الطبخ المستدام .. إذكاء للوعي بجودة إدارة الموارد الغذائية

mainThumb

21-06-2023 02:43 PM

printIcon
رغم أن الطبخ يشير بداهة إلى أسلوب الطهي في منطقة معينة، إلا أنه اكتسب مع الأيام مصطلح "فن الطبخ" للتطور هذه التسمية فيما بعد الى "فن الطبخ المستدام" في إشارة الى العلاقة بين مصدر المكونات وحسن إدارتها.
وتشير الجهات المهتمة بإنتاج الغذاء في هذا المعنى الى أن "فن الطبخ المستدام يعني المطبخ الذي يدرك مصدر المكونات، وكيفية زراعة الأغذية الأكثر جدوى وإيصالها إلى الأسواق ثم الى الأطباق".
وتعمل الجمعية العامة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) على إذكاء الوعي العام بالطبخ المستدام وتيسير الاحتفال به بالتعاون مع الدول الأعضاء ومنظمات الأمم المتحدة والهيئات الدولية والإقليمية الأخرى، والمجتمعات المدنية.
موقع منظمة (الفاو) الذي اطلعت عليه (بترا) يوضح كيف يمكن جعل عملية الطبخ أكثر مراعاةً للبيئة، مشيرا إلى أن إعداد الطعام بمفهوم الاستدامة في منطقة معينة يعني مهارة إنجازه بطريقة الإفادة الكاملة منه مع عدم إهدار الموارد الطبيعية، ودون إضرار بالبيئة أو الصحة العامة.
وبين الموقع إلى أنه بحلول عام 2050، سيكون في العالم ما يزيد على 9 مليارات من الأفواه التي ينبغي إطعامها، لكنَّ ثلث الأغذية المنتجة يهدر أو يفقد، في حين يجدر الحذر حول كيفية استخدام المنتجين للموارد الطبيعية وينبغي على المستهلكين أيضا أن يكونوا أكثر انتقاء لكيفية اختيار وإعداد الطعام.

وتقدر منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من 167 مليون شخص على مستوى العالم سيعانون بشدة من زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2025 بسبب وجبات غذائية غير صحية أو وجبات لم يتم إعدادها بطريقة "الطبخ المستدام".
أردنيا بدأت مبادرات ومؤسسات وطُهاة بتطبيق فكرة الطهي المستدام، وصولا إلى الحفاظ على النظام الغذائي الصحيح واستخدام الموارد بشكل منطقي وعلمي وصحي.
وعلى مدار أشهر زارت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عددًا من الفنادق والمطاعم والتقت طهاة وربات بيوت وتقصَّت عن مدى تطبيق فكرة الطَّهي المستدام ليتبين أن الاردنيين يدركون مفهوم "الطهي المستدام" ويدركون أهميته خاصة وأن المنتج الزراعي المحلي تمتاز بتنوع كبير على مدار الفصول الأربعة بفضل بيئته الطبيعية.

ويؤكد خبراء وطهاة أردنيون التقتهم (بترا) أنَّ الاهتمام بالأطعمة والأسواق المحلية يعني أنه يمكننا أن نساعد في الحفاظ على جذورنا في مجال الطهي وهي: المحاصيل التقليدية، والوصفات، والثقافات التي تنشأ منها هذه الأطعمة، وهذا يعني الحرص على الموارد الزراعية من خلال إحياء تقاليد الطهي والانفتاح على الأغذية ذات الزراعات المحلية والتركيز على الموسمي منها وتغيير أنماط التزويد لدى شركات الأغذية المحلية مثل الفنادق والمطاعم.

نماذج أصيلة تعمق مفهوم الاستدامة.

الخبير البيئي عمر الشوشان يقول إن من شأن "الطهي المستدام" أن يرشد استهلاك المياه قبل وخلال وما بعد الطبخ ومراعاة مصدر الطاقة المستخدم لإتمام هذه العملية، مؤكدا أهمية هذا الالتزام على المستوى الفندقي والتجاري في إطار حرص هذه المنشآت على الفوز بإحدى الجوائز البيئية التي تمنح وفق هذه الأسس.
وأشار الى أن استخدام طرق حفظ الطعام وتغليف الكميات الزائدة منه لاستهلاكها ثانية خاصة في المنازل يدخل في معايير الاستدامة ويقلل من معدلات هدر الطعام المرتفعة، مشيرا الى أن من شأن هدرها يحولها إلى نفايات ويخلق معضلة أخرى تتعلق بكيفية التخلص منها.
ويوضح الشوشان أن "الطهي المستدام" بمفهومه المثالي كان ثقافة متبعة في مجتمعات الأرياف والبوادي الأردنية سابقا، حيث كان آباؤنا وأجدادنا يطرحون فضلات وبقايا الطعام للحيوانات الداجنة والمواشي التي يربونها كمادة علفية ثم تتحول الى سماد طبيعي حيوي للتربة.

وخلال حفل عشاء حضرته (بترا) في الأكاديمية الملكية لفنون الطهي قدم 4 طهاة ثلاثة منهم أردنيون أطباقا تعكس مبادئ الطهي المستدام ومساهماتهم في هذا الجانب بالتنسيق مع منظم مبادرة "فروم فارم تو فورك" في الأردن نيكولاس دنجيمانس، والتي تسعى الى رفع الوعي بفن الطهي المستدام.
وأكد دينجيماس أن المنتجات الزراعية المحلية في الاردن تمتاز بتنوع كبير على مدار العام بفصوله الاربعة، إذ أن مناخه المتنوع يتيح الحصول على منتجات موسمية يعد استغلالها في إعداد أطباق الطعام أحد أهم مرتكزات الاستدامة.
وأشار الى أنه وكون الأردن وجهة سياحية للكثير من دول العالم لا بد أن يتعمق الاهتمام بمفهوم استدامة الطهي ومن الأهمية بمكان أن يتعرف السياح على رحلة كل مكون من مكونات أطباقهم بحيث يعيشون على سبيل المثال أجواء قطف ثمار الزيتون ويختبرون تجربة تناوله زيتا بعد العصر مباشرة.

آية الكور المشاركة بإعداد طبق التحلية في الحفل ومالكة مطعم مخبوزات افتراضي بينت أنها عكست فكرة الاستدامة في طبقها من خلال دمج فاكهة المشمش المحلية الموسمية بطارة تطريز تعبر من خلالها عن أساليب الجدات القديمة في العيش المستدام وأسمته "طارة ستي"، فيما كشفت الطاهية سارة عقل عن نيتها نقل تجاربها في السفر حول عدد من بلدان العالم إلى الأردن من خلال افتتاحها قريبا مطعما أكدت أنه سيأخذ على عاتقه دعم سبل الاستدامة في الطهي.
ولدى تقديمه للطبق الرئيس في الفعالية بين الطاهي محمد عطية حرصه على تعليم الحضور من خلال طبقه المكون من اللحم والبرغل أساليب طهي مستدامة بتقنيات جديدة ممكنة التطبيق، أما الطاهي لوكا ليلي، فقد عمد إلى إرساء قواعد الطهي المستدام من خلال توفير استهلاك الطاقة بابتكار طبق بمكونات طازجة منعشة قليلة التعرض للحرارة فاختار أن يقدم حساء الخيار مع جبنة رغوية وأوراق الزعتر البري.

وكان لمجموعة من الأعشاب المزروعة محليا وجود على طاولات حفل العشاء المستدام الذي حضرته (بترا) حيث شكلت أغصان النعنع والزعتر وإكليل الجبل انعكاسا لغنى الطبيعة الأردنية التي مثلها "بستان دانا" لصاحبته دانا الحسيني والتي قالت إن مزرعتها الصغيرة تراعي الاستدامة في انتاجها من خلال اعتمادها كليا على عناصر الطبيعة "الماء والهواء والتربة" دون تدخل المبيدات، لافتة إلى أن تصميم المزرعة نفذ بطريقة تسمح بتجميع مياه الأمطار إضافة إلى توزيع النباتات بالطريقة التي تراعي المناخ المناسب لكل منها.
وأشارت الحسيني الى أن أهم سبل الاستدامة تكمن في بناء منظومة متجددة لا تحتاج إلى تدخل الإنسان وصرف طاقة فيها، وجاءت الفكرة اقتداء بكثير من المزارع النموذجية العضوية في الأردن من خلال استثمار قطعة ارض صغيرة تملكها عائلتها.

واسترسلت الحسيني قائلة إنها كانت في بادئ الأمر تنوي تحقيق حلمها في تأمين حاجتها من المزروعات من انتاجها الشخصي حيث ضجت الأرض بالحياة بعدها.
والتقت (بترا) عددا من أصحاب المزارع والمطاعم الداعمين لـ "الطبخ المستدام" منهم ميساء مقدادي التي أكدت أنَّ أساس عملها في مطعمها ينحصر في شراء المنتجات الزراعية الموسمية رفضا لمبدأ تخزين الأطعمة بهدف تخفيض موارد الطاقة إضافة إلى حرصها على إدارة الكميات المستخدمة للتقليل من فاقد الطعام، مستنكرة طلب مرتادي مطعمها لعصير البرتقال على سبيل المثال في مثل هذا الوقت من العام حيث تعد أشهر الشتاء موسما طبيعيا لهذا الصنف من الفاكهة.