عندما طلب جلالة الملك عبدالله الثاني تحديث وتطوير الإدارة العامة، من خلال وضع منظومة لهذه الغاية كان هدفه معالجة الترهل الإداري والقضاء على بيروقراطية الإدارة العامة بهدف النهوض بالقطاع الإداري وتطويره للوصول إلى إدارة رشيقة ديناميكية سريعة الإنجاز وإعادة الألق إلى الإدارة العامة بحيث يتم اقتصار وقت إنجاز معاملات المواطنين ضمن أقصر مدة ممكنه بعيدا عن الروتين والمماطلة والتسويف. وإعادة هيكلة بعض الدوائر والوزارات والمؤسسات الرسمية، وتحديث التشريعات الناظمة لها، وتطوير قدرات الموظفين والموارد البشرية القائمة على إدارة مؤسسات الدولة بمختلف أنواعها واختصاصاتها، على أن يتم إنجاز كل ما سبق بالسرعة الممكنة، لكن ما هو ملاحظ أن الحكومة دخلت في بيروقراطية جديدة هي بيروقراطية تحديث هذه المنظومة الإدارية، من خلال تشكليل اللجان، وفتح الحوارات، وتكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي للحوار مع مختلف الفئات المجتمعية المعنية، واستقبال آراء وملاحظات الناس عبر التغذية الراجعة، وتم تكليف أحد الوزراء وتفريغه لهذه الغاية، والوزير المكلف فتح هو الآخر حوارات فرعية من طرفه، ولذلك إذا استمرت الحكومة بهذا النهج البيروقراطي في الدراسة والحوار والنقاش، لن يتم انجاز هذه المنظومة وتطبيقها على أرض الواقع، لأنها سوف تحتاج وتأخذ وقتا طويلا، للحد الذي يأتي اليوم الذي تغادر فيه الحكومة الدوار الرابع تاركة خلفها هذه المنظومة دون أي إنجاز يذكر، لتأتي بعدها حكومة جديدة لديها تحفظات على هذه المنظومة والتوصيات، ولا تكون من ضمن أولوياتها، لأنه سيكون لها رؤى وأولويات جديدة طرأت على الساحة الأردنية. فتذهب هذه المنظومة في غياهب النسيان، وطي الأدراج، وهكذا دواليك نعود إلى المربع الأول، فالتحديث والتطوير يحتاج إلى قرار سريع وجريء وليس إلى حوار بطيء وممل ولجان متفرعة ومتشعبة، يبدأ من تحديث وتغيير القيادات الإدارية العليا ممن لا يمتلكون الكفاءة والمهارات القيادية، ونزلوا إلى مواقعهم ومناصبهم بالبراشوت من خلال الواسطة والمحسوبية، مرورا بتطوير وتأهيل الكوادر الوظيفية الوزارات والمؤسسات، وانتهاء بهيكلة المؤسسات والدوائر المعنية في فترة زمنية سريعة وقصيرة المدى، وبقاء خطة دمج الوزارات والمؤسسات المستهدفة ضمن فترة زمنية متوسطة أو طويلة المدى، وبهذا الإنجاز والعمل السريع يلمس المواطن آثار التحديث للمنظومة الإدارية وتنعكس إيجابا على الإدارة العامة الأردنية، وللحديث بقية.