بلغت صرخات الانتقام ذروتها في السادس من مارس/آذار.
أخبار اليوم - دعت عشرات الرسائل التي نشرتها فصائل مسلحة مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولها مئات الآلاف من السوريين، إلى “النفير” للمساعدة في سحق تمرد ناشئ من أنصار الرئيس المخلوع والمكروه على نطاق واسع بشار الأسد.
تدفقت مئات الشاحنات الصغيرة المحملة بمسلحين، بالإضافة إلى دبابات وأسلحة ثقيلة، على الطرق السريعة الرئيسية باتجاه منطقة الساحل السوري التي تقطنها الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
كانوا يسعون للانتقام من الموالين للرئيس المخلوع، ومعظمهم من ضباطه العلويين السابقين. ويُقال إن بعضهم نفذ سلسلة من هجمات الكر والفر على الجيش الجديد في محاولة للانقلاب على الحكومة التي يقودها الإسلاميون السنة.
في الساعات الأولى من صباح السابع من مارس/آذار، هاجمت قوات موالية للحكومة حي القصور في مدينة بانياس، أحد أول مخارج الطرق السريعة الرئيسية، وأطلقت النار على المباني السكنية، ما أسفر عن مقتل عائلات داخل منازلها. ووقعت هجمات مماثلة في سلسلة من البلدات والقرى الواقعة شمالاً على طول الساحل، بما في ذلك المختارية، والشير، والشلفاطية، وبرابشبو، حيث تتركز الطائفة العلوية.
قال حسن حرفوش، وهو علوي من القصور يقيم الآن في العراق، واصفاً مكالمة هاتفية مع عائلته قبل مقتل والديه وشقيقه وشقيقته وطفليها بالرصاص في البلدة، بعد ظهر السابع من مارس/آذار: “سمعت صراخ أطفال، وإطلاق نار، ووالدي يحاول تهدئة الأطفال”.
“كان والدي يقول لي: ادعُ لنا. لقد وصلوا”.
قال حرفوش إنه غادر سوريا قبل أشهر، عقب الإطاحة بالأسد بناءً على طلب والده الذي خشي موجة ثأر من العلويين: “قال لي أن يبقى واحد منا على الأقل على قيد الحياة”.
في غضون ستة أيام تقريباً، سقط مئات المدنيين العلويين قتلى، وفقاً لتقارير رويترز وعدة مجموعات رصد. بعد ثلاثة أشهر فقط من الإطاحة بالأسد، في ديسمبر/كانون الأول، وإنهاء حكمه الوحشي، ونحو 14 عاماً من الحرب الأهلية، انزلقت أجزاء من غرب سوريا إلى حمام دم من الانتقام.
جمعت رويترز تفاصيل الأحداث التي بلغت ذروتها في هذه المذبحة الدموية من خلال مقابلات مع أكثر من 25 ناجياً وأقارب ضحايا، بالإضافة إلى لقطات من طائرات مسيرة وعشرات المقاطع المصورة والرسائل المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كانت هناك أي خطة منسقة من قبل قوات الأمن لمهاجمة المناطق العلوية أو استهداف المدنيين.
ولم ترد الحكومة السورية، التي يديرها الآن أعضاء سابقون في “هيئة تحرير الشام”، على طلب للتعليق على هذا المقال.
وندد الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بعمليات القتل الجماعي لأفراد من الطائفة العلوية، وقال إنها تشكل تهديداً لجهوده للمّ شمل البلاد التي عصفت بها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا “أقرب الناس” إليه.
وقال لرويترز، في مقابلة قبل أيام: “نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين… لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق، أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان، حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا. لا فرق في هذا الأمر. الاعتداء على حرمة الناس، الاعتداء على دمائهم أو أموالهم، هذا خط أحمر في سوريا”.
واتهم الشرع وحدة عسكرية سابقة موالية لشقيق الأسد وقوى أجنبية بالمسؤولية عن اندلاع العنف بمنطقة الساحل، لكنه أقرّ بأن “أطرافاً عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عديدة”.
وقال إن ذلك “أصبح فرصة للانتقام” من مظالم مكبوتة منذ سنوات.
وتواصلت رويترز مع عدد من الموالين للأسد الذين نشروا رسائل على الإنترنت تحث على العنف، لكنهم لم يستجيبوا.
وقالت جماعات رصد، من بينها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مستقلة مقرها المملكة المتحدة، إن أكثر من ألف شخص لقوا حتفهم في أعمال العنف، أكثر من نصفهم قُتلوا على يد قوات متحالفة مع السلطات الجديدة، بينما قُتل آخرون على يد موالين للأسد.
وأضافت الشبكة أن من بين القتلى 595 مدنياً ومقاتلاً أعزل، غالبيتهم العظمى من العلويين. وأحصت رويترز أكثر من 120 جثة في ستة مواقع على الأقل في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، من خلال تحديد المواقع الجغرافية لمقاطع مصورة نشرها سكان وأقارب والقتلة أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشهدت الإطاحة بالأسد صعود حكومة جديدة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، وهي جماعة إسلامية سنية انبثقت من تنظيم كان تابعاً لتنظيم “القاعدة”.
وشعر العديد من السنة في سوريا، الذين يشكلون أكثر من 70 بالمئة من السكان، بالتهميش السياسي والاقتصادي على يد بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، اللذين قمعا بشدة الاحتجاجات التي هيمن عليها السنة ضد حكمهما.
وتسعى الحكومة الجديدة جاهدة لدمج عشرات الفصائل، التي انبثقت من رحم الحرب الأهلية الطويلة، في قواتها الأمنية. وتعتمد الحكومة على مقاتليها، بالإضافة إلى مقاتلين جُنّدوا حديثاً في كيان يعرف باسم إدارة الأمن العام. وقد برزت الحاجة إلى فصائل أخرى – بما يشمل بعض المقاتلين الأجانب – لملء الفراغ الأمني الذي خلفه تفكيك منظومة الدفاع في عهد الأسد.
ووفقاً لعدد من الشهود، نُفذت عمليات القتل الجماعي في الغالب على يد مسلحين من مختلف الفصائل المتحالفة مع الحكومة الجديدة، بما في ذلك إدارة الأمن العام. وأظهر مقطع مصور نُشر على فيسبوك، وتحققت منه رويترز، بعض الرجال يرتدون زياً عسكرياً وعلامات على أذرعهم تُشبه تلك التي ترتديها إدارة الأمن العام، وهم يشاركون في أعمال العنف في مدينة جبلة الساحلية.
ولم تستجب إدارة الأمن العام لطلب التعليق.
قال أحد أفراد الأمن العام إنه وعشرات من أفراد الوحدة الآخرين نُشروا إلى الساحل في السادس من مارس/آذار بهدف استئصال المقاتلين الموالين للأسد، وعادوا إلى قاعدتهم في حلب هذا الأسبوع.
وأضاف أن مقاتلي إدارة الأمن العام لم يستهدفوا المدنيين على حد علمه، مضيفاً أن دعوات “النفير” على مواقع التواصل الاجتماعي استقطبت مقاتلين آخرين غير منضبطين، فقتلوا مدنيين بشكل جماعي.
وأضاف: “انضم إليهم كل من كان بحوزته سلاح”.
“ضربة بيد من حديد”
خلفت سنوات حكم الأسد الأربعة والعشرون إرثاً كارثياً بعد هروبه إلى موسكو في ديسمبر/كانون الأول. فالكثير من السنة في سوريا، الذين يشكلون غالبية السكان، يضمرون استياءً عميقاً تجاه الموالين للرئيس السابق الذين شنوا تمرداً محدوداً هذا الشهر.
ازدادت حدة التوتر في السادس من مارس/آذار، عندما أعلنت الحكومة أن مقاتلين يقودهم ضباط علويون سابقون في جيش الأسد شنوا موجة من أعنف هجماتهم حتى الآن، ما أودى بحياة 13 فرداً من قوات الأمن الحكومية في محافظة اللاذقية، وهي معقل للعلويين. ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن عمليات القتل.
وتمكّنت رويترز من مراجعة رسائل عدة تدعو السوريين إلى التوجه إلى الساحل للمشاركة في “النفير”.
فعلى سبيل المثال، نشرت صفحة على فيسبوك لها أكثر من 400 ألف متابع، وتقول إنها تابعة لإدارة الأمن العام، دعوات للعشائر العربية في سوريا للتعبئة لدعم مقاتلي الحكومة في مواجهة المتمردين العلويين. كما نشرت مقاطع مصورة لجماعات مسلحة ترسل مقاتلين ومركبات إلى الساحل للانضمام إلى القتال. ولم تتمكن رويترز بعد من تحديد هوية أدمن الصفحة.
كما ظهرت دعوات إلى حمل السلاح في ما لا يقل عن ثلاث مجموعات على تطبيق واتساب، تضم كل منها مئات الأشخاص في ثلاث مناطق مختلفة من شمال سوريا. كانت الرسائل محلية، مع تحديد نقاط تجمع محددة في كل منطقة تنطلق منها القوافل نحو الساحل.
وفي اليوم نفسه، قال سكان في مدينتي دمشق وحلب الرئيسيتين لرويترز إنهم سمعوا بعض المساجد السنية تبث دعوات الجهاد عبر مكبرات الصوت. وندد أحد أئمة مسجد في دمشق بهجوم العلويين المزعوم على قوات الأمن، ودعا السنّة إلى حمل السلاح ضد خصومهم الطائفيين في خطبة بُثت على فيسبوك واطلعت عليها رويترز.
ولم يرد إمام دمشق، محسن غصن، على طلب التعليق عبر صفحته على فيسبوك. كما لم ترد وزارة الشؤون الدينية السورية المسؤولة عن المساجد.
ولم تتمكن رويترز من تحديد عدد المقاتلين الذين حُشدوا لهذه القضية. وتُظهر لقطات من طائرات مسيرة للطريق السريع شرق مدينة اللاذقية الساحلية، بالقرب من قرية المختارية، مئات المركبات- منها شاحنات تحمل مقاتلين في الخلف ومركبات عسكرية ودبابتان على الأقل- وهي تدخل المنطقة صباح السابع من مارس/آذار.
وأبلغ مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رويترز بأن تحقيقاته أشارت إلى أن حشد المقاتلين لدعم قوات الأمن شمل جماعات مسلحة ومدنيين، وأنه حدث بسرعة كبيرة.
وقال متحدث باسم المكتب: “لم يتسن التعرف على هوية العديد من المهاجمين لأنهم كانوا ملثمين، ولذلك من الصعب للغاية معرفة من فعل ماذا. كانت الفوضى عارمة”. وأضاف: “ليس لدينا صورة واضحة عن هيكل التسلسل القيادي داخل قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة”.
المقاتلون يتنقلون من منزل لمنزل
أفاد ستة شهود وأقارب قتلى بأن حي القصور، حيث تعرضت عائلة حرفوش لمأساة، شهد بعضاً من أسوأ المجازر.
وقال أحد السكان لرويترز إن المقاتلين أطلقوا، في بادئ الأمر، ذخيرة ثقيلة وقذائف مدفعية ومدافع مضادة للطائرات على المباني السكنية. وأضاف أن المسلحين بدأوا بعد ذلك بقليل التنقل من منزل إلى آخر، ما تسبب في مقتل مدنيين.
وأضاف أن نحو 15 مسلحاً اقتحموا منزله في ثلاث مجموعات مختلفة، منها بعض أفراد جهاز الأمن العام الذين تعرف عليهم من زيهم العسكري، بالإضافة إلى مقاتلين أفغانيين يعرف لغتهما.
وقال إن هويته المسيحية فقط هي التي أنقذته وعائلته. وأضاف أن أحد ضباط جهاز الأمن العام كف المسلحين الآخرين عن قتلهم.
وكان جيرانه أقل حظاً.
فقد قال اثنان آخران من سكان القصور إن العديد من أفراد أسرهم قُتلوا. وأفادت امرأة أخرى بمعرفتها مقتل نحو 50 شخصاً، بينهم والداها وجيرانهم وطفل من الجيران عمره ثلاث سنوات. وقال ساكن رابع إن المسلحين أجبروا الناس على الخروج من منازلهم وقتلوهم، بمن فيهم ابن أخيه البالغ من العمر 28 عاماً.
وقال ناجون إن مقاتلين سرقوا سيارات وهواتف وأموالاً من السكان وأجبروا نساء على تسليم مجوهراتهن تحت تهديد السلاح وأحرقوا منازل ومتاجر ومطاعم.
ولم تتمكن رويترز من التحقق من هذه الروايات بشكل مستقل.
وفي اليوم نفسه، السابع من مارس/آذار، وفي الأيام التي تلته، هاجم مسلحون أيضاً سلسلة من البلدات والقرى الواقعة شمالاً على امتداد الساحل وفي التلال المحيطة بمدينة اللاذقية.
وتمكنت رويترز من التحقق من لقطات لعشرات الجثث ملقاة في تلك القرى، والتي نُشرت على الإنترنت في الأيام التي تلت عمليات القتل.
وأظهر مقطع مصور نُشر على الإنترنت في السابع من مارس/آذار جثث ما لا يقل عن 27 رجلاً، كثير منهم من كبار السن، ملقاة على جانب طريق في المختارية. وفي اليوم نفسه، في الشلفاطية على بُعد 20 دقيقة بالسيارة، أظهر مقطع مصور نُشر على فيسبوك وتحققت منه رويترز جثث ما لا يقل عن 10 أشخاص بملابس مدنية ملقاة على الأرض أمام صيدلية وعلى امتداد الطريق. وكان الكثيرون لا يزالون ينزفون.
(رويترز)
بلغت صرخات الانتقام ذروتها في السادس من مارس/آذار.
أخبار اليوم - دعت عشرات الرسائل التي نشرتها فصائل مسلحة مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولها مئات الآلاف من السوريين، إلى “النفير” للمساعدة في سحق تمرد ناشئ من أنصار الرئيس المخلوع والمكروه على نطاق واسع بشار الأسد.
تدفقت مئات الشاحنات الصغيرة المحملة بمسلحين، بالإضافة إلى دبابات وأسلحة ثقيلة، على الطرق السريعة الرئيسية باتجاه منطقة الساحل السوري التي تقطنها الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
كانوا يسعون للانتقام من الموالين للرئيس المخلوع، ومعظمهم من ضباطه العلويين السابقين. ويُقال إن بعضهم نفذ سلسلة من هجمات الكر والفر على الجيش الجديد في محاولة للانقلاب على الحكومة التي يقودها الإسلاميون السنة.
في الساعات الأولى من صباح السابع من مارس/آذار، هاجمت قوات موالية للحكومة حي القصور في مدينة بانياس، أحد أول مخارج الطرق السريعة الرئيسية، وأطلقت النار على المباني السكنية، ما أسفر عن مقتل عائلات داخل منازلها. ووقعت هجمات مماثلة في سلسلة من البلدات والقرى الواقعة شمالاً على طول الساحل، بما في ذلك المختارية، والشير، والشلفاطية، وبرابشبو، حيث تتركز الطائفة العلوية.
قال حسن حرفوش، وهو علوي من القصور يقيم الآن في العراق، واصفاً مكالمة هاتفية مع عائلته قبل مقتل والديه وشقيقه وشقيقته وطفليها بالرصاص في البلدة، بعد ظهر السابع من مارس/آذار: “سمعت صراخ أطفال، وإطلاق نار، ووالدي يحاول تهدئة الأطفال”.
“كان والدي يقول لي: ادعُ لنا. لقد وصلوا”.
قال حرفوش إنه غادر سوريا قبل أشهر، عقب الإطاحة بالأسد بناءً على طلب والده الذي خشي موجة ثأر من العلويين: “قال لي أن يبقى واحد منا على الأقل على قيد الحياة”.
في غضون ستة أيام تقريباً، سقط مئات المدنيين العلويين قتلى، وفقاً لتقارير رويترز وعدة مجموعات رصد. بعد ثلاثة أشهر فقط من الإطاحة بالأسد، في ديسمبر/كانون الأول، وإنهاء حكمه الوحشي، ونحو 14 عاماً من الحرب الأهلية، انزلقت أجزاء من غرب سوريا إلى حمام دم من الانتقام.
جمعت رويترز تفاصيل الأحداث التي بلغت ذروتها في هذه المذبحة الدموية من خلال مقابلات مع أكثر من 25 ناجياً وأقارب ضحايا، بالإضافة إلى لقطات من طائرات مسيرة وعشرات المقاطع المصورة والرسائل المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كانت هناك أي خطة منسقة من قبل قوات الأمن لمهاجمة المناطق العلوية أو استهداف المدنيين.
ولم ترد الحكومة السورية، التي يديرها الآن أعضاء سابقون في “هيئة تحرير الشام”، على طلب للتعليق على هذا المقال.
وندد الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بعمليات القتل الجماعي لأفراد من الطائفة العلوية، وقال إنها تشكل تهديداً لجهوده للمّ شمل البلاد التي عصفت بها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا “أقرب الناس” إليه.
وقال لرويترز، في مقابلة قبل أيام: “نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين… لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق، أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان، حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا. لا فرق في هذا الأمر. الاعتداء على حرمة الناس، الاعتداء على دمائهم أو أموالهم، هذا خط أحمر في سوريا”.
واتهم الشرع وحدة عسكرية سابقة موالية لشقيق الأسد وقوى أجنبية بالمسؤولية عن اندلاع العنف بمنطقة الساحل، لكنه أقرّ بأن “أطرافاً عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عديدة”.
وقال إن ذلك “أصبح فرصة للانتقام” من مظالم مكبوتة منذ سنوات.
وتواصلت رويترز مع عدد من الموالين للأسد الذين نشروا رسائل على الإنترنت تحث على العنف، لكنهم لم يستجيبوا.
وقالت جماعات رصد، من بينها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مستقلة مقرها المملكة المتحدة، إن أكثر من ألف شخص لقوا حتفهم في أعمال العنف، أكثر من نصفهم قُتلوا على يد قوات متحالفة مع السلطات الجديدة، بينما قُتل آخرون على يد موالين للأسد.
وأضافت الشبكة أن من بين القتلى 595 مدنياً ومقاتلاً أعزل، غالبيتهم العظمى من العلويين. وأحصت رويترز أكثر من 120 جثة في ستة مواقع على الأقل في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، من خلال تحديد المواقع الجغرافية لمقاطع مصورة نشرها سكان وأقارب والقتلة أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشهدت الإطاحة بالأسد صعود حكومة جديدة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، وهي جماعة إسلامية سنية انبثقت من تنظيم كان تابعاً لتنظيم “القاعدة”.
وشعر العديد من السنة في سوريا، الذين يشكلون أكثر من 70 بالمئة من السكان، بالتهميش السياسي والاقتصادي على يد بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، اللذين قمعا بشدة الاحتجاجات التي هيمن عليها السنة ضد حكمهما.
وتسعى الحكومة الجديدة جاهدة لدمج عشرات الفصائل، التي انبثقت من رحم الحرب الأهلية الطويلة، في قواتها الأمنية. وتعتمد الحكومة على مقاتليها، بالإضافة إلى مقاتلين جُنّدوا حديثاً في كيان يعرف باسم إدارة الأمن العام. وقد برزت الحاجة إلى فصائل أخرى – بما يشمل بعض المقاتلين الأجانب – لملء الفراغ الأمني الذي خلفه تفكيك منظومة الدفاع في عهد الأسد.
ووفقاً لعدد من الشهود، نُفذت عمليات القتل الجماعي في الغالب على يد مسلحين من مختلف الفصائل المتحالفة مع الحكومة الجديدة، بما في ذلك إدارة الأمن العام. وأظهر مقطع مصور نُشر على فيسبوك، وتحققت منه رويترز، بعض الرجال يرتدون زياً عسكرياً وعلامات على أذرعهم تُشبه تلك التي ترتديها إدارة الأمن العام، وهم يشاركون في أعمال العنف في مدينة جبلة الساحلية.
ولم تستجب إدارة الأمن العام لطلب التعليق.
قال أحد أفراد الأمن العام إنه وعشرات من أفراد الوحدة الآخرين نُشروا إلى الساحل في السادس من مارس/آذار بهدف استئصال المقاتلين الموالين للأسد، وعادوا إلى قاعدتهم في حلب هذا الأسبوع.
وأضاف أن مقاتلي إدارة الأمن العام لم يستهدفوا المدنيين على حد علمه، مضيفاً أن دعوات “النفير” على مواقع التواصل الاجتماعي استقطبت مقاتلين آخرين غير منضبطين، فقتلوا مدنيين بشكل جماعي.
وأضاف: “انضم إليهم كل من كان بحوزته سلاح”.
“ضربة بيد من حديد”
خلفت سنوات حكم الأسد الأربعة والعشرون إرثاً كارثياً بعد هروبه إلى موسكو في ديسمبر/كانون الأول. فالكثير من السنة في سوريا، الذين يشكلون غالبية السكان، يضمرون استياءً عميقاً تجاه الموالين للرئيس السابق الذين شنوا تمرداً محدوداً هذا الشهر.
ازدادت حدة التوتر في السادس من مارس/آذار، عندما أعلنت الحكومة أن مقاتلين يقودهم ضباط علويون سابقون في جيش الأسد شنوا موجة من أعنف هجماتهم حتى الآن، ما أودى بحياة 13 فرداً من قوات الأمن الحكومية في محافظة اللاذقية، وهي معقل للعلويين. ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن عمليات القتل.
وتمكّنت رويترز من مراجعة رسائل عدة تدعو السوريين إلى التوجه إلى الساحل للمشاركة في “النفير”.
فعلى سبيل المثال، نشرت صفحة على فيسبوك لها أكثر من 400 ألف متابع، وتقول إنها تابعة لإدارة الأمن العام، دعوات للعشائر العربية في سوريا للتعبئة لدعم مقاتلي الحكومة في مواجهة المتمردين العلويين. كما نشرت مقاطع مصورة لجماعات مسلحة ترسل مقاتلين ومركبات إلى الساحل للانضمام إلى القتال. ولم تتمكن رويترز بعد من تحديد هوية أدمن الصفحة.
كما ظهرت دعوات إلى حمل السلاح في ما لا يقل عن ثلاث مجموعات على تطبيق واتساب، تضم كل منها مئات الأشخاص في ثلاث مناطق مختلفة من شمال سوريا. كانت الرسائل محلية، مع تحديد نقاط تجمع محددة في كل منطقة تنطلق منها القوافل نحو الساحل.
وفي اليوم نفسه، قال سكان في مدينتي دمشق وحلب الرئيسيتين لرويترز إنهم سمعوا بعض المساجد السنية تبث دعوات الجهاد عبر مكبرات الصوت. وندد أحد أئمة مسجد في دمشق بهجوم العلويين المزعوم على قوات الأمن، ودعا السنّة إلى حمل السلاح ضد خصومهم الطائفيين في خطبة بُثت على فيسبوك واطلعت عليها رويترز.
ولم يرد إمام دمشق، محسن غصن، على طلب التعليق عبر صفحته على فيسبوك. كما لم ترد وزارة الشؤون الدينية السورية المسؤولة عن المساجد.
ولم تتمكن رويترز من تحديد عدد المقاتلين الذين حُشدوا لهذه القضية. وتُظهر لقطات من طائرات مسيرة للطريق السريع شرق مدينة اللاذقية الساحلية، بالقرب من قرية المختارية، مئات المركبات- منها شاحنات تحمل مقاتلين في الخلف ومركبات عسكرية ودبابتان على الأقل- وهي تدخل المنطقة صباح السابع من مارس/آذار.
وأبلغ مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رويترز بأن تحقيقاته أشارت إلى أن حشد المقاتلين لدعم قوات الأمن شمل جماعات مسلحة ومدنيين، وأنه حدث بسرعة كبيرة.
وقال متحدث باسم المكتب: “لم يتسن التعرف على هوية العديد من المهاجمين لأنهم كانوا ملثمين، ولذلك من الصعب للغاية معرفة من فعل ماذا. كانت الفوضى عارمة”. وأضاف: “ليس لدينا صورة واضحة عن هيكل التسلسل القيادي داخل قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة”.
المقاتلون يتنقلون من منزل لمنزل
أفاد ستة شهود وأقارب قتلى بأن حي القصور، حيث تعرضت عائلة حرفوش لمأساة، شهد بعضاً من أسوأ المجازر.
وقال أحد السكان لرويترز إن المقاتلين أطلقوا، في بادئ الأمر، ذخيرة ثقيلة وقذائف مدفعية ومدافع مضادة للطائرات على المباني السكنية. وأضاف أن المسلحين بدأوا بعد ذلك بقليل التنقل من منزل إلى آخر، ما تسبب في مقتل مدنيين.
وأضاف أن نحو 15 مسلحاً اقتحموا منزله في ثلاث مجموعات مختلفة، منها بعض أفراد جهاز الأمن العام الذين تعرف عليهم من زيهم العسكري، بالإضافة إلى مقاتلين أفغانيين يعرف لغتهما.
وقال إن هويته المسيحية فقط هي التي أنقذته وعائلته. وأضاف أن أحد ضباط جهاز الأمن العام كف المسلحين الآخرين عن قتلهم.
وكان جيرانه أقل حظاً.
فقد قال اثنان آخران من سكان القصور إن العديد من أفراد أسرهم قُتلوا. وأفادت امرأة أخرى بمعرفتها مقتل نحو 50 شخصاً، بينهم والداها وجيرانهم وطفل من الجيران عمره ثلاث سنوات. وقال ساكن رابع إن المسلحين أجبروا الناس على الخروج من منازلهم وقتلوهم، بمن فيهم ابن أخيه البالغ من العمر 28 عاماً.
وقال ناجون إن مقاتلين سرقوا سيارات وهواتف وأموالاً من السكان وأجبروا نساء على تسليم مجوهراتهن تحت تهديد السلاح وأحرقوا منازل ومتاجر ومطاعم.
ولم تتمكن رويترز من التحقق من هذه الروايات بشكل مستقل.
وفي اليوم نفسه، السابع من مارس/آذار، وفي الأيام التي تلته، هاجم مسلحون أيضاً سلسلة من البلدات والقرى الواقعة شمالاً على امتداد الساحل وفي التلال المحيطة بمدينة اللاذقية.
وتمكنت رويترز من التحقق من لقطات لعشرات الجثث ملقاة في تلك القرى، والتي نُشرت على الإنترنت في الأيام التي تلت عمليات القتل.
وأظهر مقطع مصور نُشر على الإنترنت في السابع من مارس/آذار جثث ما لا يقل عن 27 رجلاً، كثير منهم من كبار السن، ملقاة على جانب طريق في المختارية. وفي اليوم نفسه، في الشلفاطية على بُعد 20 دقيقة بالسيارة، أظهر مقطع مصور نُشر على فيسبوك وتحققت منه رويترز جثث ما لا يقل عن 10 أشخاص بملابس مدنية ملقاة على الأرض أمام صيدلية وعلى امتداد الطريق. وكان الكثيرون لا يزالون ينزفون.
(رويترز)
بلغت صرخات الانتقام ذروتها في السادس من مارس/آذار.
أخبار اليوم - دعت عشرات الرسائل التي نشرتها فصائل مسلحة مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولها مئات الآلاف من السوريين، إلى “النفير” للمساعدة في سحق تمرد ناشئ من أنصار الرئيس المخلوع والمكروه على نطاق واسع بشار الأسد.
تدفقت مئات الشاحنات الصغيرة المحملة بمسلحين، بالإضافة إلى دبابات وأسلحة ثقيلة، على الطرق السريعة الرئيسية باتجاه منطقة الساحل السوري التي تقطنها الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
كانوا يسعون للانتقام من الموالين للرئيس المخلوع، ومعظمهم من ضباطه العلويين السابقين. ويُقال إن بعضهم نفذ سلسلة من هجمات الكر والفر على الجيش الجديد في محاولة للانقلاب على الحكومة التي يقودها الإسلاميون السنة.
في الساعات الأولى من صباح السابع من مارس/آذار، هاجمت قوات موالية للحكومة حي القصور في مدينة بانياس، أحد أول مخارج الطرق السريعة الرئيسية، وأطلقت النار على المباني السكنية، ما أسفر عن مقتل عائلات داخل منازلها. ووقعت هجمات مماثلة في سلسلة من البلدات والقرى الواقعة شمالاً على طول الساحل، بما في ذلك المختارية، والشير، والشلفاطية، وبرابشبو، حيث تتركز الطائفة العلوية.
قال حسن حرفوش، وهو علوي من القصور يقيم الآن في العراق، واصفاً مكالمة هاتفية مع عائلته قبل مقتل والديه وشقيقه وشقيقته وطفليها بالرصاص في البلدة، بعد ظهر السابع من مارس/آذار: “سمعت صراخ أطفال، وإطلاق نار، ووالدي يحاول تهدئة الأطفال”.
“كان والدي يقول لي: ادعُ لنا. لقد وصلوا”.
قال حرفوش إنه غادر سوريا قبل أشهر، عقب الإطاحة بالأسد بناءً على طلب والده الذي خشي موجة ثأر من العلويين: “قال لي أن يبقى واحد منا على الأقل على قيد الحياة”.
في غضون ستة أيام تقريباً، سقط مئات المدنيين العلويين قتلى، وفقاً لتقارير رويترز وعدة مجموعات رصد. بعد ثلاثة أشهر فقط من الإطاحة بالأسد، في ديسمبر/كانون الأول، وإنهاء حكمه الوحشي، ونحو 14 عاماً من الحرب الأهلية، انزلقت أجزاء من غرب سوريا إلى حمام دم من الانتقام.
جمعت رويترز تفاصيل الأحداث التي بلغت ذروتها في هذه المذبحة الدموية من خلال مقابلات مع أكثر من 25 ناجياً وأقارب ضحايا، بالإضافة إلى لقطات من طائرات مسيرة وعشرات المقاطع المصورة والرسائل المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كانت هناك أي خطة منسقة من قبل قوات الأمن لمهاجمة المناطق العلوية أو استهداف المدنيين.
ولم ترد الحكومة السورية، التي يديرها الآن أعضاء سابقون في “هيئة تحرير الشام”، على طلب للتعليق على هذا المقال.
وندد الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بعمليات القتل الجماعي لأفراد من الطائفة العلوية، وقال إنها تشكل تهديداً لجهوده للمّ شمل البلاد التي عصفت بها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا “أقرب الناس” إليه.
وقال لرويترز، في مقابلة قبل أيام: “نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين… لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق، أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان، حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا. لا فرق في هذا الأمر. الاعتداء على حرمة الناس، الاعتداء على دمائهم أو أموالهم، هذا خط أحمر في سوريا”.
واتهم الشرع وحدة عسكرية سابقة موالية لشقيق الأسد وقوى أجنبية بالمسؤولية عن اندلاع العنف بمنطقة الساحل، لكنه أقرّ بأن “أطرافاً عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عديدة”.
وقال إن ذلك “أصبح فرصة للانتقام” من مظالم مكبوتة منذ سنوات.
وتواصلت رويترز مع عدد من الموالين للأسد الذين نشروا رسائل على الإنترنت تحث على العنف، لكنهم لم يستجيبوا.
وقالت جماعات رصد، من بينها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مستقلة مقرها المملكة المتحدة، إن أكثر من ألف شخص لقوا حتفهم في أعمال العنف، أكثر من نصفهم قُتلوا على يد قوات متحالفة مع السلطات الجديدة، بينما قُتل آخرون على يد موالين للأسد.
وأضافت الشبكة أن من بين القتلى 595 مدنياً ومقاتلاً أعزل، غالبيتهم العظمى من العلويين. وأحصت رويترز أكثر من 120 جثة في ستة مواقع على الأقل في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، من خلال تحديد المواقع الجغرافية لمقاطع مصورة نشرها سكان وأقارب والقتلة أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشهدت الإطاحة بالأسد صعود حكومة جديدة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، وهي جماعة إسلامية سنية انبثقت من تنظيم كان تابعاً لتنظيم “القاعدة”.
وشعر العديد من السنة في سوريا، الذين يشكلون أكثر من 70 بالمئة من السكان، بالتهميش السياسي والاقتصادي على يد بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، اللذين قمعا بشدة الاحتجاجات التي هيمن عليها السنة ضد حكمهما.
وتسعى الحكومة الجديدة جاهدة لدمج عشرات الفصائل، التي انبثقت من رحم الحرب الأهلية الطويلة، في قواتها الأمنية. وتعتمد الحكومة على مقاتليها، بالإضافة إلى مقاتلين جُنّدوا حديثاً في كيان يعرف باسم إدارة الأمن العام. وقد برزت الحاجة إلى فصائل أخرى – بما يشمل بعض المقاتلين الأجانب – لملء الفراغ الأمني الذي خلفه تفكيك منظومة الدفاع في عهد الأسد.
ووفقاً لعدد من الشهود، نُفذت عمليات القتل الجماعي في الغالب على يد مسلحين من مختلف الفصائل المتحالفة مع الحكومة الجديدة، بما في ذلك إدارة الأمن العام. وأظهر مقطع مصور نُشر على فيسبوك، وتحققت منه رويترز، بعض الرجال يرتدون زياً عسكرياً وعلامات على أذرعهم تُشبه تلك التي ترتديها إدارة الأمن العام، وهم يشاركون في أعمال العنف في مدينة جبلة الساحلية.
ولم تستجب إدارة الأمن العام لطلب التعليق.
قال أحد أفراد الأمن العام إنه وعشرات من أفراد الوحدة الآخرين نُشروا إلى الساحل في السادس من مارس/آذار بهدف استئصال المقاتلين الموالين للأسد، وعادوا إلى قاعدتهم في حلب هذا الأسبوع.
وأضاف أن مقاتلي إدارة الأمن العام لم يستهدفوا المدنيين على حد علمه، مضيفاً أن دعوات “النفير” على مواقع التواصل الاجتماعي استقطبت مقاتلين آخرين غير منضبطين، فقتلوا مدنيين بشكل جماعي.
وأضاف: “انضم إليهم كل من كان بحوزته سلاح”.
“ضربة بيد من حديد”
خلفت سنوات حكم الأسد الأربعة والعشرون إرثاً كارثياً بعد هروبه إلى موسكو في ديسمبر/كانون الأول. فالكثير من السنة في سوريا، الذين يشكلون غالبية السكان، يضمرون استياءً عميقاً تجاه الموالين للرئيس السابق الذين شنوا تمرداً محدوداً هذا الشهر.
ازدادت حدة التوتر في السادس من مارس/آذار، عندما أعلنت الحكومة أن مقاتلين يقودهم ضباط علويون سابقون في جيش الأسد شنوا موجة من أعنف هجماتهم حتى الآن، ما أودى بحياة 13 فرداً من قوات الأمن الحكومية في محافظة اللاذقية، وهي معقل للعلويين. ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن عمليات القتل.
وتمكّنت رويترز من مراجعة رسائل عدة تدعو السوريين إلى التوجه إلى الساحل للمشاركة في “النفير”.
فعلى سبيل المثال، نشرت صفحة على فيسبوك لها أكثر من 400 ألف متابع، وتقول إنها تابعة لإدارة الأمن العام، دعوات للعشائر العربية في سوريا للتعبئة لدعم مقاتلي الحكومة في مواجهة المتمردين العلويين. كما نشرت مقاطع مصورة لجماعات مسلحة ترسل مقاتلين ومركبات إلى الساحل للانضمام إلى القتال. ولم تتمكن رويترز بعد من تحديد هوية أدمن الصفحة.
كما ظهرت دعوات إلى حمل السلاح في ما لا يقل عن ثلاث مجموعات على تطبيق واتساب، تضم كل منها مئات الأشخاص في ثلاث مناطق مختلفة من شمال سوريا. كانت الرسائل محلية، مع تحديد نقاط تجمع محددة في كل منطقة تنطلق منها القوافل نحو الساحل.
وفي اليوم نفسه، قال سكان في مدينتي دمشق وحلب الرئيسيتين لرويترز إنهم سمعوا بعض المساجد السنية تبث دعوات الجهاد عبر مكبرات الصوت. وندد أحد أئمة مسجد في دمشق بهجوم العلويين المزعوم على قوات الأمن، ودعا السنّة إلى حمل السلاح ضد خصومهم الطائفيين في خطبة بُثت على فيسبوك واطلعت عليها رويترز.
ولم يرد إمام دمشق، محسن غصن، على طلب التعليق عبر صفحته على فيسبوك. كما لم ترد وزارة الشؤون الدينية السورية المسؤولة عن المساجد.
ولم تتمكن رويترز من تحديد عدد المقاتلين الذين حُشدوا لهذه القضية. وتُظهر لقطات من طائرات مسيرة للطريق السريع شرق مدينة اللاذقية الساحلية، بالقرب من قرية المختارية، مئات المركبات- منها شاحنات تحمل مقاتلين في الخلف ومركبات عسكرية ودبابتان على الأقل- وهي تدخل المنطقة صباح السابع من مارس/آذار.
وأبلغ مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رويترز بأن تحقيقاته أشارت إلى أن حشد المقاتلين لدعم قوات الأمن شمل جماعات مسلحة ومدنيين، وأنه حدث بسرعة كبيرة.
وقال متحدث باسم المكتب: “لم يتسن التعرف على هوية العديد من المهاجمين لأنهم كانوا ملثمين، ولذلك من الصعب للغاية معرفة من فعل ماذا. كانت الفوضى عارمة”. وأضاف: “ليس لدينا صورة واضحة عن هيكل التسلسل القيادي داخل قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة”.
المقاتلون يتنقلون من منزل لمنزل
أفاد ستة شهود وأقارب قتلى بأن حي القصور، حيث تعرضت عائلة حرفوش لمأساة، شهد بعضاً من أسوأ المجازر.
وقال أحد السكان لرويترز إن المقاتلين أطلقوا، في بادئ الأمر، ذخيرة ثقيلة وقذائف مدفعية ومدافع مضادة للطائرات على المباني السكنية. وأضاف أن المسلحين بدأوا بعد ذلك بقليل التنقل من منزل إلى آخر، ما تسبب في مقتل مدنيين.
وأضاف أن نحو 15 مسلحاً اقتحموا منزله في ثلاث مجموعات مختلفة، منها بعض أفراد جهاز الأمن العام الذين تعرف عليهم من زيهم العسكري، بالإضافة إلى مقاتلين أفغانيين يعرف لغتهما.
وقال إن هويته المسيحية فقط هي التي أنقذته وعائلته. وأضاف أن أحد ضباط جهاز الأمن العام كف المسلحين الآخرين عن قتلهم.
وكان جيرانه أقل حظاً.
فقد قال اثنان آخران من سكان القصور إن العديد من أفراد أسرهم قُتلوا. وأفادت امرأة أخرى بمعرفتها مقتل نحو 50 شخصاً، بينهم والداها وجيرانهم وطفل من الجيران عمره ثلاث سنوات. وقال ساكن رابع إن المسلحين أجبروا الناس على الخروج من منازلهم وقتلوهم، بمن فيهم ابن أخيه البالغ من العمر 28 عاماً.
وقال ناجون إن مقاتلين سرقوا سيارات وهواتف وأموالاً من السكان وأجبروا نساء على تسليم مجوهراتهن تحت تهديد السلاح وأحرقوا منازل ومتاجر ومطاعم.
ولم تتمكن رويترز من التحقق من هذه الروايات بشكل مستقل.
وفي اليوم نفسه، السابع من مارس/آذار، وفي الأيام التي تلته، هاجم مسلحون أيضاً سلسلة من البلدات والقرى الواقعة شمالاً على امتداد الساحل وفي التلال المحيطة بمدينة اللاذقية.
وتمكنت رويترز من التحقق من لقطات لعشرات الجثث ملقاة في تلك القرى، والتي نُشرت على الإنترنت في الأيام التي تلت عمليات القتل.
وأظهر مقطع مصور نُشر على الإنترنت في السابع من مارس/آذار جثث ما لا يقل عن 27 رجلاً، كثير منهم من كبار السن، ملقاة على جانب طريق في المختارية. وفي اليوم نفسه، في الشلفاطية على بُعد 20 دقيقة بالسيارة، أظهر مقطع مصور نُشر على فيسبوك وتحققت منه رويترز جثث ما لا يقل عن 10 أشخاص بملابس مدنية ملقاة على الأرض أمام صيدلية وعلى امتداد الطريق. وكان الكثيرون لا يزالون ينزفون.
(رويترز)
التعليقات