الأمانة الأمانة خُلقٌ كريمٌ من الأخلالق التي حثّ عليها الإسلام وأمر بها عباده المؤمنين، فقد جاء في قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، حيث وصف الله المؤمنين حين وصفهم بالفلاح والرشاد بأنّهم يحفظون أماناتهم ويوفون بعهدهم بها، فالأمانة تشمل كلّ ما يدخل في حياة المسلم من أمر دينه ودُنياه، فهي أداء الحقوق لأصحابها، والمحافظة عليها، والمسلم الأمين يؤدّي كلّ حقٍّ إلى صاحبه، سواء كان هذا الحقّ متعلّقاً بالعباد أو بالله أو بنفسه، فيؤدّي حقوق الله في العبادات، ويؤدي كل حق لصاحبه من العباد، ويحفظ جوارحه عن الوقوع في الحرام فيكون أميناً على نفسه، والأمانة خُلق عظيم من أخلاق الإسلام، وأصلٌ من أصول بنائه، حملها الإنسان بينما أبت السماوات والأرض أن يحملنها، وقد أمر الله عباده بأداء الأمانة، والأمانة صفةٌ من صفات أهل الرسالات، حيث كان كلّ رسولٍ يقول لقومه: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)، وما وُصف رسولنا الكريم إلّا بالصادق الأمين، حيث لازمه ذلك الوصف قبل الإسلام وبعده، وفي أشدّ أوقات عداوة قومه له، وقد جعل رسول الله -صلّى الله عليه عليه وسلّم- الأمانة علامةً على إيمان المرء، كما روى أنس بن مالك عن رسول الله، أنّه قال: (لا إيمانَ لمن لا أمانةَ لهُ، ولا دينَ لمنْ لا عهدَ لهُ)، وجعل رسول الله نزعها من بين الناس علامةً على فساد الزمان واقتراب الساعة.
فضل الأمانة
أمر الله تعالى بأداء الأمانات إلى أهلها؛ حيث قال في كتابه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ)، ونهى عن الخيانة التي هي ضدّ الأمانة، وعلامة المنافق ودليل نقاقه وعصيانه لله، والأمانة من أوصاف المؤمنين الذين نالوا الفلاح في الدنيا والآخرة، ولمّا وصف الله تعالى الإنسان بالهلع وشدّة الجزع، استثنى من ذلك المصلّين الذين وصفهم الله بعد ذلك بمراعاة الأمانة وأدائها والحفاظ عليها، وعندما يكون كلّ واحدٍ من المسلمين في المجتمع حريصاً على أداء الأمانة؛ تتيسّر أمورهم، وتسير معاملاتهم وحاجاتهم، فالأمانة خلقٌ عظيمٌ يحظى صاحبها بالخلق الكريم، والاهتمام من الناس، فلا يقوى كلّ إنسان على حمل هذا الخُلق والاتّصاف به، فعن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنّه قال: (قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ألا تستعملُني؟ قال: فضرب بيدِه على منكبي، ثم قال: يا أبا ذرٍّ، إنّك ضعيفٌ، وإنّها أمانةٌ، وإنّها يومَ القيامةِ، خزيٌ وندامةٌ، إلا من أخذها بحقِّها وأدَّى الذي عليهِ فيها).
صور الأمانة وأنواعها
للأمانة أنواعٌ وصورٌ ومجالاتٌ كثيرةٌ تندرج تحتها وتدخل من ضمنها، تتنوّع في أصولها ما بين أماناتٍ متعلّقةٍ بحقوق الله، وأماناتٍ متعلّقةٍ بحقوق العباد، ومن هذه الأنواع بشكلٍ مفصّلٍ:
الأمانة فيما افترضه الله على عباده من العبادات الّتي افترضها عليهم؛ فقد ائتمن الله تعالى عباده بهذه العبادات.
الأمانة في الأموال؛ فلا يتعدّى الإنسان عمّا ليس له من حقٍّ، ويؤدّي ما عنده للناس من حقوقٍ، ويدخل في ذلك؛ الوصايا والدّيون والمواريث والبيوع والولايات الكبرى والصغرى، وما أُعطي للإنسان بصفة الأمانة عنده على سبيل حفظها لأصحابها.
الأمانة في الأعراض؛ فيعفّ الإنسان نفسه ولسانه عن كلّ ما ليس من حقّه، فيتجنّب القذف والغيبة.
الأمانة في الأجسام والأرواح؛ فيكفّ اليد والنفس عن التعرّض لها بسوء، فلا يأذي نفسه بجرحٍ أو أذى.
الأمانة في المعارف والعلوم؛ فيؤدّي الإنسان ما عنده من العلوم كما هي، دون تغييرٍ، أو تحريفٍ، أو تبديلٍ، مع نسبة الأقوال إلى قائليها، وعدم التعرّض لما للغير ونسبته لنفسه.
الأمانة في الولاية؛ فيؤدّي الحقوق إلى أصحابها، ويولّي الأعمال إلى الأكفياء في أدائها، ويحفظ ما للناس من أرواحهم وأجسادهم وأموالهم ويحرص على الدين الذي ارتضاه الله لعباده من أن يمسّه أحدٌ بسوءٍ، ويحافظ على أسرار الدولة من أن تصل إلى الأعداء.
الأمانة في الشهادة؛ فيؤدّيها كما يعلمها دون أيّ تحريفٍ أو زيادةٍ أو نقصانٍ.
الأمانة في القضاء؛ فيصدر القاضي أحكامه وفق الأحكام العدليّة الموكّل بها.
الأمانة في الكتابة؛ فيحرص على أن يكتب وفق ما يُملى عليه، ووفق الأصل الذي تكتب به، فلا يزيد ولا ينقص ولا يحرّف أو يبدّل، وإن كان لا يكتب على وفق الإملاء الحرفيّ فيكتبها بالمضمون خاليةً من الكذب أو التلاعب فيها.
الأمانة في الأسرار التي يُستأمن على حفظها، ومن ذلك ما يكون بين الأصحاب من الأمور التي يستأمن فيها الصّاحب صاحبه، سواء أوصاه بذلك أو عُلم من الحال أنّه لا يريد منه أن يخرج الكلام عنهما، ويحرم عليه ذلك لو أخرجه إلى أقرب الناس إليه. الأمانات في الرسالات؛ فيوصلها إلى أهلها دون إحداث أيّ تغيير فيها، سواء كانت لفظيّةً أو كتابيّةً أو عمليّةً.
الأمانة في السمع والبصر وسائر الحواس؛ فيحرص على أن يكفّ حواسه عن الوقوع في الحرام، وأن يؤدّي بها حقوق الله تعالى وحقوق عباده، فيستخدمها فيما أمر الله به ورغّب عليه، ويعلم أنّ هذه الحواس أمانةٌ عنده وليست ملكه، فلا يجزع إن امتُحن بفقدان شيءٍ منها ويعلم أنّ الله أحقّ بها منه.
الأمانة في النصح والمشورة؛ فيعلم أن مَن جاءه ليستشيره ويأخذ برأيه فقد وثق به، فينصحه على وفق ما يراه صحيحاً، ويقدّم له الرأي والمشورة، ولا يخونه بأن يشير عليه بغير الرأي الصحيح.