قبل الانتخابات التركية الأخيرة التي فاز بها أردوغان وحزبه، وقبل الانفتاح المصري على تركيا وذهاب العلاقات بين البلدين إلى تحسن وتطور، وقبل جولة أردوغان الخليجية الأخيرة التي عقد فيها اتفاقات اقتصادية بعشرات المليارات، منها مثلا اتفاقات بحوالي 51 مليار دولار مع الإمارات فقط، فضلا عن السعودية وقطر، وقبل توقيع اتفاقات عسكرية مع السعودية، قبل كل هذا كانت تركيا معنية بانفتاح حقيقي على سورية، وحينها كانت الدولة السورية تدرك حاجة تركيا لتطبيع العلاقات معها، لهذا وضعت شروطا صعبة على تركيا أهمها انسحاب القوات التركية من الشمال السوري، وحينها كانت تركيا تتحدث في مواجهة الشرط السوري عن مكافحة الإرهاب الذي هو من وجهة نظر تركيا يمثل الأكراد المعادين لتركيا.
اليوم ومع المكاسب الداخلية لأردوغان والمكاسب الإقليمية تجاه مصر والسعودية والخليج والتي تتيح له البحث عن مكاسب اقتصادية في مواجهة الأزمة الاقتصادية التركية فإن الوزن السياسي لتطبيع العلاقات مع النظام السوري قد تراجع كثيرا ولم تعد تركيا معنية أو مضطرة لتقديم أثمان كبيرة مقابل عودة العلاقات أو لقاء بين أردوغان والأسد.
وحتى روسيا الوسيط التي كانت تضغط لتطبيع العلاقات التركية السورية ليست في حالة تسمح لها بمزيد من الضغط، ونظام الأسد الذي كان يعتقد أن أردوغان بحاجة إلى تطبيع العلاقات معه نسي أن معادلات السياسة تتغير، وأن أوراق تركيا اليوم إقليميا وحتى مع أميركا وحلف الأطلسي قوية، وأن استعادة حضوره وعلاقاته مع دول الخليج ومصر أضعفت الحاجة إلى علاقات مع سورية.
أما ملف اللاجئين السوريين في تركيا فلدى تركيا مسار خاص بها بدأت في تطبيقه؛ أوله ترحيل كل السوريين الموجودين في تركيا بطريقة غير قانونية، لكن الخطوات الكبرى تتم عبر مشروع بناء مساكن تتسع لملايين السوريين الموجودين في تركيا بتمويل قطري في مناطق الشمال السوري التي تخضع لسيطرة الجيش التركي وترحيل السوريين إلى تلك المناطق السورية دون الحاجة إلى أي تعاون أو أي خطوات من النظام السوري، الذي لا يشكل ملف إعادة السوريين إلى بلدهم أولوية له.
تطبيع العلاقات مع سورية يمثل اليوم بالنسبة لتركيا وسيلة للضغط على الأكراد المعادين لتركيا فقط، لكن عودة العلاقات أصبحت مهمة فقط للنظام السوري، وبالتالي فإن عليه أن يدفع ثمن التطبيع مع تركيا عبر الاستجابة لمطالب تركيا الأمنية الخاصة بالأكراد، وإلا فإن تركيا التي تسيطر على الشمال السوري تتولى عبر جيشها التعامل مع الأكراد دون أن تقدم أثمانا للنظام السوري الذي بدأ يخسر أكثر المتحمسين لإعادة تأهيله عربيا ودوليا نتيجة تذاكيه على الجميع والمماطلة في تقديم ماعليه ثنائيا ودوليا.
ورقة إعادة العلاقات مع تركيا كانت بيد النظام السوري قبل شهور لكنها اليوم لم تعد كذلك، وتوقعاته بمساعدات خليجية كبيرة وإعادة الإعمار لم تكن في مكانها، لأنه يريدها مجانا وما زال الوضع الاقتصادي السوري يتراجع والليرة السورية تجاوز سعر الدولار الواحد 11 ألف ليرة، وهذا يعني ارتفاعا كبيرا جدا في كلف المعيشة.
رغم عودة علاقات سورية مع بعض العرب وحضور بشار قمة عربية إلا أن سورية معزولة دوليا وفشلت في الاقتراب من تركيا، وتخسر كل يوم دولا تحمست لمساعدتها لأنها تتعامل بعقلية المنتصر وليس من يحتاج للعرب والعالم.