لفتة مهمة أن يقوم ولي العهد الأمير حسين بزيارة معان، للتعزية بالشاب حمزة الفناطسة الذي رحل في يوم زفافه بسبب إطلاق النار احتفالا بهذا الزفاف، الذي تحوّل إلى مناسبة مؤلمة جدا.
هي لفتة إنسانية بالتأكيد، والأهم تلك الرسالة التي أوصلها والمتعلقة بإطلاق النار في المناسبات، وهكذا زيارات ذات طابع إنساني تترك أثرا كبيرا لدى الأردنيين، خصوصا، حين يتم توظيف الزيارة لما هو أكبر وأشمل، أي الوقوف مجددا عند قصة إطلاق النار في المناسبات، وكأننا في دهر مضى.
أهمية الزيارة ذات الطابع الإنساني والعاطفي تكمن في الدلالة الفردية للزيارة، مثلما تكمن في الرسائل العامة التي يراد إبراقها من خلال هذه الزيارات، وتعديل السياسات والتصرفات.
هل يعقل أن نتحدث عن نسبة التعليم في الأردن، وكونها من أعلى نسب التعليم في الشرق الأوسط، ولا نجد توقفا للظاهرة، ولا منعا لها في المناسبات، في طقس يستدعي أمرين، أولهما أن إطلاق النار كان يجري في أزمان لا كهرباء فيها، ولا اتصالات، وكان إطلاق النار يجري للإشهار، وإبلاغ الآخرين، وثانيهما أن إطلاق النار كان يجري في مناطق مفتوحة عدد السكان فيها قليل جدا، ومتناثر ومتوزع، والخطر يكاد يكون منعدما، لاعتبارات كثيرة، فيما الواقع اليوم مختلف تماما، لكننا نواصل استعمال وسائل قتل وموت للتعبير عن الفرح.
المأساة تكمن في أن كل إنسان يحمل قطعة سلاح ويطلق منها، يظن نفسه أذكى من غيره، وأشطر ممن وقعوا في المصائب، لكن في كل مرة لا أحد لديه القدرة على التنبؤ حول مصيره شخصيا ومصير أحب الناس إليه، وما سيتلو ذلك من مشاكل اجتماعية وقانونية وأوجاع.
ثم يأتي السؤال لماذا يكون مطلوبا منا أن نجامل على حساب حياتنا وحياة أولادنا ونذهب إلى مناسبات مسلحة، وكأننا نحسد أنفسنا على استقرار البلد، ونريد حربا مثل حروب الجيران، تنهمر فيها الصواريخ والرصاص والقذائف، فوق رؤوسنا، بحيث لا يسلم أحد أبدا؟.
نحن مثل كل مرة نشعر بالغضب المؤقت وتظهر ردود الفعل، يوما أو يومين أو ثلاثة أيام، ثم يعود كل شيء إلى حاله، وليس أدل على ذلك من استمرار إطلاق الرصاص في المناسبات، بل إن كل البث الإعلامي اليومي حول حوادث السير المرعبة والقتلى والجرحى والضحايا، لم يوقف تهور السائقين، لأن كل سائق يقول إنه أشطر من غيره في القيادة، فتستمر المآسي، وسط مجتمع يتلقى جرعة مرتفعة جدا من وسائل الإعلام المختلفة، لكنه لا يغير سلوكياته، ويتورط في جرائم قتل تارة عبر حوادث السيارات، أو إطلاق الرصاص.
هل نحن بحاجة إلى مواعظ وحكم وخطابات حتى يتوقف الناس عن هذه الأفعال؟ وهل نحن بحاجة إلى ضحايا كل مرة، حتى نتوقف؟ وأيهما أفضل أن نتخلى عن هذه التصرفات البدائية، أم نواصل إطلاق الرصاص عند الزواج وتخرج الجامعة والثانوية العامة؟ ويتسابق البعض باستعمال الرشاشات، في بلد استباحته تجارة السلاح، وتعب فيه جهاز الأمن العام من كل هذه الملفات، ليس لضعف فيه، بل لكونه يشتبك يوميا مع ملفات المخدرات، والقتل، والمشادات، واستعمال الأسلحة، ومواكب الأعراس والخريجين، وإزعاج الجيران حين يحتفلون إلى ما بعد منتصف الليل، بنجاح ابنهم العبقري في التوجيهي، فتتنزل على رؤوس المحتفلين كل شتائم الدنيا من خلال ألسن الجيران، الذين لا ينامون، في سلوك يعبر عن همجية المحتفل.
نحن شعب ينتحر يوميا، بحوادث السير، والتدخين، وحوادث إطلاق النار، وإدمان المخدرات، وهذه الكلف مرعبة، توجب أن يقف أصحاب القرار عندها، حتى تتوقف هذه الخسارات.
ذهب الأمير من عمان إلى معان، ليس طلبا للشعبية، ولا تسجيل المواقف، ولا صناعة الصورة والسمعة، بل لأن الفاجعة التي هزت بيوت الأردنيين وأوجعتهم، أوجعته أيضا، وأوجبت الوقوف عند الحادثة والنتيجة المؤلمة جدا لكل بيت من بيوت هذا البلد، لا استثني فيهم أحدا.