سهم محمد العبادي
عرفت نجوى القبيلات خلال عملي الصحفي، كثير من الأحيان نتواصل معها للحصول على المعلومة، وتتجاوب بكل أدب ولباقة، فيخرج الخبر الصحفي مكتمل الأركان المهنية ودقيق المعلومة، لا أذكر أنني وزملائي اتصلنا بها ولم تجب، وإذا تعذر بنفس الوقت تعود بعدها.
كثيرا ما تأتينا شكاوى أو طلبات لمواطنين، وعندما نعرضها عليها يكون جوابها أنها هنا لخدمة الجميع ضمن القانون، ومعروف عنها أنها لا تسمح لنفسها أو لغيرها بالتجاوز على القانون مهما كان السبب أو درجة العلاقة، فالحق أحق.
بعد القرار المفاجئ بإحالتها إلى التقاعد، كانت المفاجأة بالإجماع شبه التام من جمهور المواطنين والمعلقين بكتابة كلمات الثناء والعرفان لها على ما قدمت خلال مسيرتها المعطرة بدحنون مليح، وهذا الثناء ليس من باب المجاملة أو المصلحة، بل من قلوب الناس الصادقة، ومن راقب تلك التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعرف جيدا أن هذه النشمية تركت بصمة كبيرة من العطاء والتواصل مع كافة أطياف المجتمع في محافظات المملكة.
كنا نتابع عملها ما بين القرى والمدن والبوادي، كثيراً ما ترتدي «المدرقة» وتتلفع بالشماغ ، فتقف على الصغيرة والكبيرة بنفسها، فهي من قمح هذه البلاد ودحنونها، صاحبة قرار وشخصية قيادية، وأينما حلت في وطنها مرحب بها، وبمجرد علمها بأي مشكلة أو ملاحظة فالنتيجة معروفة بأنها ستحل أو تحت الإجراء أو بطريقها للحل.
خلال الإعلان عن نتائج التوجيهي، كانت تزور الأسر التي فقدت أبناءها من طلبة التوجيهي قبل إعلان النتائج، وكانت دمعتها صادقة، فهي أم وبنت وطن، حملت الوطن وأهله بقلبها مثلما حملت مثنى وإخوانه.
في إحدى المرات تم هدم مبنى مدرسة يرقا الثانوية للبنين، وثارت احتجاجات واسعة من أهالي المنطقة، لم تجلس في مكتبها وترد عبر البيانات الصحفية، بل كانت خلال ساعات الصباح في مبنى المدرسة بين المواطنين، وأشرفت على إعادة الحجر القديم للمدرسة، مثلما اتخذت قرارا للبدء بدراسة إعادة تأهيل مبنى المدرسة، وبناء صفوف جديدة، وأن يكون الحجر القديم جزءا من المبنى الجديد احتراما لتاريخه ورمزيته لدى أهل البلدة.
بعد اندهاشي من قرار إحالتها إلى التقاعد في عز عطائها، تواصلت معها هاتفيا، وقلت لها إنني تمنيت لو كنت أقف أمامك لأقوم بتأدية التحية لك، فأنت بنت العسكر مثلنا وتعرفين قيمة هذه التحية ورمزيتها ودلالتها، مثلما تعلمين أننا أبناء العسكر بجينات آبائنا هذه التحية تؤدى لمن يحب هذا الوطن ويخدمه ويضحي من أجله وأنت منهم، مثلما أنت السنديانة الأردنية التي بدأت معلمة تربوية من بنات مليح النشميات ، وصولا إلى مرتبة قيادية في وزارة تضم ما بين كوادرها وطلبتها نحو المليوني فرد، وخرجت بكل هذا الاحترام وهذا التقدير من الجميع، في وقت يخشى فيه بعض المسؤولين من ردة فعل على مواقع التواصل الاجتماعي.
حالة نجوى القبيلات يجب أن تدرس، فهي أنموذج للمرأة الأردنية القيادية، التي نجحت كمعلمة وإدارية، وشكلت حالة إيجابية لدى الرأي العام الأردني، بأن شكرها الجميع وتفاعلوا معها، وهذه حالة لم نشهدها منذ زمن طويل، مثلما تمثل حالة نجاح وقيمة في الإدارة العامة الأردنية.
إلى أخت الرجال نجوى القبيلات، من حقك أن تفاخري الدنيا بهذا الكم الكبير من الاحترام والتقدير والإشادات من أبناء وبنات وطنك، ومن حقنا أن نفتخر بك وبما قدمت في مسيرتك النظيفة والمعطاءة، ولا بد من أن يأتي يوم لاستكمال هذه المسيرة، ومواصلة العطاء والإنجاز، فمن مثلك هم الأحق في بناء الأوطان لأنك أهل للثقة والتقدير.