ماهر أبو طير
قبل سنوات وظف الأردن علاقاته مع واشنطن لتغيير سفيرة أميركية هنا في عمان، بعد تجاوزها كل الخطوط ، وتم انهاء مهمة السفيرة فعليا وعادت إلى بلادها.
والقصة بتفاصيلها الحساسة يعرفها عدد من المسؤولين والمطلعين، وهذا يعني أن الأردن المستضعف بنظر بعض مواطنيه، ليس ضعيفا، فهو قادر في مرحلة معينة، وعند تجاوز الحدود على اتخاذ إجراءات معينة، في حالات تتعلق بسياساته.
حين يقوم أحد الأشخاص في الأردن قبل فترة قصيرة، سرا، بإرسال بيانات معلوماتية تفصيلية ضد الأردن بخصوص قانون الجرائم الإلكترونية إلى الخارجية الأميركية وتساهم هذه المعلومات في صياغة بيان من المستوى الثالث للخارجية الأميركية ضد الأردن بشأن هذا القانون فإن علينا ان نسأل لحظتها إذا ما كان هذا العمل في الأساس جائزا أو مسموحا، أو بلا كلفة، وكأن الاستقواء بالخارج على الداخل، والاستقواء أيضا بالسفارات، وسيلة مشروعة لفرض قرارات.
هذه موضة سائدة، أي الهرولة باتجاه السفارات سرا وعلنا، وتسريب معلومات عن الأردن في مناسبات مختلفة، وكأن التجسس الناعم على هذه البلاد فضيلة هنا.
أصل هذا الانطباع الساذج، أي توظيف الاتصالات بالسفارات، أو الخارج لفرض تغييرات في الأردن، يعود إلى أسباب معينة، تتلخص في اعتقاد البعض أن الأردن يخضع للضغوط، وانه ضعيف جدا، وله مصالح ويخشى الغرب، وأنه غير قادر على بلورة أي قرار، بل أن أحد الذوات المعروفين يقول إن بعض القوانين هنا تأتي جاهزة من السفارات الغربية، كدليل على مدى نفوذ هذه السفارات في الأردن.
مناسبة هذا الكلام صدور قانون الجرائم الإلكترونية، ودخول سفراء قبل إقرار القانون على خط التحشيد والنقد للقانون، وهذا ليس من حقهم أبدا، لان بيننا كثيرون انتقدوا هذا القانون، فهذا بلدهم وهذا قانونهم الذي كانوا يرفضونه، لكن ما علاقة هذا الدبلوماسي او الدبلوماسية، بقانون أردني يخضع لاعتبارات داخلية، وإلى أي حد يكون مسموحا لهذا الدبلوماسي أو الدبلوماسية التهديد باسم بلاده، وهل وكلته بلاده بشكل رسمي بتهديد الأردن، ام كان منفعلا وكأنه شخص يحكم الأردن ويدير شؤونه الداخلية بمعزل عن علاقات الأردن المباشرة ببلاده والتي تتجاوزه أصلا.
يقوم الدبلوماسيون بكتابة التقارير حول الشؤون الأردنية إلى عواصم بلادهم، فهذا هو عمل كل الدبلوماسيين أساسا، لكن ليس من حق أحد التدخل في الشؤون الداخلية من خلال ممارسة الضغوطات، أو التهديد، ولا من خلال تسريب المعلومات للتثوير الداخلي، ولا من خلال مس سمعة أي سلطة من السلطات.
كل الحقوق السابقة يمارسها الأردنيون إلى حد كبير وهي متاحة لهم، لا لغيرهم، ولعل أخطر فئة هنا في الأردن، تلك التي تستقوي بالخارج لفرض تغييرات في الداخل، وهي ان مارست هذه اللعبة في قانون الجرائم الإلكترونية، فهي ستواصل ذات اللعبة في قضايا حساسة ثانية، تمس الدين، والوطنية، والقومية، وثوابت المجتمع الأخلاقية، وهناك شواهد انهم يحاولون بكل الوسائل تغيير الأردن بنيويا.
الأدهى والأمر أن بعضنا يحتفل بكل نقد غربي يتنزل على هذه البلاد، ويحتفي بكل تجاوز قد يرتكبه دبلوماسي ضد بلاده في جلسة هنا أو هناك، ولا كأن البلاد بلاده، ولا كأن اللياقة الوطنية تفرض عليه على الأقل الشعور بالاستياء أمام مس بلاده، وهذه حالة نراها عند كل بيان أو تقرير أو مقال ينتقد الأردن لسبب ما، وإذا كنا بكل أمانة ننتقد داخليا وبشكل حاد كثيرا من القضايا والسياسات فهذا شأننا نحن في بلادنا، لا شأن الآخرين الذين يرفضون للمفارقة اعتراضنا على كثير من التصرفات المهينة في بلادهم ضد ثقافتنا وديننا، بذريعة ان هذه حريات مصانة في بلادهم.
السفراء والدبلوماسيون عليهم أن يحترموا وجودهم، هنا، مثلما يحترم سفراء الأردن ودبلوماسيوه وجودهم في عواصم العالم، ولا تنقص الأردن الوسائل ولا الاتصالات المباشرة لوقف تجاوزات هذا أو ذاك، خصوصا، أن الأردن متنفذ في الخارج وبما يتجاوز وجود سفراء هذه الدول هنا، وهو أمر يعرفه هؤلاء لكنهم يتغافلون عنه.
ثم اين الرواية السياسية الكاملة في كل قصة، ما دمنا نستقوي برأي الخارج، ولا نضع رأي الداخل فيها، من باب الأمانة، والعدل، والتوازن، والانصاف ؟!.