دعا خبراء إلى التعامل بجدية مع نتائج مؤشر "الحرية الاقتصادية 2023" الذي نشره منتدى الإستراتيجيات الأردني أخيرا نقلا عن مؤسسة "هيرتك" الأميركية المتخصصة في البحث والتعليم والدراسات.
ويرى خبراء اقتصاديون أن تراجع الأردن على مؤشر الحرية الاقتصادية "الملموس" سببه التحديات الاقتصادية القائمة وقصور السياسات والتشريعات الاقتصادية السائدة محليا ومرواحة تطوير العملية الاقتصادية مكانها إضافة إلى ضعف تطبيق الخطط والتشريعات الاقتصادية.
وبين خبراء أن تراجع الأردن على المؤشر المذكور سينعكس سلبا وبشكل جلي على سمعة الأردن الاستثمارية وسيحد من تدفق الاستثمارات، إضافة إلى تضرر صورة الأردن الاقتصادية أمام المؤسسات المالية المانحة.
وبهدف الارتقاء بالاقتصاد الأردني على هذا المؤشر وغيره من المؤشرات الاقتصادية العالمية دعا خبراء إلى ضرورة تبني إصلاحات هيكلية وجادة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى أهمية العمل على معالجة الاختلالات التي أبرزها المؤشر، إلى جانب وجوب اتخاذ إجراءات تسهل وتدعم ممارسة الأعمال، وتشجيع الأعمال الريادية، وتحد من الاحتكار في بعض القطاعات.
كما دعا هؤلاء الخبراء إلى ضرورة توفير مناخ استثماري حقيقي ومنافس قادر على استقطاب الاستثمارات الكبيرة، علاوة على أهمية إنشاء جهة رقابية تكون معنية بمتابعة ومراجعة الأنظمة والسياسات الاقتصادية وتجويدها.
غير أنه هنالك وجهة نظر تشير إلى أنه لن يكون هنالك أثر ملموس على حدوث أي تراجع محليا للوضع القائم الخاص بالحرية الاقتصادية إذ لم تتغير أي من التشريعات والقوانين الاقتصادية السائدة منذ سنوات وأن هذا المؤشر لا يقدم صورة حقيقية عن واقع الحرية الاقتصادية في الأردن.
وكان الأردن قد تراجع على مؤشر الحرية الاقتصادية 2023 إلى ترتيب 93 عالميا و 5 عربيا مقارنة مع آخر إصدار للمؤشر عام 2021 والتي حل فيه في المرتبة 63 عالميا، وذلك بعد أن حصل على درجة كلية متوسطة بلغت 58 %
وحصل الأردن على درجات منخفضة في عدد من المؤشرات الفرعية كالمؤشرات التابعة لمحور سيادة القانون، فقد حصل على درجة (42.7/100) في مؤشر الفعالية القضائية وبترتيب 98/183، ودرجة (48.3/100) في مؤشر نزاهة الحكومة وبترتيب 67/183، ودرجة (54.1/100) في مؤشر حقوق الملكية وبترتيب 82/183.
كما حصل على درجة منخفضة جدا في مؤشر صحة المالية العامة حيث بلغت (3.1/ 100) وبمرتبة 163/183 ضمن محور حجم الحكومة وفي بقية هذا المحور حصل الأردن على درجة متوسطة نسبيا كمؤشر الإنفاق الحكومي (70/100) وبترتيب 91/183 بينما كانت درجته في مؤشر العبء الضريبي هي الأفضل (84.7/ 100) ضمن هذا المحور وبمرتبه بلغت 58/183.
في حين حصل على درجات متقدمة إلى متوسطة في المؤشر الفرعي الكفاءة التنظيمية، إذ جاء في درجة مرتفعة في مؤشر الحرية النقدية (83.6/ 100) وبترتيب بلغ 7/183 بين الدول عالمياً. بينما جاءت مرتبته متوسطة في مؤشر حرية الأعمال 100/183 وبدرجة (59.8/100)، وكذلك في مؤشر حرية العمل 80/183 وبدرجة (57.4/100).
وفي محور انفتاح السوق، فقد حصل الأردن على مرتبة متقدمة نسبيا في مؤشري حرية الاستثمار 52/183 وبدرجة (70/100)، والحرية المالية 51/183 وبدرجة (60/100). في حين جاءت مرتبته متوسطة في مؤشر حرية التجارة 90/183، وإن كانت درجته متقدمة نسبيا
وقال وزير تطوير القطاع الأسبق ماهر المدداحة "تراجع الأردن على مؤشر الحرية الاقتصادية يعبر عن وجود خلل في بعض السياسات والتشريعات الاقتصادية المتبعة لدينا" مبينا أن هذا التراجع سيكون له تأثير سلبي بشكل واضح على صورة الأردن الاستثمارية .
وأوضح المدادحة أن التشريعات والإجراءات الحكومية المتعلقة بالاستثمار تبدو ضعيفة علاوة على تحدي البيروقراطية الذي ما يزال قائما منذ عقود، وما يدلل على ذلك تواضع حجم الاستثمارات التي دخلت الأردن في السنوات الماضية، معتبرا ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى التراجع في المؤشر المذكور.
وبين المدادحة أن انعكاس ارتفاع الدين العام والفجوة الكبيرة في ميزان المدفوعات وعجزه، قد أدت هي اللأخرى إلى هذا التراجع الحاصل على المؤشر إذ اتضح ذلك في المؤشر الفرعي لصحة المالية العامة الذي سجل فيه الأردن درجة منخفضة .
ومن أجل تعزيز الحرية الاقتصادية لدينا محليا دعا المدادحة إلى ضرورة تحرك الحكومة سريعا لتبني سياسات اقتصادية قادرة على تحقق تنشيط اقتصادي سريع وفاعل، إضافة إلى ضرورة العمل على معالجة الاختلالات التي أبرزها المؤشر.
كما دعا إلى وجوب تخفيض كلف الأعمال والإنتاج ، فضلا عن أهمية تهيئة البيئة الاستثمارية و إصلاح التشريعات المتعلقة بها، علاوة على ضرورة إصلاح وتعزيز منظومة النزاهة والشفافية .
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي مجدي مخامرة أن ضعف فاعلية السياسات الاقتصادية السائدة لدينا محليا هي السبب الرئيسي لما يواجهه الاقتصاد الوطني من تحديات والتي انعكست على تراجعنا في مؤشر الحرية الاقتصادية، ويضاف إلى ذلك تراجع المساعدات المالية المقدمة للأردن خلال السنوات الماضية مما زاد من حجم الضغوط على الميزانية العامة ودفع الحكومات إلى الاقتراض وتقليص النفقات الرأسمالية.
وبين مخامرة أن هذا التراجع سيكون له انعكاس سلبي على تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة وسيحد منها بشكل واضح ، كما أنه سيضر بصورة الأردن الاقتصادية أمام المؤسسات الدولية المانحة.
وأشار مخامرة إلى أن التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني من حيث ارتفاع نسب البطالة وحجم المديونية العامة، وتراجع الدعم الأجنبي وكلفة استضافة اللاجئين، إضافة إلى تراجع الاستثمار الأجنبي، وعدم عدالة النظام الضريبي ، وارتفاع الكلف التشغيلية والإنتاجية على القطاعات الاقتصادية ، ساهمت في تراجعنا على مستوى مؤشر الحرية الاقتصادية .
ويرى المخامرة أن تحسين مستوى الأردن على مؤشر الحرية الاقتصادية يستدعي من الحكومة تبني إصلاحات هيكلية وجادة للاقتصاد الوطني من أجل توفير قطاع خاص أكثر ديناميكية يمكنه من إيجاد وظائف كافية ويسهم في رفع مستويات المعيشة، إضافة إلى توفير مناخ استثماري حقيقي ومنافس قادر على استقطاب الاستثمارات الكبيرة ، داعيا إلى وجوب اتخاذ إجراءات تسهل وتدعم ممارسة الأعمال ، إضافة إلى تشجيع الأعمال الريادية، والحد من الاحتكار في بعض القطاعات.
واتفق الخبير الاقتصادي حسام عايش مع سابقيه في الرأي بأن تراجع الأردن على مؤشر الحرية الاقتصادية يعكس قصور السياسات الاقتصادية المطبقة لدينا محليا إضافة إلى مرواحة تطوير العملية الاقتصادية مكانها ، وضعف تطبيق الخطط والتشريعات الاقتصادية . وأكد عايش أن مؤشر الحرية الاقتصادية وما ينضوي تحته من مؤشرات فرعية تعطي صورة عن الاقتصاد الوطني وعن الآليات والسياسات التي يقوم عليها اقتصاد أي دولة ، كما أنها تظهر الواقع الحقيقي لاقتصادات هذه الدول .
و أكد عايش أن هناك جهودا واضحة تبذل من أجل تحسين حضور الأردن على المؤشرات الاقتصادية جميعها إلا أن النتائج تأتي أحيانا أقل من حجم التطلعات ، ما يدلل على وجود مشكلة كبيرة في ما يتعلق بالقدرة على تطبيق وترجمة الرؤى والتشريعات والاجراءات المتعلقة بهذه الغاية
واعتبر عايش أن حصول الأردن على درجات منخفضة في بعض المؤشرات الفرعية التي يرصدها مؤشر الحرية الاقتصادية كتلك المنضوية تحت محور سيادة القانون والمتعلقة بمؤشر الفعالية القضائية تعد خطيرة وسلبية على الاقتصاد الوطني، حيث سيكون لها انعكاس كبير في تراجع الاستثمارات المتدفقة إلى المملكة .
ولفت عايش إلى أن الانخفاض الحاد في درجة الأردن على مؤشر صحة المالية العامة يعبر عن الارتفاع المستمر لحجم المديونية المحلية إضافة إلى ارتفاع الكلف والأعباء الضريبية الداخلية، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة حيث أن لكل ذلك تداعيات على الأداء الاقتصادي والاجتماعي والاستهلاكي والاستثماري ، مما يستدعي العمل على معالجة ذلك .
وبغية الارتقاء بالاقتصاد الأردني على هذا المؤشر وغيره من المؤشرات الاقتصادية العالمية طالب عايش بضرورة ، إيجاد جسم وجهة رقابية تكون معنية بمتابعة ومراجعة الأنظمة والسياسات الاقتصادية وتجويدها من أجل تحسين الصورة الكلية لوضع الاقتصادات الذي يترتب عليه في المحصلة تدفق الاستثمارات والحصول على المنح والمساعدات .
كما طالب بأهمية العمل على سن تشريع ينص على تقديم تقرير ربعي أو سنوي إلى مجلس النواب حول حضور الاقتصاد الأردني على المؤشرات الدولية بما يعزز الرقابة على تطبيق الحكومات لسياستها الاقتصادية .
إلى ذلك اختلف الخبير الاقتصادي مفلح عقل مع سابقيه معتبرا أن النتائج التي قدمها المؤشر قد تكون مجانبة للصواب إذ أنه ليس هناك ما هو ملموس على حدوث أي تراجع للوضع القائم الخاص بالحرية الاقتصادية، إذ لم تتغير أي من التشريعات والقوانين الاقتصادية السائدة منذ سنوات، معتبرا بأن هذا المؤشر لا يقدم صورة حقيقية عن واقع الحرية الاقتصادية لدينا والتي تبدو جيدة، على الرغم من وجود بعض التحديات الاقتصادية المعروفة للجميع.
الغد