستدامة عنصراً أساسياً في الاقتصاد المستقبلي للمملكة، إذ تسعى رؤية التحديث إلى ضرورية تبني رؤية شمولية لتطوير أنظمة النقل المستدامة، وإنشاء محطات للشحن الكهربائي، وتحفيز السياحة البيئية والأنشطة الصديقة للبيئة والقائمة على تجربة الاندماج مع الطبيعة، واستخدام أنماط زراعية تتواءم مع البيئة المناخيّة، وتشجيع الاستخدام الكفؤ للمياه، وتحسين جودتها، وتوفير موارد مائية جديدة مثل مشروع الناقل الوطني، وخفض مستوى الفاقد وصولاً للمعايير الفضلى دوليًّا، إضافة إلى تقليل مصادر النفايات، وتطوير إدارتها، وإعادة تدويرها، ونمذجة البيانات المناخية.
وأكد الخبير في الأمن الغذائي والطوارئ، وسفير بعثة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، سابقاً، الدكتور فاضل الزعبي، أن النظام المستدام يجب أن يكون متوازناً في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مع المحافظة على الموارد الطبيعية، وحماية البيئة وتعزيز العدالة الاجتماعية للأجيال المقبلة.
ولفت إلى أن مفهوم الاستدامة، يشير إلى ما سنتركه للأجيال القادمة، بما سيلبي احتياجات الجيل الحالي ولا يمس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها.
وقال إن الهدف الرئيسي للاستدامة هو تحسين جودة الحياة على المدى الطويل للأفراد والمجتمعات، حالياً ومستقبلاً، عبر استخدام الموارد بفعالية، وتشجيع التنمية الاقتصادية، وتقليل النفايات والحد من التلوث، والحفاظ على التنوع البيولوجي الذي يضمن للأجيال المستقبلية الاستفادة من موارد الكوكب.
وأشار إلى أن التصدي لتغير المناخ، والحد من انبعاثات الغازات، تحد كبير، يؤثر سلبياً على الموارد الحالية والمستقبلية، إذ أن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة واحدة الآن، مثلاً، يؤثر على الإنتاج الزراعي بالنقصان بنحو 10 بالمئة، وفي حال ارتفاعها إلى درجتين خلال نحو 25 سنة، ستكون العواقب "قاتلة"
وأضاف "لم نعد نمتلك الثراء والترف لنستمر بالموارد الطبيعية الموجودة على كوكب الأرض بنفس الوتيرة، ولا بد من اتخاذ قرارات حكيمة وتنفيذ إجراءات مناسبة، للحفاظ على المستقبل."
وأكد الزعبي، أن الاستدامة هي أساس الأمن الغذائي، عبر العديد من الطرق الهادفة إلى ضمان توفير الغذاء حالياً ومستقبلاً، بدون إحداث تلف بيئي أو استنزاف للموارد، مشيراً إلى زيادة الإنتاجية الزراعية باستخدام تقنيات الزراعة المستدامة مثل الزراعة العضوية وتنويع المحاصيل وتحسين إدارة المياه، والتقليل من استخدام المبيدات الكيماوية.
كما أكد ضرورة تعزيز البنية التحتية الريفية، وضمان توفير الوصول إلى مياه نقية وري فعال وطاقة ونقل واتصالات وتقنيات وغيرها، واستخدام المكننة الزراعية كقوة في التغيير، لافتاً إلى أن تحويل الأنظمة الغذائية الزراعية وجعلها أكثر كفاءة وشمولية واستدامة، أصبح حاجة ملحة تتطلب الابتكار والتقنيات المتطورة، كأنظمة الأقمار الصناعية ونظام تحديد المواقع العالمي والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والمعدات آلية التشغيل.
ودعا إلى المحافظة على التنوع البيولوجي للنباتات والحيوانات، كون وجودها يساهم في توفير الغذاء والتكيف مع تغيرات المناخ، بالإضافة إلى إدارة الموارد بنحو مستدام، خاصة التربة والمياه والغابات وتقليل الهدر الغذائي والاستثمار في البحث العلمي والتطوير، خاصة في مجالات مجالات الهندسة الوراثية وتكنولوجيا الزراعة المتقدمة وتعزيز التعاون الدولي، الذي يتيح تبادل المعرفة الأساسية للاستدامة.
وقال إن الأردن يواجه تحدي قلة الأراضي المستخدمة للزراعة، إذ يزرع الأردنيون نحو 25 بالمئة فقط من الأراضي الصالحة لذلك، وشُح المياه، الذي يفرض استخدام تقنيات بيئية وهندسة وراثية تزيد إنتاجية كل متر مكعب من المياه.
وقال عضو مجلس إدارة شركة إدارة الاستثمارات الحكومية، حمزة العلياني، إن إدارة الاستدامة ستساهم بنحو كبير في إيجاد عالم أفضل للعمل في المستقبل، وستحقق أهداف التنمية المستدامة، خاصة القضاء على الفقر والجوع، وتوفير الصحة والرفاه، والتعليم الجيد، وتحقيق المساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة والنظافة الصحية، توفير طاقة نظيفة بأسعار مقبولة، والعمل اللائق ونمو الاقتصاد، والصناعة والابتكار والبنية التحتية، والحد من أوجه عدم المساواة، وإيجاد مدن ومجتمعات محلية مستدامة، والاستهلاك والإنتاج المسؤولين والعمل المناخي.
وأوضح العلياني، أن الاستدامة تعني الحفاظ على استغلال الموارد الطبيعية والإنسانية بنحو متوازن، لضمان استخدامها في المستقبل، بما يوفر حياة أفضل للجيل الحالي دون أن يؤثر على حياة الأجيال القادمة، من خلال النظر للمستقبل عند اتخاذ قرارات في الوقت الحاضر.
وأشار إلى أن مفوضية الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، عرّفت الاستدامة على أنها "تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة"، لافتاً إلى أن الاستدامة قد تنقسم إلى نواحي اقتصادية واجتماعية وبيئية وبشرية.
وأكد أن الانتقال إلى الاقتصاد الدائري ضرورة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، إذ لا توجد موارد طبيعية كافية للحفاظ على نمو الاقتصاد العالمي على أساس النموذج الخطي، وهو يتيح الفرصة، ليس فقط من أجل معالجة قيود الموارد الأساسية، ولكن أيضاً من أجل منظومة اقتصادية أكثر عدلاً وشمولية.
وأضاف "إن مفهوم الاقتصاد الدائري يبدأ من مرحلة التصميم، من خلال اعتماد استراتيجيات لتصميم منتجات وخدمات يمكن إعادة استخدامها وتدويرها، ما يقلل الاعتماد على الموارد الطبيعية غير المتجددة والمواد الخام المطلوبة لعملية الإنتاج، خاصة في ظل الآثار الاقتصادية المرتبطة بصدمات الأسعار لهذه الموارد، بسبب انقطاع سلاسل الإمداد المرتبطة بها، أو شحها في الطبيعة".
ودعا إلى رفع الاهتمام والتوعية العامة بقضايا الاستدامة، ونشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية وتشجيع المشاركة المجتمعية ودعم الاستراتيجيات الوطنية ذات الصلة بالعمل المناخي، بما يحقق التأثير الإيجابي على سلوك الأفراد ومسؤولياته.
ولفت إلى أن الأردن يتجه بخطوات واثقة نحو مواجهة تحديات الطاقة وتغيرات المناخ، ليصبح دولة منخفضة الانبعاثات الكربونية، وفعّالة في استغلال الموارد، ومركزًا إقليميًّا لريادة الأعمال الصديقة للبيئة والابتكار، من خلال التوسع في مجالات الطاقة المتجددة، بما في ذلك استخدام أنواع جديدة من الطاقة كالهيدروجين وتشجيع الاستخدام الكفؤ للطاقة، حيث تطمح المملكة لأن تمثل الطاقة المتجددة 50 بالمئة من استخداماتها بحلول عام 2030.
من جهته، قال رئيس اتحاد الجمعيات البيئية، عمر الشوشان، إن الاستدامة يمكن أن تكون عنصراً أساسياً في مستقبل الاقتصاد الوطني، من خلال تعزيز الابتكار في عدة مجالات مثل، الطاقة النظيفة وتكنولوجيا المحافظة على الموارد الطبيعية والحلول المبنية على الطبيعة، وتوفير فرص عمل خضراء من الأنشطة الاقتصادية العاملة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وإدارة النفايات الصلبة والسائلة، والسياحة البيئية وإدارة الأنظمة البيئية، ومشاريع الزراعة الذكية مناخياً، ومشاريع البناء الأخضر والتخطيط الحضري والمدن الذكية، ومشاريع النقل الخضراء، مشاريع تحلية المياه والري الحديثة.
وأضاف، إن الاستدامة تساعد في تقليل تأثير التغير المناخي والاعتماد على مصادر متجددة للموارد، وتعزز الإنتاج الزراعي وإدارة المياه بفعالية، ما يحسن السلامة المائية والغذائية.
وأشار إلى أن تحقيق الاستدامة في الاقتصاد الوطني، يتطلب تبني تقنيات نظيفة، عبر الاستثمار في تطويرها من حيث، استهلاك الموارد، وتعزيز الوعي والتعليم الخاصين بالتصرف بنحو مستدام، ووضع سياسات وإجراءات تشجع على الممارسات المستدامة وتقليل التلوث، والتعاون بين الدول لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية على المستوى العالمي.
وأكد أن وجود الإرادة السياسية لدى الحكومات في تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة، وتوجيه أدوات التمويل من منح وقروض للمشاريع ذات الاستدامة البيئية، مستوجبات يجب توفيرها لحقيق الاستدامة في الاقتصاد الوطني.
واعتبر الشوشان، أن الواقع حالياً، عالميًا وإقليميا ووطنياً، لا يسير وفق معايير الاستدامة البيئية، في ظل وجود حالة استنزاف لرأس المال الطبيعي، بنحو غير مسبوق، ما أدى إلى تدهور الكثير من الأنظمة البيئية والأنواع، ما يهدد منظومة الأمن الغذائي والمائي والمناخي، ويكبد خسائر اقتصادية كبيرة، مشيراً إلى أن عدم الالتزام في معايير الاستدامة يوفر بيئة خصبة للنزاع وعدم الاستقرار على المستوى العالمي ويزيد من الفقر والجوع.
وقال مدير وحدة الطاقة والاستدامة البيئية في غرفة صناعة الأردن، معن عياصرة، إن الاستدامة مرتبطة باستمرارية الموارد الطبيعية واستغلالها لأطول فترة ممكنة، تؤدي إلى استمرارية الحياة وتعاقب الأجيال، مشيراً إلى ارتباطها بالاقتصاد بنحو وثيق في مختلف الدول.
وأوضح أن تحقيق الاستدامة، يحقق نمواً اقتصادياً على مختلف المستويات، فمثلاً يمكن أن توفر مصادر الطاقة النظيفة نمواً اقتصادياً، عبر تخفيض تكاليف الطاقة، ما ينعكس على قدرة المنشآت على المنافسة محلياً وفي أسواق التصدير.
وأشار إلى أن تحقيق الاستدامة ينبه إلى ضرورة تعزيز البيئة التشريعية والاستثمارية المحفزة على استغلال هذه المصادر، ما يحقق النمو الاقتصادي ويخفف من الآثار البيئية ومنها التغير المناخي.
ولفت إلى أن ارتباط تطبيق مبادئ كفاءة الموارد وتطبيق أسس كفاءة استغلال المياه والطاقة والغذاء، سيعزز من النمو الاقتصادي ويخفف من هدر الموارد على المستوى الوطني، عبر كل القطاعات، ما يعزز تحقيق الأهداف التنموية في هذه المجالات.
واعتبر أن الاستدامة تواجه عدداً من التحديات، المتمثلة في زيادة الطلب على الموارد الطبيعية وتغير المناخ والتدهور البيئي، ما يتطلب توفير بيئة تشريعية محفزة وناظمة مرتبطة مع الأهداف الاستراتيجية الوطنية، المنبثقة عن أهداف التنمية المستدامة المنبثقة عن الأمم المتحدة، والمبنية على الالتزامات الوطنية أمام المجتمع الدولي، ضمن الاتفاقيات الدولية الموقعة، ومن أهمها اتفاقية التغير المناخي التي وضعت أهدافا وطنية تعنى بتخفيض الانبعاثات.
وأكد أن تكوين البيئة التشريعية المحفزة من أنظمة وتعليمات وخطط وطنية، يضع المسؤوليات على كل القطاعات من خلال جميع الشركاء، عبر التركيز على الآلية التكاملية، التي تضمن التشاركية الفاعلة مع القطاعات المختلفة مثل القطاع الخاص والمجتمع المدني والمحلي، بهدف تضافر الجهود في تحقيق الأهداف الوطنية المرتبطة بالاستدامة.
وأشار عياصرة، إلى ضرورة رفع الوعي بكفاءة استغلال الموارد، وتوفير البرامج المحفزة لتعزيز مبادئ كفاءة الموارد، سواء كانت موارد الطاقة أو المياه أو الغذاء، بالإضافة إلى تشجيع التوجه نحو الموارد المستدامة مثل مصادر الطاقة النظيفة.
وبين سفير الابتكار لمنطقة الشرق الأوسط للمعهد العالمي لإدارة الابتكار، الدكتور عبدالرحمن زريق، أن الاستدامة تتضمن تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية لضمان استدامة النمو والتنمية، لافتاً إلى أنها تلعب دوراً حاسماً في مستقبل الاقتصاد الوطني في الأردن وفي العالم.
وقال إن تبني ممارسات اقتصادية مستدامة واستخدام مصادر متجددة للطاقة وتحسين كفاءة استخدام الموارد، يمكن أن يقلل التأثير البيئي والتكاليف الاقتصادية طويلة الأمد، ما يعني تعزيز مقاومة الاقتصاد لتحديات التغير المناخي وتحقيق الاستقرار في توفير الغذاء والمياه والطاقة.
واعتبر أن تحقيق الاستدامة في الأردن، يستدعي تطوير استراتيجيات للحفاظ على الموارد المائية وزيادة كفاءة استخدام المياه، وتعزيز استخدام الطاقة النظيفة وتحسين الكفاءة الطاقية في الصناعة والمنازل، وتعزيز الزراعة المستدامة ودعم القطاع الزراعي في مواجهة تحديات الأمن الغذائي، وتعزيز الوعي بقضايا البيئة وتشجيع المشاركة المجتمعية في حماية البيئة.
وأكد زريق، أن تحقيق الاستدامة يتطلب جهداً مشتركاً من الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص للتعامل مع التحديات والعمل نحو مستقبل أفضل وأكثر استدامة في الأردن.
(بترا)