العقبة .. في «آب اقطف النخيل ولا تهاب»

mainThumb

23-08-2023 09:59 AM

printIcon

في آب » اللهاب» تعلن عناقيد النخيل في العقبة بألوانها الجذابة عن موعد قطافها في مثل هذا الوقت من السنة باعتبارها الشجرة الاكثر شهرة في المدينة.

ويتأهب المواطنون والمزارعون في آب إلى قطاف ثمار النخيل سواء من حدائق المنازل أو من مزارع النخيل المملوكة للقطاع الخاص او لجهات حكومية أو الحدائق والمتنزهات العامة التي تشرف عليها سلطة العقبة باعتبارها مُلكا عاما.


وينظر العقباوي إلى النخلة كهوية وملح أرض واستطاع توظيفها الى ابعد من شجرة مثمرة فجعل في بيته مكانا للنخلة من خلال ما يصنع من سعفها على شكل أثاث متنوع الأشكال والأحجام والاستخدام.

قديما كان موسم جني التمر في الصيف يتحول إلى عيد وعرس فولكلوري، حيث يعد أهالي العقبة العدة لهذا اليوم ويتجهزون له قبل أيام من قدومه، وإذا ما أشرقت شمس ذلك اليوم خرج الجميع إلى حفائرهم واصطحبوا النساء والأولاد والطعام والسلال، فيتسلق الرجال النخيل وتنشغل النساء بإعداد الطعام ويتراكض الأطفال في الحقول فرحين بهذا العيد.

وبعد قطف التمر يتم تجميعه على الحصر، ثم فرزه حسب نوعه وحالته وبعد ذلك يتم تقسيمه على الورثة والشركاء حسب التقاليد المتعارف عليها، وبعد تقسيم التمر يحمل كل واحد نصيبه في سلاله ثم يتفقد جيرانه وأصدقاءه وأقرباءه ممن لا يملكون نخيلا فيدفع إليهم جزءا من نصيبه ثم يتهادون ويتبادلون التمر بينهم، وقد يستمر موسم القطاف عدة أيام، وبعد ذلك تبدأ مرحلة الفرز والتصنيع والتخزين.

ولم يكن موسم القطاف هذا يقتصر على (العقباوية) فقط بل كان يتعداهم إلى جيرانهم من اهل البادية، فهم شركاء أهالي العقبة في النخل، وفي موسم القطاف يتوافد البدو من الصحاري والبوادي المجاورة فيجتمعون في العقبة ويضربون خيامهم وسط المدينة ويوقدون الضيوف نيرانهم ويجتمع أهالي العقبة معهم ويستضيفونهم لعدة أيام، يحيون خلالها ليالي الصيف بالرقص والغناء والسامر والدحية والرفيحي والعزف على الربابة والسمسمية فيتحول موسم قطاف البلح إلى عرس فلكلوري رائع.

ويأتي البدوي بسمنه وماشيته وصوفه فيبيعها لأهالي العقبة ويشتري بأثمانها القماش والأرز والطحين وغيره، كما كانت تعقد في هذا الموسم التقليدي الصفقات التجارية فيفك الراهن رهنه ويبيع البدوي جزءا من بضاعته.

ولم تعد شجرة النخيل التي تقارب أعدادها في العقبة ٤٠ ألف نخلة وفقا لاحصائية مديرية زراعة العقبة مظهرا للزينة أو مصدات للرياح أو حتى شجرة مثمرة تشكل مصدر دخل لبعض العائلات بل تعدت ذلك لتكون مصدرا للعديد من الصناعات اليدوية وغير اليدوية.

يقول المؤرخ المختص في الشأن العقباوي عبدالله المنزلاوي: من جريد النخيل تصنع المكانس من خلال قطع الجريدة إلى 3 قطع بطول 60 سم لتوضع هذه القطع فوق بعضها البعض ويجمع سعفها باتجاه واحد وتربط على شكل حصل ثم تقص أطرافها بنسق واحد وتستعمل بعد تجفيفها.

واضاف: أما الزعفة وهي الجريدة الكاملة فتجفف وينزع السعف السفلي منها لتستخدم في تنظيف الجدران المرتفعة والزوايا والسقوف ومثلها المنشية وهي الجزء العلوي من الجريدة تقص بطول 40 سم وينزع سعفها السفلي دون العلوي لتستخدم منشة للذباب والحشرات.

ويصنع العقباوي المراوح من سعف الجريدة غير الناضج والذي يكون في وسط النخلة ويعرف بالقلب، حيث يقطع القلب ويسلخ عن السعف ويكون على طبقتين ثم يلف إلى قطعتين بعد قص حافة السعفة السميكة والتي تعرف بـ النسيرة، كما يقول المنزلاوي.

ويستخرج العقباوي ما يعرف بـ الشلاق وهو الخيط الذي تصنع منه السعفة لخياطة الضفائر وهو عبارة عن فتلة صغيرة تؤخذ من حافة السعفة وتدق بالحجارة لتصبح لينة ثم تنقع بالماء ثم تفتل وتوصل مع بعضها البعض لتكون الشلق الذي يستخدم للخياطة بأطوال متفاوتة.

وتشكل الحصر طرازا عقباويا جديدا ليصنع من جريد النخل غير الناضج القلب بعد تقشير السعف وفصله عن بعضه وتقسم السعفة إلى قسمين فتعمل ضفيرة الحصيرة من 17 سعفة وبطول 30- 40 باعا ويطلق عليها الطواف ثم يقص الطواف بطول باعين وتخاط بالشلق خوفا من التلف ويستغرق انجاز الحصير حوالي الشهر لكنها تدوم لثلاث سنوات كعمر افتراضي قبل أن تبدأ بالتلف.

واستغل العقباوي النخلة فصنع منها المرجونة من جريد النخل غير الناضج وتتكون من ظفيراتها من 9 سعفات وبطول 12 مترا تخاط بالشلق على شكل سلة بغطاء يشبك بيد المرجونة ومثلها المقاطف ولكن باختلاف الحجم ودون غطاء لها يد من الوشام وهو حبل من الليف الغليظ ويخاط الوشام على أطراف فتحة المقطف ليحفظه من التلف وكذلك تصنع القفة بنفس طريقة المقطف إلا أن شكلها بيضوي دون غطاء يستخدمها الصيادون لحمل أمتعتهم وصيدهم من الأسماك ومن ذات الجريدة تصنع القبعة يستخدمها الصيادون.

ومن مخرجات النخلة ليف النخيل الذي يستخدم كليف للاستحمام وحبال مختلفة الأحجام ويستعمل كحشو للفرشات والوسائد وحطب للنار، فيما يستخدم خشب الجريد لسقوف المباني والمعرشات وسياج للحفاير ومنه تصنع كراسي غاية في الجمال والإبداع وأراجيح للأطفال.

أما الفلق وهو ساق النخلة فيستخدم في صناعة السلالم وتسقف به المنازل ويدخل في صناعة السفن والقوارب الصغيرة ويشكل قطاف النخل عادة طقوس فرح وجلسات ومقايضة بضائع.

وقد دلت المكتشفات في» تل الخليفي» في العقبة على وجود النخيل واستعماله على نطاق واسع قبل أكثر من خمسة آلاف عام، حيث عثر على ليف النخيل وسعف النخيل وبقايا سلال وآثار حصر من السعف ملونة وحبال مصنوعة من نسيج النخيل يعتقد أنها تدل على استخدامها في صناعة القوارب.
الرأي