في ظل عجز الجهات المعنية عن إيجاد آلية ناجعة تراقب وتضبط تأجير الشاليهات الخاصة في منطقة وادي الأردن بشكل عام والشونة الجنوبية على وجه الخصوص، تزايدت حالات الغرق خلال الآونة الأخيرة ليصل الرقم إلى قرابة 60 حالة وفاة معظمها لأطفال، خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ومع اعتبار أن انتشار الشاليهات أو ما يعرف بـ"المزارع الخاصة"، ليس محصورا بمنطقة وادي الأردن، فإن عدد الحوادث والوفيات قد يكون أعلى من ذلك بكثير على مستوى المملكة.
بالعموم، تبقى الأعداد من حيث القلة والكثرة ليست المشكلة بحد ذاتها، بقدر ما ينذر استمرار غياب الرقابة وآلية ناجحة لضبط عمل هذه الشاليهات هي القضية الأخطر، وفق ناشطين ومعنيين قالوا "بقاء الشاليهات من دون رقابة أمر مقلق وخطر".
وبحسب مصادر أمنية وطبية، فإن عدد حالات الوفاة نتيجة الغرق في الشاليهات لعامي 2018 و2019 بلغت 30 حالة، في حين وصلت خلال عامي 2021 و 2022 إلى ما يقارب 20 حالة إضافة إلى ما يقارب من 10 حالات منذ بداية العام الحالي معظمها للأطفال، كان آخرها وفاة 3 أطفال خلال الأسبوعين الماضيين، ناهيك عن عشرات حوادث الغرق التي قدر لها الله النجاة وعشرات حوادث الإصابة بالكسور والجروح نتيجة السقوط أو الانزلاق في البرك ومحيطها والتي تفتقد عادة لعناصر السلامة العامة.
أرقام مرعبة يصطدم الحد منها بعدد من الإشكالات المتعلقة بغياب قوانين وتشريعات ناظمة لعمليات تأجير الشاليهات التي تقع جميعها تحت بند ملكيات خاصة، وعدم توفر أدنى شروط السلامة العامة والصحية وخاصة عدم وجود منقذين.
ويؤكد الناشط فايز الرقيدي أن تزايد حالات الغرق في الشاليهات يجب أن يقابل باهتمام بالغ من قبل جميع الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني، قائلا "كنا نسمع عن حالات غرق في البرك الزراعية وقناة الملك عبدالله بكثرة خلال العقود الماضية، إلا أن أعدادها تراجعت خلال السنوات الأخيرة لتشهد تزايدا في الشاليهات الخاصة التي من المفترض أن توفر بيئة آمنة ونظيفة لمرتاديها".
ويعتبر أن "صعوبة تعامل الجهات المختصة مع ظاهرة تأجير الشاليهات كونها ملكيات خاصة فاقم من حجم المشكلة"، مبينا أن "هذه الشاليهات لا يمكن لأي شخص مراقبتها أو التفتيش عليها رغم أنها تفتقد لأدنى متطلبات وشروط السلامة العامة الواجب توفرها في مثل هذه المنشآت".
هذا الأمر بحسب الرقيدي يستدعي إيجاد تشريعات ناظمة تحكم عمل هذه الشاليهات بما يضمن توفير الشروط اللازمة للحفاظ على حياة مرتاديها كتوفير منقذين على برك السباحة، مشيرا الى أن ازدياد حالات الغرق بين الأطفال يؤشر الى تقصير من جانب الأهل سواء بتوعيتهم أو مراقبتهم طوال فترة تواجدهم في الشاليه.
وكانت وزارتا السياحة والآثار والداخلية قد شكلتا لجنة مشتركة بينهما العام الماضي وعدد من الجهات المعنية الأخرى لمراجعة التعليمات والأنظمة الخاصة في عمل المزارع السياحية بهدف التأكد من ضمان التزامها بتحقيق وتطبيق شروط السلامة العامة، وتقديم خدمة مميزة وآمنة للمواطنين، إلا أنه لم يتم الخروج بأي توصيات إلى الآن.
ويؤكد عدد من الأهالي أن ظاهرة تأجير المزارع والشاليهات الخاصة باتت ظاهرة مقلقة في ظل تزايد حالات الغرق فيها، مؤكدين وجود المئات من المنازل والمزارع المرخصة كسكن والتي يقوم أصحابها باستثمارها من خلال تأجيرها للعائلات والأفراد بأسعار مغرية مقارنة بأسعار المنتجعات السياحية.
ويبين الدكتور عمر السعد العدوان أن انخفاض كلف استئجار هذه المساكن مقارنة بالمنتجعات السياحية جعل منها وجهة سياحية مهمة تشهد إقبالا سياحيا منقطع النظير خلال فصلي الشتاء والربيع وحتى خلال فصل الصيف، قائلا "للأسف غالبية الشاليهات لا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة العامة خاصة وجود منقذ لمراقبة هواة السباحة والعمل على سرعة انقاذهم في حال تعرضهم للغرق".
كلفة توفير منقذ بحسب العدوان قد تكون عائقا أمام صاحب الشاليه فضلا عن أنها قد تكون عائقا أمام المستأجرين إذا ما أضيفت كخدمة مدفوعة الأجر، رغم أن مثل هذه الخدمة يمكن توفيرها بسهولة، لافتا إلى أن هذه الظاهرة باتت تشكل خطرا متزايدا مع الانتشار الواسع للشاليهات وارتفاع أعداد مرتاديها طوال العام.
ويقول الدكتور العدوان "رغم وجود قانون السياحة رقم 20 لسنة 1988 وتعديلاته والذي يحظر ممارسة أي مهنة سياحية دون الحصول على ترخيص من الوزارة، إلا أن جميع الشاليهات تمارس عملها دون ترخيص ما يجعلها مخالفة للتشريعات النافذة"، معتبرا أن "هذه المزارع ملكيات خاصة يصعب على الجهات المعنية إثبات أنها تعمل بنظام التأجير بشكل تجاري ما يصعب العمل على ضبطها وإجبارها على الترخيص".
ويوضح رئيس غرفة تجارة الشونة الجنوبية عبدالله العدوان، أن بداية ظهور هذه الظاهرة كان لجوء بعض العائلات إلى استئجار هذه الأماكن لقضاء أيام العطل بدلا من ارتياد المنشآت السياحية التي يتطلب دخولها دفع مبالغ كبيرة، قائلا "إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت بالترويج لها بشكل لافت حتى أصبحت الوجهة الأكثر إقبالا من قبل الأردنيين الذين كانوا سابقا يتوجهون إلى المنتجعات السياحية في البحر الميت".
ويبين أن هذه الشاليهات هي عبارة عن منازل وبيوت شتوية يستغلها أصحابها لقضاء أيام العطل في فصل الشتاء، فيما بقية أيام السنة تبقى فارغة مع تحملهم كلف ري أشجارها والعامل الذي يقوم على خدمتها وأثمان المياه والكهرباء وغيرها من المصاريف، لافتا إلى أن انتشار ظاهرة التأجير اليومي أغرت المالكين للاستثمار فيها لتغطية النفقات وتأمين مصدر دخل جيد رغم خطورة الأوضاع فيها.
ويشير رئيس الغرفة إلى أن عدد الوفيات خلال السنوات الماضية مفزع ما يتطلب بذل المزيد من الجهود لإيجاد صيغة وآلية مناسبتين للحد من حالات الغرق وتنظيم عمل هذه الشاليهات والزامها بتوفير متطلبات السلامة العامة والصحية للحفاظ على أرواح مرتاديها.
بدوره، يؤكد رئيس بلدية الشونة الوسطى أحمد علي العدوان، أن الشاليهات مصنفة كسكن وليست منشآت سياحية أو تجارية، إلا أن الإقبال المتزايد على استئجارها جعل منها وجهة مهمة للسياحة المحلية، مبينا أن غياب الرقابة أنعش الاستثمار في الشاليهات ما أدى إلى انتشارها على نطاق واسع، رغم افتقادها لشروط الصحة والسلامة العامة.
ويشير إلى أن تزايد حالات الغرق في الشاليهات خلال السنوات الماضية بات أمرا مقلقا في ظل غياب الرقابة اللازمة ما يستوجب إيجاد السبل الكفيلة لحماية أرواح مرتاديها خاصة من الأطفال، ناهيك عن أن انتشارها خلق مشكلة بيئية تتمثل بانتشار النفايات خارج أسوارها وفي الطرق المجاورة لها، ما يثقل كاهل البلدية خاصة خلال فصلي الشتاء والربيع مع ارتفاع نسب الإشغال فيها بصورة لافتة.
ويشدد رئيس البلدية على ضرورة إشراك مندوب من الدفاع المدني في لجنة الصحة والسلامة العامة كونه الأقدر على معرفة الاشتراطات الواجب توفرها في مثل هذه المنشآت حتى نتمكن من إلزام أصحابها بتطبيق هذه المتطلبات.
من جانبه، يؤكد متصرف لواء الشونة الجنوبية الدكتور علي الحيصة، أن تزايد حالات الغرق في الشاليهات خلال الأعوام الأخيرة يبين مدى الحاجة الماسة لإيجاد أنظمة وتعليمات لترخيصها وتنظيم عملها بما يضمن الحفاظ على أرواح مرتاديها.
ويضيف، أنه سيتم اتخاذ عدد من الإجراءات بالتشاركية مع الجهات المعنية، لإحصاء الشاليهات الموجودة ضمن حدود اللواء وتشكيل لجنة للكشف عليها والتأكد من توفر سبل السلامة العامة للحد من حالات الغرق مستقبلا، مشددا على ضرورة إيجاد سند قانوني لإلزام أصحاب الشاليهات بتوفير جميع شروط الصحة والسلامة العامة كونه لا يوجد تشريعات قانونية تحكم عملها حاليا.