- احتفظت برسالة من معلمي عمرها ٦٠ عاماً
أبصر حياة اليتم فاقداً حنان ورعاية والده الذي توفي مع خاله في حادث سير اثناء عودتهما الى وحدته العسكرية، ودون أن يرى الوالد ابنه يوم ولادته، أو يسمع من البشير التهنئة بـ» رويعي» وهو اسم كان يُطلق على الْسِنة العرب، ووفق عاداتها وتقاليدها المتوارثة، عند قدوم مولود جديد للعائلة.
ترك الوالد، حينها، هموم الدنيا لزوجته «الحامل» لتقوم بالرعاية والتكفل بما تحمله في أحشائها، من ذكر أو أُنثى، وبما تحمله الدنيا في ظروفها القاسية من ضنك، لا يدانيه، إلا «طَلْقْ» الأمهات الصابرات على جمر التربية، فكيف اذا ما كانت » فاطمة أرملة» وليس لها من الابناء والبنات إلا وحيدها المنتظر في بطنها.
تلك نشأة تجرّع مرارتها حتى وهو تأخذه طفولته ليرتع ويلعب مع أبناء الصبا، الذين يحتضنهم آباؤهم عند عودتهم الى بيوتهم، او قدوم الابناء من الملاعب والمدارس الى المنازل، فيما هو لا أب ولا أخ ولا أخت.
واصل الفتى المولود في المفرق، والمحروم من ابوّته، دراسته الابتدائية في عبين/ عجلون، ولم يعلم أنه سيتأبط دفاتره وكتبه وأقلامه الى اربد ليواصل دراسة المرحلة الثانوية، وكذلك، ربما لم يحلم من قبل، بأن وجهته اللاحقة ستكون تركيا، ليدرس الطب.
قد يصدق فيه وهو يواصل كفاحه، متخطياً شظف العيش، مواجهاً التحديات، ومنهمكاً في الدراسة التي هي جسر مستقبله، قول الشاعر في شعر صوفي:
ما بين غمضة عين وانتباهتها/ يغيّر الله من حالٍ الى حال.
إذ عمل عند عودته من إسطنبول، في الخدمات الطبية الملكية التي اتاحت له دورات مهنية في الخارج عززت من قدراته وكفاءته ومداركه في مجال الطب، وقبل أن يتولى ادارة» المدينة» مع مرور خدمته الطويلة في هذا المجال الذي لا غنى لإنسان عنه، والى أن أحيل الى التقاعد لينتقل من السلك العسكري الى السلك المدني، حيث شغل طبيباً في عيادته الخاصة(طب أسنان)، ووزيراً، وعيناً في ثلاثة مجالس، بما فيها المجلس الحالي.
وإذا كان هناك من اشارة تُذكر، قبل بوح الطبيب العين ياسين محمد الحسبان الى » استراحة الرأي»، فهي تأجيل اجراء المقابلة لأكثر من سبب ولظروف خاصة به، كان آخرها، وفاة رفيقه في السلاح ومجلس الاعيان، الفريق الركن جمال الشوابكة، رحمه الله، فماذا يقول الحسبان عن تلك الرحلة الشاقة الى أن وصل الى حياة يتناول فيها طعامه بالشوكة والسكين، حال عمله الطبي وهو يستخدم أدواته لخلع سنّ أو تجميل ضرس أو تجسير لفك؟
من أين بدأت النشأة والدراسة؟
ولدت بعد وفاة والدي(٢٧عاماً) وخالي الدي يرافقه أثناء تأدية واجبهما العسكري، بخمسة أشهر، وفي عهد الملك عبدالله المؤسس، فكانت بالنسبة لي في ما بعد حياة اليتم التي اعتمدت فيها والدتي على راتب تقاعدي قيمته خمسة دنانير ونصف الدينار ليكون هذا المبلغ الى جانب بيع قطعة ارض بـ ٩٥ ديناراً عوناً لدراسة الطب في تركيا، وهذا التخصص جاء نزولاً عند رغبة عمي ابراهيم صايل الحسبان، لإبعادي عن دول شقيقة تمارس العمل الحزبي، وقد كنت ارغب بدراسة الحقوق.
والدتي «الشجاعة» كما أُحب أن أسميها، و«القديسة» على رأي دولة عبدالرؤوف الروابدة، كانت في بيت جدي، الذي يقطن عجلون ما جعلني ادرس في عبين قبل أن انتقل الى مدرسة اربد الثانوية، وخلال المدة الدراسية كنت احرص على الاجتهاد لمساعدة أمي، وانعكس هذا الاجتهاد عليّ في جامعة اسطنبول،التي كان يدرس فيها الدكاترة سعد حجازي وممدوح العبادي وصالح وريكات ومنصور العتوم ومهنا ابو غنيمة وحنا قعوار.
ماذا عن العمل العام؟
بعد تخرجي بتخصص طب أسنان، عدت الى الاردن، فجاءت الرغبة الثانية، وليست رغبتي، من رئيس الحكومة، حينها، المرحوم وصفي التل لأدخل القوات المسلحة، وتحديداً في الخدمات الطبية، فقد كانت تربطه علاقة دراسة وسكن في مدينة السلط مع والدي.
عملي في أي موقع من المواقع القيادية وغير القيادية التي شغلتها في السلك العسكري، أعدّها اجمل وأنبل عمل قمت به، إلى أن تم إحالتي الى التقاعد برتبة لواء في أيار عام ٢٠٠٠ حيث قمت بفتح عيادة واصلت بها عملي الى عام ٢٠١٠ وقبل أن أعيّن ٢٠١١ وزيراً للصحة حيث خرجت بعد اربعة أشهر، كانت خلال فترة «الربيع العربي» الذي تأثرت به دول عربية وفي المنطقة، وهي أسوأ تجربة واجهتها، لأنها بُنيت على معلومات وأخبار مضللة وإشاعات ظالمة، ولو قدّر حالياً استدعائي لأكون وزيراً لهذه الوزارة لرفضت، وكذلك غيرها من الوزارات.
عدت الى عملي الخاص في مهنة طب الأسنان، قبل أن أعيّن في مجلس الأعيان لأول مرة عام ٢٠١٣، وأحسبه تعييناً لإنصافي من ظلم لحق بي عندما كنت وزيراً، كما تم تعييني للمرة الثانية في المجلس عام ٢٠٢٢، والمجلس الحالي ٢٠٢٣، وما زلت أواصل عملي الخاص في مهنة الأسنان وهي خدمة تصل الى ٥٠ عاماً منها ثلاثون في القوات المسلحة.
رسالة توجهها الى الشباب؟
في كلمة ألقيتها في احدى الجامعات الاردنية كانت موجهة لمن يشغلون الوظائف العامة في وطننا العزيز والشباب الاردني، ومن خلال تجربتي الحياتية والوظيفية، حاولت فيها أن تكون على هذا النحو:
الحياة هي إيمان بفكرة وتضحية من أجل مبدأ، والنجاح والتوفيق في الحياة أساسه:
رضا الله وبر الوالدين، وأن النجاح والتميز يحتاج الى سهر وبذل وعطاء، والتدرج في الوظيفة والمنصب يعطيك قوة وخبرة وتميز عن أقرانك، اذا كنت في أي وظيفة حلل راتبك، لأن أخطر اللصوص هم أولئك الذين يتقاضون أجراً دون أن يعملوا، ولا تعتمد في مسيرتك على أحد سوى الله، فكل من هو في المنصب متغير ومتبدل، وعوّد نفسك أنه لا صعب مع الإصرار على النجاح، أعط ما استطعت، والعطاء ليس بالمال، وإنما بالتعامل الحسن.
كطبيب، ماذا تقول عن آفة التدخين؟
وفي هذا الجانب، ايضاً أقول للشباب على وجه الخصوص، ولكل من يتعاطى التدخين من الفئات الأخرى، رجالاً ونساء، احذروا هذه الآفة السرطانية، فهي خسارة من حيث المرض وإنهاك الجسد وصولاً الى الموت، ومن جانب آخر كلفة اقتصادية باهظة على المواطن والدولة،
حتى أننا في مرحلة رئاسة الدكتور عبدالرؤوف الروابدة لمجلس الاعيان تقدمت لجنة البيئة والصحة التي كنت أرئسها بمذكرة لرئيس المجلس والذي من قبله ناشد كل الزملاء بالامتناع عن التدخين خلال الجلسات، وتم ذلك.
وبالنسبة لي شخصياً، فأنا أضعه بمقام العدو الأول لي في الحياة.
كيف ترى الاعلام الاردني؟
أحترم الاعلام الذي ينقل الكلمة الصادقة ويحلل الموضوع بحيادية ويعطي الحلول، ويعظم الانجازات وينتقد السلبيات بموضوعية.
لا أثق بالاعلام الذي يعتمد على التهويل ونشر الأخبار دون تحقق، وفي هذا المجال المطلوب دعم الاعلام الذي يخدم مصلحة الوطن والمواطن وعلى عكس هذا، يجب المساءلة.
ماذا عن حزبيتك؟
عملت في العمل الحزبي لمدة ٦ سنوات في حزب الجبهة الاردنية الموحدة برفقة الأشخاص، مع حفظ الألقاب، أمجد هزاع المجالي وعبدالرزاق ابو هديب ونايف الفايز وشحادة ابو هديب وجهاد البرغوثي وعماد المومني وطلال ماضي وسعدي حجازي ونايف الحديد ورياض ابو كركي ومحمود الدويري وعبدالله الموسى، وآخرين.
واستطيع القول، أنها كانت تجربة رائعة في البداية فهو حزب وطني لا موالاة ولا معارضة، وشغلت فيه أمين سر اللجنة التنفيذية، إلا أن خلافات شخصية حدثت، ما دفعني للإستقالة.
.. والعمل النيابي؟
لم أفكر يوماً من الايام بخوض الانتخابات النيابية، ولن أترشح لها، وهذا يعود الى رغبة شخصية وليس لأي سبب آخر.
موقف أثّر في نفسك؟
مواقف كثيرة..والدتي وهي تتحمل المسؤولية في ظروف لا يمكن وصفها الا بالساعة التي واجهت بها كل هذا الحرمان من عطف لم أنله من والد لم أره وإن عوضتني أمي به، كذلك الرسالة التي وجهها لي استاذي في المدرسة مصطفى زيد الكيلاني، وعمرها يزيد الآن على ٦٠ عاماً- تقتطف $ منها-:
يقول:
ياسين ايها الطالب الأديب، إنه ليسرني أن أترك لك ذكرى ترجع إليها كلما حزبتك نوائب الدهر، أو ألجأتك الأحداث الى تصفحك ما شيك.
انت على أبواب حياة جديدة تختلف لوناً ورائحة عما ألفته في المدرسة، فلا الفينّك متذمراً ضيق الصدر.
إن الرجل الحق هو الذي يقول للزمان:
إن كان عندك يا زمان بقية/
مما يضام بها الكرام فهاتها
كن رجلاً صبوراً متسامحاً، يحببك الجميع وتنجح في حياتك، ولكن إياك إياك أن تحيا بلا هدف تكرّس جهودك نحوه، إن الحياة بلا هدف هي الضياع بعينه.
وأخيراً، تذكّر أنك كنت طالباً لامعاً بين أقرانك وهي شهادة حق فيك تصدر من استاذ لم يتعود النفاق ولا المجاملة الرخيصة فلتحافظ على هذه الألمعية ما عشت، وأرجو أن أسمع عنك في المستقبل ما يجعلني أفتخر بياسين تلميذي الذي درسته في آخر سنة دراسية من المرحلة الثانوية في عمره، فأعجبت بذكائه وخلقه وسلوكه. وفقك الله وهداك.
يقول الحسبان: بعد هذه العقود الستة، كانت الصدفة وأنا أعمل في مدينة الحسين الطبية، ليجمعني مع معلمي اتصال هاتفي، وقد استفسر عني، فكان عليّ أن أقرأ عليه هذه الرسالة، ونلتقي في أكثر من لقاء.
كيف وجهت أُسرتك في الحياة العامة؟
زوجتي وقفت الى جانبي وهي تتفرغ للبيت وتربية الابناء أثناء عملي الوظيفي في القوات المسلحة وهو عمل طويل من حيث الدوام اليومي، وحاولنا معاً أن تكون تربيتهم تربية مثالية، تاركاً لهم، فيما بعد، حرية الدراسة وإدارة شؤون أنفسهم، حيث البكر بانا وهي محامية خريجة بريطانيا، وتعمل هناك مستشارة قانونية، ومحمد الذي يعمل طبيب أسنان في عيادة خاصة به في لندن، ويزن الذي يعمل في الأعمال الحرة، وزيد خريج بريطانيا يعمل في مجال الريادة والابتكار.
•شغل خلال مسيرته الطويلة مديراً لمستشفيات عسكرية ورئيس مجالس مستشفيات خاصة وعضو مجلس ادارة المؤسسة العامة الغذاء والدواء وعضو مجلس أمناء جامعتي جدارا والهاشمية ومحاضر غير متفرغ في كلية الأسنان بالجامعة الاردنية وعضو في مجالس الاعيان السادس والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين (الحالي).
ووزيراً للصحة العام ٢.١١.
كما حصل على عديد من الأوسمة وشارات تقديم الخدمة الطويلة المخلصة والكفاءة الفنية التدريبية والكفاءة القيادية والكفاءة الإدارية الفنية.
مواضيع ذات صلة
الرأي