بعد سبعة عشر عاما مرت من عمر منصة التدوينات المصغرة "تويتر" وتميزها خلال السنوات الماضية بعلامة تجارية في كل انحاء العالم، يرحل "العصفور الازرق" الذي مثل شعار الشركة ليحل محله شعار جديد للمنصة ممثلا بالحرف "إكس" وهو ما يرى فيه خبراء محليون "خطوة جريئة محفوفة بالمخاطر"، لكنها تؤشر في الوقت نفسه الى تغيير قادم في كل خدمات المنصة.
وأعلن الملياردير الأميركي مالك منصة "تويتر" إيلون ماسك الأحد إن "منصة التواصل الاجتماعي ستتخلص من شعار العصفور الأزرق الذي كان رمزا للعلامة التجارية، وبأنها تحولت إلى شعار جديد تظهر فيه علامة "إكس" (x) بيضاء اللون على خلفية سوداء بدلا من رمز الطائر الأزرق المعتاد".
وأكد خبراء محليون أن هذا التغيير هو "أكبر تغيير" يقوم به ماسك منذ شرائه منصة التواصل الاجتماعي " تويتر" العام الماضي، وسط تصاعد المنافسة مع منصات أخرى مثل "فيسبوك" و " تيك توك" وغيرها ، مشيرين الى جرأة وخطورة مثل هذه الخطوة وسط ظهور تطبيقات جديدة تقلد مزايا " تويتر" مثل "ثريدز" و" ماستودون" و"بلوسكاي".
وأشار الخبراء إلى أن خطوة ماسك محفوفة بالمخاطر لا سيما وأنها تهدد إبرز ميزة لـ" تويتر" والتي تتمثل بنوعية قاعدة مستخدميه وهم من النخبة وقادة الفكر وبمحتواها كونها مثلت في سنوات سابقة بوابة لتبادل الأفكار، وهو ما كان يعكسه شعارها القديم "شعار الطائر الأزرق"، متسائلين عن قدرة المنصة بعد التغيير في استقطاب مستخدمين جدد وبنفس نوعية المستخدمين القدامى.
بيد ان الخبراء قالوا " تغيير العلامة التجارية لـ" تويتر" الذي يستخدمه اليوم حول العالم اكثر من 350 مليون مستخدم لا بد وانه يحمل رؤية واهدافا جديدة لمالك المنصة اليوم " ايلون ماسك" ورغبته في إطلاق "تطبيق فائق" يسمى إكس (X) يعبّر عن رؤيته لنوع جديد من منصات التواصل الاجتماعي طالما تحدث (ماسك) عن تدشينه ليكون جامعا لخدمات ومزايا متعددة غير " التغريد".
ووفقا لتصريحاته السابقة، يطمح ايلون ماسك من خلال التطبيق المرتقب (X)، إلى أن يجمع في منصة واحدة كل الخدمات التي يحتاجها المستخدم، لتفادي تنزيل عشرات التطبيقات على الهاتف النقال.
ولا يعتبر التغيير الذي طرأ على العلامة التجارية لشبكة " تويتر" الاول من نوعه في العالم الرقمي فقد أعادت شركات تكنولوجيا كبرى تسمية نفسها في السنوات الأخيرة مثل تحول " جوجل"، إلى "الفابيت" للسماح للشركات المختلفة داخل الشركة بالنمو دون تقييدها بمحرك البحث، وجرى تغيير "فيسبوك" إلى "ميتا بلاتفورمز" من أجل التأكيد على التزام الشركة بـ"الميتافيرس"، لكن أسماء المنتجات ظلت كما هي.
وقال الخبير في مجال الاتصالات والتقنية وصفي الصفدي ان "العلامة التجارية ( التي تشمل الهوية البصرية بما في ذلك الشعار) لأي شركة او مؤسسة هي تحمل في العادة القيم والوعد الذي تقدمه الشركة للعملاء وتعكس تطلعاتها وخططها المستقبلية.
وأكد الصفدي أن الشركات تقدم على خطوة تغيير الشعار او الهوية البصرية من أجل تحقيق عدة أهداف ترمي من خلالها الى "تغيير المفهوم السائد حول العلامة الحالية فيما تأتي العلامة التجارية الجديدة بميزات ومنافع جديدة".
الرئيسة التنفيذية لشركة تويتر " ليندا ياكارينو" صرحت قبل ايام أن الاسم الجديد " اكس" سيعكس توجهات الشركة لتقديم تجربة جديدة بتحويلها من منصة مدونات صغيرة لتصبح سوقا للسلع والخدمات والفرص مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وقال الصفدي "إعادة تصميم العلامة التجارية هي "عملية معقدة" تتضمن التخطيط الدقيق، وتنفيذ دراسات للسوق، وتنفيذا إبداعيا بهدف تعزيز مكانة الشركة وديناميكيتها وقدرتها على الابداع، وتحسين جاذبيتها في السوق، وإيصال قيمها للعملاء بشكل أفضل يخدم حاجة الاسواق ومتطلبات المستخدمين بشكل عصري وحديث مواكبا التطور التكنولوجي الذي نشهده اليوم وكل ذلك من اجل تحقيق النجاح وضمان ديمومة واستدامة الشركة على المدى البعيد".
تسويقيا، بين الصفدي ان من اهم الاسباب العامة الرئيسية التي تدفع الشركات لتغيير أو إعادة تسمية العلامة التجارية في اي قطاع كان، هو "الانطباع الحالي للعلامة التجارية"، لافتا الى انه مع مرور الوقت، تصبح صورة العلامة التجارية للشركة قديمة أو غير متوافقة مع قيمها الحالية أو منتجاتها أو الشرائح المستهدفة وخاصة مع تطور الحياة اليومية واختلاف الحاجات/ المتطلبات بين الفئات والشرائح المستهدفة، وبالتالي يسمح تغيير العلامة التجارية للشركة بإعادة تشكيل كيف ينظر إليها العملاء والمستثمرون.
وأشار الى ان من اسباب التغيير هو " التغيير في ديناميكيات السوق"، إذ يمكن أن تتغير اتجاهات السوق وتفضيلات العملاء وطبيعة المنافسة بشكل كبير، وبالتالي يساعد تغيير العلامة التجارية الشركات على التكيف مع هذه التغييرات والحفاظ على قدرتها التنافسية في السوق.
وقال الصفدي "من اسباب تغيير العلامة التجارية المهمة هو "الاندماج أو الاستحواذ"، مبينا انه عندما تندمج شركتان أو تستحوذ شركة واحدة على أخرى، فقد تقرر إعادة تصميم علامتها التجارية لإنشاء هوية علامة تجارية موحدة ومتماسكة تندمج مع الاهداف الاستراتيجية فتعمل على توحيد هوية الشركة خاصة عند وجود كيانات متعددة لها".
وقال "من الاسباب الاخرى للتغيير هو توسيع عروض المنتجات او الخدمات، و "التعافي من التصور السلبي" حول العلامة التجارية، و"التوسع العالمي" الذي يدفع الشركات لتغيير علامتها التجارية لتكييف هويتها مع الحساسيات والتفضيلات الثقافية المختلفة".
وبين الصفدي أن من أسباب تغيير العلامات التجارية هو "إعادة التهيئة في السوق"، و" المشكلات القانونية أو المتعلقة بالعلامات التجارية"، فقد تدفع الطعون القانونية أو النزاعات المتعلقة بالعلامات التجارية أو مخاوف انتهاك الأسماء للشركة إلى إعادة تسمية العلامة التجارية.
وبين الصفدي ان من اهم اسباب تغيير العلامات التجارية هو " التقدم التكنولوجي"، فقد تعيد الشركات تصميم علامتها التجارية لإظهار التزامها بالابتكار وتعكس تبنيها للتقنيات الجديدة، كما أشار الى ان من اهم اسباب التغيير هو تعزيز الميزة التنافسية للشركة في السوق.
وأشار إلى أن التغييرات الداخلية في الشركة مثل التغييرات في القيادة أو إعادة الهيكلة التنظيمية أو التوجهات الاستراتيجية الجديدة قد تدفع الشركة الى تغيير علامتها التجارية.
وقال الصفدي: " أعتقد ان معظم الاسباب العامة السابقة هي التي دفعت ايلون ماسك لتغيير العلامة التجارية، لا سيما مع قيامه بالعديد من الإجراءات عند استحواذه على تويتر من ضمنها ما هو مذكور بالنقاط أعلاه مثل اعادة الهيكلة الداخلية والامور القانونية".
ويرى الخبير التقني يزن صوالحة ان تغيير شعار " تويتر" ستكون له عواقب كثيرة على المستخدمين وعلى العلامة التجارية بشكل عام، لافتا الى ان إعادة تعديل الهوية او الشعار لأي شركة او مؤسسة يأتي عادة لتحقيق هدف جديد ينسجم وطبيعة العلامة التجارية او الهدف الجديد للشركة.
وأكد أن مالك المنصة" ايلون ماسك" لا بد وان يكون وضع اهدافا جديدة للشركة دفعته لتغيير الشعار، وخصوصا انه كان يحلم من سنوات طويلة لتحويل موقع تويتر إلى superApp او تطبيق يصلح لكل شيء بدلا من تطبيق تواصل اجتماعي فقط مثل التطبيق الصيني WeChat.
وأشار صوالحة إلى أن الاسم الجديد يعكس هوس " ايلون ماسك" بحرف "إكس" وهو الامر الذي لا يعرف أحدٌ له سببا، حيث كان أحد مشاريعه الأولى في عام 1999 يدعى "إكس دوت كوم" (X.com)، وكانت منصة مصرفية تقدّم خدماتها عبر الإنترنت استطاع بفضلها بعد ثلاثة أعوام فقط من تأسيسها من تحقيق ثروة بمقدار 165 مليون دولار عندما تمّ دمج شركة "إكس دوت كوم" مع شركة "باي بال" واشترتهما معا شركة إي باي "eBay "
وإلى جانب ما سبق، يرأس "إيلون ماسك" اليوم شركة "سبيس إكس" (SpaceX) المتخصصة في تقنيات استكشاف الفضاء والسياحة الفضائية، ولكن الأغرب من كل ذلك، هو الاسم الذي أطلقه على طفله البكر ويحتوي على الحرف " اكس".
وبين صوالحة ان التغيير يهدف الى "طموح كبير" قد يكون نقطة تحول كبيرة وزيادة المنافسة بين مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا المنافسة مع شركة " ميتا" وتطبيقاتها الاجتماعية التابعة مثل فيسبوك وانستغرام وتطبيق ثريدز الذي تم اطلاقه مؤخرا.
بيد ان صوالحة أشار الى انه من الممكن أن هذا التغيير يمكن ان يحمل أثرا سلبيا من ناحية المستخدم الذي اعتاد على مصطلحات تويتر والتغريدات وإعادة نشرها، وهذا يجعل المستخدم في إرباك عند استخدام التطبيق وقد يدفعه للتحول الى تطبيق اجتماعي آخر.
ولكن صوالحة قال "ما تزال التغييرات متواجدة يوميا على منصات التواصل الاجتماعي وهي تبشر بمنافسة كبيرة ستكون في مصلحة المستخدم".
وتقدر قيمة علامة تويتر التجارية بحوالي 4 مليارات دولار، وفقاً لشركة استشارات تقييم العلامة التجارية "Brand Finance"، فيما تقدر قيمة علامة "فيسبوك" التجارية بـ59 مليار دولار و"إنستغرام" بـ47.4 مليار دولار.
لكن جامعة "فاندربيلت" تقدر قيمة علامة "تويتر" التجارية من 15 مليار دولار إلى 20 مليار دولار.
الخبير في مجال التقنية حسام خطاب يرى أن الفكرة من خلف تطبيق " اكس" هو أن يصبح تطبيق كل شيء، وهي فكرة قديمة جديدة تعود جذورها لدى ماسك إلى عام 1999 عندما فكر في انشاء موقع إلكتروني مسؤول عن كل شيء بما فيها المدفوعات والمشتريات الرقمية والبطاقات الإلكترونية والمنشورات وغيرها وليكون محطة واحدة يجد فيها المستخدم جل ما يحتاج إليه.
وأكد خطاب أن حلم تطبيق " اكس" لم يغادر مخيلة إيلون ماسك، ويبدو انه وجد في تويتر غايته المنشودة، حتى أنه قبل فترة، اشترى نطاق x. com من شركة PayPal تمهيدا للخطة القادمة في جعل تويتر شاملا قريبا من التطبيق الحلم.
ويرى خطاب أن الخطوة " محفوفة بالمخاطر"، لأنها الميزة التنافسية لتويتر وهي قاعدة المستخدمين النخبة، أو على الأقل هكذا كان الحال قبل استحواذ ماسك، فقد تميز تويتر بمستخدمين من قادة الفكر اجتمعوا على المنصة، وجعلوها بوابة لتبادل الأفكار، وشعار الطائر الأزرق عبر تماما عنها.
ولفت الى ان قلة من التطبيقات التي أصبح اسمها فعلا ذا معنى مثل جوجل، وبالتأكيد تويتر كان أحدها.
وقال خطاب " تحركات إيلون ماسك من ساعة استحواذه على تويتر لا تخبر سوى عن أنه عازم على تغيير جلد الشركة".
الغد