د. حازم رحاحلة
بدون أدنى شك، يعد مشروع الناقل الوطني أولوية استراتيجية قصوى للمملكة ورافعا مهما لحالة التباطؤ الاقتصادي التي نعاني منها منذ سنوات. لكن للأسف، تقدم المشروع كان بوتيرة بطيئة ربما بسبب غياب الرؤية والإرادة الاستراتيجية لدى الحكومة، وربما لم نكن جاهزين بتصور متكامل ومتين لهذا المشروع، الشيء الذي افضى الى صرف نظر العديد من المستثمرين العالميين في التقدم لهذا المشروع. توجيهات جلالة الملك كانت واضحة منذ فترة والتي اكدت على ضرورة التسريع بالمشروع لضمان توفير مصادر مستدامة للمياه لسكان المملكة، لكن على ما يبدو أن عقبات ما تزال تعيق التقدم به.
ربما المحذور الأساسي الذي اصبح حاضرا وبقوة في خضم بطء العمل بهذا المشروع، ورغبة الحكومة بتنفيذه استجابة للالتزامات التي تقع على عاتقها في ضوء تأخرها في السير قدما به، يكمن في التوصل الى شروط تعاقدية مجحفة مع المستثمر الوحيد الذي تقدم للمنافسة على هذا المشروع، وهنا نكون امام 'عطارات' جديد سيتحمل الجيل الحالي والاجيال القادمة تبعاته واعباءه المالية والاستراتيجية. هذا بالإضافة الى ان القبول بشركة وحيدة تقدمت لهذا العطاء هي إشكالية كبيرة بحد ذاتها وقد يترتب عليها شروط تعاقدية صعبة وكلف مالية مستقبلية كبيرة.
بداية، كان من الضروري ان يتم التفكير بالبدائل الأخرى لتنفيذ المشروع وضمان الامدادات المستدامة للمياه خلال المراحل الأولى من المشروع. يمكن أن تشمل هذه البدائل آليات تمويله وجهات تنفيذه وربما أيضا النموذج الذي بني على أساسه، كقناة البحرين على سبيل المثال، التي تحمل عوائد اقتصادية واجتماعية واستراتيجية قد تتجاوز بكثير المرجوة من الناقل الوطني، والانطباع السائد حولها يتمحور حول كلفها المتوقعة دون وجود دراسات منهجية توازن بين هذه الكلف والعوائد المتوقعة منها. وفي هذا المجال، فقد سبق وان تم خلال اجتماع لمجلس إدارة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي مناقشة المشاركة الممكنة للصندوق في مشروع الناقل الوطني، وتم التأكيد على ضرورة ان تكون بحدها الأقصى، لما لهذا المشروع من أهمية تنموية واستراتيجية وعوائد مضمونة ومستدامة للصندوق، فهذا المشروع ينطبق عليه مفهوم الاحتكار الطبيعي بشكل واضح الذي لا يمكن ان يلقى اي منافسة والطلب على خدماته مضمونة، وحتى ان كانت الشروط التعاقدية التي تنطوي عليه مجحفة للحكومة، فالمستفيدون هم مشتركو ومتقاعدو الضمان الاجتماعي الذين يشكلون غالبية المجتمع الأردني. الحجة التي قدمت تجاه هذه الفكرة آنذاك تمثلت بالمخاوف المرتبطة بزيادة حصة الصندوق وما يمكن ان ينجم عنها من إدارة غير فعّالة للمشروع. وهنا، يتوجب التمييز بين الملكية من جهة وإدارة وعمليات المشروع اليومية من جهة أخرى والتي يمكن فصلهما بشكل كاملة، فمن الممكن تنظيم الملكية الحكومية 'او ملكية الصندوق' وبطريقة تضمن إدارة فعالة من القطاع الخاص من ذوي الخبرة في هذا المجال وفي الوقت نفسه تحقيق المصلحة الوطنية. وربما هذا المنطق نفسه الذي حال دون المشاركة في مشاريع وطنية سابقة كمشروع نقل مياه الديسي وتطوير مطار الملكة علياء، وغيره من المشاريع الاستراتيجية التي كان من الممكن ان يكون للصندوق حضور قوي فيها لتعظيم عوائد استثماراته وتقليل من حجم الأرباح المحولة للخارج والتي تجنيها الشركات الأجنبية من مثل هذه المشاريع الكبرى.
المسألة الأخرى التي يتوجب الالتفات اليها ترتبط بمسألة الهيكل التمويلي للمشروع والذي يجب ان يركز بشكل أساسي على الملكية اكثر من الاقتراض، لانه وببساطة تعتبر كلف الاقتراض الحالية المحلية والعالمية هي الأعلى على مدار عقدين من الزمن. واي التزام اقتراضي في الفترة الحالية سيرتب على المشروع كلف تمويلية عالية ستنعكس في المحصلة على تعرفة المياه أو/و الخزينة العامة تماما كما هو حاصل في التجربة المريرة لمشروع عطارات. هذا فضلا عن الضغوط المستقبلية الإضافية على ميزان المدفوعات والاحتياطيات من العملات الأجنبية في حال تم اللجوء الى القروض الأجنبية، شأنها شأن الية تمويل عجز الموازنة الذي استند الى منظور تزييني قصير الأمد بغض النظر على التبعات المستقبلية.
وترتيبا على ذلك، يتوجب على الحكومة أن تعمل على تحقيق الأولويات الوطنية دون تلكؤ والبحث في نماذج تمويل وتشغيل بديلة لمشروع الناقل الوطني. وهناك تقرير اعد سابقا وبتوجيه ملكي لتقييم تجربة المملكة في التخاصية وهناك من الدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها لإعداد تصور متين لهذا المشروع، ونتمنى على الحكومة تخصيص جزء من وقتها لمراجعة هذا التقرير ومحاولة الاستفادة منها. فيما يتعلق بالخيارات فمساهمة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي يعد استثمارا ربحيا للصندوق وخيارا استراتيجيا للمملكة.
د. حازم رحاحلة
بدون أدنى شك، يعد مشروع الناقل الوطني أولوية استراتيجية قصوى للمملكة ورافعا مهما لحالة التباطؤ الاقتصادي التي نعاني منها منذ سنوات. لكن للأسف، تقدم المشروع كان بوتيرة بطيئة ربما بسبب غياب الرؤية والإرادة الاستراتيجية لدى الحكومة، وربما لم نكن جاهزين بتصور متكامل ومتين لهذا المشروع، الشيء الذي افضى الى صرف نظر العديد من المستثمرين العالميين في التقدم لهذا المشروع. توجيهات جلالة الملك كانت واضحة منذ فترة والتي اكدت على ضرورة التسريع بالمشروع لضمان توفير مصادر مستدامة للمياه لسكان المملكة، لكن على ما يبدو أن عقبات ما تزال تعيق التقدم به.
ربما المحذور الأساسي الذي اصبح حاضرا وبقوة في خضم بطء العمل بهذا المشروع، ورغبة الحكومة بتنفيذه استجابة للالتزامات التي تقع على عاتقها في ضوء تأخرها في السير قدما به، يكمن في التوصل الى شروط تعاقدية مجحفة مع المستثمر الوحيد الذي تقدم للمنافسة على هذا المشروع، وهنا نكون امام 'عطارات' جديد سيتحمل الجيل الحالي والاجيال القادمة تبعاته واعباءه المالية والاستراتيجية. هذا بالإضافة الى ان القبول بشركة وحيدة تقدمت لهذا العطاء هي إشكالية كبيرة بحد ذاتها وقد يترتب عليها شروط تعاقدية صعبة وكلف مالية مستقبلية كبيرة.
بداية، كان من الضروري ان يتم التفكير بالبدائل الأخرى لتنفيذ المشروع وضمان الامدادات المستدامة للمياه خلال المراحل الأولى من المشروع. يمكن أن تشمل هذه البدائل آليات تمويله وجهات تنفيذه وربما أيضا النموذج الذي بني على أساسه، كقناة البحرين على سبيل المثال، التي تحمل عوائد اقتصادية واجتماعية واستراتيجية قد تتجاوز بكثير المرجوة من الناقل الوطني، والانطباع السائد حولها يتمحور حول كلفها المتوقعة دون وجود دراسات منهجية توازن بين هذه الكلف والعوائد المتوقعة منها. وفي هذا المجال، فقد سبق وان تم خلال اجتماع لمجلس إدارة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي مناقشة المشاركة الممكنة للصندوق في مشروع الناقل الوطني، وتم التأكيد على ضرورة ان تكون بحدها الأقصى، لما لهذا المشروع من أهمية تنموية واستراتيجية وعوائد مضمونة ومستدامة للصندوق، فهذا المشروع ينطبق عليه مفهوم الاحتكار الطبيعي بشكل واضح الذي لا يمكن ان يلقى اي منافسة والطلب على خدماته مضمونة، وحتى ان كانت الشروط التعاقدية التي تنطوي عليه مجحفة للحكومة، فالمستفيدون هم مشتركو ومتقاعدو الضمان الاجتماعي الذين يشكلون غالبية المجتمع الأردني. الحجة التي قدمت تجاه هذه الفكرة آنذاك تمثلت بالمخاوف المرتبطة بزيادة حصة الصندوق وما يمكن ان ينجم عنها من إدارة غير فعّالة للمشروع. وهنا، يتوجب التمييز بين الملكية من جهة وإدارة وعمليات المشروع اليومية من جهة أخرى والتي يمكن فصلهما بشكل كاملة، فمن الممكن تنظيم الملكية الحكومية 'او ملكية الصندوق' وبطريقة تضمن إدارة فعالة من القطاع الخاص من ذوي الخبرة في هذا المجال وفي الوقت نفسه تحقيق المصلحة الوطنية. وربما هذا المنطق نفسه الذي حال دون المشاركة في مشاريع وطنية سابقة كمشروع نقل مياه الديسي وتطوير مطار الملكة علياء، وغيره من المشاريع الاستراتيجية التي كان من الممكن ان يكون للصندوق حضور قوي فيها لتعظيم عوائد استثماراته وتقليل من حجم الأرباح المحولة للخارج والتي تجنيها الشركات الأجنبية من مثل هذه المشاريع الكبرى.
المسألة الأخرى التي يتوجب الالتفات اليها ترتبط بمسألة الهيكل التمويلي للمشروع والذي يجب ان يركز بشكل أساسي على الملكية اكثر من الاقتراض، لانه وببساطة تعتبر كلف الاقتراض الحالية المحلية والعالمية هي الأعلى على مدار عقدين من الزمن. واي التزام اقتراضي في الفترة الحالية سيرتب على المشروع كلف تمويلية عالية ستنعكس في المحصلة على تعرفة المياه أو/و الخزينة العامة تماما كما هو حاصل في التجربة المريرة لمشروع عطارات. هذا فضلا عن الضغوط المستقبلية الإضافية على ميزان المدفوعات والاحتياطيات من العملات الأجنبية في حال تم اللجوء الى القروض الأجنبية، شأنها شأن الية تمويل عجز الموازنة الذي استند الى منظور تزييني قصير الأمد بغض النظر على التبعات المستقبلية.
وترتيبا على ذلك، يتوجب على الحكومة أن تعمل على تحقيق الأولويات الوطنية دون تلكؤ والبحث في نماذج تمويل وتشغيل بديلة لمشروع الناقل الوطني. وهناك تقرير اعد سابقا وبتوجيه ملكي لتقييم تجربة المملكة في التخاصية وهناك من الدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها لإعداد تصور متين لهذا المشروع، ونتمنى على الحكومة تخصيص جزء من وقتها لمراجعة هذا التقرير ومحاولة الاستفادة منها. فيما يتعلق بالخيارات فمساهمة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي يعد استثمارا ربحيا للصندوق وخيارا استراتيجيا للمملكة.
د. حازم رحاحلة
بدون أدنى شك، يعد مشروع الناقل الوطني أولوية استراتيجية قصوى للمملكة ورافعا مهما لحالة التباطؤ الاقتصادي التي نعاني منها منذ سنوات. لكن للأسف، تقدم المشروع كان بوتيرة بطيئة ربما بسبب غياب الرؤية والإرادة الاستراتيجية لدى الحكومة، وربما لم نكن جاهزين بتصور متكامل ومتين لهذا المشروع، الشيء الذي افضى الى صرف نظر العديد من المستثمرين العالميين في التقدم لهذا المشروع. توجيهات جلالة الملك كانت واضحة منذ فترة والتي اكدت على ضرورة التسريع بالمشروع لضمان توفير مصادر مستدامة للمياه لسكان المملكة، لكن على ما يبدو أن عقبات ما تزال تعيق التقدم به.
ربما المحذور الأساسي الذي اصبح حاضرا وبقوة في خضم بطء العمل بهذا المشروع، ورغبة الحكومة بتنفيذه استجابة للالتزامات التي تقع على عاتقها في ضوء تأخرها في السير قدما به، يكمن في التوصل الى شروط تعاقدية مجحفة مع المستثمر الوحيد الذي تقدم للمنافسة على هذا المشروع، وهنا نكون امام 'عطارات' جديد سيتحمل الجيل الحالي والاجيال القادمة تبعاته واعباءه المالية والاستراتيجية. هذا بالإضافة الى ان القبول بشركة وحيدة تقدمت لهذا العطاء هي إشكالية كبيرة بحد ذاتها وقد يترتب عليها شروط تعاقدية صعبة وكلف مالية مستقبلية كبيرة.
بداية، كان من الضروري ان يتم التفكير بالبدائل الأخرى لتنفيذ المشروع وضمان الامدادات المستدامة للمياه خلال المراحل الأولى من المشروع. يمكن أن تشمل هذه البدائل آليات تمويله وجهات تنفيذه وربما أيضا النموذج الذي بني على أساسه، كقناة البحرين على سبيل المثال، التي تحمل عوائد اقتصادية واجتماعية واستراتيجية قد تتجاوز بكثير المرجوة من الناقل الوطني، والانطباع السائد حولها يتمحور حول كلفها المتوقعة دون وجود دراسات منهجية توازن بين هذه الكلف والعوائد المتوقعة منها. وفي هذا المجال، فقد سبق وان تم خلال اجتماع لمجلس إدارة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي مناقشة المشاركة الممكنة للصندوق في مشروع الناقل الوطني، وتم التأكيد على ضرورة ان تكون بحدها الأقصى، لما لهذا المشروع من أهمية تنموية واستراتيجية وعوائد مضمونة ومستدامة للصندوق، فهذا المشروع ينطبق عليه مفهوم الاحتكار الطبيعي بشكل واضح الذي لا يمكن ان يلقى اي منافسة والطلب على خدماته مضمونة، وحتى ان كانت الشروط التعاقدية التي تنطوي عليه مجحفة للحكومة، فالمستفيدون هم مشتركو ومتقاعدو الضمان الاجتماعي الذين يشكلون غالبية المجتمع الأردني. الحجة التي قدمت تجاه هذه الفكرة آنذاك تمثلت بالمخاوف المرتبطة بزيادة حصة الصندوق وما يمكن ان ينجم عنها من إدارة غير فعّالة للمشروع. وهنا، يتوجب التمييز بين الملكية من جهة وإدارة وعمليات المشروع اليومية من جهة أخرى والتي يمكن فصلهما بشكل كاملة، فمن الممكن تنظيم الملكية الحكومية 'او ملكية الصندوق' وبطريقة تضمن إدارة فعالة من القطاع الخاص من ذوي الخبرة في هذا المجال وفي الوقت نفسه تحقيق المصلحة الوطنية. وربما هذا المنطق نفسه الذي حال دون المشاركة في مشاريع وطنية سابقة كمشروع نقل مياه الديسي وتطوير مطار الملكة علياء، وغيره من المشاريع الاستراتيجية التي كان من الممكن ان يكون للصندوق حضور قوي فيها لتعظيم عوائد استثماراته وتقليل من حجم الأرباح المحولة للخارج والتي تجنيها الشركات الأجنبية من مثل هذه المشاريع الكبرى.
المسألة الأخرى التي يتوجب الالتفات اليها ترتبط بمسألة الهيكل التمويلي للمشروع والذي يجب ان يركز بشكل أساسي على الملكية اكثر من الاقتراض، لانه وببساطة تعتبر كلف الاقتراض الحالية المحلية والعالمية هي الأعلى على مدار عقدين من الزمن. واي التزام اقتراضي في الفترة الحالية سيرتب على المشروع كلف تمويلية عالية ستنعكس في المحصلة على تعرفة المياه أو/و الخزينة العامة تماما كما هو حاصل في التجربة المريرة لمشروع عطارات. هذا فضلا عن الضغوط المستقبلية الإضافية على ميزان المدفوعات والاحتياطيات من العملات الأجنبية في حال تم اللجوء الى القروض الأجنبية، شأنها شأن الية تمويل عجز الموازنة الذي استند الى منظور تزييني قصير الأمد بغض النظر على التبعات المستقبلية.
وترتيبا على ذلك، يتوجب على الحكومة أن تعمل على تحقيق الأولويات الوطنية دون تلكؤ والبحث في نماذج تمويل وتشغيل بديلة لمشروع الناقل الوطني. وهناك تقرير اعد سابقا وبتوجيه ملكي لتقييم تجربة المملكة في التخاصية وهناك من الدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها لإعداد تصور متين لهذا المشروع، ونتمنى على الحكومة تخصيص جزء من وقتها لمراجعة هذا التقرير ومحاولة الاستفادة منها. فيما يتعلق بالخيارات فمساهمة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي يعد استثمارا ربحيا للصندوق وخيارا استراتيجيا للمملكة.
التعليقات