أرقام غير مسبوقة تسجلها أعداد السائحين إلى الأردن العام الحالي، تجاوزت فيها أرقام العام 2019، والذي اعتبر عاما سياحيا تاريخيا، وتم وضعه كعام أساس للقياس عليه فيما سيأتي من سنوات.
خلال النصف الأول للعام الحالي، بدا واضحا ارتفاع الدخل السياحي، ليحقق 3.456 مليار دولار، وبنسبة ارتفاع 59.4 %. هذه أرقام طيبة، ويمكن البناء عليها لتحقيق دخل أعلى في السياحة، خصوصا وأنه يبدو أن المسؤولين عن القطاع تعرفوا على طرق أكثر نجاعة في الترويج.
لكن، يبقى أمرا من المستغرب أنه يعاني نقصا كبيرا، وعدم انتباه من قبل المسوقين والقائمين على القطاع، وهو سياحة المؤتمرات، والتي يبدو أنها لا تأخذ أي نصيب من التخطيط، من غير المعقول أن تظل على هذا الشكل المحبط.
مؤخرا، كنت قد حضرت منتدى الشارقة للاتصال الحكومي، الذي شارك فيه، على مدار ثلاثة أيام، آلاف الأشخاص، مئات منهم حضروا من مختلف بقاع الأرض. وبعد يومين، سينطلق "منتدى دبي الإعلامي"، والذي يعد التجمع الإعلامي الأكبر من نوعه على مستوى العالم العربي، بمشاركة أكثر من 3 آلاف شخصية من أبرز الوجوه الإعلامية في المنطقة والعالم، إضافة إلى وزراء ورؤساء مؤسسات إعلامية؛ عربية وعالمية، ورؤساء تحرير صحف عربية، إلى جانب نخبة من كبار الكُتَّاب والمفكرين وإعلاميين من وسائل الإعلام الإماراتية والعربية والدولية.
هذان نموذجان من سياحة المؤتمرات والأعمال، والذي تبدع فيه الإمارات بشكل استثنائي، وتوظفه في دعم اقتصادها، وفي توليد فرص عمل جديدة، سواء دائمة أو مؤقتة، إضافة إلى دعم قطاع الضيافة لديها، من فنادق ومطاعم وغيرها.
قد لا نكون قادرين في الوقت الحالي على منافسة الإمارات، والتي تعد واحدة من أفضل دول العالم في هذا المجال، ولكن من المستغرب جدا ألا يتم الالتفات إلى هذا الجانب، والتأسيس لحجز مكان في المنافسة المستقبلية، خصوصا أن لدينا تجارب ناجحة في هذا السياق.
ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال الذي نظمه مؤخرا مركز حماية وحرية الصحفيين، ورغم فارق الإمكانيات وحجم الحضور مقارنة بما استضافته الشارقة، وستحتضنه دبي، إلا أنه نجح بشكل لافت في جمع نخبة كبيرة من الإعلاميين المحليين والعرب في عمان لمناقشة أبرز الملفات المتعلقة بإعلام الحاضر والمستقبل. تجربتنا الناجحة جدا في تنظيم المنتدى الاقتصادي العالمي، وعلى مدار سنوات، استطاعت أن تلفت الانتباه إلى بلدنا وإمكانياته السياحية والاستثمارية. بمثل هذه المؤتمرات والملتقيات نستطيع زيادة إشغال الفنادق والمطاعم، وتنشيط حركة الطيران في المطارات الأردنية، ومنح زخم كبير للحركة السياحية.
من المؤسف أن الأردن كان من أوائل دول المنطقة التي انتبهت إلى هذا الجانب، ورغم ذلك، فإن سياحة المؤتمرات والأعمال ما تزال ضعيفة جدا، ولا تشكل سوى 1.8 % من إجمالي زوار المملكة، رغم امتلاك كثير من المقومات الأساسية، كالبنية التحتية والقاعات والفنادق. يبدو أن ذلك عائد إلى سوء التخطيط، وعدم القدرة على النظر إلى المشهد السياحي بصورته الإجمالية.
ليس من المبالغة القول إن الأردن يستطيع المنافسة بقوة في هذا المجال، إذ تتوفر لدينا ميزة تنافسية عالية، لا تتوفر لكثير من البلدان، وهي البيئات المناخية المتنوعة التي يمكن لها استقبال المؤتمرات على مدار العام.
إذا كنا نريد اللحاق بالركب، فينبغي لنا أن نعمد إلى التخطيط منذ اللحظة، وأن نعمد إلى إنشاء مراكز عالية الجودة في تلك البيئات المختلفة، كما ينبغي لنا وضع خطط وإستراتيجيات واقعية لنبدأ باستقطاب هذا النوع من السياحة. نحن لا نخطط لأيام أو لأسابيع وأشهر، بل للأجيال القادمة.