بينما واصلت الصادرات الوطنية رحلة نموها خلال الأعوام الأخيرة، باستثناء "سنة كورونا"، يتوقع خبراء استمرار ارتفاعها خلال الفترة المقبلة، لكن ذلك لا يعني بحسب رأيهم، عدم مواجهة التحديات التي تحيط بهذا الملف.
وأكد اقتصاديون أن استمرار نمو الصادرات سينعكس بشكل إيجابي على تحسين مؤشرات الاقتصاد الوطني وتعزيز النمو الاقتصادي والحد من نسب البطالة لكن ثمة من يشير إلى أن هذا الارتفاع لا يعتبر مؤشرا دقيقا كما يراه البعض في عكس صورة إيجابية، لأن الارتفاع في الأغلب ناتج عن ارتفاع أسعار السلع الناجم عن تضخم الكلف.
وأوضح الخبراء أن هناك تحديات ما تزال تواجه قطاع التصدير المحلي وتحد من نموه وقدراته التنافسية والتصديرية ومن أهمها ارتفاع كلف الإنتاج والطاقة لا سيما كلف الكهرباء إضافة إلى تحدي النقل ومحدودية شبكاته مع دول المنطقة فضلا عن ضعف التنوع السلعي والجغرافي للصادرات الوطنية والتركيز الواضح على مستوى السلع والدول.
ويشار إلى أن قيمة الصادرات الوطنية خلال عام 2022 بلغت ما مقداره 8.08 مليار دينار بارتفاع نسبته 33.8 % مقارنة بالعام 2021 الذي ارتفعت فيه الصادرات الوطنية مقارنة بالعام الذي سبقه(عام كورونا) بنسبة 20 %.
وتجدر الإشارة إلى أن عام 2020 عام الجائحة قد تعطلت دورة الإنتاج إذ لا يمكن الاعتماد عليها كمرجع إحصائي
وقد بلغت قيمة الصادرات الوطنية خلال عام 2019 ما مقداره 4.99 مليار دينار بارتفاع نسبته 6.8 % مقارنة بنفس الفترة من عام 2018.
وبلغت قيمة الصادرات الوطنية خلال عام 2018 ما مقداره 4.66 مليار دينار بارتفاع نسبته 3.6 % مقارنة بعام 2017.
وبقصد تعزيز نمو الصادرات الوطنية وتوسيع قاعدتها دعا اقتصاديون إلى ضرورة تسهيل حصول الشركات الصناعية على استخدام الطاقة المتجددة إضافة إلى أهمية التوجه نحو التصدير والدخول الى أسواق جديدة غير تقليدية.
كما دعا هؤلاء إلى ضرورة إطلاق وتطوير خطة وطنية لترويج الصناعات الأردنية، إلى جانب وجوب إعداد سياسة صناعية جديدة تتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي والتوجيهات الملكية بالتركيز على الصناعات المتقدمة عالية القيمة وتوطين التقنيات والتكنولجيا الحديثة في الإنتاج.
وقال رئيس غرفتي تجارة الأردن وعمان فتحي الجغبير لـ"الغد" إن استمرار مسيرة نمو الصادرات الوطنية يعكس الأداء الإيجابي للصادرات منذ جائحة كورونا، وتمكنها من البناء على الفرص المتاحة من طلب عالمي على الأسمدة والمنتجات الغذائية وغيرها من السلع الأساسية والضرورية.
وأكد الجغبير أن أهمية الاستمرارية في النمو، تنبع من كون الصادرات جزءا مهما ومحركا رئيسيا للناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي تعزيز القدرة على النمو الاقتصادي وتحقيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، كما أنه يدلل على جودة وكفاءة المنتجات الوطنية.
وأشار الجغبير إلى أن الأردن يمتلك المزيد من الإمكانات التصديرية التي يمكنها تحقيق المزيد من النمو، خاصة إذا ما تم ضمان حسن إدارة الاستفادة من الفرص التصديرية المتاحة أمام المنتجات الوطنية، والتي تقدر بحوالي 4.4 مليار دولار من مختلف المنتجات والى مختلف دول العالم، في ظل نفس الحجم من العمليات التصنيعية والاستثمار الحالي.
وبين الجغبير أن الصادرات الوطنية تعتبر هي المحرك الأقوى والإسرع للنمو الاقتصادي، وهذا ما أكدته العديد من الدراسات منها دراسة لمنتدى الإستراتيجيات الأردني والتي بينت نتائجها أن كل دينار صادرات يؤدي الى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 2.89 دينار.
ولفت الجغبير إلى أن مركز التجارة العالمي قد أشار في دراسة إلى أن الأردن إذا ما حقق الاستغلال الأمثل للفرص التصديرية فإن هذه الفرص تستطيع توفير نحو 140 ألف فرصة عمل بشكل مباشر وغير مباشر، ما يعني أننا أمام فرص حقيقية يمكن من خلالها التغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأردن.
وأوضح الجغبير أن الحفاظ على هذا النمو وزيادة زخمه يتطلب العمل على إزالة جميع التحديات والمعيقات التي تواجهه ومن أهمها ضعف التنوع السلعي والجغرافي للصادرات الوطنية والتركز الواضح على مستوى السلع والدول، إذ تستحوذ 7 دول فقط على ما نسبته 70 % من إجمالي الصادرات الوطنية رغم وصول المنتجات الأردنية لأكثر من 142 دولة، كما وتستحوذ 13 سلعة فقط على حوالي
61 % من إجمالي الصادرات الوطنية، وهذا من الممكن أن يحدث في حال ما تم تنفيذ الخطة ترويجية خارجية للتعريف بالمنتج الوطني والتشبيك مع الشركاء التجاريين في الخارج وتقديم الدعم الفني للمصدرين.
ودعا الجغبير إلى ضرورة الحد من الكلف الإنتاجية العالية، وخاصة كلف الطاقة، والتي تعتبر أحد أبرز التحديات التي تعيق نمو القطاع وتضعف قدرته التنافسية في الأسواق المحلية والأسواق الخارجية، إذ تصل فروقات كلف الإنتاج مع الأسواق الداخلية والأسواق التصديرية الى حوالي 25 % كما أن كلفة الكهرباء في بعض القطاعات الصناعية تصل إلى ما يقارب 60 % من إجمالي كلف الإنتاج، وذلك من خلال الإسراع في مد المدن الصناعية بالغاز، والتي ستسهم بشكل كبير في التخفيف من كلف الطاقة التي يتكبدها القطاع الصناعي.
كما دعا إلى ضرورة ضمان تنفيذ الإستراتيجيات الوطنية للتصدير وما ورد من مبادرات ضمن رؤية التحديث الاقتصادي، والتي من شأنها رفع القدرات التصديرية، وتخصيص وتوجيه القدرات والإمكانات بالشكل المطلوب، والتي ستنصب في رفع مستوى نمو الصادرات الصناعية والحفاظ على زخمها المطلوب، وضمان التنوع السلعي والجغرافي للصادرات الوطنية.
بدوره، أكد رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية إياد أبو حلتم لـ"الغد" أن الصادرات المحلية نمت بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الرغم من أن الاقتصاد الوطني ما يزال في مرحلة التعافي من جائحة كورونا، حيث لم تمنع الجائحة وما حملته من تبعات الصادرات من النمو إذ إنها سجلت ارتفاعا في معدل نموها خلال 2021 بنسبة اقتربت 18 %
و بين أبو حلتم أن المعطيات كلها تشير إلى أن الصادرات ستواصل مسيرة النمو خلال هذا العام، مما سيكون له انعكاس واضح على تحسن مؤشرات الاقتصاد الوطني وتعزيز النمو الاقتصادي والحد من نسب البطالة.
ولفت أبو حلتم إلى أن الصادرات الأردنية باتت متنوعة ولم تعد تقتصر على نوع معين من الصناعات، ما يؤكد على تطور القطاع الصناعي محليا و وصوله إلى الأسواق العالمية.
و أشار أبو حلتم إلى أن صادراتنا من الصناعات الغذائية قد زادت مؤخرا ، وتوسعت قاعدة البلدان التي تصل لها، وأصبحت تحظى بالاحترام والإقبال الخارجي، حيث تتميز بأنها تستخدم تكنولوجيا متقدمة في التصنيع .
وبحسب أبو حلتم تعد الصناعات الكيماوية من الصناعات الواعدة جدا في الأردن، والتي تتمتع بقدرات تصديرية عالية وخصوصا المواد الخام والمواد الخام الطبيعية الموجودة لدينا أردنيا وفي مقدمتها البوتاس والفوسفات والأسمدة ، حيث يتم تصديرها إلى دول شرق آسيا وبعض الدول العربية .
وأوضح أن الصناعات الأردنية استطاعت في السنوات الأخيرة أن تدخل إلى أسواق جديدة وغير تقليدية ، كأسواق القارة الأفريقية وأسواق قارة أميركا الجنوبية، إضافة إلى الولايات المتحدة التي كانت تقتصر صادراتنا لها سابقا على الألبسة، لكنها باتت اليوم تشمل الصادرات الغذائية والبلاستيكية وغيرها .
ويرى أبو حلتم أن زيادة القاعدة التصديرية للصناعات المحلية تحتاج إلى جهود كبيرة ومعالجة بعض الإشكاليات، كاتفاقية تبسيط قواعد المنشأ مع الاتحاد الأوروبي الموقعة عام 2016 ، والتي كانت الاستفادة منها دون الطموح والمأمول مما يستدعي العمل على معالجة الضعف الشديد لها ، خاصة الجهود التسويقية التي تحتاج إلى اشتراطات معينة وقنوات توزيع محددة داخل دول الاتحاد .
وطالب أبو حلتم بضرورة إطلاق وتطوير خطة وطنية لترويج الصناعات الأردنية ، تأخذ بعين الاعتبار كلفة دخول الأسواق من خلال دعم المشاركة في المعارض و المؤتمرات والبعثات الصناعية المكلفة خصوصا على الشركات الصغيرة والمتوسطة
كما طالب بأهمية إعداد سياسة صناعية جديدة تتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي والتوجيهات الملكية بالتركيز على الصناعات المتقدمة عالية القيمة وتوطين التقنيات والتكنولجيا الحديثة في الإنتاج
إلى ذلك أوضح الخبير الاقتصادي موسى الساكت لـ"الغد" أن الصادرات لدينا تزداد من ناحية القيمة لا الكم نتيجة أرتفاع الكلف، إذ إن الرقم القياسي للإنتاج لم يتجاوز 4 % ، وبالتالي فإن النمو الحاصل على الصادرات لا يعد مؤشرا حقيقيا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل ، مبينا أنه تم تحقيق تحسن مقبول في حجم الصادرات خلال السنوات الأخيرة ، إلا أنه ما يزال لم يرتق إلى المأمول .
وأكد الساكت أن هناك تحديات ما تزال تواجه القطاع الصناعي المحلي وتحد من نموه وقدراته التنافسية والتصديرية ، ومنها ارتفاع كلف الطاقة والتشغيل، لا سيما كلف الكهرباء ، إضافة إلى تحدي النقل سواء الداخلي او الخارجي من حيث كلفه المرتفعة و تواضع انتشار خطوطه مع الدول الخارجية ، إذ إن النقل يعد شريان مهم للقطاع وحركته التصديرية .
وأشار الساكت إلى أن رؤية التحديث الاقتصادي تعد أملا للقطاع الصناعي لأنها تستهدف بشكل واضح زيادة حجم الصادرات ، لافتا إلى أن ذلك يستدعي حل المعيقات من أجل تحقيق تطلعات الرؤية
وبهدف زيادة حجم الصادرات دعا الساكت إلى ضرورة تسهيل حصول الشركات الصناعية على استخدام الطاقة المتجددة، إضافة إلى أهمية توجيه البنوك إلى التوسع في التسهيلات التمويلية المقدمة للقطاع .
الغد