هذه أزمات مرهقة، إذ يخرج الناس من شهر رمضان، فيدخلون عيد الفطر، ويخرجون من عيد الفطر، فيأتيهم عيد الأضحى، ثم تأتيهم المدارس الحكومية والخاصة، ثم الجامعات والكليات.
هذا مجرد نموذج لأشهر الصيف، من شهر 4 حتى شهر 10، ووسط هذه الشهور تأتي مناسبات الصيف من حفلات التخرج والخطبة والزواج والمباركة، هنا وهناك، ووسط هذه الشهور قصص رفع سعر البنزين، وكلف الحياة، وارتفاع أقساط المصارف، وغير ذلك من مواسم يتشاغل بها الأردنيون طوال صيفهم الذي تشتد حرارته، فوق ما فيه من حرارة أصلا.
ثم يدخل موسم الشتاء بكلف التدفئة وفواتير الكهرباء والوقود واللباس، ثم يأتيهم موسم الزيت، على طريقتنا المعتادة، أي مؤونة البيت لدى الأغلبية، وكلف المواصلات حين يضطر كثيرون لوسائل مواصلات بديلة في بعض الحالات، وسط حياة باتت مختلفة ومرهقة للأعصاب.
لقد تغيرت الحياة، وتعقدت كثيرا، ولم تعد بتلك البساطة، فالكل يتذمر من مخالفات السير، إلى ترخيص السيارات، إلى أقساط الشقق والسيارات أيضا، ولا تعرف هل طغت علينا الحياة الاستهلاكية، أم أن كل شيء قد تغير فعليا، بما يضاعف كلف الحياة، ويفرض قواعد جديدة على الناس، لا يتم اتباعها بالمناسبة، لأن الرغبة بالاستمرار بذات الطريقة هي الغالبة، فوق أن هناك رأيا وازنا يقول إن أغلب الالتزامات إجبارية وليست مجرد ترف معيشي في حياتنا العصرية.
مواسم الإرهاق ليست حكرا على الأردن إذ أن أغلب المجتمعات العربية لديها ذات التواقيت، لكن الفرق أن بعض تلك المجتمعات لديها قطاعات محمية مثل العلاج والتعليم، وهذا يخفف على الناس كثيرا، لكننا هنا نصيح ولا نوفر الحماية بذريعة قلة المال، خصوصا، على مستوى التعليم الجامعي، ثم هذه الهجرة المتواصلة إلى قطاع المدارس الخاصة، التي يدرس فيها ربع الأردنيين وفقا لما يقوله منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلبة "ذبحتونا" فاخر دعّاس في آخر تصريحاته.
لقد ارتفعت كلف الحياة كثيرا، ولم يعد ممكنا تغطية كثير من الالتزامات، واللافت للانتباه هنا أن الأغلبية مدينة للمصارف والجمعيات والأصدقاء والأقارب، وقد تعرف كثيرين في حياتك يستدينون من هنا، من أجل التسديد هناك، أي نقل الدين من الكتف اليمنى إلى الكتف اليسرى، دون سداد أصله كليا، أو سداد جزء محدود منه فقط، في ظل استعصاء الحلول المالية لدى كثيرين.
هذا الكلام يأخذنا إلى ما هو أعمق، أي الأزمة الاقتصادية، وما هو لدينا هو أزمة مركبة ومعقدة، فالأجور منخفضة، والقطاع الخاص لا يولد فرصا جيدة، بل إن القطاع الخاص يشكو من أرقامه، هذا على الرغم من الإعلانات التي نسمعها يوميا عن زيادات النشاطات، وفوق كل هذا نلاحظ أزمات في قطاعات مهمة من المقاولين والصيدليات والنقل وغير ذلك، وكل قطاع لديه أزمة ويقول صراحة إن هذه الأزمات سوف تؤثر على قوة القطاع وعمليات التشغيل فيه.
لقد تغيرت الدنيا، مرة ثانية، فلم يعد هذا الأردن، أردن الثمانينيات، ويعيش اليوم فيه قرابة 11 مليون شخص، ينافسون على موارد قليلة، من شربة الماء إلى فرصة العمل، في ظل تجفيف المساعدات، وغلبة الدين وقهر الرجال، وهذا يعني أن الأردن الذي نطالبه بالحلول ليس الأردن الذي كان رشيقا بعدد سكانه، وكان قليل الهم والغم والدين والعجز، لكن هذا لا يعفي أي واحد فينا من مسؤولياته، إذ لدينا نماذج لدول نهضت بعد طول التعب، وأعادت إنتاج مشهدها الداخلي، وبناء الاقتصاد، ولم تستلم لكل هذه التفاصيل، وربما ما هو أخطر على الأردن هو الاستسلام أمام المشهد، واعتبار أن هذه أزمات مزمنة لا يمكن تفكيكها، أو التخفيف منها، لأننا بهذه الحالة نقر ونعترف أن السنوات المقبلة ستكون أسوأ بكل تأكيد، مع تفاقم المشاكل، وقلة الحلول.