تصرّ سورية على بث رسائل غير إيجابية تجاه المملكة، عبر بوابة التظاهر بالتعاون بخصوص الوضع الأمني على الحدود المشتركة بين البلدين، وتحديدا في ملف المخدرات. أقول "التظاهر بالتعاون"، لأنه وحتى اليوم، لم تسفرْ الاجتماعات الأمنية بين عمان ودمشق عن أيّ نتائج بهذا الخصوص، والمنجزُ الوحيدُ كان عبر طيراننا الحربيّ عندما نفذ عمليةً استهدفتْ أحد كبار تجّار المخدرات في الداخل السوري.
دمشق تعلمُ جيدًا أن الأردنَّ يملك خياراتٍ عديدةً لوضع حد لهذه المهزلة التي تهدد أمننا، فرغم الدبلوماسية الأردنية التي تجتهد في الضغط على النظام السوري، إلا أن ذلك لم يؤتِ أُوكله حتى اليوم نتيجة التذاكي السوري، لكنّ الأردن لن يقف مكتوف الأيدي أمام ما تقوم به سورية من تحايل في محاربة أوكار المخدرات وتجّارها.
طبيعة العلاقة القائمة اليوم بين الطرفين فيما يخصّ محاربة المخدرات تكشف عنه العديد من الوقائع، أورد إحداها هنا، حيث أن المعلومات التي لديّ تقول إن عمان سلّمت دمشق منذ مدة أسماء أربعة أشخاص من كبار تجّار المخدرات لاتخاذ إجراءات أمنية بحقهم، والقضاء على عملياتهم الحدودية الخطيرة، إلا أن الأخيرة لم تكلّف نفسها عناء المساعدة في هذا الجانب، وتناستْ الطلب الأردني وكأنّه لم يكنْ، فيما هؤلاء الأشخاص ما يزالون يعملون بحرية تامّة تحت سمع وبصر سورية التي تغض الطرف عنهم كليا.
في سياق مشابه لذلك، ما يزال الأردن ينتظر مليون متر مكعب من المياه من سورية منذ أكثر من عامين، بينما تماطلُ دمشقُ في تنفيذ ذلك رغم الاتفاق الثنائي على الكمية. المماطلة لهذه المدة الطويلة لا تعكس سوى تعنت سوريّ لا يمكن تفسيره بصورة إيجابية أبدا، وتحديدا بعد تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد لقناة سكاي نيوز، وتأكيده على أن الحرب على المخدرات ليستْ حربَه، مبررا ذلك بأنه لم يوجدها أصلا، وأنّ على من أوجدها تحمّل المسؤولية.
رسالة غير مريحة من الرئيس السوري، ولا تخضع لأي تفسير أو تأويل. لكنّ تفنيد تصريحات الأسد سيوصلنا إلى معلومات مضللة وغير صحيحة، فجميع التقارير حول العالم تقول إن تجارة المخدرات تتم برعاية رسميّة، وإنها ساهمت بفاعلية في تمويل حرب النظام خلال السنوات الماضية. لكن ما هو ظاهر بالفعل من هذه الحرب، أن العديد من الأسماء بما يسمّى "أباطرة المخدرات"، مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالنظام ورموزه، وهو ما يُحيلنا إلى أن سورية الرسمية هي من يقف وراء هذه التجارة غير الأخلاقية.
الحدود السورية الأردنية شُعلة نار ملتهبة، حمّلت المملكة الكثير من الأعباء من أجل ضمان أمن واستقرار الدولة، لكن ما يجري في الداخل السوري القريب من حدودنا يجعل من الصعب جدا الانتظار طويلا حتى تقرر دمشق التحرك، إنْ كانت تفكّر بفعل ذلك أصلا. المنطق يقول إنها لو أرادت وضع حد لما يجري على الحدود لفعلت ذلك منذ وقت طويل.
النظام السوري لا يريد أن يحل مشكلة اللاجئين، ولا يفكر في ذلك، كما لا يريد اتفاقا بشأن الوضع المائي وتفعيل الاتفاقية المسبقة بين الأردن وسورية، وأيضا لا يقوى على وضع حد للمليشيات الإيرانية التي تتغلغل في سورية وتزداد تأثيرا وانتشارا على الحدود مع المملكة، إضافة إلى عدم تفاعله الإيجابي بخصوص تهريب المخدرات والأسلحة.
حقيقة الموقف السوري، وما يشكّله من خطورة على دول الجوار، وتحديدا الأردن، يضعنا أمام مسؤولية تأمين حدودنا التي تمتد إلى نحو 378 كيلو مترا، وهو أمرٌ غايةٌ في الصعوبة نظرا لحاجته لكوادر عسكرية ضخمة، وآليات عديدة، تحتاج أموالا طائلة.
لا نعلم بماذا يفكّر الأردن لمواجهة ديمومة التذاكي السوري تجاه الملفات الرئيسة والمهمّة المتعلقة بالمملكة، لكن، ورغم التحديات الكبيرة، فإننا نؤمنُ بقدرة أجهزتنا المطلقة على حماية الحدود من أيّ شكل من أشكال التهديد أو العبث.