أخبار اليوم - عندما سُئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلته مع القناة 14 الإسرائيلية عن موقف السعودية المتمسك بإقامة دولة فلسطينية قبل أيّ خطوة في مسار السلام، أجاب في تهكّم أن «السعودية لديها مساحات شاسعة وفي إمكانها إقامة دولة فلسطينية عليها».
ولا يمثّل موقف نتنياهو رأيه وحده فحسب، بل يعكس على كل حال إجماعًا بين أحزاب ائتلاف أقصى اليمين الحاكم في إسرائيل، وكذلك شبهَ إجماع في الطيف السياسي الإسرائيلي المعارض.
لكن الأخطر، الذي استطاع نتنياهو أن يناله علانية من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته «التاريخية» إلى الولايات المتحدة، هو موقف عبر عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا فيه إلى أمرين، الأول تشجيع ما أسماه الهجرة الطوعية-المؤقتة أو الدائمة مع ترجيحه الدائمة-إلى دول عربية جارة وأخرى لم يحدّدها، بذريعة ضرورة إعمار غزة.
والثاني فرض «سيطرة أمريكية» على القطاع.
وأثار هذا فزعًا فلسطينيّا وعربيًا، ورفضًا واسعًا، بموازاة الرفض الإسلامي والأوروبي والعالمي.
ولخّص الأمين العام للأمم المتحدة أنطونويو غوتيريش بعبارات حرص على ألا تكون موجهة مباشرة إلى ترامب، الموقف بقوله إنه من الضروري «الالتزام بالقانون الدولي ومنعُ أيّ شكل من أشكال التّطهير العرقي».
وبينما حرصت القيادة الفلسطينية على أن يكون موقفها أيضَا في إطار لغة دبلوماسية لا تواجه الرئيس الأمريكي مباشرة، وهو المندفع بشراسة لمعاقبة كل من يخالفه، وصف جبريل الرجوب، أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة «فتح»، الموقف الأمريكي بعبارتين واضحتين، فقال لـ«القدس العربي»: «سقط القناع».
ويؤكد مسؤولون أمميون أن التطهير العرقي هو ما سعت إليه إسرائيل ومارسته خلال حرب مدمرة استمرّت أكثر من 15 شهرًا، ولا تزال مستمرة من خلال الحصار وتقييد دخول المساعدات على كل أشكالها، بما في ذلك المعدات الثقيلة المستخدمة في البناء وإعادة الإعمار ورفع الأنقاض.
ونبعت خطورة الموقف الأمريكي من كونه مناقضًا لكل ما تبقّى من مسار سلام وأسُسِه، منذ مسار مدريد، وثم أوسلو، أو لقرارات الأمم المتحدة وفي مقدمتها القرار 242، التي كانت الولايات المتحدة ـ رغم اختلاف التفسيرات ـ تؤكد للحكومات العربية خلال العقود الماضية الالتزام بها كمرجعية لحلّ سلميّ.
فهل مثّل موقف ترامب تراجعًا عن الموقف الأمريكي التقليدي، وهل شكّل فعلًا انقلابًا جذريًا؟ بعض الدبلوماسيين الأمريكيين يعتقدون بأن ذلك ربما يكون في إطار الضغوط، أو لمنع حركة «حماس» من استمرار «حكمها» في غزّة.
ضغوط سياسية؟
يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشؤون السياسية والعسكرية السفير لينكولن بلومفيلد، لـ«القدس العربي»: «يبدو أن الرئيس ترامب يفضل مفهوم إعادة توطين سكان غزة-مؤقتًا أو دائمًا. مع خلفية الرئيس في تطوير العقارات التجارية، قد يكون قد قدّر أن دمار غزة واسع جدًا بحيث لا يمكنه مساعدة ما يقرب من مليوني شخص بينما يتم إزالة الأنقاض وبناء هياكل جديدة. كما أنه، بالطبع، يستمع إلى رئيس الوزراء نتنياهو، الذي تعتمد قدرته على البقاء في منصبه على الحفاظ على ائتلاف يضم شخصيات سياسية يمينية متطرفة تتمسك بمطالبة دينية بأن أرض إسرائيل التاريخية تشمل غزة. قد يشارك بعض مستشاري الرئيس ترامب في هذا المنظور الديني».
السفير الأمريكي السابق بلومفيلد: بقاء نتنياهو في منصبه يعتمد على اليمين المتطرف وبعض مستشاري ترامب يشاركون هذا المنظور الديني
وعن مواءمة ذلك من عدمه مع السياسة الخارجية الأمريكية خلال عقود، يقول: «اعتبر الرؤساء الأمريكيون السابقون، منذ أن تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار 242 في عام 1967، أن غزة هي أرض محتلة بموجب القانون الدولي».
وينبّه المبعوث الأمريكي السابق، إلى أن السؤال هو حول ما إذا كان بإمكان إسرائيل التخلّص من التزاماتها كقوّة احتلال، وما هي الالتزامات التي قد تتحملها الولايات المتحدة في حال توليها السيطرة على غزة، وهي «ليست قضايا بسيطة ومن المرجح أن تثير جدلاً واسعًا».
ويضيف أن «هناك أيضًا إجماعًا واسعًا بين الخبراء على أن إعادة التوطين القسري للسكان تشكل انتهاكًا للقانون الدولي، ويمكن اعتبارها جريمة حرب».
ويقول: «كما هو الحال مع العديد من توجهات الرئيس ترامب السياسية منذ توليه منصبه في 20 كانون الثاني/يناير، قد يكون من الحكمة الانتظار لمعرفة ما إذا كان الرئيس قد أدلى بهذه التصريحات لمنح رئيس الوزراء نتنياهو ورقة ضغط في السعي لاستعادة الرهائن المتبقين لدى حماس، أو ربما لإقناع المملكة العربية السعودية بتعديل مطلبها بضرورة وجود مسار سياسي لتقرير المصير الفلسطيني كشرط مسبق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي الأيام والأسابيع المقبلة، سيتضح ما إذا كان الرئيس ترامب ينوي بالفعل حشد القدرات اللازمة لتنفيذ إعادة التوطين هذه».
وعن ردود الفعل تجاه طرح الرئيس الأمريكي، يقول بلومفيلد «لقد أثارت فكرة تولي الولايات المتحدة الدور القيادي في غزة وتنفيذ إعادة توطين لما يقرب من مليوني شخص، ردود فعل كبيرة بالفعل في الولايات المتحدة والشرق الأوسط».
وبرأيه «قد يكون استفزاز الأطراف الأخرى لإعادة النظر في مواقفها هو الهدف الذي يسعى إليه الرئيس».
لكنه يتوقف عند بعض الأمور الإشكالية: «لقد أوضح أنه لن يكون هناك أي تدخل عسكري أمريكي. كما أن التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) أنهته إدارة ترامب. والوكالة الحكومية للمساعدات المدنية، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، يتم وقف تمويلها وتفكيكها من قبل الرئيس. لذلك، ليس من الواضح من هي الجهات التي يمكن أن يعتمد عليها الرئيس لإدارة خطة إعادة التوطين وإعادة الإعمار في غزة».
أما داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فيؤكد بلومفيلد أن هناك أيضًا توجهًا قويًّا داخلها «يتبناه العديد من الناخبين الذين دعموا الرئيس ترامب في انتخابات 2024، لتجنب تدخل الولايات المتحدة في ما يسمى بناء الأمم، أو التورط في تدخلات خارجية مكلفة وطويلة الأمد».
وبالنسبة لبلومفيلد فإن «هذه الاعتبارات تشير إلى أن الرئيس ترامب ربما كان يأمل بشكل أساسي في إحداث مرونة سياسية في المنطقة من خلال تبني رؤية نتنياهو اليمينية المتطرفة بشأن غزة، نظرًا لأن العواقب العملية لمحاولة تنفيذ هذا السيناريو قد تترتب عليها تكاليف سياسية للإدارة الأمريكية، ومخاطر محتملة على نفوذ الولايات المتحدة في الخارج».
خطر حقيقي
وفي مقابل ما يوحيه حديث بلومفيلد بإمكانية أن يكون موقف ترامب نوعًا من المناورة السياسية، تشير وقائع ومعطيات اليوم إلى أن خيار تهجير الفلسطينيين من غزة ـ واستطرادًا من الضفة الغربية المحتلة ـ كانت لديه معالم ومؤشرات عديدة خلال فترة الحرب.
وتنظر الحكومات العربية بجدّية بالغة إلى مشاريع نقل الفلسطينيين من أرضهم، ويرتفع منسوب القلق خصوصًا لدى الدولتين الجارتين المعنيتين بشكل خاص بمشاريع التهجير، مصر والأردن، اللتين ترفض حكومتاهما بشدة حتى الآن مثل هذه الطروحات.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسن منيمنة أن طرح التهجير متجذّر في أمريكا وإسرائيل.
ويقول، في حديث مع «القدس العربي»، إنه «منذ أن ابتدأت الحرب في أكتوبر 2023، والولايات المتحدة تموّل بشكل كامل التدمير الممنهج لقطاع غزة».
ويضيف «غير مهم إن كان دونالد ترامب أو جو بايدن. غير مهم إن كان نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية أم لا. المسألة تكمن في أن التمويل الأمريكي للتدمير الممنهج للقطاع ينفي أسباب الحياة عنه بشكل عميق، أي أن المسألة ليست فقط تدمير المنازل والمساكن، ولكن كذلك تدمير البنية التحتية، وتدمير الهوية، وجرف المدافن، وتدمير الجامعات، والمدارس، والمستشفيات، والطرقات».
الدكتور حسن منيمنة: انتقلنا من التورية والكذب في زمن بايدن إلى الوقاحة في زمن ترامب
ويرى أن «كل هذا حصل بشكل جلي مع إصرار الإدارة الأمريكية السابقة، ومع دعوتها السابقة لمصر مثلًا والأردن إلى استقبال الغزّيين، مما يكشف بوضوح أن النية والهدف الضمني من هذا الفعل، هو فعل العدوان على غزة.
فحماس ليست العدو الوجودي لإسرائيل، ولا إيران هي العدو الوجودي. العدو الوجودي لإسرائيل هو الحضور الفلسطيني، هو الإنسان الفلسطيني».
ونسأل الدكتور منيمنة ما إذا كان موقف إدارة ترامب الحالية يشكل انقلابًا على ثوابت السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، منذ عهد إدارة الرئيس الراحل جيمي كارتر على الأقل، فيقول: «يجب ألا نعود إلى كارتر، فكارتر حالة خاصة. فلنبدأ مع أوسلو، منذ أن بدأت عملية أوسلو عام 1993، كان الكلام عن أن الدولة الفلسطينية ستقوم عام 1998، وكان هذا الأمر كاذبًا حينها، وبعد ثلاثة عقود لا يزال كاذبًا كذلك».
فـ»المسألة تسويفية. إسرائيل دائمًا تحصل على الشق المتعلق بها من أي صفقة فورًا، بينما تؤجل الشق المتعلق بالطرف الآخر، والولايات المتحدة تجاريها في ذلك. لا بل أستطيع أن أقول إنه منذ قيام دولة إسرائيل، والموقف الأمريكي تجاهها، ومنذ اعتراف (الرئيس الراحل هاري) ترومان بها وصولًا إلى ترامب، لم يتغير، فالموقف كان دائمًا (لا تستعجلوا، ستحصلون على ما تريدون الحصول عليه من دولة يهودية، ولكن تدريجيًا). البعض في إسرائيل كان يستعجل، وهنا كان الاختلاف في وجهات النظر، لكنه ليس تبديلًا حقيقيًا في السياسة».
ويرى منيمنة أن «الكلام عن حل الدولتين كان فقط لتسهيل عملية التطبيع، التي فشلت على أي حال. أما فيما يتعلق بالسعودية، فالمسألة هنا ليست انقلابًا على ما كانت تلتزمه الولايات المتحدة، بل انتقلنا من التورية والكذب في زمن بايدن إلى الوقاحة في زمن ترامب».
وعن الموقف العربي تجاه ما يحصل يتساءل منيمنة «هل وصلنا إلى حالة من الوحدة العربية فيما يتعلق بهذا الموقف؟ لا، التشتت لا يزال قائمًا». ولكن «لا مفر للدول العربية من اتخاذ موقف أكثر وضوحًا وأكثر حزما، ليس فقط من الجانب الأخلاقي الواجب تجاه الشعب الفلسطيني، ولكن أيضًا من جانب المصلحة العربية المشتركة، ومصلحة كل دولة على حدة».
ويخلص إلى أنه «لا بد من ردة فعل عربية جدية. هناك إشارات إلى أن ذلك ممكن، ولكن علينا ألا نحبس الأنفاس».
«موقع هدم»
ويتحجّج ترامب في دعوته إلى إخلاء غزة من شعبها، بالضرورات التي تقتضيها إعادة الإعمار.
ووصف الرئيس الأمريكي غزّة بأنها «موقع هدم»، وقال إن إعادة الإعمار قد تستغرق ما بين 10 إلى 15 عامًا، مطلقًا تعبيره عن تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» بعد إعادة الإعمار تحت إشراف أمريكي.
ولم تكن دعوة ترامب جديدة، فسبقه إليها صهره جاريد كوشنر في شباط/فبراير من العام الماضي، خلال فعالية أقيمت في جامعة هارفارد، وأعيد نشرها من خلال فيديو في شهر آذار/مارس الذي تلاه.
ونقلت صحيفة «بوليتيكو» عن كوشنير، قوله في حديثه عن فرصة استثمار عقاري تشكلها الواجهة البحرية في غزة، «سأبذل قصارى جهدي لنقل الناس ثم تنظيف الأمر، ويتعين على (إسرائيل) نقل المدنيين الفلسطينيين إلى صحراء النقب في الجنوب».
ويناقض موقف ترامب ما تسرب عن رؤية إدارة بايدن للمرحلة الثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار. وطرح الإدارة السابقة خطة إعادة إعمار لمدة 3 إلى 5 تحت إشراف عدد من الدول والمنظمات بما في ذلك مصر وقطر والأمم المتحدة.
خطة فلسطينية عربية
ودفعت تصريحات ترامب القيادة الفلسطينية إلى تسريع الاتصالات لتبني خطة مدعومة عربيًا تستغرق مدة زمنية محددة.
ووفق تقرير وزعته سفارات فلسطينية في أوروبا نهاية الشهر الماضي، واطّلعت عليه «القدس العربي»، فإن الحكومة الفلسطينية أعدّت خطة شاملة تشمل تفعيل نقاط طبية، ونقل مستشفيات ميدانية، وتوزيع المساعدات الإنسانية.
“الحكومة الفلسطينية تعمل على خطة إعادة إعمار بديلة ومساع عربية لعقد قمة عربية استثنائية”
وأطلقت الحكومة برامج تقييم الأضرار بمشاركة 700 مهندس، وإعادة فتح الطرق، واستئناف خدمات الاتصالات. كما لحظت ضرورة توفير الوقود لتشغيل آبار المياه وإزالة الأنقاض.
وحسب الخطة، تدعم وزارة التربية والتعليم البدائل، وتعمل سلطة الطاقة على إعادة تأهيل الكهرباء، بينما تطلق وزارة العمل برامج توظيف مؤقتة، ويجري التنسيق مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين لتعزيز الاستجابة الطارئة، بما يشمل إعادة الإعمار وإدارة النفايات الصلبة، إضافة إلى حفظ التراث الثقافي.
وقد أنشأت الحكومة الفلسطينية لذلك غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في قطاع غزة.
وتلحظ الخطة أيضًا قيام وكالة الإعمار العربية الدولية في فلسطين، بالشراكة مع الحكومة الفلسطينية، بمشروع إزالة الأنقاض وفتح الطرق الرئيسية في شمال غزة، ما يسهل عودة النازحين من الجنوب.
ويقول المندوب الدائم الفلسطيني لدى جامعة الدول العربية السفير مهند العكلوك، لـ«القدس العربي»، إن خطة الحكومة الفلسطينية مبنية على ثلاث مراحل، الأولى تسمى الإغاثة والتعافي المبكر ومدتها 6 أشهر، وتكلفتها حوالي 3.6 مليار دولار، والثانية هي التعافي واستعادة الخدمات وإصلاح البنية التحتية، وتكلفتها 7 مليارات دولار، أما الثالثة فهي مرحلة إعادة الإعمار، وتكلفتها التقديرية الأولية 30 مليار دولار. ويعطي مثالًا على ذلك، فـ»في قطاع غزة لدينا حوالي 380 ألف منزل مدمر كليًا أو جزئيًا، منها 320 ألف منزل مدمّر بالكامل لا يمكن إصلاحه، و60 ألف وحدة سكنية يمكن إصلاحها وفقًا لخطة الحكومة».
السفير العكلوك: التكلفة التقديرية للمرحلة الثالثة من إعادة الإعمار 30 مليار دولار أمريكي
وفي هذا الصدد، ستحاول الحكومة تأمين 5 آلاف دولار لكل صاحب بيت مدمّر جزئيًا لإصلاح منزله، «أما بالنسبة لأصحاب المنازل المدمّرة كليًا، والتي تبلغ 320 ألف وحدة سكنية على الأقل، تسعى الحكومة إلى إدخال 250 ألف كرفان أو وحدة سكنية مسبقة الصنع، وتوصيل الماء والكهرباء لها».
وتتعاون الحكومة الفلسطينية في ذلك مع منظمات الأمم المتحدة المعنية، وفي مقدمتها «الأونروا»، التي تقدم حوالي 70 في المئة من الخدمات في قطاع غزة، إلى جانب برنامج الغذاء العالمي، ومنظمة «اليونيسف»، والمنظمات الإنسانية والدولية الأخرى، وكذلك الدول التي يمكنها تقديم المساعدة في إطار الإغاثة واستعادة الحياة.
أما المسار الثاني الذي تعمل عليه دولة فلسطين لمنع تهجير الشعب الفلسطيني فـ»هو الحراك الدبلوماسي» الذي تكثّف من خلال بعثات دولة فلسطين في أكثر من 90 دولة.
ويشير السفير الفلسطيني في هذا الصدد إلى قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة الأردن، والاتفاق على موقف أردني فلسطيني عربي يرفض التهجير، وزيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن تندرج في هذا الإطار.
كما يشير إلى الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى إلى مصر، ولقائه بالقيادة السياسية والأمين العام لجامعة الدول العربية، «حيث تم بحث تنسيق موقف عربي، وربما إسلامي ودولي، موحد لرفض التهجير».
وعن المطالب الفلسطينية من الدول العربية، يقول «نحن نريد من أي اجتماع مقبل، سواء كان على مستوى القمة أو على مستوى وزراء الخارجية العرب، أو أي حراك دولي رافض لتهجير الشعب الفلسطيني، أن يسعى إلى كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لأن هذا الحصار هو أحد أدوات جريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني».
القمة العربية
وفي موازاة تحرك القيادة الفلسطينية لمنع التهجير، يعمل قادة فلسطينيون بارزون على خطّين، عربي من خلال حشد تضامن عربي في وجه مخططات التهجير وانتزاع الحقوق السياسية، وفلسطيني لتحصين الساحة الداخلية التي لا تزال تعاني انقسامًا.
وفي هذا السياق تأتي جولة قام بها أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة «فتح» جبريل الرجوب على عدد من الدول العربية، فالتقى بالرئيس العراقي ووزير الخارجية، ورئيس وزراء قطر وزير خارجيتها، فضلًا عن وزير الخارجية المصري وأمين عام جامعة الدول العربية.
الرجوب : سقط القناع.. والرّد بوحدة فلسطينية تحمي المنجزات وموقف عربي موحد
ويقول الرجوب ، تعليقًا على تصريحات ترامب الأخيرة، إنه «تعريف لحقيقة السياسة الخارجية الأمريكية، التي كانت في الماضي تُمرّر بوجه مختلف. اليوم، القناع سقط، والتحيز المطلق لصالح الفاشيين الذين يحكمون في إسرائيل أصبح واضحًا ولا نقاش حوله».
ويرى ضرورة «مراجعة فلسطينية وعربية ودولية لمواجهة هذا الموقف الذي يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية وشطبها، والأقسى من ذلك، محاولة تهجير ملايين الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو في غزة أو في القدس الشرقية».
فعلى المستوى الداخلي، يتطلع الرجوب «إلى تطوير وحدة الموقف الفلسطيني بين كل الفصائل والقوى السياسية، ونتمنى أن يتم الإعلان عن إنهاء الانقسام». ويؤكد الحاجة «إلى وقفة جدية فلسطينية، والتي ستترتب عليها بناء جبهة عربية».
ويتوقع «أن يكون هناك حوار مباشر من جانب الإخوة المصريين والقطريين وآخرين في محاولة لعقد قمة عربية طارئة لمواجهة هذا التحدي الأخطر في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي».
ويقول «نتطلع إلى أن يكون هناك وحدة موقف فلسطيني، وكذلك وحدة موقف عربي، سواء من الدول التي لديها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو الدول المرشحة لذلك أو الدول التي تتعرض إلى ضغوطات أو إغراءات». وهو موقف حسب الرجوب «يرتكز على السلام الشامل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الشامل والكامل من كل الأراضي العربية المحتلة، وعلى رأسها الأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة».
كما يجب، يتابع الرجوب، «أن يكون لهذا الموقف العربي آليات تتعلق بمراجعة العلاقات السابقة مع إسرائيل».
وهو يرى ضرورة «حرمان هذا الاحتلال (الإسرائيلي) من أي امتيازات أو علاقات تطبيعية مع أي طرف عربي، ما دام يتنكر للحقوق الفلسطينية، بل ويسعى إلى إنهاء الصراع من خلال تجاوز الفلسطينيين بالتهجير والقتل والتطهير العرقي».
وبتقدير الرجوب، «إذا تم البناء على مواقف الدول العربية، سواء كانت مصر أو الأردن أو السعودية التي كانت في دائرة الاستهداف، وأيضًا على مواقف دول أخرى، فإن ذلك سيساعد في البحث عن آليات للتحرك في الحاضر والمستقبل على المستوى الدولي».
وعن أجواء لقاءاته مع القادة العرب، يقول الرجوب لـ«القدس العربي»، إنه «لا أحد يمكنه إنكار أن ما تم التصريح به يمثل الحقيقة الكاملة لموقف ترامب والحكومة الإسرائيلية».
الانقسام الفلسطيني
ويرى الرجوب أنه من «العار أن يبقى الانقسام الفلسطيني. أتمنى أن يتم الإعلان عن إنهاء الانقسام والانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، والقبول بقرارات الشرعية الدولية كمرجعية للحل السياسي».
ويعتقد بأن «الإعلان عن المقاومة الشعبية الشاملة في كل الأراضي الفلسطينية، وفق منطق الجغرافيا والسياسة والاجتماع، هو ضرورة ملحة».
كما ينبّه إلى ضرورة أن «نعلن التزامنا وقبولنا بكل الالتزامات التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، والتي جعلتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، فـ»لا نريد أن نذهب إلى خطوة لإنهاء الانقسام فنخسر ما تحقق من إنجازات».
ويعدد الرجوب 4 إنجازات يجب الحفاظ عليها وحمايتها: «أولا الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي أصبحت مدرجة على جدول أعمال العالم، وثانيا منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وثالثا السلطة الوطنية الفلسطينية كإطار إداري لخدمة الفلسطينيين، ورابعًا حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وأن يكونوا أسياد أنفسهم بقرارهم الوطني المستقل».
وهو يدعو إلى «فتح أفق لحوار وطني شامل يقود إلى وحدة مفهوم لكل الفصائل حول الحل السياسي، الذي يستند إلى قرارات الأمم المتحدة، ووحدة الموقف بشأن طبيعة المواجهة مع الاحتلال في المرحلة القادمة، وشكل الدولة الفلسطينية المستقبلية، والتي يجب أن تكون دولة تعددية سياسية، تخضع لسيادة القانون، وتحترم حرية التعبير عن الرأي، وتضمن حقوق المرأة، وتعكس جميع مظاهر الدولة الديمقراطية العصرية، ولكن في إطار سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد، وقوة أمنية واحدة «.
ويضيف «علينا أن نبني مفهوما واضحا لآليات تحقيق شراكة وطنية بين جميع فصائل العمل الوطني من خلال صناديق الاقتراع، وليس من خلال السلاح أو العنف، سواء كان لفظيا أو جسديا». فـ «ترتيب البيت الفلسطيني وإنجاز الوحدة الوطنية في هذا السياق ضرورة ومصلحة لضمان استمرار الحراك الفاعل لقضيتنا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي».
أخبار اليوم - عندما سُئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلته مع القناة 14 الإسرائيلية عن موقف السعودية المتمسك بإقامة دولة فلسطينية قبل أيّ خطوة في مسار السلام، أجاب في تهكّم أن «السعودية لديها مساحات شاسعة وفي إمكانها إقامة دولة فلسطينية عليها».
ولا يمثّل موقف نتنياهو رأيه وحده فحسب، بل يعكس على كل حال إجماعًا بين أحزاب ائتلاف أقصى اليمين الحاكم في إسرائيل، وكذلك شبهَ إجماع في الطيف السياسي الإسرائيلي المعارض.
لكن الأخطر، الذي استطاع نتنياهو أن يناله علانية من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته «التاريخية» إلى الولايات المتحدة، هو موقف عبر عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا فيه إلى أمرين، الأول تشجيع ما أسماه الهجرة الطوعية-المؤقتة أو الدائمة مع ترجيحه الدائمة-إلى دول عربية جارة وأخرى لم يحدّدها، بذريعة ضرورة إعمار غزة.
والثاني فرض «سيطرة أمريكية» على القطاع.
وأثار هذا فزعًا فلسطينيّا وعربيًا، ورفضًا واسعًا، بموازاة الرفض الإسلامي والأوروبي والعالمي.
ولخّص الأمين العام للأمم المتحدة أنطونويو غوتيريش بعبارات حرص على ألا تكون موجهة مباشرة إلى ترامب، الموقف بقوله إنه من الضروري «الالتزام بالقانون الدولي ومنعُ أيّ شكل من أشكال التّطهير العرقي».
وبينما حرصت القيادة الفلسطينية على أن يكون موقفها أيضَا في إطار لغة دبلوماسية لا تواجه الرئيس الأمريكي مباشرة، وهو المندفع بشراسة لمعاقبة كل من يخالفه، وصف جبريل الرجوب، أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة «فتح»، الموقف الأمريكي بعبارتين واضحتين، فقال لـ«القدس العربي»: «سقط القناع».
ويؤكد مسؤولون أمميون أن التطهير العرقي هو ما سعت إليه إسرائيل ومارسته خلال حرب مدمرة استمرّت أكثر من 15 شهرًا، ولا تزال مستمرة من خلال الحصار وتقييد دخول المساعدات على كل أشكالها، بما في ذلك المعدات الثقيلة المستخدمة في البناء وإعادة الإعمار ورفع الأنقاض.
ونبعت خطورة الموقف الأمريكي من كونه مناقضًا لكل ما تبقّى من مسار سلام وأسُسِه، منذ مسار مدريد، وثم أوسلو، أو لقرارات الأمم المتحدة وفي مقدمتها القرار 242، التي كانت الولايات المتحدة ـ رغم اختلاف التفسيرات ـ تؤكد للحكومات العربية خلال العقود الماضية الالتزام بها كمرجعية لحلّ سلميّ.
فهل مثّل موقف ترامب تراجعًا عن الموقف الأمريكي التقليدي، وهل شكّل فعلًا انقلابًا جذريًا؟ بعض الدبلوماسيين الأمريكيين يعتقدون بأن ذلك ربما يكون في إطار الضغوط، أو لمنع حركة «حماس» من استمرار «حكمها» في غزّة.
ضغوط سياسية؟
يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشؤون السياسية والعسكرية السفير لينكولن بلومفيلد، لـ«القدس العربي»: «يبدو أن الرئيس ترامب يفضل مفهوم إعادة توطين سكان غزة-مؤقتًا أو دائمًا. مع خلفية الرئيس في تطوير العقارات التجارية، قد يكون قد قدّر أن دمار غزة واسع جدًا بحيث لا يمكنه مساعدة ما يقرب من مليوني شخص بينما يتم إزالة الأنقاض وبناء هياكل جديدة. كما أنه، بالطبع، يستمع إلى رئيس الوزراء نتنياهو، الذي تعتمد قدرته على البقاء في منصبه على الحفاظ على ائتلاف يضم شخصيات سياسية يمينية متطرفة تتمسك بمطالبة دينية بأن أرض إسرائيل التاريخية تشمل غزة. قد يشارك بعض مستشاري الرئيس ترامب في هذا المنظور الديني».
السفير الأمريكي السابق بلومفيلد: بقاء نتنياهو في منصبه يعتمد على اليمين المتطرف وبعض مستشاري ترامب يشاركون هذا المنظور الديني
وعن مواءمة ذلك من عدمه مع السياسة الخارجية الأمريكية خلال عقود، يقول: «اعتبر الرؤساء الأمريكيون السابقون، منذ أن تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار 242 في عام 1967، أن غزة هي أرض محتلة بموجب القانون الدولي».
وينبّه المبعوث الأمريكي السابق، إلى أن السؤال هو حول ما إذا كان بإمكان إسرائيل التخلّص من التزاماتها كقوّة احتلال، وما هي الالتزامات التي قد تتحملها الولايات المتحدة في حال توليها السيطرة على غزة، وهي «ليست قضايا بسيطة ومن المرجح أن تثير جدلاً واسعًا».
ويضيف أن «هناك أيضًا إجماعًا واسعًا بين الخبراء على أن إعادة التوطين القسري للسكان تشكل انتهاكًا للقانون الدولي، ويمكن اعتبارها جريمة حرب».
ويقول: «كما هو الحال مع العديد من توجهات الرئيس ترامب السياسية منذ توليه منصبه في 20 كانون الثاني/يناير، قد يكون من الحكمة الانتظار لمعرفة ما إذا كان الرئيس قد أدلى بهذه التصريحات لمنح رئيس الوزراء نتنياهو ورقة ضغط في السعي لاستعادة الرهائن المتبقين لدى حماس، أو ربما لإقناع المملكة العربية السعودية بتعديل مطلبها بضرورة وجود مسار سياسي لتقرير المصير الفلسطيني كشرط مسبق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي الأيام والأسابيع المقبلة، سيتضح ما إذا كان الرئيس ترامب ينوي بالفعل حشد القدرات اللازمة لتنفيذ إعادة التوطين هذه».
وعن ردود الفعل تجاه طرح الرئيس الأمريكي، يقول بلومفيلد «لقد أثارت فكرة تولي الولايات المتحدة الدور القيادي في غزة وتنفيذ إعادة توطين لما يقرب من مليوني شخص، ردود فعل كبيرة بالفعل في الولايات المتحدة والشرق الأوسط».
وبرأيه «قد يكون استفزاز الأطراف الأخرى لإعادة النظر في مواقفها هو الهدف الذي يسعى إليه الرئيس».
لكنه يتوقف عند بعض الأمور الإشكالية: «لقد أوضح أنه لن يكون هناك أي تدخل عسكري أمريكي. كما أن التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) أنهته إدارة ترامب. والوكالة الحكومية للمساعدات المدنية، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، يتم وقف تمويلها وتفكيكها من قبل الرئيس. لذلك، ليس من الواضح من هي الجهات التي يمكن أن يعتمد عليها الرئيس لإدارة خطة إعادة التوطين وإعادة الإعمار في غزة».
أما داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فيؤكد بلومفيلد أن هناك أيضًا توجهًا قويًّا داخلها «يتبناه العديد من الناخبين الذين دعموا الرئيس ترامب في انتخابات 2024، لتجنب تدخل الولايات المتحدة في ما يسمى بناء الأمم، أو التورط في تدخلات خارجية مكلفة وطويلة الأمد».
وبالنسبة لبلومفيلد فإن «هذه الاعتبارات تشير إلى أن الرئيس ترامب ربما كان يأمل بشكل أساسي في إحداث مرونة سياسية في المنطقة من خلال تبني رؤية نتنياهو اليمينية المتطرفة بشأن غزة، نظرًا لأن العواقب العملية لمحاولة تنفيذ هذا السيناريو قد تترتب عليها تكاليف سياسية للإدارة الأمريكية، ومخاطر محتملة على نفوذ الولايات المتحدة في الخارج».
خطر حقيقي
وفي مقابل ما يوحيه حديث بلومفيلد بإمكانية أن يكون موقف ترامب نوعًا من المناورة السياسية، تشير وقائع ومعطيات اليوم إلى أن خيار تهجير الفلسطينيين من غزة ـ واستطرادًا من الضفة الغربية المحتلة ـ كانت لديه معالم ومؤشرات عديدة خلال فترة الحرب.
وتنظر الحكومات العربية بجدّية بالغة إلى مشاريع نقل الفلسطينيين من أرضهم، ويرتفع منسوب القلق خصوصًا لدى الدولتين الجارتين المعنيتين بشكل خاص بمشاريع التهجير، مصر والأردن، اللتين ترفض حكومتاهما بشدة حتى الآن مثل هذه الطروحات.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسن منيمنة أن طرح التهجير متجذّر في أمريكا وإسرائيل.
ويقول، في حديث مع «القدس العربي»، إنه «منذ أن ابتدأت الحرب في أكتوبر 2023، والولايات المتحدة تموّل بشكل كامل التدمير الممنهج لقطاع غزة».
ويضيف «غير مهم إن كان دونالد ترامب أو جو بايدن. غير مهم إن كان نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية أم لا. المسألة تكمن في أن التمويل الأمريكي للتدمير الممنهج للقطاع ينفي أسباب الحياة عنه بشكل عميق، أي أن المسألة ليست فقط تدمير المنازل والمساكن، ولكن كذلك تدمير البنية التحتية، وتدمير الهوية، وجرف المدافن، وتدمير الجامعات، والمدارس، والمستشفيات، والطرقات».
الدكتور حسن منيمنة: انتقلنا من التورية والكذب في زمن بايدن إلى الوقاحة في زمن ترامب
ويرى أن «كل هذا حصل بشكل جلي مع إصرار الإدارة الأمريكية السابقة، ومع دعوتها السابقة لمصر مثلًا والأردن إلى استقبال الغزّيين، مما يكشف بوضوح أن النية والهدف الضمني من هذا الفعل، هو فعل العدوان على غزة.
فحماس ليست العدو الوجودي لإسرائيل، ولا إيران هي العدو الوجودي. العدو الوجودي لإسرائيل هو الحضور الفلسطيني، هو الإنسان الفلسطيني».
ونسأل الدكتور منيمنة ما إذا كان موقف إدارة ترامب الحالية يشكل انقلابًا على ثوابت السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، منذ عهد إدارة الرئيس الراحل جيمي كارتر على الأقل، فيقول: «يجب ألا نعود إلى كارتر، فكارتر حالة خاصة. فلنبدأ مع أوسلو، منذ أن بدأت عملية أوسلو عام 1993، كان الكلام عن أن الدولة الفلسطينية ستقوم عام 1998، وكان هذا الأمر كاذبًا حينها، وبعد ثلاثة عقود لا يزال كاذبًا كذلك».
فـ»المسألة تسويفية. إسرائيل دائمًا تحصل على الشق المتعلق بها من أي صفقة فورًا، بينما تؤجل الشق المتعلق بالطرف الآخر، والولايات المتحدة تجاريها في ذلك. لا بل أستطيع أن أقول إنه منذ قيام دولة إسرائيل، والموقف الأمريكي تجاهها، ومنذ اعتراف (الرئيس الراحل هاري) ترومان بها وصولًا إلى ترامب، لم يتغير، فالموقف كان دائمًا (لا تستعجلوا، ستحصلون على ما تريدون الحصول عليه من دولة يهودية، ولكن تدريجيًا). البعض في إسرائيل كان يستعجل، وهنا كان الاختلاف في وجهات النظر، لكنه ليس تبديلًا حقيقيًا في السياسة».
ويرى منيمنة أن «الكلام عن حل الدولتين كان فقط لتسهيل عملية التطبيع، التي فشلت على أي حال. أما فيما يتعلق بالسعودية، فالمسألة هنا ليست انقلابًا على ما كانت تلتزمه الولايات المتحدة، بل انتقلنا من التورية والكذب في زمن بايدن إلى الوقاحة في زمن ترامب».
وعن الموقف العربي تجاه ما يحصل يتساءل منيمنة «هل وصلنا إلى حالة من الوحدة العربية فيما يتعلق بهذا الموقف؟ لا، التشتت لا يزال قائمًا». ولكن «لا مفر للدول العربية من اتخاذ موقف أكثر وضوحًا وأكثر حزما، ليس فقط من الجانب الأخلاقي الواجب تجاه الشعب الفلسطيني، ولكن أيضًا من جانب المصلحة العربية المشتركة، ومصلحة كل دولة على حدة».
ويخلص إلى أنه «لا بد من ردة فعل عربية جدية. هناك إشارات إلى أن ذلك ممكن، ولكن علينا ألا نحبس الأنفاس».
«موقع هدم»
ويتحجّج ترامب في دعوته إلى إخلاء غزة من شعبها، بالضرورات التي تقتضيها إعادة الإعمار.
ووصف الرئيس الأمريكي غزّة بأنها «موقع هدم»، وقال إن إعادة الإعمار قد تستغرق ما بين 10 إلى 15 عامًا، مطلقًا تعبيره عن تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» بعد إعادة الإعمار تحت إشراف أمريكي.
ولم تكن دعوة ترامب جديدة، فسبقه إليها صهره جاريد كوشنر في شباط/فبراير من العام الماضي، خلال فعالية أقيمت في جامعة هارفارد، وأعيد نشرها من خلال فيديو في شهر آذار/مارس الذي تلاه.
ونقلت صحيفة «بوليتيكو» عن كوشنير، قوله في حديثه عن فرصة استثمار عقاري تشكلها الواجهة البحرية في غزة، «سأبذل قصارى جهدي لنقل الناس ثم تنظيف الأمر، ويتعين على (إسرائيل) نقل المدنيين الفلسطينيين إلى صحراء النقب في الجنوب».
ويناقض موقف ترامب ما تسرب عن رؤية إدارة بايدن للمرحلة الثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار. وطرح الإدارة السابقة خطة إعادة إعمار لمدة 3 إلى 5 تحت إشراف عدد من الدول والمنظمات بما في ذلك مصر وقطر والأمم المتحدة.
خطة فلسطينية عربية
ودفعت تصريحات ترامب القيادة الفلسطينية إلى تسريع الاتصالات لتبني خطة مدعومة عربيًا تستغرق مدة زمنية محددة.
ووفق تقرير وزعته سفارات فلسطينية في أوروبا نهاية الشهر الماضي، واطّلعت عليه «القدس العربي»، فإن الحكومة الفلسطينية أعدّت خطة شاملة تشمل تفعيل نقاط طبية، ونقل مستشفيات ميدانية، وتوزيع المساعدات الإنسانية.
“الحكومة الفلسطينية تعمل على خطة إعادة إعمار بديلة ومساع عربية لعقد قمة عربية استثنائية”
وأطلقت الحكومة برامج تقييم الأضرار بمشاركة 700 مهندس، وإعادة فتح الطرق، واستئناف خدمات الاتصالات. كما لحظت ضرورة توفير الوقود لتشغيل آبار المياه وإزالة الأنقاض.
وحسب الخطة، تدعم وزارة التربية والتعليم البدائل، وتعمل سلطة الطاقة على إعادة تأهيل الكهرباء، بينما تطلق وزارة العمل برامج توظيف مؤقتة، ويجري التنسيق مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين لتعزيز الاستجابة الطارئة، بما يشمل إعادة الإعمار وإدارة النفايات الصلبة، إضافة إلى حفظ التراث الثقافي.
وقد أنشأت الحكومة الفلسطينية لذلك غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في قطاع غزة.
وتلحظ الخطة أيضًا قيام وكالة الإعمار العربية الدولية في فلسطين، بالشراكة مع الحكومة الفلسطينية، بمشروع إزالة الأنقاض وفتح الطرق الرئيسية في شمال غزة، ما يسهل عودة النازحين من الجنوب.
ويقول المندوب الدائم الفلسطيني لدى جامعة الدول العربية السفير مهند العكلوك، لـ«القدس العربي»، إن خطة الحكومة الفلسطينية مبنية على ثلاث مراحل، الأولى تسمى الإغاثة والتعافي المبكر ومدتها 6 أشهر، وتكلفتها حوالي 3.6 مليار دولار، والثانية هي التعافي واستعادة الخدمات وإصلاح البنية التحتية، وتكلفتها 7 مليارات دولار، أما الثالثة فهي مرحلة إعادة الإعمار، وتكلفتها التقديرية الأولية 30 مليار دولار. ويعطي مثالًا على ذلك، فـ»في قطاع غزة لدينا حوالي 380 ألف منزل مدمر كليًا أو جزئيًا، منها 320 ألف منزل مدمّر بالكامل لا يمكن إصلاحه، و60 ألف وحدة سكنية يمكن إصلاحها وفقًا لخطة الحكومة».
السفير العكلوك: التكلفة التقديرية للمرحلة الثالثة من إعادة الإعمار 30 مليار دولار أمريكي
وفي هذا الصدد، ستحاول الحكومة تأمين 5 آلاف دولار لكل صاحب بيت مدمّر جزئيًا لإصلاح منزله، «أما بالنسبة لأصحاب المنازل المدمّرة كليًا، والتي تبلغ 320 ألف وحدة سكنية على الأقل، تسعى الحكومة إلى إدخال 250 ألف كرفان أو وحدة سكنية مسبقة الصنع، وتوصيل الماء والكهرباء لها».
وتتعاون الحكومة الفلسطينية في ذلك مع منظمات الأمم المتحدة المعنية، وفي مقدمتها «الأونروا»، التي تقدم حوالي 70 في المئة من الخدمات في قطاع غزة، إلى جانب برنامج الغذاء العالمي، ومنظمة «اليونيسف»، والمنظمات الإنسانية والدولية الأخرى، وكذلك الدول التي يمكنها تقديم المساعدة في إطار الإغاثة واستعادة الحياة.
أما المسار الثاني الذي تعمل عليه دولة فلسطين لمنع تهجير الشعب الفلسطيني فـ»هو الحراك الدبلوماسي» الذي تكثّف من خلال بعثات دولة فلسطين في أكثر من 90 دولة.
ويشير السفير الفلسطيني في هذا الصدد إلى قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة الأردن، والاتفاق على موقف أردني فلسطيني عربي يرفض التهجير، وزيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن تندرج في هذا الإطار.
كما يشير إلى الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى إلى مصر، ولقائه بالقيادة السياسية والأمين العام لجامعة الدول العربية، «حيث تم بحث تنسيق موقف عربي، وربما إسلامي ودولي، موحد لرفض التهجير».
وعن المطالب الفلسطينية من الدول العربية، يقول «نحن نريد من أي اجتماع مقبل، سواء كان على مستوى القمة أو على مستوى وزراء الخارجية العرب، أو أي حراك دولي رافض لتهجير الشعب الفلسطيني، أن يسعى إلى كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لأن هذا الحصار هو أحد أدوات جريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني».
القمة العربية
وفي موازاة تحرك القيادة الفلسطينية لمنع التهجير، يعمل قادة فلسطينيون بارزون على خطّين، عربي من خلال حشد تضامن عربي في وجه مخططات التهجير وانتزاع الحقوق السياسية، وفلسطيني لتحصين الساحة الداخلية التي لا تزال تعاني انقسامًا.
وفي هذا السياق تأتي جولة قام بها أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة «فتح» جبريل الرجوب على عدد من الدول العربية، فالتقى بالرئيس العراقي ووزير الخارجية، ورئيس وزراء قطر وزير خارجيتها، فضلًا عن وزير الخارجية المصري وأمين عام جامعة الدول العربية.
الرجوب : سقط القناع.. والرّد بوحدة فلسطينية تحمي المنجزات وموقف عربي موحد
ويقول الرجوب ، تعليقًا على تصريحات ترامب الأخيرة، إنه «تعريف لحقيقة السياسة الخارجية الأمريكية، التي كانت في الماضي تُمرّر بوجه مختلف. اليوم، القناع سقط، والتحيز المطلق لصالح الفاشيين الذين يحكمون في إسرائيل أصبح واضحًا ولا نقاش حوله».
ويرى ضرورة «مراجعة فلسطينية وعربية ودولية لمواجهة هذا الموقف الذي يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية وشطبها، والأقسى من ذلك، محاولة تهجير ملايين الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو في غزة أو في القدس الشرقية».
فعلى المستوى الداخلي، يتطلع الرجوب «إلى تطوير وحدة الموقف الفلسطيني بين كل الفصائل والقوى السياسية، ونتمنى أن يتم الإعلان عن إنهاء الانقسام». ويؤكد الحاجة «إلى وقفة جدية فلسطينية، والتي ستترتب عليها بناء جبهة عربية».
ويتوقع «أن يكون هناك حوار مباشر من جانب الإخوة المصريين والقطريين وآخرين في محاولة لعقد قمة عربية طارئة لمواجهة هذا التحدي الأخطر في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي».
ويقول «نتطلع إلى أن يكون هناك وحدة موقف فلسطيني، وكذلك وحدة موقف عربي، سواء من الدول التي لديها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو الدول المرشحة لذلك أو الدول التي تتعرض إلى ضغوطات أو إغراءات». وهو موقف حسب الرجوب «يرتكز على السلام الشامل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الشامل والكامل من كل الأراضي العربية المحتلة، وعلى رأسها الأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة».
كما يجب، يتابع الرجوب، «أن يكون لهذا الموقف العربي آليات تتعلق بمراجعة العلاقات السابقة مع إسرائيل».
وهو يرى ضرورة «حرمان هذا الاحتلال (الإسرائيلي) من أي امتيازات أو علاقات تطبيعية مع أي طرف عربي، ما دام يتنكر للحقوق الفلسطينية، بل ويسعى إلى إنهاء الصراع من خلال تجاوز الفلسطينيين بالتهجير والقتل والتطهير العرقي».
وبتقدير الرجوب، «إذا تم البناء على مواقف الدول العربية، سواء كانت مصر أو الأردن أو السعودية التي كانت في دائرة الاستهداف، وأيضًا على مواقف دول أخرى، فإن ذلك سيساعد في البحث عن آليات للتحرك في الحاضر والمستقبل على المستوى الدولي».
وعن أجواء لقاءاته مع القادة العرب، يقول الرجوب لـ«القدس العربي»، إنه «لا أحد يمكنه إنكار أن ما تم التصريح به يمثل الحقيقة الكاملة لموقف ترامب والحكومة الإسرائيلية».
الانقسام الفلسطيني
ويرى الرجوب أنه من «العار أن يبقى الانقسام الفلسطيني. أتمنى أن يتم الإعلان عن إنهاء الانقسام والانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، والقبول بقرارات الشرعية الدولية كمرجعية للحل السياسي».
ويعتقد بأن «الإعلان عن المقاومة الشعبية الشاملة في كل الأراضي الفلسطينية، وفق منطق الجغرافيا والسياسة والاجتماع، هو ضرورة ملحة».
كما ينبّه إلى ضرورة أن «نعلن التزامنا وقبولنا بكل الالتزامات التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، والتي جعلتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، فـ»لا نريد أن نذهب إلى خطوة لإنهاء الانقسام فنخسر ما تحقق من إنجازات».
ويعدد الرجوب 4 إنجازات يجب الحفاظ عليها وحمايتها: «أولا الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي أصبحت مدرجة على جدول أعمال العالم، وثانيا منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وثالثا السلطة الوطنية الفلسطينية كإطار إداري لخدمة الفلسطينيين، ورابعًا حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وأن يكونوا أسياد أنفسهم بقرارهم الوطني المستقل».
وهو يدعو إلى «فتح أفق لحوار وطني شامل يقود إلى وحدة مفهوم لكل الفصائل حول الحل السياسي، الذي يستند إلى قرارات الأمم المتحدة، ووحدة الموقف بشأن طبيعة المواجهة مع الاحتلال في المرحلة القادمة، وشكل الدولة الفلسطينية المستقبلية، والتي يجب أن تكون دولة تعددية سياسية، تخضع لسيادة القانون، وتحترم حرية التعبير عن الرأي، وتضمن حقوق المرأة، وتعكس جميع مظاهر الدولة الديمقراطية العصرية، ولكن في إطار سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد، وقوة أمنية واحدة «.
ويضيف «علينا أن نبني مفهوما واضحا لآليات تحقيق شراكة وطنية بين جميع فصائل العمل الوطني من خلال صناديق الاقتراع، وليس من خلال السلاح أو العنف، سواء كان لفظيا أو جسديا». فـ «ترتيب البيت الفلسطيني وإنجاز الوحدة الوطنية في هذا السياق ضرورة ومصلحة لضمان استمرار الحراك الفاعل لقضيتنا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي».
أخبار اليوم - عندما سُئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلته مع القناة 14 الإسرائيلية عن موقف السعودية المتمسك بإقامة دولة فلسطينية قبل أيّ خطوة في مسار السلام، أجاب في تهكّم أن «السعودية لديها مساحات شاسعة وفي إمكانها إقامة دولة فلسطينية عليها».
ولا يمثّل موقف نتنياهو رأيه وحده فحسب، بل يعكس على كل حال إجماعًا بين أحزاب ائتلاف أقصى اليمين الحاكم في إسرائيل، وكذلك شبهَ إجماع في الطيف السياسي الإسرائيلي المعارض.
لكن الأخطر، الذي استطاع نتنياهو أن يناله علانية من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته «التاريخية» إلى الولايات المتحدة، هو موقف عبر عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا فيه إلى أمرين، الأول تشجيع ما أسماه الهجرة الطوعية-المؤقتة أو الدائمة مع ترجيحه الدائمة-إلى دول عربية جارة وأخرى لم يحدّدها، بذريعة ضرورة إعمار غزة.
والثاني فرض «سيطرة أمريكية» على القطاع.
وأثار هذا فزعًا فلسطينيّا وعربيًا، ورفضًا واسعًا، بموازاة الرفض الإسلامي والأوروبي والعالمي.
ولخّص الأمين العام للأمم المتحدة أنطونويو غوتيريش بعبارات حرص على ألا تكون موجهة مباشرة إلى ترامب، الموقف بقوله إنه من الضروري «الالتزام بالقانون الدولي ومنعُ أيّ شكل من أشكال التّطهير العرقي».
وبينما حرصت القيادة الفلسطينية على أن يكون موقفها أيضَا في إطار لغة دبلوماسية لا تواجه الرئيس الأمريكي مباشرة، وهو المندفع بشراسة لمعاقبة كل من يخالفه، وصف جبريل الرجوب، أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة «فتح»، الموقف الأمريكي بعبارتين واضحتين، فقال لـ«القدس العربي»: «سقط القناع».
ويؤكد مسؤولون أمميون أن التطهير العرقي هو ما سعت إليه إسرائيل ومارسته خلال حرب مدمرة استمرّت أكثر من 15 شهرًا، ولا تزال مستمرة من خلال الحصار وتقييد دخول المساعدات على كل أشكالها، بما في ذلك المعدات الثقيلة المستخدمة في البناء وإعادة الإعمار ورفع الأنقاض.
ونبعت خطورة الموقف الأمريكي من كونه مناقضًا لكل ما تبقّى من مسار سلام وأسُسِه، منذ مسار مدريد، وثم أوسلو، أو لقرارات الأمم المتحدة وفي مقدمتها القرار 242، التي كانت الولايات المتحدة ـ رغم اختلاف التفسيرات ـ تؤكد للحكومات العربية خلال العقود الماضية الالتزام بها كمرجعية لحلّ سلميّ.
فهل مثّل موقف ترامب تراجعًا عن الموقف الأمريكي التقليدي، وهل شكّل فعلًا انقلابًا جذريًا؟ بعض الدبلوماسيين الأمريكيين يعتقدون بأن ذلك ربما يكون في إطار الضغوط، أو لمنع حركة «حماس» من استمرار «حكمها» في غزّة.
ضغوط سياسية؟
يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشؤون السياسية والعسكرية السفير لينكولن بلومفيلد، لـ«القدس العربي»: «يبدو أن الرئيس ترامب يفضل مفهوم إعادة توطين سكان غزة-مؤقتًا أو دائمًا. مع خلفية الرئيس في تطوير العقارات التجارية، قد يكون قد قدّر أن دمار غزة واسع جدًا بحيث لا يمكنه مساعدة ما يقرب من مليوني شخص بينما يتم إزالة الأنقاض وبناء هياكل جديدة. كما أنه، بالطبع، يستمع إلى رئيس الوزراء نتنياهو، الذي تعتمد قدرته على البقاء في منصبه على الحفاظ على ائتلاف يضم شخصيات سياسية يمينية متطرفة تتمسك بمطالبة دينية بأن أرض إسرائيل التاريخية تشمل غزة. قد يشارك بعض مستشاري الرئيس ترامب في هذا المنظور الديني».
السفير الأمريكي السابق بلومفيلد: بقاء نتنياهو في منصبه يعتمد على اليمين المتطرف وبعض مستشاري ترامب يشاركون هذا المنظور الديني
وعن مواءمة ذلك من عدمه مع السياسة الخارجية الأمريكية خلال عقود، يقول: «اعتبر الرؤساء الأمريكيون السابقون، منذ أن تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار 242 في عام 1967، أن غزة هي أرض محتلة بموجب القانون الدولي».
وينبّه المبعوث الأمريكي السابق، إلى أن السؤال هو حول ما إذا كان بإمكان إسرائيل التخلّص من التزاماتها كقوّة احتلال، وما هي الالتزامات التي قد تتحملها الولايات المتحدة في حال توليها السيطرة على غزة، وهي «ليست قضايا بسيطة ومن المرجح أن تثير جدلاً واسعًا».
ويضيف أن «هناك أيضًا إجماعًا واسعًا بين الخبراء على أن إعادة التوطين القسري للسكان تشكل انتهاكًا للقانون الدولي، ويمكن اعتبارها جريمة حرب».
ويقول: «كما هو الحال مع العديد من توجهات الرئيس ترامب السياسية منذ توليه منصبه في 20 كانون الثاني/يناير، قد يكون من الحكمة الانتظار لمعرفة ما إذا كان الرئيس قد أدلى بهذه التصريحات لمنح رئيس الوزراء نتنياهو ورقة ضغط في السعي لاستعادة الرهائن المتبقين لدى حماس، أو ربما لإقناع المملكة العربية السعودية بتعديل مطلبها بضرورة وجود مسار سياسي لتقرير المصير الفلسطيني كشرط مسبق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي الأيام والأسابيع المقبلة، سيتضح ما إذا كان الرئيس ترامب ينوي بالفعل حشد القدرات اللازمة لتنفيذ إعادة التوطين هذه».
وعن ردود الفعل تجاه طرح الرئيس الأمريكي، يقول بلومفيلد «لقد أثارت فكرة تولي الولايات المتحدة الدور القيادي في غزة وتنفيذ إعادة توطين لما يقرب من مليوني شخص، ردود فعل كبيرة بالفعل في الولايات المتحدة والشرق الأوسط».
وبرأيه «قد يكون استفزاز الأطراف الأخرى لإعادة النظر في مواقفها هو الهدف الذي يسعى إليه الرئيس».
لكنه يتوقف عند بعض الأمور الإشكالية: «لقد أوضح أنه لن يكون هناك أي تدخل عسكري أمريكي. كما أن التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) أنهته إدارة ترامب. والوكالة الحكومية للمساعدات المدنية، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، يتم وقف تمويلها وتفكيكها من قبل الرئيس. لذلك، ليس من الواضح من هي الجهات التي يمكن أن يعتمد عليها الرئيس لإدارة خطة إعادة التوطين وإعادة الإعمار في غزة».
أما داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فيؤكد بلومفيلد أن هناك أيضًا توجهًا قويًّا داخلها «يتبناه العديد من الناخبين الذين دعموا الرئيس ترامب في انتخابات 2024، لتجنب تدخل الولايات المتحدة في ما يسمى بناء الأمم، أو التورط في تدخلات خارجية مكلفة وطويلة الأمد».
وبالنسبة لبلومفيلد فإن «هذه الاعتبارات تشير إلى أن الرئيس ترامب ربما كان يأمل بشكل أساسي في إحداث مرونة سياسية في المنطقة من خلال تبني رؤية نتنياهو اليمينية المتطرفة بشأن غزة، نظرًا لأن العواقب العملية لمحاولة تنفيذ هذا السيناريو قد تترتب عليها تكاليف سياسية للإدارة الأمريكية، ومخاطر محتملة على نفوذ الولايات المتحدة في الخارج».
خطر حقيقي
وفي مقابل ما يوحيه حديث بلومفيلد بإمكانية أن يكون موقف ترامب نوعًا من المناورة السياسية، تشير وقائع ومعطيات اليوم إلى أن خيار تهجير الفلسطينيين من غزة ـ واستطرادًا من الضفة الغربية المحتلة ـ كانت لديه معالم ومؤشرات عديدة خلال فترة الحرب.
وتنظر الحكومات العربية بجدّية بالغة إلى مشاريع نقل الفلسطينيين من أرضهم، ويرتفع منسوب القلق خصوصًا لدى الدولتين الجارتين المعنيتين بشكل خاص بمشاريع التهجير، مصر والأردن، اللتين ترفض حكومتاهما بشدة حتى الآن مثل هذه الطروحات.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسن منيمنة أن طرح التهجير متجذّر في أمريكا وإسرائيل.
ويقول، في حديث مع «القدس العربي»، إنه «منذ أن ابتدأت الحرب في أكتوبر 2023، والولايات المتحدة تموّل بشكل كامل التدمير الممنهج لقطاع غزة».
ويضيف «غير مهم إن كان دونالد ترامب أو جو بايدن. غير مهم إن كان نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية أم لا. المسألة تكمن في أن التمويل الأمريكي للتدمير الممنهج للقطاع ينفي أسباب الحياة عنه بشكل عميق، أي أن المسألة ليست فقط تدمير المنازل والمساكن، ولكن كذلك تدمير البنية التحتية، وتدمير الهوية، وجرف المدافن، وتدمير الجامعات، والمدارس، والمستشفيات، والطرقات».
الدكتور حسن منيمنة: انتقلنا من التورية والكذب في زمن بايدن إلى الوقاحة في زمن ترامب
ويرى أن «كل هذا حصل بشكل جلي مع إصرار الإدارة الأمريكية السابقة، ومع دعوتها السابقة لمصر مثلًا والأردن إلى استقبال الغزّيين، مما يكشف بوضوح أن النية والهدف الضمني من هذا الفعل، هو فعل العدوان على غزة.
فحماس ليست العدو الوجودي لإسرائيل، ولا إيران هي العدو الوجودي. العدو الوجودي لإسرائيل هو الحضور الفلسطيني، هو الإنسان الفلسطيني».
ونسأل الدكتور منيمنة ما إذا كان موقف إدارة ترامب الحالية يشكل انقلابًا على ثوابت السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، منذ عهد إدارة الرئيس الراحل جيمي كارتر على الأقل، فيقول: «يجب ألا نعود إلى كارتر، فكارتر حالة خاصة. فلنبدأ مع أوسلو، منذ أن بدأت عملية أوسلو عام 1993، كان الكلام عن أن الدولة الفلسطينية ستقوم عام 1998، وكان هذا الأمر كاذبًا حينها، وبعد ثلاثة عقود لا يزال كاذبًا كذلك».
فـ»المسألة تسويفية. إسرائيل دائمًا تحصل على الشق المتعلق بها من أي صفقة فورًا، بينما تؤجل الشق المتعلق بالطرف الآخر، والولايات المتحدة تجاريها في ذلك. لا بل أستطيع أن أقول إنه منذ قيام دولة إسرائيل، والموقف الأمريكي تجاهها، ومنذ اعتراف (الرئيس الراحل هاري) ترومان بها وصولًا إلى ترامب، لم يتغير، فالموقف كان دائمًا (لا تستعجلوا، ستحصلون على ما تريدون الحصول عليه من دولة يهودية، ولكن تدريجيًا). البعض في إسرائيل كان يستعجل، وهنا كان الاختلاف في وجهات النظر، لكنه ليس تبديلًا حقيقيًا في السياسة».
ويرى منيمنة أن «الكلام عن حل الدولتين كان فقط لتسهيل عملية التطبيع، التي فشلت على أي حال. أما فيما يتعلق بالسعودية، فالمسألة هنا ليست انقلابًا على ما كانت تلتزمه الولايات المتحدة، بل انتقلنا من التورية والكذب في زمن بايدن إلى الوقاحة في زمن ترامب».
وعن الموقف العربي تجاه ما يحصل يتساءل منيمنة «هل وصلنا إلى حالة من الوحدة العربية فيما يتعلق بهذا الموقف؟ لا، التشتت لا يزال قائمًا». ولكن «لا مفر للدول العربية من اتخاذ موقف أكثر وضوحًا وأكثر حزما، ليس فقط من الجانب الأخلاقي الواجب تجاه الشعب الفلسطيني، ولكن أيضًا من جانب المصلحة العربية المشتركة، ومصلحة كل دولة على حدة».
ويخلص إلى أنه «لا بد من ردة فعل عربية جدية. هناك إشارات إلى أن ذلك ممكن، ولكن علينا ألا نحبس الأنفاس».
«موقع هدم»
ويتحجّج ترامب في دعوته إلى إخلاء غزة من شعبها، بالضرورات التي تقتضيها إعادة الإعمار.
ووصف الرئيس الأمريكي غزّة بأنها «موقع هدم»، وقال إن إعادة الإعمار قد تستغرق ما بين 10 إلى 15 عامًا، مطلقًا تعبيره عن تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» بعد إعادة الإعمار تحت إشراف أمريكي.
ولم تكن دعوة ترامب جديدة، فسبقه إليها صهره جاريد كوشنر في شباط/فبراير من العام الماضي، خلال فعالية أقيمت في جامعة هارفارد، وأعيد نشرها من خلال فيديو في شهر آذار/مارس الذي تلاه.
ونقلت صحيفة «بوليتيكو» عن كوشنير، قوله في حديثه عن فرصة استثمار عقاري تشكلها الواجهة البحرية في غزة، «سأبذل قصارى جهدي لنقل الناس ثم تنظيف الأمر، ويتعين على (إسرائيل) نقل المدنيين الفلسطينيين إلى صحراء النقب في الجنوب».
ويناقض موقف ترامب ما تسرب عن رؤية إدارة بايدن للمرحلة الثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار. وطرح الإدارة السابقة خطة إعادة إعمار لمدة 3 إلى 5 تحت إشراف عدد من الدول والمنظمات بما في ذلك مصر وقطر والأمم المتحدة.
خطة فلسطينية عربية
ودفعت تصريحات ترامب القيادة الفلسطينية إلى تسريع الاتصالات لتبني خطة مدعومة عربيًا تستغرق مدة زمنية محددة.
ووفق تقرير وزعته سفارات فلسطينية في أوروبا نهاية الشهر الماضي، واطّلعت عليه «القدس العربي»، فإن الحكومة الفلسطينية أعدّت خطة شاملة تشمل تفعيل نقاط طبية، ونقل مستشفيات ميدانية، وتوزيع المساعدات الإنسانية.
“الحكومة الفلسطينية تعمل على خطة إعادة إعمار بديلة ومساع عربية لعقد قمة عربية استثنائية”
وأطلقت الحكومة برامج تقييم الأضرار بمشاركة 700 مهندس، وإعادة فتح الطرق، واستئناف خدمات الاتصالات. كما لحظت ضرورة توفير الوقود لتشغيل آبار المياه وإزالة الأنقاض.
وحسب الخطة، تدعم وزارة التربية والتعليم البدائل، وتعمل سلطة الطاقة على إعادة تأهيل الكهرباء، بينما تطلق وزارة العمل برامج توظيف مؤقتة، ويجري التنسيق مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين لتعزيز الاستجابة الطارئة، بما يشمل إعادة الإعمار وإدارة النفايات الصلبة، إضافة إلى حفظ التراث الثقافي.
وقد أنشأت الحكومة الفلسطينية لذلك غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في قطاع غزة.
وتلحظ الخطة أيضًا قيام وكالة الإعمار العربية الدولية في فلسطين، بالشراكة مع الحكومة الفلسطينية، بمشروع إزالة الأنقاض وفتح الطرق الرئيسية في شمال غزة، ما يسهل عودة النازحين من الجنوب.
ويقول المندوب الدائم الفلسطيني لدى جامعة الدول العربية السفير مهند العكلوك، لـ«القدس العربي»، إن خطة الحكومة الفلسطينية مبنية على ثلاث مراحل، الأولى تسمى الإغاثة والتعافي المبكر ومدتها 6 أشهر، وتكلفتها حوالي 3.6 مليار دولار، والثانية هي التعافي واستعادة الخدمات وإصلاح البنية التحتية، وتكلفتها 7 مليارات دولار، أما الثالثة فهي مرحلة إعادة الإعمار، وتكلفتها التقديرية الأولية 30 مليار دولار. ويعطي مثالًا على ذلك، فـ»في قطاع غزة لدينا حوالي 380 ألف منزل مدمر كليًا أو جزئيًا، منها 320 ألف منزل مدمّر بالكامل لا يمكن إصلاحه، و60 ألف وحدة سكنية يمكن إصلاحها وفقًا لخطة الحكومة».
السفير العكلوك: التكلفة التقديرية للمرحلة الثالثة من إعادة الإعمار 30 مليار دولار أمريكي
وفي هذا الصدد، ستحاول الحكومة تأمين 5 آلاف دولار لكل صاحب بيت مدمّر جزئيًا لإصلاح منزله، «أما بالنسبة لأصحاب المنازل المدمّرة كليًا، والتي تبلغ 320 ألف وحدة سكنية على الأقل، تسعى الحكومة إلى إدخال 250 ألف كرفان أو وحدة سكنية مسبقة الصنع، وتوصيل الماء والكهرباء لها».
وتتعاون الحكومة الفلسطينية في ذلك مع منظمات الأمم المتحدة المعنية، وفي مقدمتها «الأونروا»، التي تقدم حوالي 70 في المئة من الخدمات في قطاع غزة، إلى جانب برنامج الغذاء العالمي، ومنظمة «اليونيسف»، والمنظمات الإنسانية والدولية الأخرى، وكذلك الدول التي يمكنها تقديم المساعدة في إطار الإغاثة واستعادة الحياة.
أما المسار الثاني الذي تعمل عليه دولة فلسطين لمنع تهجير الشعب الفلسطيني فـ»هو الحراك الدبلوماسي» الذي تكثّف من خلال بعثات دولة فلسطين في أكثر من 90 دولة.
ويشير السفير الفلسطيني في هذا الصدد إلى قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة الأردن، والاتفاق على موقف أردني فلسطيني عربي يرفض التهجير، وزيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن تندرج في هذا الإطار.
كما يشير إلى الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى إلى مصر، ولقائه بالقيادة السياسية والأمين العام لجامعة الدول العربية، «حيث تم بحث تنسيق موقف عربي، وربما إسلامي ودولي، موحد لرفض التهجير».
وعن المطالب الفلسطينية من الدول العربية، يقول «نحن نريد من أي اجتماع مقبل، سواء كان على مستوى القمة أو على مستوى وزراء الخارجية العرب، أو أي حراك دولي رافض لتهجير الشعب الفلسطيني، أن يسعى إلى كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لأن هذا الحصار هو أحد أدوات جريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني».
القمة العربية
وفي موازاة تحرك القيادة الفلسطينية لمنع التهجير، يعمل قادة فلسطينيون بارزون على خطّين، عربي من خلال حشد تضامن عربي في وجه مخططات التهجير وانتزاع الحقوق السياسية، وفلسطيني لتحصين الساحة الداخلية التي لا تزال تعاني انقسامًا.
وفي هذا السياق تأتي جولة قام بها أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة «فتح» جبريل الرجوب على عدد من الدول العربية، فالتقى بالرئيس العراقي ووزير الخارجية، ورئيس وزراء قطر وزير خارجيتها، فضلًا عن وزير الخارجية المصري وأمين عام جامعة الدول العربية.
الرجوب : سقط القناع.. والرّد بوحدة فلسطينية تحمي المنجزات وموقف عربي موحد
ويقول الرجوب ، تعليقًا على تصريحات ترامب الأخيرة، إنه «تعريف لحقيقة السياسة الخارجية الأمريكية، التي كانت في الماضي تُمرّر بوجه مختلف. اليوم، القناع سقط، والتحيز المطلق لصالح الفاشيين الذين يحكمون في إسرائيل أصبح واضحًا ولا نقاش حوله».
ويرى ضرورة «مراجعة فلسطينية وعربية ودولية لمواجهة هذا الموقف الذي يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية وشطبها، والأقسى من ذلك، محاولة تهجير ملايين الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو في غزة أو في القدس الشرقية».
فعلى المستوى الداخلي، يتطلع الرجوب «إلى تطوير وحدة الموقف الفلسطيني بين كل الفصائل والقوى السياسية، ونتمنى أن يتم الإعلان عن إنهاء الانقسام». ويؤكد الحاجة «إلى وقفة جدية فلسطينية، والتي ستترتب عليها بناء جبهة عربية».
ويتوقع «أن يكون هناك حوار مباشر من جانب الإخوة المصريين والقطريين وآخرين في محاولة لعقد قمة عربية طارئة لمواجهة هذا التحدي الأخطر في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي».
ويقول «نتطلع إلى أن يكون هناك وحدة موقف فلسطيني، وكذلك وحدة موقف عربي، سواء من الدول التي لديها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو الدول المرشحة لذلك أو الدول التي تتعرض إلى ضغوطات أو إغراءات». وهو موقف حسب الرجوب «يرتكز على السلام الشامل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الشامل والكامل من كل الأراضي العربية المحتلة، وعلى رأسها الأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة».
كما يجب، يتابع الرجوب، «أن يكون لهذا الموقف العربي آليات تتعلق بمراجعة العلاقات السابقة مع إسرائيل».
وهو يرى ضرورة «حرمان هذا الاحتلال (الإسرائيلي) من أي امتيازات أو علاقات تطبيعية مع أي طرف عربي، ما دام يتنكر للحقوق الفلسطينية، بل ويسعى إلى إنهاء الصراع من خلال تجاوز الفلسطينيين بالتهجير والقتل والتطهير العرقي».
وبتقدير الرجوب، «إذا تم البناء على مواقف الدول العربية، سواء كانت مصر أو الأردن أو السعودية التي كانت في دائرة الاستهداف، وأيضًا على مواقف دول أخرى، فإن ذلك سيساعد في البحث عن آليات للتحرك في الحاضر والمستقبل على المستوى الدولي».
وعن أجواء لقاءاته مع القادة العرب، يقول الرجوب لـ«القدس العربي»، إنه «لا أحد يمكنه إنكار أن ما تم التصريح به يمثل الحقيقة الكاملة لموقف ترامب والحكومة الإسرائيلية».
الانقسام الفلسطيني
ويرى الرجوب أنه من «العار أن يبقى الانقسام الفلسطيني. أتمنى أن يتم الإعلان عن إنهاء الانقسام والانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، والقبول بقرارات الشرعية الدولية كمرجعية للحل السياسي».
ويعتقد بأن «الإعلان عن المقاومة الشعبية الشاملة في كل الأراضي الفلسطينية، وفق منطق الجغرافيا والسياسة والاجتماع، هو ضرورة ملحة».
كما ينبّه إلى ضرورة أن «نعلن التزامنا وقبولنا بكل الالتزامات التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، والتي جعلتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، فـ»لا نريد أن نذهب إلى خطوة لإنهاء الانقسام فنخسر ما تحقق من إنجازات».
ويعدد الرجوب 4 إنجازات يجب الحفاظ عليها وحمايتها: «أولا الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي أصبحت مدرجة على جدول أعمال العالم، وثانيا منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وثالثا السلطة الوطنية الفلسطينية كإطار إداري لخدمة الفلسطينيين، ورابعًا حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وأن يكونوا أسياد أنفسهم بقرارهم الوطني المستقل».
وهو يدعو إلى «فتح أفق لحوار وطني شامل يقود إلى وحدة مفهوم لكل الفصائل حول الحل السياسي، الذي يستند إلى قرارات الأمم المتحدة، ووحدة الموقف بشأن طبيعة المواجهة مع الاحتلال في المرحلة القادمة، وشكل الدولة الفلسطينية المستقبلية، والتي يجب أن تكون دولة تعددية سياسية، تخضع لسيادة القانون، وتحترم حرية التعبير عن الرأي، وتضمن حقوق المرأة، وتعكس جميع مظاهر الدولة الديمقراطية العصرية، ولكن في إطار سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد، وقوة أمنية واحدة «.
ويضيف «علينا أن نبني مفهوما واضحا لآليات تحقيق شراكة وطنية بين جميع فصائل العمل الوطني من خلال صناديق الاقتراع، وليس من خلال السلاح أو العنف، سواء كان لفظيا أو جسديا». فـ «ترتيب البيت الفلسطيني وإنجاز الوحدة الوطنية في هذا السياق ضرورة ومصلحة لضمان استمرار الحراك الفاعل لقضيتنا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي».
التعليقات