تغير الوضع في سورية، والقراءات حول تأثيرات ذلك على الأردن خطيرة جدا، خصوصا، بعد الفوضى العارمة في السويداء ودير الزور وكل الاحتمالات بامتدادها الى درعا ومناطق ثانية.
لا يمكن للاردن ان يبقى حياديا امام هكذا تغيرات خطيرة، قد تؤدي في الحد الادنى الى تدفق موجات لجوء جديدة من الاشقاء السوريين الى الاردن من السويداء ودير الزور ودرعا، فوق ما في الاردن من كتلة سورية تجبرها الظروف على البقاء هنا، مع استحالات العودة الطوعية او غير الطوعية، خصوصا، حين يرى السوريون في الاردن، تجدد الفوضى في بلادهم.
ليس من مصلحة الاردن التدخل في السويداء وتحريك المظاهرات فيها، مثلما تسرب مصادر سورية كلاما حول ان الاردن واسرائيل هما من يحركان الفوضى من جديد من خلال شبكات قبلية، وامنية تابعة للاردن، وهذا الكلام محض افتراء لكون تدخل الاردن عبر تحريك الفوضى له كلفة سيدفعها الاردن ايضا، وليس من مصلحته دفعها، ولا الاشتباك فيها.
هناك خبراء يرون ان الاردن قد يضطر للتعامل مع السيناريو الذي تجنبه طويلا واللجوء الى سيناريو المنطقة العازلة، لعدة اسباب، اولها حماية المدنيين السوريين، وثانيها تحديد حركة المقاتلين من تنظيمات سورية وايرانية ولبنانية مختلفة، وثالثها خلق "حجاب حاجز" في وجه تهريب المخدرات والسلاح الى الاردن ودول المنطقة، ورابعها اغلاق الباب في وجه اي موجات لجوء جديدة، ويعتقد الخبراء ان سيناريو المنطقة العازلة يمكن ان يتم بقرار من الامم المتحدة وبدعم اطراف دولية بهدف فرض الحماية والوصاية الامنية على مساحات محددة بما يتطلب ايضا فرض حظر جوي ، ووجود قوات على الارض ، كما ان هكذا سيناريو تجنبه الاردن طويلا سيكون بحاجة الى تمويل مالي مرتفع جدا يقدر بالمليارات، اضافة الى وجود شراكة دولية في تنفيذه، بحيث لا يكون اردنياً فقط، خصوصا، اذا تمت تغطيته بقرار دولي تم التوافق عليه، مع الاشارة الى اعتراضات الروس والصين المؤكدة هنا، دون ان ننسى ان عقيدة الاردن العسكرية والسياسية تقوم على اساس عدم التدخل في دول الجوار، مما يعقد مبدأ الاضطرار الى هذا السيناريو حتى الان، نظرا لكلفه المتعددة، وغير المضمونة في بعضها.
خاصرة الاردن الشمالية مهددة بطريقة غير مسبوقة، خصوصا، بعد انفجار الفوضى في السويداء التي لها ثوراتها التاريخية بين الدروز تحديدا، وما يجري في دير الزور القريبة من الاردن والمجاورة للعراق والحرب الاهلية بين العشائر العربية والاكراد وقوات سورية الديموقراطية المدعومة اميركياً، واحتمالات عودة داعش الى كل تلك المنطقة، والكل يعرف ان تجار المخدرات وشبكاتهم في الجنوب السوري على صلة بمشاريع سياسية وامنية تتجاوز تجارتهم.
الذين يقولون ان الاردن متورط في احداث السويداء وغيرها لا يدققون اصلا في امرين اولهما مبادرة الاردن من خلال اتفاق عمّان عام 2017 لوقف اطلاق النار بشراكة الاميركيين والروس، وتم تنفيذه في السويداء والقنيطرة ودرعا، وما نجم عنه من القاء السلاح من جانب البعض، ومغادرة بعض المقاتلين وتنظيماتهم الى مناطق ثانية، بما يعزز حاجة الاردن لوقف الفوضى قرب حدوده الشمالية، وليس اشعالها من جديد قرب حدوده.
وثانيهما ان الاردن حاول مباشرة ومن خلال تحالف عربي استرداد العلاقات مع دمشق الرسمية، خلال الفترة الماضية واستضاف اجتماعات هنا، واستقبلت عمان ودمشق مسؤولين من البلدين، وتم عقد اجتماعات حساسة على مستويات محددة، بما يعني ان الاردن يريد اطفاء نار الفوضى في سورية، بما تعنيه ايضا على صعيد المخدرات والسلاح، والمخاوف من موجات لجوء جديدة للمدنيين الى اراضيه، وسط تقديرات مختلفة لكل المشهد.
تقسيم سورية، بات للاسف واقعا، فالنفوذ في سورية مقسم بين روسيا، ومناطق ايران، ومناطق تركيا، ومناطق اميركا، ومناطق المخدرات، ومناطق داعش، ومناطق التنظيمات الكردية، ومناطق الدروز، ومناطق العلويين، ومناطق تلعب فيها اسرائيل، في ظل ازمة اقتصادية، وكأننا امام بلد مقسم فعليا على صعيد خرائط النفوذ، وان لم يتحول التقسيم الى واقع جغرافي مغطى بقرارات دولية.
الاردن محاط بالحرائق في كل جواره، فإن لم تصلنا النار، وصلتنا الادخنة، والازمة السورية تجددت بشكل اسوأ قد يقودنا الى كل الاحتمالات خلال الفترة المقبلة.