أكد خبراء ومختصون زراعيون، أن الزراعة المائية والهوائية، قد تلعب دورا كبيرا في معالجة مشاكل المياه في الزراعة وتعزيز الأمن الغذائي، في المناطق التي تعاني من ندرة المياه، لكنها ليست حلا وحيدا للزراعة، بل ينبغي اعتبارها جزءا من استراتيجية أوسع، تشمل ممارسات الإدارة المستدامة للمياه، وأساليب الزراعة التقليدية، والتنوع الزراعي.
ولفتوا، في أحاديث منفصلة لـ"الغد"، الى أنها تعتمد على استخدام تقنيات وأنظمة تتيح الزراعة باستخدام كميات مياه أقل مما يستخدم في الزراعة التقليدية، لأنها تعتمد على تربية النباتات في بيئة خالية من التربة، وحلول مغذية مائية معقمة، تمتلك العناصر الغذائية لنمو النبات كالأملاح المعدنية، وهي فعالة من حيث استخدام المياه والمساحة.
وقالوا إنها تتيح نماذج مستدامة للزراعة تحقق إنتاجية عالية بكميات مياه ومساحة أقل، ويمكن استخدام تقنياتها في بيئات قاسية كالصحارى أو المدن، لافتين إلى أن هناك مشكلات محتملة في تعميمها، لأن تقنياتها مكلفة أحيانا، وتحتاج لاستثمارات أولية عالية، لإنشاء بناها التحتية.
ولفتوا إلى أن استخدام البيوت المحمية المبردة، التي تستهلك كميات كبيرة من المياه في التبريد، يمكنها الوصول الى أكثر من 4 أضعاف ما يستهلكه النبات فعليا خلال نموه، لذلك، يجب دراسة التوافر المحلي للموارد والجوانب الاقتصادية والتكنولوجية قبل تعميم الزراعة المائية كحل نموذجي للوصول الى الأمن الغذائي.
مساعد المدير العام للمركز الوطني للبحوث الزراعية لشؤون البحث د.نعيم مزاهرة، قال "إن الزراعتين المائية والهوائية، توفران أساليب مبتكرة للزراعة الموفرة للمياه، ويمكنهما أن تكونا جزءا من الحل لمواجهة التحديات المتعلقة بالمياه في القطاع الزراعي".
وأضاف مزاهرة، أن تحديد ما إذا كان هذه النوع من الزراعة، يمثل حلاً "جذريًا" أو "نموذجيًا" لتحقيق الأمن الغذائي، يعتمد على عوامل متنوعة، يجب أخذها في الاعتبار إلى جانب الممارسات الزراعية الأخرى.
وبين مزاهرة، أنه يمكن لهذه الزراعة، أن تكون أكثر كفاءة في استخدام المياه، مقارنة بالزراعة التقليدية القائمة على التربة، بحيث تسمح هذه الطرق بالتحكم الدقيق في توصيل المياه للنباتات، ما يقلل من الهدر، مع إمكانية الزراعة طوال العام، بغض النظر عن الظروف الجوية، مضيفا أنه عند إدارتها على نحو صحيح، يمكن لأنظمتها إنتاج مزيد من المحاصيل لكل وحدة مساحة مقارنة بالزراعة التقليدية.
وحول ما يواجه الزراعة المائية من تحديات، فبين أنها تتلخص في ارتفاع التكاليف الأولية، فعند إنشاء أنظمتها، تحتاج لمعدات متخصصة، كأنظمة التحكم بتراكيز المغذيات والمناخ، إضافة لارتفاع تكاليف التشغيل من الطاقة الى الإضاءة والتدفئة والتبريد، موضحا أن الإدارة السليمة تعد من المغذيات بالغة الأهمية في هذه الأنظمة، وأن الاختلالات يمكن أن تضر بصحة النبات، والمراقبة المنتظمة والتعديل ضروريان.
وأشار الى أنه ليست كل المحاصيل مناسبة تماما للزراعة المائية أو الهوائية، فهي تكون مجدية لزراعة المحاصيل ذات القيمة العالية، كالفراولة والبندورة الكرزية والفلفل الملون، لكن زراعة المحاصيل الأساسية بهذه الطريقة، كالحبوب، تمثل تحديا كبيرا.
ولفت مزاهرة، الى أن استخدام البيوت المحمية المبردة التي تستهلك كميات كبيرة من المياه أثناء عملية التبريد، يمكن أن يصل لأكثر من 4 أضعاف ما يستهلكه النبات فعليا في النمو والنتح، مؤكدا أنه من الصعب تعميم نجاح الزراعة المائية في جميع المناطق، لأن ملاءمتها تعتمد على المناخ المحلي، وتكاليف الطاقة، والطلب في السوق، وتوافر المياه العذبة بملوحة لا تزيد على 400 جزء/ مليون.
وقال "إنه يمكن لها لعب دور بمعالجة مشاكل المياه في الزراعة، وتعزيز الأمن الغذائي، بخاصة في مناطق تعاني ندرة في المياه كالأردن، ومع ذلك، هي ليست حلا واحدا يناسب الجميع، وينبغي اعتبارها جزءا من استراتيجية أوسع، تشمل ممارسات الإدارة المستدامة للمياه، وأساليب الزراعة التقليدية، والتنوع الزراعي".
ولفت مزاهرة، الى وجوب تقييم الظروف المحلية والجدوى الاقتصادية لها بعناية، قبل اعتمادها على نطاق واسع، مشيرا الى أن المركز أجرى دراسات على الزراعة من دون تربة والزراعات المحمية، وأوصى باستخدام البيوت غير المبردة التي لا تحتاج الى طاقة ولا لمياه للتبريد، مع تجنب الزراعة في أشهر الصيف الحارة بوادي الأردن، وضرورة تدريب المزارع على استخدام نظام الزراعة المائية، أو من دون التربة، لأن هذه الأنظمة بحاجة لعمالة ماهرة، وأي خلل فيها سينعكس سلبا على الإنتاج كما ونوعا.
وأضاف، أن المركز طور نظام زراعة من دون تربة، كلفته قليلة على المزارع الصغير، وأوصى باستخدام نظام الزراعة المائية في الأراضي المرتفعة، وليس في الأغوار، لندرة المياه وارتفاع سعرها في الأراضي المرتفعة، إضافة لزراعة محاصيل مجدية اقتصاديا، واستخدام البيوت المحمية غير المبردة، والبيوت المبردة في حال استخدام نظام تبريد لا يعتمد على المياه، مع استخدام الطاقة المتجددة في التبريد.
وقال سفير الأمم المتحدة للأغذية سابقا د.فاضل الزعبي "إن الزراعة المائية حل جذري لبعض مشكلات المياه في الزراعة"، مبينا أنها تعتمد على استخدام تقنيات وأنظمة تسمح بزراعة النباتات باستخدام كميات أقل من الماء مقارنة بالزراعة التقليدية، لافتا الى أن هذه التقنيات قد تشمل الري بالتنقيط أو بالرش، أو بنظام الأنابيب الرأسية.
وأضاف الزعبي "أن الزراعة الهوائية، تعتمد على تربية النباتات في بيئة خالية من التربة، إذ تعتمد النباتات على حلول مغذية مائية معقمة، تحتوي على العناصر الغذائية لنموها كالأملاح المعدنية، إذ تعد فعالة، من حيث استخدام الماء والمساحة، وتحقق نتائج سريعة وعالية في الإنتاج".
وتتيح الزراعة المائية أيضا، وفقا للزعبي، نماذج مستدامة للزراعة، إذ يمكن تحقيق إنتاجية عالية باستخدام كميات أقل من الماء والمساحة، ويمكن استخدام هذه التقنيات في مناطق ذات موارد مائية محدودة، أو بيئات قاسية كالصحارى أو المدن.
وبين الزعبي لـ"الغد"، أن هناك مشكلات محتملة في تعميم الزراعة المائية، إذ قد تكون هذه التقنيات مكلفة أحيانا، وتحتاج لاستثمارات أولية عالية لإنشاء بنى تحتية، مضيفا أنه قد تكون هناك أيضا، تحديات تقنية في تنفيذ هذه الأنظمة وضمان استدامتها على المدى الطويل، وقد تواجه صعوبة بتأمين موارد مناسبة كالكهرباء والمواد الكيماوية لتشغيلها.
ووفقا للزعبي، فرغم إمكانياتها الكبيرة، يجب دراسة التوافر المحلي للموارد والجوانب الاقتصادية والتكنولوجية قبل تعميم الزراعة المائية، كحل نموذجي لتحقيق الأمن الغذائي، إضافة الى أنه يجب مراعاة التحديات الاجتماعية والبيئية والثقافية المحلية في تبني تلك التقنيات.
وأضاف الزعبي "أن هناك فوائد مرتبطة بالزراعة المائية، منها توفير موارد مائية؛ إذ تعمل تقنيات هذه الزراعة على استخدام كميات أقل من الماء مقارنة بالزراعة التقليدية، فتخفض من استنفاد موارد المياه المحدودة وتستخدمها بفعالية في الزراعة، وتزيد إنتاجية المحاصيل في مساحات أقل ما تنتجه في مساحات الزراعة التقليدية".
ورد سبب ذلك، إلى القدرة على التحكم الدقيق في توفير المياه والمغذيات والضوء والحرارة في بيئة النمو، لافتا إلى أن النباتات لا تعتمد على التربة التقليدية بل تنمو في بيئة خالية منها، ما يقلل حاجة المزارعين للأراضي الزراعية التقليدية، ويمكن الزراعة في أي مكان، أكان في المدينة أو في الفضاء المغلق.
وأشار الزعبي، إلى أن هذا النوع من الزراعة، يخفض من استخدام المبيدات الحشرية، ويستخدم نظاما مغلقا، كما يعاد استخدام المياه المستخدم وتدويره، فيخفض الحاجة لاستخدام المبيدات الحشرية والكيماويات الزراعية، كذلك يحسن جودة المحاصيل، بحيث تحدد مغذيات النباتات وتوفيرها بشكل دقيق، ما يؤدي لتحسين جودة المحاصيل وتقليل احتمالية التلوث الكيميائي.
وقال "نظرا للكفاءة العالية للموارد وقدرة الزراعة المائية على تحقيق إنتاجية عالية في مساحة صغيرة، فهي تعد نموذجًا مستدامًا للزراعة، تسهم بحماية المحيط الطبيعي وتقليل الضرر البيئي المرتبط بالزراعة التقليدية".
وأوضح الزعبي أن هناك تقنيات عدة تستخدم في الزراعة المائية، إذ تستخدم نظام الري بالتنقيط، ويجري توصيل المياه والمغذيات مباشرة إلى منطقة الجذور للنباتات، عبر أنابيب رفيعة، كما يجري التحكم في سرعة تدفق المياه وتردده، ليلائم احتياجات النباتات، الى جانب الزراعة بالرش، بحيث ترش المياه والمغذيات على النباتات بواسطة رؤوس رش، أو فوهات موجودة في النظام، ما يتيح توزيع المياه والمغذيات بتساوٍ على النباتات.
أما الزراعة الهوائية، فتزرع نباتاتها من دون استخدام تربة، إذ توضع الجذور في بيئة خالية منها، وتغمر في نظام المغذيات المائي المعقم، ويمكن أن تكون هذه النظم كنظام الطوب الليفي أو الأنابيب المعلقة.
وآخر الأساليب، الزراعة في الصحارى؛ إذ تستخدم التقنيات المائية والهوائية للزراعة في مناطق صحراوية، وتستخدم فيها القوارير البلاستيكية أو أنابيب الري والتبخير، لإنشاء بيئة مناسبة لنمو النباتات هناك.
وبين الزعبي، أن من النباتات المناسبة للزراعة المائية المعلقة: الخس، زهور الزينة كالبتونيا والأوركيد والجيرانيوم، الفراولة، البقدونس والكزبرة، الفلفل الحار، الفجل، النعناع والطماطم.
مساعد أمين عام وزارة الزراعة سابقا د.عزت العجالين، أشار الى أن الزراعة المائية من التقنيات الزراعية الحديثة التي تعالج مشكلة الشح في مياه الري، وفي الوقت نفسه، تسهم بزيادة الإنتاجية وتحسين جودة ونوعية المنتجات الزراعية.
وأوضح العجالين أن استخدام هذه التكنولوجيا، يساعد على تخفيض كلف الإنتاج على المدى البعيد، لكنه يؤخذ عليها ارتفاع قيمة تكاليف التأسيس ورأس المال الثابت، والحاجة لتوظيف خبرات فنية مختصة، لضمان الجدوى الاقتصادية المرجوة من هذه الاستثمارات.
وأضاف "أن تطوير وتنمية القطاع الزراعي، يجب أن يراعيا ضرورة تنظيم الإنتاج ودعم وتشجيع العمل التعاوني والجمعيات التعاونية الزراعية الريادية، القادرة على إدخال التكنولوجيا الزراعية الحديثة وأتمتة عمليات الإنتاج".
وبين الباحث في المركز د.حسان العسوفي، أن الزراعة المائية تعد من نماذج التكنولوجيا الحديثة في الزراعة، وتهدف للتوفير في المياه والأسمدة، وتخفيف الزحف على الأراضي الزراعية، وهي تعتمد على العائد الاقتصادي للمتر المكعب من المياه، لافتا الى أن المملكة تشهد توجها مقبولا نحوها، وقد سطرت قصص نجاح بشأنها في أكثر من موقع.
وقال العسوفي "تصلح الزراعة المائية فنيا، لمحاصيل معينة، وتحتاج إلى خبرة في الممارسات الفنية في تحضير المحاليل السمادية المغذية ومواعيد إضافتها"، مبينا أنها، كغيرها من التقنيات الحديثة في الزراعة، تحتاج لكادر إرشادي مدرب، لتعميم الفكرة، كما تتطلب تغييرا في سلوك المزارعين ومفاهيمهم الفنية، عبر التعليم بالممارسة.