يحدث فقط في الأردن: حكومة وشعب يتبادلان «الضجر الوطني»

mainThumb

27-06-2023 01:54 PM

printIcon

أغلب التقدير أن المشهد له علاقة بتبادل الضجر ليس أكثر ولا أقل، ولا ينطوي إلا على إشارة سياسية مركزية وأساسية ومفصلية هذه الأيام توحي بأن الشارع الأردني دخل في مرحلة الضجر من الحكومات.
والحكومات ونخبها ورموزها تتبادل أيضاً الضجر نفسه من الشارع بحكم العديد من الاعتبارات المنفلتة، التي لا يمكن السيطرة عليها.
هل حصل رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة على المرتبة الخامسة أم السادسة في امتحان الثانوية العامة؟ هذا السؤال انشغل به الجميع بطريقة سطحية طوال الأيام الأربعة الماضية. وبدأت قصة هذا السؤال من إشارة في الإطلالة الإعلامية الأخيرة على هامش حوار شبابي للخصاونة كان يجيب فيها عن سؤال شخصي من أحد الشباب أو الطلاب حول درجات تحصيله العلمي.
قال الرجل بكل بساطة وصراحة، إنه في العام الذي تخرج فيه من الثانوية العامة حصل على المرتبة السادسة في الفرع الأدبي على مستوى أوائل المملكة.

فضوليون كثر

التقط فضوليون كثر يصطادون في كل المياه هذه الأيام على منصات التواصل تلك الفكرة، وبدأوا بحالة تقصّ استثنائية لإثبات أن رئيس الوزراء لم يحصل على تلك المرتبة في الثانوية العامة عام 1986. وسرعان ما تحولت الدرجة أو مرتبة الثانوية العامة بالنسبة لرئيس الوزراء إلى قضية إشكالية وجدلية فيها رد وتعقيب على الرد، حتى حسمت المسألة صحيفة عمون التي اضطرت بحكم جماهيرية النقاش إلى ركوب الموجة فأخرجت وثيقة عبر صحيفة الرأي الحكومية تثبت صدقية رواية رئيس الوزراء عن مرتبته التي حصل عليها في امتحان شهادة الثانوية العامة. حجم الشهادات الدولية والخبرات الكبيرة التي يحملها رئيس وزراء أكبر بكثير من تلك التي حملها رؤساء حكومات متعددون في الماضي.
فوق ذلك سجل حافل في العمل الدبلوماسي والبيروقراطي والقانوني لم يمنحه الفرصة للاسترخاء في مواجهة فضول متمرس وسط الناس لمتابعة وملاحقة أي مسؤول والتشكيك فيه. اللافت والغريب في المسألة أن الطرفين تورطا في هذا النقاش الذي يعكس بؤساً في الحالة الوطنية المعنوية العامة. الشارع تعامل مع فضوليين يريدون إثبات عدم صدقية الرواية السخيفة تلك، وبعض الأطراف بالحكومة اجتهدت لإثبات صدقيتها، الأمر الذي يؤشر تماماً على عمق الأزمة بين السلطة والناس في الأردن.
وهو عمق يدفع ثمنه اليوم رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة، كما تدفع ثمنه شرائح متنوعة في المجتمع الأردني تريد تطبيق الوصية التي كان يرددها أمام “القدس العربي” بين الحين والآخر رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات المهندس موسى المعايطة بعنوان “نمضي إلى الأمام”.
حتى عندما تعلق الأمر بالتحديث، لا بد من استذكار تلك الإشارة الذكية للأمين العام لحزب العمال الدكتورة رولا الحروب، وهي تستغرب كيف يمتنع المواطن الأردني عن ركل الكرة التي وضعت بين قدميه. تلك العبثية وفانتازيا التداول المنصاتي نفسها تضرب كل القضايا الجدية في الحالة المحلية الأردنية، فحكومة الخصاونة يمكن قول الكثير عليها أو ضدها، وأداء رئيس الوزراء يمكن أن يصنفه أي مواطن في الرأي العام، لكن الجميع تحدث عن المسألة نفسها المرتبطة بجزئية شهادة الثانوية العامة في سجال مختل ومريض يعكس الكثير، ولا بد من التوقف عنده كضرورة أساسية في محاولة فهم ما الذي يجري.
أغلب التقدير وفي التحليل السياسي أن الخصاونة قد يكون أكثر رؤساء الحكومات في ربع القرن الماضي الأقل تمسكاً بالبقاء في منصبه. وقد يكون وصل فعلاً بسبب العديد من التعقيدات والمعيقات والمشكلات العميقة التي ورثتها حكومته عن حكومات سابقاً إلى مستويات متقدمة من الضجر، ليس في الأداء والالتزام بالمسؤوليات الدستورية، ولكن الضجر من الاستمرار في الوظيفة نفسها حيث سمعته “القدس العربي” مباشرة يعبر عن قناعه بأن حكومته أنجزت أعمالها المطلوبة. وبالتالي، الاهتمام من جهة أصدقاء ومقربين منه بالتنديد بتلك الرواية المرتبطة بقصة الثانوية العامة، يظهر مستوى الضجر عند الحكومة والرموز والأدوات ونخبة الطبقة السياسية الأردنية أيضاً، خصوصاً تلك التي تقع مطحونة أحياناً بين صخرتين. الأولى صخرة الواقع الموضوعي، والأخرى صخرة التقييم العمومي الذي يلتقط أي رواية صغيرة أو بسيطة أو سخيفة ويعيد تغليفها ثم ترويجها لنظام جماهيري، حتى توصل أي مسؤول أو وزير أو رئيس وزراء إلى حالة من الإحباط العام.

ضجر الشارع الأردني

وفي المقابل، الشارع الأردني ضجر من غياب الإنجاز الحقيقي على الرغم من تشكيل حكومة تلو الأخرى. والمشكلات والاحتياجات الأساسية للمواطنين الأردنيين هذه الأيام عالقة بعدما ترنح الاقتصاد المحلي والوضع المعيشي إثر أكثر من عامين مشتبكين مع فيروس كورونا وتداعياته، خلافاً لأن متغيرات الإقليم والمجتمع الدولي ضغطت بشدة ليس فقط على بنية الاقتصاد الأردني كما يؤكد الخبير الاقتصادي هاني قطاونة، ولكن ضغطت بشدة على العصب الحيوي لتلك الجملة التي تربط بالعادة المؤسسات في الدولة الأردنية برعاياها من المواطنين، فلا المسؤول قادر على حل مشكلة المواطن، ولا المواطن يؤمن بالمسؤول الذي يتم اختياره بناء على محاصصة إما غامضة أو لا تحقق أهدافها. حتى إن الاستبدال في الوزراء والحكومات والرؤساء أصبح بحد ذاته هو التقنية المستخدمة لتخدير الشارع عندما يحتج أو يتألم. وهذا مشهد يبدو أنه مؤسف للغاية ولا بد من تجاوزه بالعودة إلى مسارات التحديث، حيث كان المخضرم طاهر المصري أول وأبرز من حذر مبكرا أمام “القدس العربي” من حالة الضجر وغياب اليقين.
في الخلاصة، الواقع معقد، والتركيز غير مهم إطلاقاً على قصة غير مهمة في الواقع، وتفصيلة صغيرة يعني الكثير، كما يعني من ضمن الدروس أن مستوى الضجر وصل إلى منسوب رفيع المستوى ليس فقط عند الشعب والشارع والمواطنين، ولكن عند الحكومات والنخب أيضاً؛ فالطرفان يتبادلان الضجر بما يطرح سؤالاً لجواب غامض عن النتائج والتداعيات مستقبلاً.
«القدس العربي»