تغير التوقيت بكل دلالاته، ونحن أمام فراغ سياسي وشيك في الضفة الغربية، بما يعنيه ذلك على الفلسطينيين وعلى الأردن، كونها الأقرب إلى الضفة، والكلام هنا لا يحمل مبالغات، والهجوم الإسرائيلي يوم أمس على جنين، يعبر عن ما هو أخطر بكثير من مجرد هجوم.
لقد بدأت فعليا مرحلة انهاء السلطة، وضم الضفة الغربية من جانب إسرائيل، وليس أدل على ذلك من رد "يوسي فوكس" سكرتير الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها، في رسالة رسمية وجهت باسم بنيامين نتنياهو، إلى منظمة "عدالة الدولية" والتي اشار فيها إلى أن الأردن استولى بشكل غير قانوني على أراضي الضفة في نهاية الانتداب، ولم يكن ذلك شرعياً، ولم يكن لها السيادة على تلك المناطق، وبالتالي فإن إسرائيل تملك الأراضي بشكل قانوني، ولها حق السيادة عليها، وهذا يعني ضمنيا ان الضفة الغربية ايضا ليست لسلطة اوسلو بالنتيجة، باعتبارها وفقا للرسالة الخطيرة التي لم نسمع ردا رسميا عليها، ملكية اسرائيلية فقط، لا أردنية ولا فلسطينية.
يضاف إلى ما سبق كلام "يعكوف هاغوئيل" رئيس المنظمة الصهيونية العالمية والذي نقلته صحيفة تايم اوف اسرائيل والذي قال إلى أنه بعد 56 عاما منذ تحرير القدس ويهودا والسامرة وغور الأردن -وفقا لتعبيرات الاحتلال- ما يزال لا توجد هناك سيادة-مستخدما الاسم التوراتي للضفة الغربية- ونحن نتحلى بالصبر، ولكن صبرنا بدأ ينفد، ونحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات، وينبغي علينا تطبيق السيادة. اليمين واليسار يريدان السيادة في غور الأردن.
وسبق هذه الإشارات قبل أيام كلام رئيس الحكومة الإسرائيلية، خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست حيث قال أنه يجب العمل على اجتثاث فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وقطع الطريق على تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة لهم.
تأتي كل هذه الاشارات في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة، تترافق معها الهجمات على المسجد الأقصى، والقدس، ومهاجمة مدن الضفة الغربية، والقتل والتدمير، ومهاجمة القرى، وهذا سيؤدي إلى تداعيات استراتجية لهذا الوضع، اولها انتهاء الدور السياسي لسلطة اوسلو التي يقول الإسرائيليون انهم نسقوا معها بشأن هجوم جنين، وفقدان تأثيرها ونفوذها وشرعيتها الداخلية، وثانيها استحالة استمرار الدور الأمني للسلطة، كونها ستدخل في مواجهة مفتوحة مع ذات الشعب الفلسطيني، لتساوي هذا الدور مع دور الاحتلال، وثالثها استمرار اقامة المستوطنات والسطو على أراضي الضفة الغربية، وتقطيع أوصالها، وحشر غزة بعيدا.
كل هذا يعني أننا أمام سقوط كامل لكل مشروع الدولة الفلسطينية، وسقوط سياسي للسلطة، وسقوط اقتصادي للسلطة مع التسريبات عن احتمال إعلان الإفلاس المالي لخزينة اوسلو، وسقوط شعبي بسبب الدور الأمني الذي يستحيل أن يستمر، بما يقودنا إلى أصل المشروع الإسرائيلي وما الذي تريده إسرائيل في هذا التوقيت، والإجابة على هذا السؤال متاحة أيضا.
سنجد انفسنا أمام نتائج محددة، من أبرزها إضافة إلى ما سبق، انفجار الأوضاع داخل الضفة الغربية، وإعادة إنتاج أزمة الفلسطينيين، باعتبارها "مشكلة كتلة بشرية" فقط بحاجة إلى طرف يرعاها تحت أي عنوان سياسي وإداري، حيث يستحيل أن تعود إسرائيل للاشتباك الإداري والخدماتي داخل الضفة الغربية، وهذا الكلام يهدد حياة الفلسطينيين، فوق ما عندهم من تهديدات يومية، ويعيد التلويح ضمنيا بحلول إسرائيلية اسوأ على حساب الأردن، وهو ما يرفضه الأردنيون والفلسطينيون، بشكل حاسم.
لقد قيل مليون مرة خلال العقود الماضية إن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية، التي تعد وفقا للحركة الصهيونية، يهودا والسامرة، بما يعني انها أكثر أهمية لإسرائيل من مناطق فلسطين 1948، لكون الضفة تضم مناطق يستهدفها الإسرائيليون لأسباب دينية وأبرزها القدس والخليل، لكن لا أحد يسمع، أو أن البعض يسمع ويتجاهل كل ما يسمع.
يبقى السؤال: هل لدينا هنا في الأردن سيناريوهات جاهزة لكل هذه الاحتمالات الخطيرة، والسؤال مفرود بين يدي من يهمه الأمر بعد تراكم كل هذه المؤشرات ؟