عاملات الزراعة .. تعب السنوات يؤخر حتمية العيش على المعونات

mainThumb

11-08-2023 12:19 AM

printIcon

بعد عمر طويل قضته كعاملة مياومة في القطاع الزراعي بأجور متدنية، تجد أم أحمد نفسها اليوم بلا معيل ولا عمل، فلم تعد قادرة على بذل الجهد السابق بعد تقدمها بالسن، بينما سنوات الخدمة انتهت باعتمادها على مخصصات المعونة الوطنية الزهيدة.

هذا الواقع يشمل غالبية العاملات بالقطاع الزراعي خاصة ممن يعملن بنظام المياومة خلال فترات المواسم الزراعية المتقطعة.

تقول أم أحمد "جميعنا كعاملات في الزراعة كان همنا الوحيد الحصول على أجر يكفينا لتوفير نفقات الأسرة اليومية، حتى أن بعضنا كان يرفض التسجيل في الضمان الاجتماعي لتجنب وقف صرف مخصصات المعونة الوطنية ولم نعي أهمية هذا الأمر إلا بعد فوات الآوان"، موضحة أن "قلة من العاملات اللاتي يعملن في شركات زراعية اشتركن في الضمان الاجتماعي وحتى وإن كانت رواتبهن متدنية إلا أنهن يشعرن بشيء من الأمان والطمأنينة".
وتشاركها الرأي الأربعينية عايدة، موضحة أن "غالبية العاملات يجهلن أبسط حقوقهن، في حين أن العمل المتقطع حرم الكثير من الحصول على حقوقهن خاصة فيما يتعلق بإصابات العمل والمواصلات"، مشيرة الى أن "أي عاملة تتوقف عن العمل لأي سبب كان فإنها تصبح غير قادرة على توفير لقمة العيش".
ويوضح الناشط عزيز عودة أن مشكلة عمال الزراعة أن غالبيتهم يعملون بدون عقود كون عملهم موسمي وبنظام المياومة، الأمر الذي يعيق الزام أصحاب العمل على إعطائهم أبسط الحقوق العمالية، لافتا الى أن القطاع الزراعي يعاني من تحديات اقتصادية جمة كارتفاع المديونية والخسائر المتراكمة والتي بمجملها تجعل من الصعوبة بمكان الزام المزارع على إشراك العمال بالضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي أو حتى توفير بيئة عمل جيدة للحد من النفقات المترتبة عليه.
ويلفت عودة إلى أن صدور نظام العاملين في الزراعة يعتبر خطوة نوعية لتحسين ظروف العاملين والعاملات في الزراعة خاصة وأن معظمهم يعانون جراء غياب معايير عمل لائقة، مشددا على ضرورة البدء بتطبيق النظام على أرض الواقع ليشمل جميع العاملين سواء المقيدين أو غير المقيدين.
وتتضمن مواد النظام رقم 19 لسنة 2021 (نظام عمال الزراعة لسنة 2021)، اشتراط وجود عقد ملزم للطرفين صاحب العمل والعامل، كما حدد عدد ساعات العمل وضرورة أن لا تكون الأجور أقل من الحد الأدنى ومنح ساعة استراحة لا تحتسب من عدد ساعات العمل، إضافة الى يوم عطلة أسبوعي وإجازة سنوية وإجازات مرضية وضرورة المساواة بالأجور بين العاملين بغض النظر عن الجنس وضرورة الالتزام بتوفير ظروف السلامة والصحة المهنية وإشراك العاملين بالضمان الاجتماعي وتحديد عدد من الإجراءات بحق المزارع الذي ينتهك حقوق العاملين.
وتؤكد رئيسة جمعية تطوير وإعمار الخيرية سيرين الشريف أن آلاف السيدات والفتيات يعملن في القطاع الزراعي دون أي حقوق، ما يتطلب العمل ووضع خطط وإستراتيجيات واضحة المعالم وقابلة للتطبيق على أرض الواقع لتوفير الحماية للمرأة العاملة في القطاع الزراعي، بما في ذلك توفير بيئة آمنة ومناسبة وتمكينهن من الحصول على حقوقهن كالعاملين في بقية القطاعات الانتاجية.
وتقول، "لا شك أن العاملين في القطاع الزراعي وخاصة النساء بأمس الحاجة لتوفير منظومة حماية اجتماعية سواء اشراكهن في الضمان الاجتماعي لكي يجدن ما يساعدهن في وقت هن بأمس الحاجة للمساعدة، إضافة الى التأمين الصحي وخصوصا فيما يتعلق بإصابات العمل، والمواصلات وتوفير المنافع العامة والمساواة بالأجور وتوفير ظروف عمل ملائمة"، مؤكدة أن "تظافر جميع الجهود لتوفير الحماية الاجتماعية للعاملات في القطاع الزراعي سيسهم في الحفاظ على صون كرامتهن ويحسن من أوضاعهن وديمومة عملهن في القطاع".
وتشير الرئيسة التنفيذية لمركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ليندا الكلش، أن "العاملات في الزراعة من أكثر الفئات احتياجا لمنظومة حماية خاصة وأن معظمهن يعملن بنظام المياومة دون أي حقوق، مبينة أن صدور نظام العاملين في الزراعة يعتبر خطوة مهمة لحماية العمال وتوفير بيئة عمل مناسبة وآمنة".
وتضيف أن "إخضاع العمالة الزراعية لقانون العمل سيمكن العاملين من الحصول على عدد من الحقوق كإصابات العمل وبدل إجازة أمومة للسيدات العاملات والمساواة بالأجور والاشتراك بالضمان الاجتماعي"، مستدركة "إلا أن ما آل اليه الوضع في القطاع الزراعي خلال العقد الأخير يتطلب المزيد من الاهتمام الحكومي بالقطاع للنهوض به لأنه ليس من المعقول أن نطلب من المزارعين إعطاء حقوق العمال وحقوقهم منقوصة".
وتشدد الكلش على ضرورة إشراك عمال الزراعة في الضمان الاجتماعي وإيجاد آلية معينة لإشراكهم حتى وإن كان يعمل بالمياومة أو على نظام الساعة، وضرورة إعادة النظر بالاشتراكات الشهرية وتخفيضها لتشجيع المزارعين على تحمل نسبة الاشتراك المطلوبة منه كون نسب الاشتراك الحالي مرتفعة.
وتنوه الى أن "المركز عمل على اتخاذ خطوات جادة في مجال توفير الحماية للعاملات في القطاع الزراعي من خلال توفير منظومة نقل آمنة لنقل النساء العاملات خلال ذهابهن وعودتهن من أماكن العمل بما يجنبهن العديد من المشاكل التي كن يواجههن سابقا"، مضيفة أن "هذا المشروع سيحسن من ظروف عمل السيدات، ويسهم في زيادة إنتاجيتهن في القطاع الزراعي بما ينعكس إيجابا على أوضاعهن الاقتصادية".
وكانت وزيرة التنمية الاجتماعية، رئيسة اللجنة الوزارية لتمكين المرأة وفاء بني مصطفى، قد أشارت خلال حفل إطلاق خدمة الحافلات الأسبوع الماضي الى أهمية التعديلات التي طرأت أخيرا على قانون الضمان الاجتماعي، والتي تضمنت شمول العاملين في الحيازات الزراعية بتأمين إصابات العمل والأمومة، بالإضافة إلى صدور نظام العاملين في الزراعة لعام 2021 الذي أكد في مواده على المساواة بين العاملين في الزراعة في الأجر دون أي تمييز قائم على أساس الجنس، ومراعاة الحد الأدنى له، مشددة على ضرورة استفادة العاملات في الزراعة من الحقوق والمزايا المنصوص عليها في قانون العمل.

الغد