باتت الحاجة ملحة بصورة غير مسبوقة لتغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة في الأردن، بحسب خبراء اقتصاديين يرون أن معدلات الفقر تضخمت إلى مستويات "خطيرة" لا بد من معالجتها.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن توسع رقعة انتشار الفقر في الأردن نتيجة حتمية ومتوقعة في ظل السياسات الاقتصادية المتبعة من الحكومات المتعاقبة والتي أدت إلى تواضع معدلات النمو الاقتصادي ما انعكس سلبا على بعض المؤشرات الاقتصادية المحلية ومنها زيادة معدلات البطالة والفقر.
وفي سبيل التغلب على مشكلة الفقر وإبطاء سرعة انتشارها محليا دعا هؤلاء الخبراء إلى ضرورة التوجه نحو هيكلة النظام الضريبي وجعله أكثر عدالة وتخفيض الضرائب المباشرة، إضافة إلى أهمية تحسين الأجور وزيادة الحد الأدنى لها، علاوة على وجوب تحسين الخدمات العامة لا سيما في القطاع الصحي والتعليمي.
كما دعا الخبراء إلى ضرورة العمل على استقطاب الاستثمارات المثمرة والمشغلة للأيدي العاملة، فضلا عن أهمية تدشين مشاريع تنموية وتشغيلية في مناطق جيوب الفقر.
وسجل عدد الفقراء في الأردن خلال السنوات الخمس الأخيرة زيادة واضحة إذ ازداد عدد الفقراء خلال هذه الفترة بنحو 2.9 مليون نسمة وبما نسبته 27.2 % ليصبح إجمالي عددهم قرابة 3.980 مليون نسمة وفق أحدث التقديرات الصادرة في تقرير "أطلس أهداف التنمية المستدامة للعام 2023" صعودا من 1.069 مليون نسمة، في آخر تحديث إحصائي رسمي للعام 2018، ليشكل بذلك الفقراء في الأردن ما نسبته 35 % من إجمالي سكان المملكة البالغ حوالي 11.3 مليون نسمة.
ويذكر أن الأردن جاء في المرتبة 78 على مستوى العالم من بين 97 دولة في تصنيف مجلة غلوبال للدول الأكثر فقرا في العام 2023، واحتل المرتبة العاشرة عربيا من بين 14 دولة عربية، شملها تصنيف المجلة.
وقال مدير مركز الفينيق لدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض إن "الازدياد المستمر في معدلات الفقر في الأردن هو نتيجة حتمية لمجموعة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة لدينا محليا خاصة سياسات العمل، والأجور التي لا تساعد الفئات الفقيرة والمعوزة على الخروج من دائرة الفقر التي تقبع بها".
وبين عوض أنه على الرغم من قيام الحكومة من خلال وزارة التنمية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية بزيادة حجم المخصصات الموجهة لمعالجة مشكلة الفقر خلال السنوات الماضية و بشكل ملموس إضافة إلى الجهود المبذولة من مؤسسات المجتمع المدني ، إلا أن معدلات الفقر استمرت في التزايد.
وتبلغ عدد الأسر المستفيدة من خدمات صندوق المعونة الوطنية الذي يعد المظلة الرسمية للحماية الاجتماعية في المملكة نحو 220 ألف أسرة، منها أكثر من 100 ألف أسرة تتلقى رواتب شهرية مستمرة تصل في حدها الأعلى إلى 196 دينارا، بميزانية مالية إجمالية تصل إلى 240 مليون دينار سنويا، بحسب أحدث بيانات صادرة عن الصندوق.
وأشار عوض إلى أن سياسة الحماية الاجتماعية تبدو لدينا أردنيا ضعيفة وغير فعالة، ولا توفر التغطية للعمالة غير المنظمة مما يجعلها معرضة هي الأخرى في أوقات الأزمات لخطر الفقر
وأكد عوض على أن معالجة مشكلة الفقر في الأردن وتخفيف حدتها يتطلب بشكل واضح التخلي عن بعض السياسات الاقتصادية القائمة والتوجه نحو سياسات جديدة تبدأ بإعادة النظر في السياسة الضريبية المحلية خاصة ضريبة الدخل والتركيز على الضرائب المباشرة كضريبة الدخل التصاعدية.
ويضاف إلى ذلك إعادة النظر في سياسات الأجور التي تعاني من ثبات منذ سنوات طويلة حيث أصبحت الدخول لا تكفي متطلبات الحياة اليومية لغالبية كبرى من المواطنين مما يؤدي إلى زيادة عدد الفقراء وهذا يستوجب أن تتم زيادة الأجور والحد الأدنى لها.
من جانبه، قال الخبير في شؤون الفقر احمد أبو خليل إن "العناصر الخارجية التي شهدها العالم مؤخرا كجائحة كورونا، والحرب الروسية الإوكرانية كان لها دور واضح في زيادة معدلات الفقر محليا في الفترة الماضية، لكنها ليست هي وحدها المسوؤلة عن تفاقم مشكلة الفقر التي أخذت مسار تصاعدي في السنوات الماضية".
وبين أن السياسات العامة لا سيما الاقتصادية والاجتماعية منها لم تنجح في تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، إذ أن هناك ارتفاعا واضحا للضرائب والرسوم وكلف الإنتاج على كافة القطاعات التي لها مساس بالحاجات المعيشية للناس ما ينعكس على ارتفاع أسعار السلع والخدمات عليهم، ويتزامن ذلك أيضا مع تآكل الدخل الشهري لفئة واسعة من المواطنين والذي لم تطرا عليه أي زيادات حقيقية منذ فترة طويلة، إلى جانب تدني الحد الأدنى للأجور.
وأكد أبو خليل أن السياسات الاقتصادية المحلية لا تحقق مبدأ التوزيع العادل للثروة، عدى عن عدم عدالة النظام الضريبي الذي يقوم بشكل واضح على الضرائب غير المباشرة لا سيما ضريبة المبيعات والتي يتساوى فيها الغني والفقير، إضافة إلى تراجع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية التي يقدمها القطاع الحكومي، مما يدفع الكثير من الناس التوجه إلى القطاع الخاص الذي يقدم هذه الخدمات وعادة ذلك ما يكون على حساب المصاريف والإنفاق العائلي الذي يكون مخصصا أصلا للحاجات الأساسية كالغذاء.
وأوضح أبو خليل أن السياسات الاجتماعية محليا تكاد تقتصر على تقديم المساعدات فقط للأسر الفقيرة، وبأنه ليس هناك أي مشاريع تنموية وتشغيلية لتلك الفئات الفقيرة، التي يمكن أن تساعد هذه الفئات على تحسين واقعها المعيشي ومغادرة دائرة الفقر.
ولفت إلى أن حل مشكلة الفقر في الأردن والحد من تفاقمها يمكن أن يتحقق في حال معالجة السياسات.
إلى ذلك أكد الخبير الاقتصادي فهمي الكتكوت أن الارتفاع الحاصل في أعداد الفقراء على المستوى المحلي مؤخرا يعود إلى عدة أسباب في مقدمتها الأحداث العالمية الأخيرة كجائحة كورونا وما رافقها من تبعات كتقطع سلاسل الإمداد وفقدان الوظائف، إضافة إلى الصراع الروسي الأوكراني وموجة التضخم التي نجمت عنها ودفعت أسعار الغذاء إلى الارتفاع بشكل غير مسبوق.
كما أوضح الكتكوت أن من الأسباب التي أدت إلى زيادة نسب الفقر محليا تواضع معدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات الماضية وانعكاسها السلبي على بقية مؤشرات الاقتصاد الوطني كارتفاع نسب البطالة، علاوة على بعض السياسات الاقتصادية المنتهجة من الحكومات المتعاقبة كالنظام الضريبي المطبق لدينا والذي يقوم على الضرائب المباشرة كضريبة المبيعات فضلا عن الضرائب المفروضة على المحروقات والتي تزيد من تكلفة الحاجات الأساسية للناس.
وبغية معالجة مشكلة البطالة لدينا أردنيا والحد من زيادتها دعا الكتكوت إلى ضرورة هيكلة النظام الضريبي وجعله أكثر عدالة بين أفراد المجتمع والتوجه نحو ضريبة الدخل التصاعدية، إلى جانب دعوته زيادة الأجور وتحسينها، إضافة إلى العمل على استقطاب الاستثمارات الفاعلة ذات القيمة المضافة، فضلا على أهمية توفير مشروعات تنموية في المناطق التي ينتشر بها أكبر عدد من
الفقراء.
الغد