وسط تلاطم أمواج التضخم عالميا عند مستويات مرتفعة، يبدو المشهد مقبولا محليا بمعدلات مريحة جاءت نتاج إجراءات حرفية ومتوازنة.
خبراء اقتصاديون أكدوا لـ"الغد" أن انخفاض حدة ارتفاع التضخم محليا يعود إلى جملة أسباب منها سياسة البنك المركزي الأردني النقدية وتوازنها، إضافة إلى تراجع فاتورة المستوردات الأردنية وانخفاض أسعار الطاقة في الأشهر الماضية من عام 2023 قبل ارتفاعها مؤخرا.
وبقصد الحفاظ على معدلات التضخم المنطقية والتخفيف من حدة تفاقمها وانعكاسها سلبا على الاقتصاد الوطني مستقبلا، دعا الخبراء إلى ضرورة المحافظة على السياسات النقدية السائدة في المملكة، إضافة إلى ضرورة عمل الحكومة على ضبط نفقاتها وعدم الإفراط في الإنفاق الحكومي غير المتعلق بالاستثمار، علاوة على وجوب زيادة الاستثمار بالأصول التي ينجم عنها زيادة في معدلات الإنتاج والتشغيل.
وكان التقرير الشهري لدائرة الإحصاءات العامة الصادر الأسبوع الماضي قد أظهر انخفاض حدة الارتفاع بالمستوى التراكمي للرقم القياسي لأسعار المستهلك (التضخم) للأشهر السبعة الأولى من هذا العام إلى ما نسبته 2.68 % مقارنة مع الفترة المقابلة من عام 2022. حيث ارتفع الرقم القياسي للمستهلك (التضخم) للأشهر السبعة الأولى من عام 2023 ليبلغ 108.60 مقابل 105.77 للفترة المماثلة من عام 2022.
المختص في الاقتصاد السياسي زيان زوانة قال إن معدل التضخم الحالي في الأردن مريح جدا ويمثل عنصر استقرار أساسي، سواء اقتصاديا أو نقديا وماليا، ما يسهم عميقا في تأثيره الاجتماعي واستقرار ديناميكيته.
وأضاف أن مؤشر التضخم الحالي ليس له تأثير ظاهر على جيب المواطن إذا ما تم مقارنته بمعدل التضخم في دول الإقليم والعالم.
واحتلت لبنان المرتبة الأولى عربيا بمعدل تضخم بـ190 %، وتلتها مصر بـ31.9 %، والعراق 6.45 %، فالإمارات 4.7 %،
وقطر 4.4 %.
ووفق زوانة، يرجع السبب في استقرار التضخم محليا، إلى سياسة البنك المركزي الأردني النقدية وتوازنها واتزانها ومهنيتها، ما ساهم إلى حد كبير في سد فجوات السياسة المالية وتصدعات المالية العامة، خاصة المديونية وكلفتها، وتحصين الجبهة المحلية من المد التضخمي الهائل الذي ضرب العالم.
وأشار زوانة إلى أن العالم حاليا يمر بحالة عدم يقين اقتصادية ونقدية وسياسية، مشددا على أن السياسة النقدية الحكيمة في الأردن تجعلنا في حالة اطمئنان حيال أي ارتفاعات قادمة على مؤشرات التضخم في العالم.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي مفلح عقل أن السياسات الاقتصادية، لا سيما النقدية التي اتبعتها الأردن، قد مكنتنا من السيطرة على التضخم خلال العام الماضي، حيث كان ضمن نسب آمنة ومعقولة ولم يتضرر منها المواطن كثيرا كما حدث في معظم دول العالم، مبينا أننا اليوم نجني ثمار هذه السياسات الحصيفة، حيث أن مؤشر التضخم لدينا يعرف منذ بداية العام انخفاضا مقارنة مع معدلات التضخم في نهاية العام لماضي.
وبين عقل أن انخفاض مستوى التضخم سينعكس على تراجع أسعار السلع الأساسية التي لم تشهد محليا ارتفاعا كبيرا كما حدث في كثير من البلدان.
وبهدف المحافظة على استقرار معدل التضخم في الأردن وضبطه، طالب عقل بضرورة عمل الحكومة على ضبط نفقاتها وعدم الإفراط في الإنفاق الحكومي غير المتعلق بالاستثمار، علاوة على وجوب زيادة الاستثمار بالأصول التي ينجم عنها زيادة في معدلات الإنتاج والتشغيل.
ولفت عقل إلى أنه على الرغم من ارتفاع أسعار الطاقة خلال الشهر الماضي وبداية الشهر الحالي، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأرز إلى مستويات قياسية غير مسبوقة في العقد الأخير، إلى جانب ارتفاع تكاليف بعض الخدمات محليا فإن معدلات التضخم لن تتأثر بذلك كثيرا على المدى القريب، موضحا أن السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي الأردني كفيلة بأن تحصن مؤشر التضخم.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن معدل التضخم في الأردن مقبول قياسا مع المد التضخمي الذي شهده العالم في عام 2022، مبينا أن التضخم يشهد محليا منذ بداية العام الحالي تراجعا عن معدلاته خلال العام الماضي حيث انخفضت معدلات التضخم في بداية العام 2023 إلى 4 % مع نهاية شهر شباط (فبراير) واستمرت بالانخفاض خلال النصف الأول من العام إلى 2.98 % بعد أن انكمش 1.17 % خلال شهر حزيران لتصل أخيرا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي إلى 2.68 %، ما يوضح المسار الهبوطي الذي يسلكه التضخم محليا.
ويعود انخفاض مؤشر التضخم في الأردن خلال الفترة الماضية إلى جملة من الأسباب، بحسب عايش، وفي مقدمتها انخفاض أسعار الطاقة في الأشهر الماضية من العام قبل عودتها إلى الارتفاع مؤخرا، إضافة إلى تراجع فاتورة المستوردات الخارجية.
ومن أجل الحفاظ على التضخم عند نسب آمنة وتفادي تأثره بأي عوامل خارجية، دعا عايش إلى ضرورة تدخل الحكومة لخفض الكلف على بعض السلع الأساسية، إضافة إلى ضرورة الاستفادة من التجربة التي مر بها العالم في العام الماضي ما يستدعي ضرورة عمل الحكومة على ضبط نفقاتها وعدم الإفراط في الإنفاق الحكومي غير المتعلق بالاستثمار.
وحول توقعاته لمعدلات التضخم خلال الفترة المتبقية من العام بين عايش أن هنالك حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي يعيشها العالم حاليا، ما يجعل التنبؤ والاستشراف الدقيق صعبا، إلا أن تعليق روسيا عملها باتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود إضافة إلى ما تشهده أفريقيا حاليا من توترات على خلفية الانقلاب في النيجر قد يؤدي إلى عودة التضخم إلى مسار التصاعد.