ابتداء من تأثيرات التغيير المناخي، مرورا بجائحة "كورونا" وما تبعها من تعطل سلاسل الإمداد العالمية، وليس انتهاء بالحرب الروسية الأوكرانية، متغيرات وجهت أعين العالم أجمع لأهمية تحقيق الأمن الغذائي لتجنب وقوع تعطل للإمدادات الغذائية.
الأردن استشعر حساسية الأمر، وسعى ليكون مركزا إقليميا للأمن الغذائي، حيث تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي (2021 – 2030)، إلى جانب إطلاق الخطة الوطنية للزراعة المستدامة 2022 - 2025، لكن تحقق الأمر يحتاج إلى شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص وخلق شراكات فاعلة بينهما، إضافة إلى وجوب توفير الحوافز المطلوبة للقطاعات الفاعلة في هذا الحقل، بحسب خبراء.
وأكد خبراء اقتصاديون في تصريحات خاصة لـ"الغد"، أن الأردن يمتلك كامل الإمكانات ليكون مركزا إقليميا للأمن الغذائي، لما يمتلكه من صناعات غذائية ذات جودة وكفاءة عالية، والتي أثبتت إمكاناتها وقدراتها على سد احتياجات المملكة خلال جائحة "كورونا"، إضافة إلى ما يتمتع به من إمكانيات بشرية هائلة، علاوة على ما يتمتع به من قدرات عالية في مجال التكنولوجيا الصناعية والإنتاج الغذائي.
وكان جلالة الملك عبدالله الثاني، أكد خلال لقائه عددا من المعنيين بتنفيذ هذه الاستراتيجية، أهمية أن يكون الأردن مركزا إقليميا للأمن الغذائي، ودعا إلى تكثيف الجهود والتعاون بين الأطراف المعنية لتنفيذ أهداف الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2021 - 2030.
وحث الملك على ضرورة الإسراع في إقرار النظام الخاص بالمجلس الأعلى للأمن الغذائي، لأهمية دوره في تطبيق الاستراتيجية، التي تأتي في إطار رؤية التحديث الاقتصادي. ولفت إلى ضرورة أن تكون مسؤوليات ومهام كل جهة في المجلس الأعلى مدروسة وواضحة، على أن تكون مؤشرات الأداء واضحة لضمان المتابعة.
وبين الخبراء، أن أهمية الأمن الغذائي تتمثل بتحقيق الاستقرار الاجتماعي في أوقات الأزمات. وتحقيق رفعة وتنمية الاقتصاد الوطني من خلال زيادة حجم الصادرات التي تساعد في رفد خزينة الدولة بالعملات الأجنبية، إضافة إلى المساهمة في تخفيف حدة معدلات البطالة من خلال خلقه لفرص العمل.
وبغية أن يصبح الأردن مركزا إقليميا في مجال الأمن الغذائي وتعزيز منعة الاحتياجات الغذائية محليا، دعا الخبراء إلى ضرورة تفعيل الشراكة الحقيقية والجادة بين القطاعين العام والخاص وتخفيض كلف الإنتاج، واستثمار إطار الشراكة الخماسية (الأردن، مصر، الإمارات، العراق، البحرين) من خلال تحقيق التكامل الزراعي والغذائي مع هذه الدول، وتدشين مناطق مشتركة للصناعات الغذائية فيما بينها، وإنشاء مراكز مشتركة للحفظ والتوزيع، علاوة على وجوب وضع خطط لمواجهة التغيير المناخي.
وقال نائب رئيس الوزراء السابق جواد العناني لـ"الغد": "إن الأمن الغذائي جزء من منظومة الأمن الشامل، وإن توفره من شأنه أن يحافظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي أثناء الأزمات".
وأكد العناني، أن الأردن يتمتع بالإمكانات البشرية الكاملة التي تؤهله ليكون مركزا إقليميا للأمن الغذائي، حيث يتمتع بقدرات عالية في مجال التكنولوجيا الصناعية والإنتاج الغذائي.
وأوضح، أن تعزيز مستوى الأمن الغذائي لدينا، ورفع قدرتنا التنافسية مع دول المنطقة يتطلب وجود شراكة فعالة بين الحكومة والقطاع الخاص في المجالات التي تساهم بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي (التصنيع الزراعي والغذائي، تنويع المنتجات الزراعية)، وذلك من خلال تشكيل لجان مشتركة بين الجهتين، وإنشاء شركات إنتاج وتسويق مشتركة، إضافة إلى تدشين مشاريع زراعية عملاقة، وتخفيض الكلف على القطاعات الاقتصادية العاملة في القطاعين الزراعي والصناعي.
ودعا إلى ضرورة الاستفادة من الشراكة الإقليمية التي تجمع الأردن بمصر والإمارات والعراق والبحرين وتحقيق التكامل الزراعي والغذائي مع هذه الدول، وتدشين مناطق مشتركة للصناعات الغذائية وإنشاء مراكز مشتركة للحفظ والتوزيع، إلى جانب استثمار الموقع الاستراتيجي للأردن وشبكة الطرق الجيدة لديه في إقامة مركز تزويد غذائي يتولى التوزيع إلى هذه الدول.
وكانت المملكة، اتجهت لزيادة قدرة المخزون الاستراتيجي من الحبوب، إذ تم إنشاء 24 صومعة جديدة وبسعة إجمالية تبلغ 120 ألف طن من الحبوب. ليصبح مخزون المملكة من القمح يغطي استهلاك 13 شهرا تقريبا في ظل استهلاك شهري يبلغ 90 ألف طن.
من جانبه، أكد نائب رئيس غرفة صناعة الأردن وممثل قطاع الصناعات الغذائية والزراعية والثروة الحيوانية محمد الجيطان، أن الأردن يمتلك كامل الإمكانات المحلية ليكون مركزاً للأمن الغذائي، لما يمتلكه من صناعات غذائية ذات جودة عالية، والتي أثبتت إمكاناتها وقدراتها على سد احتياجات المملكة، واتضح ذلك خلال جائحة "كورونا"، على الرغم من انقطاع في سلاسل التوريد عالمياً حيث لم يشهد السوق المحلي وقتها أي انقطاع أو نقص في أي من السلع.
وأوضح الجيطان، أن الأردن لديه قدرات إنتاجية ضخمة في هذا القطاع، حيث يزيد حجم الإنتاج القائم لقطاع الصناعات الغذائية على 4.5 مليار دينار سنوياً، تشكل ما يقارب ربع الإنتاج الصناعي الكلي، ويساهم بما يقارب 6 % في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا بفضل تشابكيته وترابطه مع مختلف القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى استحواذه على نسبة كبيرة من السوق المحلي بأكثر من 65 % من إجمالي المنتجات الغذائية في المملكة، لافتا إلى أن إنتاج بعض السلع الغذائية وصل إلى حد الاكتفاء الذاتي على غرار الألبان ومنتجاتها وبيض المائدة والدجاج ومنتجاته، ما يظهر تنافسية المنتجات المحلية وجودتها.
واعتبر الجيطان، أن تحقيق الأمن الغذائي سيسهم لا محالة في تحقيق رفعة وتنمية الاقتصاد الوطني، حيث سيعزز الأمن الغذائي من وجود الصناعات الغذائية في الأسواق المحلية والعالمية على حد سواء، وهذا ما سيؤدي حتماً إلى ارتفاع حجم الصادرات وبالتالي تحقيق فائض في الميزان التجاري الأردني والذي سينعكس على رفد خزينة الدولة بالعملات الأجنبية، كما سيسهم في تعزيز القيمة المضافة للصناعات الغذائية وبالتالي المساهمة بشكل فاعل بالتنمية الاقتصادية المستدامة، وخلق المزيد من فرص العمل وتقليص البطالة التي تؤرق الاقتصاد الوطني.
وقال الجيطان: "لا يمكن للأردن أن يكون مركزا إقليميا للأمن الغذائي إلا بوجود شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، وذلك لتحقيق الاستغلال الأمثل والكامل للموارد والإمكانات التي من شأنها تحقيق الأمن الغذائي".
وأوضح الجيطان، أنه لتعزيز توجه الصناعيين نحو هذه الفكرة، يجب توفير الحوافز المطلوبة من جهة، وتوعية المزارعين بما يحتاجه القطاع الصناعي والصناعة الزراعية من جهة أخرى، لتوفير ما يسمى بالزراعة التعاقدية، وتعزيز مبدأ الاعتماد على الذات في تغطية احتياجات السوق المحلي وتحقيق استقرار الأمن الغذائي.
والزراعة التعاقدية هي: الإنتاج الزراعي أو الحيواني الذي يتم استنادا إلى عقد بين المنتج والمشتري حيث يلتزم بموجبه المنتج بالتوريد طبقا للكميات والأصناف والجودة والسعر وغيرها من الشروط التي يتضمنها العقد.
ولفت الجيطان، إلى إمكانية أن تسهم الشراكة الخماسية (الأردن، مصر، الإمارات، العراق، البحرين)، في تحقيق الأمن الغذائي والنهوض باقتصاديات الدول وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة لها جميعها، وذلك من خلال البناء على نقاط القوة والميزة التنافسية التي تملكها كل دولة من هذه الدول.
ويشار إلى أن عدد منشآت الصناعات الغذائية في الأردن يبلغ 2800 منشأة، تشغل نحو 55 ألف عامل وعاملة، ويبلغ حجم الاستثمار في القطاع نحو 1.5 مليار دينار.
بدوره، لفت الأمين العام لجمعية اتحاد المزارعين الأردنيين محمود العوران، إلى أن الملك عبدالله الثاني كان لديه نظرة استشرافية لأهمية ملف الأمن الغذائي، فمنذ أن تولى سلطاته الدستورية لم تخل خطابات العرش وكتب تكليف الحكومات من الدعوة إلى وجوب تحقيق الأمن الغذائي.
وبين العوران، أن الظروف السياسية والمتغيرات التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها جائحة "كورونا"، قد أظهرت مستوى هشاشة الأمن الغذائي في كل دول العالم، ومدى خطورة ذلك على المجتمعات كافة.
وبهدف استدامة الأمن الغذائي في الأردن، وجعلها قوة إقليمية في الأمر، دعا العوران إلى أهمية تعزيز دور المجلس الزراعي الاعلى وتفعيل نشاطه، إضافة إلى أهمية وضع خطط قصيرة الأجل ومتوسطة وطويلة للتحوط من التغيير المناخي، إلى جانب زيادة مساحات الأراضي الزراعية، وتقديم الحوافز للقطاعات الفاعلة في هذا الحقل وتخفيض كلف الإنتاج عليها، علاوة على وجوب الاستفادة من التكتلات الإقليمية التي تجمع الأردن مع دول عدة، وذلك باستقطاب الاستثمارات لهذه الغاية.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش: "إن الصناعة الغذائية كانت خلال جائحة "كورونا" إحدى أهم الإضاءات التي مكنت الأردن من مواجهة النتائج التي ترتبت على إغلاق الأسواق العالمية، وهذا ما يؤكد أن هناك فرصا وإمكانيات متاحة لدينا في مجال الأمن الغذائي".
وأضاف عايش: "آن الآوان أن نتعرف على إمكانياتنا وقدراتنا في الأمن الغذائي"، وأن يكون لدينا ورشة كبرى للخبراء والمختصين تتبلور خلالها الرؤى المتعلقة بإمكانيات تحويل الأردن إلى مركز إقليمي للأمن الغذائي، إضافة إلى بحث الفرص القائمة او الاحتياجات الواجبة لبلوغ هذا الهدف، بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية ولوجستية.
ووفق عايش، فإن استثمار المملكة كمركز إقليمي في هذا المجال، يتطلب أن تكون هناك شراكة فاعلة وجادة بين القطاعين العام والخاص، حيث إن القطاع العام عليه أن يخطط ويضع القواعد والسياسات والاستراتييجات، إلى جانب دراسة حاجات الإقليم الغذائية وتأسيس البنية التحتية اللوجستية والتكنولوجية المعرفية، علاوة على سن الأنظمة والقوانين والتشريعات، وسياسات خاصة بالجودة ومراقبة المخرجات، ومقابل ذلك على القطاع الخاص القيام بدور التصنيع وتشغيل المشاريع المخصصة لذلك.
يذكر، أن رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقت العام الماضي استهدفت تعزيز الأمن الغذائي في مختلف المجالات، واقترحت عددا من المبادرات، كتأسيس جهة متخصصة بالأمن الغذائي، إلى جانب مركز وطني للأبحاث.
الغد