إلى متى هذا الانتحار الجماعي؟

mainThumb

08-07-2023 11:23 PM

printIcon

نحن لسنا بحاجة إلى حرب خارجية، لاننا نتعرض إلى ما هو أسوأ من الحرب سنويا، وبرغم كل الصيحات إلا أن شيئا ما لم يتغير، بل تتنزل الخسائر كل يوم على حياتنا.

أكثر من مليوني سيارة في الأردن، تحرق الوقود، وتؤمن الضرائب للخزينة، وكل عام تدخل إلى السوق عشرات آلاف السيارات الجديدة، والخروج بالسيارة في عمان، مثلا، يعني مشقة مفتوحة النتائج، فقد يعود المرء سالما وقد لا يعود، والخشونة في القيادة والتهور وغياب أخلاق البعض، وعدم تأثر السائقين بكل حوادث غيرهم، ميزة نراها يوميا، فلا مسارب، ولا احترام للقوانين، والسرعات الجنونية نراها كلما اتيحت الفرصة لسائقي السيارات، وكتل الحديد ملتصقة ببعضها البعض في ازدحامات شوارع العاصمة، بعد أن أصبح البلد مستودعا لاطنان السيارات التي في أغلبها لا ترخص أساسا في بلادها الأصلية التي انتجتها، لكنها ترخص هنا، لاعتبارات كثيرة،

وفقا لأرقام رسمية في تقارير مديرية الأمن العام، فإن أكثر من مليون حادث سيارة وقعت خلال آخر ست سنوات، بمعدل يصل إلى 160 ألف حادث سنويا، نجم عنها 3 آلاف و511 وفاة، و5 آلاف و408 إصابات بليغة، وتسببت بخسارة الأردن مبلغا ماليا وصلت قيمته إلى نحو ملياري دينار، فوق الإصابات التي تترك أثرا جسديا مؤذيا لفترة مؤقتة أو طوال العمر.
هل تعتبر هذه الارقام عادية، ام انها كارثية، فحين ننتحر جماعيا في هذا البلد، حيث لا قيمة لحياة البشر، ولا للخسائر المالية، ولا للاضرار الجسدية التي تقع، والمفارقة هنا أن السيارات من أهم مصادر دخل الخزينة، بسبب الجمارك والترخيص وضرائب الوقود والمخالفات.
نحن لسنا بحاجة إلى حرب خارجية، لاننا نتعرض إلى ما هو اسوأ من الحرب سنويا، إذ وفقا لأرقام 2029 يتسبب التدخين بحوالي 9500 وفاة سنوياً في الأردن، كما أن التدخين يتفشى بنسبة 41 بالمائة لدى البالغين، 58 بالمائة لدى الذكور و23 بالمائة لدى الإناث مع انتشار الأراجيل والسجائر الإلكترونية والتي تنتشر بنسبة 16 بالمائة بين الذكور و11 بالمائة بين الإناث، كما أن نسب التدخين لدى الأطفال من عمر13 إلى 15 سنة تصل إلى 25 %، ، كما ارتفعت نسب التدخين بين الذكور والإناث وفقا لأرقام 2022 إلى 66 بالمائة، كما تجاوز عدد المقاهي في حدود العاصمة 2938 مقهى، كما تقترب كلفة العلاج من أمراض التدخين المختلفة من ملياري دينار، والمفارقة هنا أن السجائر من أهم مصادر دخل الخزينة.
إلى أين نذهب في هذا البلد حين يتفرج المخططون على كل شيء، ولا يدركون حجم المخاطر التي تعصف بالبنية الاجتماعية والاقتصادية، ويقدمون حلولا من أسوأ الحلول، التي لن تتجاوز في أحسن الحالات فرض المزيد من الضرائب على الوقود وزيادة مخالفات السير ورفع أسعار السجائر، مثلا، فالحلول هنا لا تحل المشكلة من جذورها، بل تغتنم المشكلة للتربح منها.
في كل دول العالم، حين تكون هناك مؤشرات من هذا القبيل، يتداعى الكل للوقوف عند ما يجري، لكننا هنا لا نحرك ساكنا، وليس أدل على ذلك مثلا، من قضية مختلفة جزئيا، لكنها لا تؤشر على التدمير المتواصل، إذ يذهب كل عام عشرات آلاف الطلبة الى تخصصات جامعية لا مستقبل لها أبدا، لا في الأردن، ولا في ديار الاغتراب، ويتم التفرج على المشهد بكل هدوء أعصاب وكأنه مطلوب نحر الموارد البشرية، واتلاف مستقبلهم من خلال سوء التخطيط.
في مرات تنتابني حمى نظرية المؤامرة، فأقول ربما كل هذا يتم عمدا من أجل اهلاكنا داخليا لاعتبارات مختلفة، وفي مرات تتنزل علي السكينة والرحمة وحسن النوايا فأقول لماذا يتفرجون على كل شيء، ولا يحاولون الدخول عميقا الى كل هذه الازمات، وحلها جذريا من أجل حياتنا.
نحن لسنا بحاجة إلى حرب خارجية، إذ لدينا حرب داخلية تأكل الأخضر واليابس، وسنرى نتائجها خلال العقدين المقبلين، إذا احيانا الله وبقينا على قيد الحياة.