اخبار اليوم - 'أرسل لي أحد زملائي الوزراء بلاغا مفاده أن إسرائيل وصفتنا بأننا الذراع القانونية لحركة حماس.. كانوا يقولون أيضا بأني أتلقى أوامر من إيران، وأنني من داعمي داعش.. هذه بعض الأخبار الزائفة والإهانات التي يجري ترويجها، حتى إنهم طالوا عائلتي ووصلوا إلى زوجي وأولادي'.
هكذا لخصت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون الدولي (وزارة الخارجية) في جنوب أفريقيا غريس ناليدي باندور سلوك الجماعات الموالية لإسرائيل معها ومع أسرتها في الثامن من فبراير/شباط الماضي، بعد إصدار محكمة العدل الدولية في 26 يناير/كانون الثاني الماضي حكما يدعو إسرائيل إلى بذل كل ما بوسعها لمنع الموت والدمار وأي أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة في سابقة تاريخية.
واكتسبت هذه القضية أهميتها لكونها المرة الأولى في التاريخ التي تُقاضَى فيها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، خلال محاكمة برزت فيها إلى جانب باندور سيدة مسلمة أخرى من جنوب أفريقيا هي عديلة هاشم، وهي ناشطة حقوقية معروفة ومناصرة للقضية الفلسطينية.
وقبل أن تشغل منصب المسؤول التنفيذي الأول عن السياسة الخارجية لبلادها في 30 مايو/أيار 2019، بعد وصول الرئيس سيريل رامافوزا إلى السلطة في البلاد، كانت تلك السيدة السمراء ذات الـ71 عاما قد تولت مناصب، شملت حقيبتي التعليم والعلوم والتكنولوجيا والداخلية استنادا إلى قضائها جل عمرها في قطاع التعليم، معلمة وأستاذة جامعية.
ولم تكن مواقف باندور ذات الشخصية التي توصف بالصلابة والحدة، منقطعة عن إرثها الأسري، فخلف هذه السيدة إرث كبير استلهمته من والدها جو ماثيو الذي كان رفيق المناضل الأفريقي الكبير نيلسون مانديلا وعضوا بارزا في 'المؤتمر الوطني الأفريقي'، وقد انتخب عضوا في الجمعية الوطنية لجنوب أفريقيا.
روافد القوة
ولدت الوزيرة الجنوب أفريقية في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1953، واشتغلت بالعمل الأكاديمي، ثم طرقت باب السياسة من خلال العمل التشريعي مستلهمة تجربة مانديلا، ففتح لها على مصراعيه، وبعد لقاء ناليدي أو 'نادية' بزوجها المسلم شريف جوزيف باندور في بوتسوانا عام 1977، اعتنقت الإسلام، وأصبحت روافد قوتها أكبر، وكذلك إيمانها بالقضايا العادلة.
أصبحت باندور عضوا في البرلمان عام 1994 عن حزب 'المؤتمر الوطني الأفريقي' (حزب مانديلا الحاكم منذ نهاية عهد الفصل العنصري). وكانت تجربتها التعليمية رافدا لشخصية سياسية قوية تشبعت بالتقاليد الأكاديمية.
وفي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تدرجت سريعا، فسرعان ما أصبحت نائبة رئيس كتلة الحزب في البرلمان عام 1995، ثم صعدت مع سلم الترقي مرة أخرى حين انتخبت نائبة لرئيس المجلس الوطني للمقاطعات عام 1998، وأصبحت رئيسة له في العام التالي.
وفي عام 2004، دخلت باندور إلى مجلس الوزراء لأول مرة وزيرة للتعليم، وهو المنصب الذي بقيت فيه حتى 2009، ثم وزيرة للعلوم والتكنولوجيا حتى 2012، ثم تولت حقيبة الداخلية، قبل أن تتركها بعد عامين عائدة إلى العلوم والتكنولوجيا، ومنها إلى التعليم العالي لعام واحد، لتجلس على كرسي الدبلوماسية، وزيرة للخارجية منذ عام 2019.
وأضافت 'موقف جنوب أفريقيا وموقفي الشخصي الملتصق به ليس معاديا للسامية أو كرها لإسرائيل، لكن ذلك نتيجة للجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الإنسانية من خلال اضطهادها للفلسطينيين، واستمرار مسلسل القتل والاستيطان، وفرض المعاناة الحياتية اليومية وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة، واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، حيث تمتد هذه المعاناة لتطال الفلسطينيين داخل إسرائيل'.
وبعد بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة قالت باندور في خطاب علني 'نحن لم نلتق الشعب الفلسطيني في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لقد كنا معا في النضال لعقود عديدة. شعب فلسطين هو من درّب مقاتلي الحرية في حركة التحرير.. إنها قضية عدالة، قضية رفض للاستعمار والعنصرية'.
يبقى الدور الأبرز لباندور في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والإخلال بالتزاماتها الدولية تجاه ميثاق الأمم المتحدة، ضمن خطوات أخرى رافضة للحرب على غزة من بينها تصويت البرلمان على قطع العلاقات مع إسرائيل في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فقد كان ذروة توهجها وسطوع نجمها على المستوى العالمي، حيث قادت الفريق السياسي/القانوني لبلادها إلى لاهاي. وأصبحت رمزا دوليا لمناهضة العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي أحدث حلقات سياسة دولة جنوب أفريقيا ونهجها الثابت تجاه قضية فلسطين، كشفت ناليدي باندور، خلال مؤتمر لدعم الفلسطينيين عقد في مسجد القدس في كيب تاون في 13 مارس/آذار 2024 عن استعداد بلادها لاعتقال مزدوجي الجنسية من مواطنيها الذين يخدمون في قوات الجيش الإسرائيلي عند عودتهم إلى البلاد. ونقل عن باندور قولها 'لقد أصدرت بالفعل بيانا لتحذير أولئك الذين هم من جنوب أفريقيا، والذين يقاتلون جنبا إلى جنب مع قوات الجيش الإسرائيلي، أو في صفوفه، نحن مستعدون، عندما تعودون إلى الوطن، سوف نعتقلكم'.
ومنذ توليها حقيبة الخارجية عرفت بمواقفها الصارمة، منها رفضها اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته لجنوب أفريقيا، متحدية محكمة الجنائية الدولية، مما جعل علاقة جنوب أفريقيا وروسيا تتعاظم، لتنبثق عن قوة المجموعة الاقتصادية الدولية 'بريكس'. وانتقدت باندور وقتها المحكمة الجنائية الدولية لعدم وجود ما أسمته 'نهجا عادلا' تجاه جميع القادة المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي.
نجمة القدس
حصلت باندور على وسام 'نجمة القدس الكبرى' عام 2022، بينما كانت تحيي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في حديقة الاستقلال في العاصمة الجنوب أفريقية بريتوريا.
وذكرت السفيرة الفلسطينية في جنوب أفريقيا حينها حنان جرار أن منح الوسام للوزيرة 'كونها تكمل مسيرة نيلسون مانديلا التضامنية مع عدالة قضيتنا، ولها مواقف مشرفة من اعتبار إسرائيل دولة أبارتهايد وإيمانها بأنه لا مكان لإسرائيل في الاتحاد الأفريقي طالما بقيت دولة احتلال عنصري'.
يشار إلى أن القول بأن النضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا كان مصدرا إلهام للمقاومة الفلسطينية لم يكن أمرا مجازيا. فبعد أسبوعين فقط من إطلاق سراحه من السجن عام 1990، سافر المناضل والزعيم نيلسون مانديلا إلى زامبيا للقاء القادة الذين دعموا الكفاح ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ومن بين أبرزهم كان الرئيس الفلسطيني الراحل 'ياسر عرفات'. وجعل مانديلا الذي توفي في 2013 عن (95 عاما)، من قيام دولة فلسطينية إحدى قضاياه الدولية الرئيسية عندما أصبح أول رئيس أسود لدولة جنوب أفريقيا. وكان يحرص على ارتداء الكوفية الفلسطينية في عدد من المناسبات المهمة تعبيرا عن دعمه للقضية.
يذكر أيضا أن تحالفا سياسيا وعسكريا كان قائما بالفعل بين كلّ من إسرائيل وحكومة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، رغم الإدانة الإسرائيلية العلنية لسياسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وذلك خلال سبعينيات القرن الماضي، في ظل حكومة إسحاق رابين، وقد لعب شيمون بيريز وزير الدفاع في ذلك الوقت دورا أساسيا في هذه العلاقة، بوصفه مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي عبر اجتماعات سرية عُقدت في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وأسفرت عن عدد من الصفقات العسكرية منها عرض إسرائيل بيع رؤوس نووية لجنوب أفريقيا.
عن تلك الحقبة يورد الصحفي الفرنسي المعروف آلان غريش في كتابه المعنون 'علام نطلق اسم فلسطين؟' نصا أورده شاعر جنوب أفريقيا المناهض للفصل العنصري برايتن بريتنباخ يقول فيه'يا له من تماه عجيب ذلك الذي يشعر فيه البيض في جنوب أفريقيا تجاه إسرائيل. فقد شهدت هذه الأرض تيارا قويا يناهض السامية. ففي جميع الأحوال، يعد القادة الحاليون على رأس نظام الفصل العنصري ثمرة المفكرين الموالين للنازية والمتحدرين منها. وعلى الرغم من ذلك، فهم يكنون إعجابا عظيما بإسرائيل التي صارت الشريك السياسي والعسكري في التحالف بين الدول المنبوذة'.
على النقيض من ذلك اتخذت حكومة جنوب أفريقيا المتحررة من نظام الفصل العنصري مواقف تجاه قضية فلسطين لخصتها باندور نفسها في غير مناسبة. فقد قالت في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2022 خلال لقاء مع السفيرة الفلسطينية في بريتوريا حنان جرار حيث تسلمت وساما منحه لها الرئيس محمود عباس 'يجب تطبيق العدل بتنفيذ كافة جوانب القانون الدولي في حل الصراع وفقا لما تراه جنوب أفريقيا وكافة الدول المحبة للعدل والسلام في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ولها مكانتها الدولية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 في وحدة جغرافية واحدة غير مجزأة، واقتصاد مستتب ومستقل تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، ويجب عودة اللاجئين وصيانة جميع حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وغير القابلة للتصرف سواء داخل فلسطين أو في الشتات'.
اخبار اليوم - 'أرسل لي أحد زملائي الوزراء بلاغا مفاده أن إسرائيل وصفتنا بأننا الذراع القانونية لحركة حماس.. كانوا يقولون أيضا بأني أتلقى أوامر من إيران، وأنني من داعمي داعش.. هذه بعض الأخبار الزائفة والإهانات التي يجري ترويجها، حتى إنهم طالوا عائلتي ووصلوا إلى زوجي وأولادي'.
هكذا لخصت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون الدولي (وزارة الخارجية) في جنوب أفريقيا غريس ناليدي باندور سلوك الجماعات الموالية لإسرائيل معها ومع أسرتها في الثامن من فبراير/شباط الماضي، بعد إصدار محكمة العدل الدولية في 26 يناير/كانون الثاني الماضي حكما يدعو إسرائيل إلى بذل كل ما بوسعها لمنع الموت والدمار وأي أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة في سابقة تاريخية.
واكتسبت هذه القضية أهميتها لكونها المرة الأولى في التاريخ التي تُقاضَى فيها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، خلال محاكمة برزت فيها إلى جانب باندور سيدة مسلمة أخرى من جنوب أفريقيا هي عديلة هاشم، وهي ناشطة حقوقية معروفة ومناصرة للقضية الفلسطينية.
وقبل أن تشغل منصب المسؤول التنفيذي الأول عن السياسة الخارجية لبلادها في 30 مايو/أيار 2019، بعد وصول الرئيس سيريل رامافوزا إلى السلطة في البلاد، كانت تلك السيدة السمراء ذات الـ71 عاما قد تولت مناصب، شملت حقيبتي التعليم والعلوم والتكنولوجيا والداخلية استنادا إلى قضائها جل عمرها في قطاع التعليم، معلمة وأستاذة جامعية.
ولم تكن مواقف باندور ذات الشخصية التي توصف بالصلابة والحدة، منقطعة عن إرثها الأسري، فخلف هذه السيدة إرث كبير استلهمته من والدها جو ماثيو الذي كان رفيق المناضل الأفريقي الكبير نيلسون مانديلا وعضوا بارزا في 'المؤتمر الوطني الأفريقي'، وقد انتخب عضوا في الجمعية الوطنية لجنوب أفريقيا.
روافد القوة
ولدت الوزيرة الجنوب أفريقية في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1953، واشتغلت بالعمل الأكاديمي، ثم طرقت باب السياسة من خلال العمل التشريعي مستلهمة تجربة مانديلا، ففتح لها على مصراعيه، وبعد لقاء ناليدي أو 'نادية' بزوجها المسلم شريف جوزيف باندور في بوتسوانا عام 1977، اعتنقت الإسلام، وأصبحت روافد قوتها أكبر، وكذلك إيمانها بالقضايا العادلة.
أصبحت باندور عضوا في البرلمان عام 1994 عن حزب 'المؤتمر الوطني الأفريقي' (حزب مانديلا الحاكم منذ نهاية عهد الفصل العنصري). وكانت تجربتها التعليمية رافدا لشخصية سياسية قوية تشبعت بالتقاليد الأكاديمية.
وفي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تدرجت سريعا، فسرعان ما أصبحت نائبة رئيس كتلة الحزب في البرلمان عام 1995، ثم صعدت مع سلم الترقي مرة أخرى حين انتخبت نائبة لرئيس المجلس الوطني للمقاطعات عام 1998، وأصبحت رئيسة له في العام التالي.
وفي عام 2004، دخلت باندور إلى مجلس الوزراء لأول مرة وزيرة للتعليم، وهو المنصب الذي بقيت فيه حتى 2009، ثم وزيرة للعلوم والتكنولوجيا حتى 2012، ثم تولت حقيبة الداخلية، قبل أن تتركها بعد عامين عائدة إلى العلوم والتكنولوجيا، ومنها إلى التعليم العالي لعام واحد، لتجلس على كرسي الدبلوماسية، وزيرة للخارجية منذ عام 2019.
وأضافت 'موقف جنوب أفريقيا وموقفي الشخصي الملتصق به ليس معاديا للسامية أو كرها لإسرائيل، لكن ذلك نتيجة للجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الإنسانية من خلال اضطهادها للفلسطينيين، واستمرار مسلسل القتل والاستيطان، وفرض المعاناة الحياتية اليومية وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة، واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، حيث تمتد هذه المعاناة لتطال الفلسطينيين داخل إسرائيل'.
وبعد بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة قالت باندور في خطاب علني 'نحن لم نلتق الشعب الفلسطيني في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لقد كنا معا في النضال لعقود عديدة. شعب فلسطين هو من درّب مقاتلي الحرية في حركة التحرير.. إنها قضية عدالة، قضية رفض للاستعمار والعنصرية'.
يبقى الدور الأبرز لباندور في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والإخلال بالتزاماتها الدولية تجاه ميثاق الأمم المتحدة، ضمن خطوات أخرى رافضة للحرب على غزة من بينها تصويت البرلمان على قطع العلاقات مع إسرائيل في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فقد كان ذروة توهجها وسطوع نجمها على المستوى العالمي، حيث قادت الفريق السياسي/القانوني لبلادها إلى لاهاي. وأصبحت رمزا دوليا لمناهضة العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي أحدث حلقات سياسة دولة جنوب أفريقيا ونهجها الثابت تجاه قضية فلسطين، كشفت ناليدي باندور، خلال مؤتمر لدعم الفلسطينيين عقد في مسجد القدس في كيب تاون في 13 مارس/آذار 2024 عن استعداد بلادها لاعتقال مزدوجي الجنسية من مواطنيها الذين يخدمون في قوات الجيش الإسرائيلي عند عودتهم إلى البلاد. ونقل عن باندور قولها 'لقد أصدرت بالفعل بيانا لتحذير أولئك الذين هم من جنوب أفريقيا، والذين يقاتلون جنبا إلى جنب مع قوات الجيش الإسرائيلي، أو في صفوفه، نحن مستعدون، عندما تعودون إلى الوطن، سوف نعتقلكم'.
ومنذ توليها حقيبة الخارجية عرفت بمواقفها الصارمة، منها رفضها اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته لجنوب أفريقيا، متحدية محكمة الجنائية الدولية، مما جعل علاقة جنوب أفريقيا وروسيا تتعاظم، لتنبثق عن قوة المجموعة الاقتصادية الدولية 'بريكس'. وانتقدت باندور وقتها المحكمة الجنائية الدولية لعدم وجود ما أسمته 'نهجا عادلا' تجاه جميع القادة المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي.
نجمة القدس
حصلت باندور على وسام 'نجمة القدس الكبرى' عام 2022، بينما كانت تحيي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في حديقة الاستقلال في العاصمة الجنوب أفريقية بريتوريا.
وذكرت السفيرة الفلسطينية في جنوب أفريقيا حينها حنان جرار أن منح الوسام للوزيرة 'كونها تكمل مسيرة نيلسون مانديلا التضامنية مع عدالة قضيتنا، ولها مواقف مشرفة من اعتبار إسرائيل دولة أبارتهايد وإيمانها بأنه لا مكان لإسرائيل في الاتحاد الأفريقي طالما بقيت دولة احتلال عنصري'.
يشار إلى أن القول بأن النضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا كان مصدرا إلهام للمقاومة الفلسطينية لم يكن أمرا مجازيا. فبعد أسبوعين فقط من إطلاق سراحه من السجن عام 1990، سافر المناضل والزعيم نيلسون مانديلا إلى زامبيا للقاء القادة الذين دعموا الكفاح ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ومن بين أبرزهم كان الرئيس الفلسطيني الراحل 'ياسر عرفات'. وجعل مانديلا الذي توفي في 2013 عن (95 عاما)، من قيام دولة فلسطينية إحدى قضاياه الدولية الرئيسية عندما أصبح أول رئيس أسود لدولة جنوب أفريقيا. وكان يحرص على ارتداء الكوفية الفلسطينية في عدد من المناسبات المهمة تعبيرا عن دعمه للقضية.
يذكر أيضا أن تحالفا سياسيا وعسكريا كان قائما بالفعل بين كلّ من إسرائيل وحكومة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، رغم الإدانة الإسرائيلية العلنية لسياسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وذلك خلال سبعينيات القرن الماضي، في ظل حكومة إسحاق رابين، وقد لعب شيمون بيريز وزير الدفاع في ذلك الوقت دورا أساسيا في هذه العلاقة، بوصفه مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي عبر اجتماعات سرية عُقدت في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وأسفرت عن عدد من الصفقات العسكرية منها عرض إسرائيل بيع رؤوس نووية لجنوب أفريقيا.
عن تلك الحقبة يورد الصحفي الفرنسي المعروف آلان غريش في كتابه المعنون 'علام نطلق اسم فلسطين؟' نصا أورده شاعر جنوب أفريقيا المناهض للفصل العنصري برايتن بريتنباخ يقول فيه'يا له من تماه عجيب ذلك الذي يشعر فيه البيض في جنوب أفريقيا تجاه إسرائيل. فقد شهدت هذه الأرض تيارا قويا يناهض السامية. ففي جميع الأحوال، يعد القادة الحاليون على رأس نظام الفصل العنصري ثمرة المفكرين الموالين للنازية والمتحدرين منها. وعلى الرغم من ذلك، فهم يكنون إعجابا عظيما بإسرائيل التي صارت الشريك السياسي والعسكري في التحالف بين الدول المنبوذة'.
على النقيض من ذلك اتخذت حكومة جنوب أفريقيا المتحررة من نظام الفصل العنصري مواقف تجاه قضية فلسطين لخصتها باندور نفسها في غير مناسبة. فقد قالت في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2022 خلال لقاء مع السفيرة الفلسطينية في بريتوريا حنان جرار حيث تسلمت وساما منحه لها الرئيس محمود عباس 'يجب تطبيق العدل بتنفيذ كافة جوانب القانون الدولي في حل الصراع وفقا لما تراه جنوب أفريقيا وكافة الدول المحبة للعدل والسلام في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ولها مكانتها الدولية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 في وحدة جغرافية واحدة غير مجزأة، واقتصاد مستتب ومستقل تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، ويجب عودة اللاجئين وصيانة جميع حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وغير القابلة للتصرف سواء داخل فلسطين أو في الشتات'.
اخبار اليوم - 'أرسل لي أحد زملائي الوزراء بلاغا مفاده أن إسرائيل وصفتنا بأننا الذراع القانونية لحركة حماس.. كانوا يقولون أيضا بأني أتلقى أوامر من إيران، وأنني من داعمي داعش.. هذه بعض الأخبار الزائفة والإهانات التي يجري ترويجها، حتى إنهم طالوا عائلتي ووصلوا إلى زوجي وأولادي'.
هكذا لخصت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون الدولي (وزارة الخارجية) في جنوب أفريقيا غريس ناليدي باندور سلوك الجماعات الموالية لإسرائيل معها ومع أسرتها في الثامن من فبراير/شباط الماضي، بعد إصدار محكمة العدل الدولية في 26 يناير/كانون الثاني الماضي حكما يدعو إسرائيل إلى بذل كل ما بوسعها لمنع الموت والدمار وأي أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة في سابقة تاريخية.
واكتسبت هذه القضية أهميتها لكونها المرة الأولى في التاريخ التي تُقاضَى فيها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، خلال محاكمة برزت فيها إلى جانب باندور سيدة مسلمة أخرى من جنوب أفريقيا هي عديلة هاشم، وهي ناشطة حقوقية معروفة ومناصرة للقضية الفلسطينية.
وقبل أن تشغل منصب المسؤول التنفيذي الأول عن السياسة الخارجية لبلادها في 30 مايو/أيار 2019، بعد وصول الرئيس سيريل رامافوزا إلى السلطة في البلاد، كانت تلك السيدة السمراء ذات الـ71 عاما قد تولت مناصب، شملت حقيبتي التعليم والعلوم والتكنولوجيا والداخلية استنادا إلى قضائها جل عمرها في قطاع التعليم، معلمة وأستاذة جامعية.
ولم تكن مواقف باندور ذات الشخصية التي توصف بالصلابة والحدة، منقطعة عن إرثها الأسري، فخلف هذه السيدة إرث كبير استلهمته من والدها جو ماثيو الذي كان رفيق المناضل الأفريقي الكبير نيلسون مانديلا وعضوا بارزا في 'المؤتمر الوطني الأفريقي'، وقد انتخب عضوا في الجمعية الوطنية لجنوب أفريقيا.
روافد القوة
ولدت الوزيرة الجنوب أفريقية في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1953، واشتغلت بالعمل الأكاديمي، ثم طرقت باب السياسة من خلال العمل التشريعي مستلهمة تجربة مانديلا، ففتح لها على مصراعيه، وبعد لقاء ناليدي أو 'نادية' بزوجها المسلم شريف جوزيف باندور في بوتسوانا عام 1977، اعتنقت الإسلام، وأصبحت روافد قوتها أكبر، وكذلك إيمانها بالقضايا العادلة.
أصبحت باندور عضوا في البرلمان عام 1994 عن حزب 'المؤتمر الوطني الأفريقي' (حزب مانديلا الحاكم منذ نهاية عهد الفصل العنصري). وكانت تجربتها التعليمية رافدا لشخصية سياسية قوية تشبعت بالتقاليد الأكاديمية.
وفي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تدرجت سريعا، فسرعان ما أصبحت نائبة رئيس كتلة الحزب في البرلمان عام 1995، ثم صعدت مع سلم الترقي مرة أخرى حين انتخبت نائبة لرئيس المجلس الوطني للمقاطعات عام 1998، وأصبحت رئيسة له في العام التالي.
وفي عام 2004، دخلت باندور إلى مجلس الوزراء لأول مرة وزيرة للتعليم، وهو المنصب الذي بقيت فيه حتى 2009، ثم وزيرة للعلوم والتكنولوجيا حتى 2012، ثم تولت حقيبة الداخلية، قبل أن تتركها بعد عامين عائدة إلى العلوم والتكنولوجيا، ومنها إلى التعليم العالي لعام واحد، لتجلس على كرسي الدبلوماسية، وزيرة للخارجية منذ عام 2019.
وأضافت 'موقف جنوب أفريقيا وموقفي الشخصي الملتصق به ليس معاديا للسامية أو كرها لإسرائيل، لكن ذلك نتيجة للجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الإنسانية من خلال اضطهادها للفلسطينيين، واستمرار مسلسل القتل والاستيطان، وفرض المعاناة الحياتية اليومية وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة، واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، حيث تمتد هذه المعاناة لتطال الفلسطينيين داخل إسرائيل'.
وبعد بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة قالت باندور في خطاب علني 'نحن لم نلتق الشعب الفلسطيني في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لقد كنا معا في النضال لعقود عديدة. شعب فلسطين هو من درّب مقاتلي الحرية في حركة التحرير.. إنها قضية عدالة، قضية رفض للاستعمار والعنصرية'.
يبقى الدور الأبرز لباندور في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والإخلال بالتزاماتها الدولية تجاه ميثاق الأمم المتحدة، ضمن خطوات أخرى رافضة للحرب على غزة من بينها تصويت البرلمان على قطع العلاقات مع إسرائيل في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فقد كان ذروة توهجها وسطوع نجمها على المستوى العالمي، حيث قادت الفريق السياسي/القانوني لبلادها إلى لاهاي. وأصبحت رمزا دوليا لمناهضة العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي أحدث حلقات سياسة دولة جنوب أفريقيا ونهجها الثابت تجاه قضية فلسطين، كشفت ناليدي باندور، خلال مؤتمر لدعم الفلسطينيين عقد في مسجد القدس في كيب تاون في 13 مارس/آذار 2024 عن استعداد بلادها لاعتقال مزدوجي الجنسية من مواطنيها الذين يخدمون في قوات الجيش الإسرائيلي عند عودتهم إلى البلاد. ونقل عن باندور قولها 'لقد أصدرت بالفعل بيانا لتحذير أولئك الذين هم من جنوب أفريقيا، والذين يقاتلون جنبا إلى جنب مع قوات الجيش الإسرائيلي، أو في صفوفه، نحن مستعدون، عندما تعودون إلى الوطن، سوف نعتقلكم'.
ومنذ توليها حقيبة الخارجية عرفت بمواقفها الصارمة، منها رفضها اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته لجنوب أفريقيا، متحدية محكمة الجنائية الدولية، مما جعل علاقة جنوب أفريقيا وروسيا تتعاظم، لتنبثق عن قوة المجموعة الاقتصادية الدولية 'بريكس'. وانتقدت باندور وقتها المحكمة الجنائية الدولية لعدم وجود ما أسمته 'نهجا عادلا' تجاه جميع القادة المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي.
نجمة القدس
حصلت باندور على وسام 'نجمة القدس الكبرى' عام 2022، بينما كانت تحيي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في حديقة الاستقلال في العاصمة الجنوب أفريقية بريتوريا.
وذكرت السفيرة الفلسطينية في جنوب أفريقيا حينها حنان جرار أن منح الوسام للوزيرة 'كونها تكمل مسيرة نيلسون مانديلا التضامنية مع عدالة قضيتنا، ولها مواقف مشرفة من اعتبار إسرائيل دولة أبارتهايد وإيمانها بأنه لا مكان لإسرائيل في الاتحاد الأفريقي طالما بقيت دولة احتلال عنصري'.
يشار إلى أن القول بأن النضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا كان مصدرا إلهام للمقاومة الفلسطينية لم يكن أمرا مجازيا. فبعد أسبوعين فقط من إطلاق سراحه من السجن عام 1990، سافر المناضل والزعيم نيلسون مانديلا إلى زامبيا للقاء القادة الذين دعموا الكفاح ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ومن بين أبرزهم كان الرئيس الفلسطيني الراحل 'ياسر عرفات'. وجعل مانديلا الذي توفي في 2013 عن (95 عاما)، من قيام دولة فلسطينية إحدى قضاياه الدولية الرئيسية عندما أصبح أول رئيس أسود لدولة جنوب أفريقيا. وكان يحرص على ارتداء الكوفية الفلسطينية في عدد من المناسبات المهمة تعبيرا عن دعمه للقضية.
يذكر أيضا أن تحالفا سياسيا وعسكريا كان قائما بالفعل بين كلّ من إسرائيل وحكومة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، رغم الإدانة الإسرائيلية العلنية لسياسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وذلك خلال سبعينيات القرن الماضي، في ظل حكومة إسحاق رابين، وقد لعب شيمون بيريز وزير الدفاع في ذلك الوقت دورا أساسيا في هذه العلاقة، بوصفه مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي عبر اجتماعات سرية عُقدت في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وأسفرت عن عدد من الصفقات العسكرية منها عرض إسرائيل بيع رؤوس نووية لجنوب أفريقيا.
عن تلك الحقبة يورد الصحفي الفرنسي المعروف آلان غريش في كتابه المعنون 'علام نطلق اسم فلسطين؟' نصا أورده شاعر جنوب أفريقيا المناهض للفصل العنصري برايتن بريتنباخ يقول فيه'يا له من تماه عجيب ذلك الذي يشعر فيه البيض في جنوب أفريقيا تجاه إسرائيل. فقد شهدت هذه الأرض تيارا قويا يناهض السامية. ففي جميع الأحوال، يعد القادة الحاليون على رأس نظام الفصل العنصري ثمرة المفكرين الموالين للنازية والمتحدرين منها. وعلى الرغم من ذلك، فهم يكنون إعجابا عظيما بإسرائيل التي صارت الشريك السياسي والعسكري في التحالف بين الدول المنبوذة'.
على النقيض من ذلك اتخذت حكومة جنوب أفريقيا المتحررة من نظام الفصل العنصري مواقف تجاه قضية فلسطين لخصتها باندور نفسها في غير مناسبة. فقد قالت في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2022 خلال لقاء مع السفيرة الفلسطينية في بريتوريا حنان جرار حيث تسلمت وساما منحه لها الرئيس محمود عباس 'يجب تطبيق العدل بتنفيذ كافة جوانب القانون الدولي في حل الصراع وفقا لما تراه جنوب أفريقيا وكافة الدول المحبة للعدل والسلام في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ولها مكانتها الدولية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 في وحدة جغرافية واحدة غير مجزأة، واقتصاد مستتب ومستقل تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، ويجب عودة اللاجئين وصيانة جميع حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وغير القابلة للتصرف سواء داخل فلسطين أو في الشتات'.
التعليقات