لملمَ الجيش الإسرائيلي شتات نفسه بعد أن هبَّ في بادئ الأمر على نحو فوضوي لصد هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وردّ بتنفيذ ضربات جوية على الطرق والمباني ومواقع أخرى في غزة، مع إرسال تعزيزات ضخمة إلى القطاع.
وتبدو تعبئة الجيش الإسرائيلي وقصفه مألوفين، إلى حد يُنذر بالشؤم لكثير من 2.3 مليون نسمة، هم سكان قطاع غزة، الذي انسحبت منه القوات الإسرائيلية في 2005، إذ يبدوان تمهيداً لاجتياح بري، ربما يماثل، إن لم يتخطَّ، توغلي إسرائيل في 2008 و2014.
وقال مصدر أمني إسرائيلي لرويترز إن الهجوم البري بات الآن محتوماً.
وقال يامن حمد: “الناس تخوفت أن القصف قرب الحدود هو عبارة عن تكتيك بهدف خلق ما يسمى بسياسة الأرض المحروقة، قبل أن تتحرك الدبابات للداخل”. وحمد والد لأربعة أبناء فرّوا مع أسرته وآخرين من بيت حانون، بالقرب من حدود غزة الشمالية، حيث جعلت الحفر الناجمة عن القصف السير على الطرق مستحيلاً، وحيث تحولت المباني القريبة إلى أنقاض.
جيش الاحتلال استغرق 48 ساعة لاستعادة توازنه للرد على عملية أخذت أقوى جيوش الشرق الأوسط على حين غرة
وقالت مصادر أمنية إسرائيلية إن الجيش استغرق 48 ساعة لاستعادة توازنه وصدّ المتسللين وتصفية مقاتلي “حماس” من بلدات اجتاحوها، يوم السبت، في عملية أخذت أقوى جيوش الشرق الأوسط على حين غرة.
قتل مسلحو “حماس” أكثر من ألف إسرائيلي واحتجزوا العشرات رهائن، في تحرك يحتمل أن يعقّد أي رد إسرائيلي، وذلك بالاستعانة بحملة تضليل معلوماتي، وبالاعتماد على الدراجات النارية والمظلات ومعدات أساسية أخرى.
لكن رد إسرائيل كان عنيفاً. فقد أشارت أرقام الأمم المتحدة إلى أن حصيلة الشهداء جراء الضربات الجوية على غزة بلغت 830 على الأقل، أمس الثلاثاء، وتحول أكثر من 180 ألفاً إلى مشردين.
وقال مصدر أمني إسرائيلي، طلب عدم ذكر اسمه مثل آخرين، إنه يعتقد بأن الاجتياح البري الإسرائيلي “لا يمكن تفاديه، بسبب الثمن الباهظ الذي دفعناه. سيكون هذا بعد الضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو”.
لا يمكنكم الدخول فحسب
ذكر المصدر أن الهدف هو “إضعاف الطرف الآخر، وفي غضون هذا جعْل الأفراد يفرّون (من المناطق المكدسة). ويتعلق الأمر أيضاً بحجم القوة والإستراتيجية وعنصر المفاجأة. لا يمكنكم الدخول فحسب”.
وكان تدمير الطرق أسلوباً معتاداً في التمهيد للهجوميين الإسرائيليين البريين السابقين على غزة، بالإضافة إلى تشويش الاتصالات، وعرقلة حركة “حماس” وجماعات مسلحة أخرى. يقول سكان إنه عند دخول إسرائيل، فإن جرافات قواتها غالباً ما تعبّد مسارات جديدة لتتفادى مركباتها الألغام الأرضية في الطرق الحالية.
لكن إرسال القوات إلى بيئة حضرية مكتظة بالسكان ليس بالخيار السهل، على الرغم من توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “بانتقام ساحق” رداً على حصيلة القتلى الضخمة التي أنزلها مقاتلو “حماس” بإسرائيل، في أسوأ اختراق لدفاعاتها المنيعة، منذ حرب أكتوبر تشرين الأول 1973 أمام جيوش عربية.
وقال جيورا إيلاند، المستشار السابق للأمن القومي الاسرائيلي إن الضربات الجوية على غزة “بدت مماثلة للغاية للعمليات الإسرائيلية السابقة”، لكن هذه الأساليب لم تردع “حماس” في الماضي.
مصدر أمني إسرائيلي يعتقد بأن الاجتياح البري الإسرائيلي لا يمكن تفاديه، بسبب الثمن الباهظ
وذكر إيلاند أن الهجوم البري قد يكون أكثر فعالية في قتل مسلحي “حماس” وتدمير سلسلة قيادتهم، لكنه أضاف: “ما تزال الحكومة مترددة في اتخاذ هذه المبادرة، لأنها قد تنطوي على سقوط قتلى إسرائيليين أكثر بكثير”.
وتقوّض الحرب في المدن تفوق إسرائيل العسكري الساحق، إذ تضعها في مواجهة حركة متمرسة في المعارك، بسبب خوضها صراعات سابقة، وجيدة التسليح بدعم من إيران. واستغرقت الحركة، التي سيطرت على غزة في 2007، سنوات أيضاً لبناء شبكة من الأنفاق التي تساعد المقاتلين في التواري عن الأنظار. وأحياناً تطلق القوات الإسرائيلية على شبكة الأنفاق اسم “مترو غزة”.
في 2008، فقدت إسرائيل تسعة جنود خلال توغلها في غزة. وفي 2014، زاد عدد القتلى إلى 66.
لكن “حماس” في هذه المرة احتجزت أيضاً العشرات من الأسرى، خلال عملية السابع من أكتوبر تشرين الأول، وبعض الأسرى من الجنود، وكثير منهم من المدنيين. ويمثل ذلك تحدياً ضخماً لأمة عقيدتها عدم التخلي عن أحد. وفي 2011، وافقت إسرائيل على مبادلة المئات من السجناء الفلسطينيين مقابل جندي إسرائيلي وحيد هو جلعاد شاليط، الذي ظل محتجزاً خمس سنوات.
تدفع الثمن
قال طلال عوكل، المحلل المقيم في غزة، الذي يكتب لصحيفة “الأيام”: “إسرائيل تعلم مدى حجم الاستعداد لدى فصائل المقاومة وقدرتها على التعامل مع مثل التوغلات البرية”، قائلاً إن إسرائيل ربما تتردد في شن هجوم بري.
وأضاف: “هي تريد أن تدفع غزة الثمن، ولكني لا أعتقد أنها جاهزة لدفع أثمان إضافية إذا ما دخلت غزة”.
وحتى مع حشد إسرائيل قوات على حدود القطاع وتعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط، لم تقل الحكومة إذا ما كانت سترسل قوات أم لا.
وقال الميجر عمير دينار، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: “نهاجم بنية حماس التحتية، وسنهاجم بقوة وسنستمر في الهجوم”، وذلك عند سؤاله عن اجتياح بري محتمل. ولم يخض في التفاصيل.
ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارة الخارجية التعليق.
جنرال إسرائيلي: انهارت اتصالات الجنوب وقيادته ولم تكن ثمة اتصالات. استغرق فهم الصورة الكاملة وقتاً
ولم يكن متحدثان باسم “حماس” متاحين للتعليق على هذا الموضوع.
وقال مسؤول من أحد فصائل المقاومة طلب عدم ذكر اسمه: “في تاريخ، حقبة زمنية ما بين 2008، 2014 و ما بين 2023، لم تعد المقاومة قليلة العدة أو العتاد”.
وأضاف المسؤول: “نحن دائماً على جاهزية تامة، وإذا ما دفعت إسرائيل بمزيد من الجنود فمصيرهم سيكون إما جثثاً أو رهائن”.
وأثبتت “حماس” بالفعل أنها قوة أشرس وأكثر قدرة مما توقعت إسرائيل بشنّها هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وتمثل العملية الفلسطينية إخفاقاً مخابراتياً ذريعاً لإسرائيل، التي تتفاخر بقدرتها على اختراق صفوف المسلحين ومراقبتهم. وتكشف العملية أيضاً ضعف القيادة الجنوبية في إسرائيل.
وقال دافيد تسور، الرئيس السابق لشرطة الحدود الإسرائيلية، الذي قاد أيضاً وحدة “يمام” الخاصة لمكافحة الإرهاب: “انهارت اتصالات الجنوب وقيادته ولم تكن ثمة اتصالات. استغرق فهم الصورة الكاملة وقتاً”، لكنه قال إن القوات تعافت الآن.
وأضاف: “بمجرد تأهب جميع القوات، سيكون ثمة رد فعل ناجز”.
(رويترز)
لملمَ الجيش الإسرائيلي شتات نفسه بعد أن هبَّ في بادئ الأمر على نحو فوضوي لصد هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وردّ بتنفيذ ضربات جوية على الطرق والمباني ومواقع أخرى في غزة، مع إرسال تعزيزات ضخمة إلى القطاع.
وتبدو تعبئة الجيش الإسرائيلي وقصفه مألوفين، إلى حد يُنذر بالشؤم لكثير من 2.3 مليون نسمة، هم سكان قطاع غزة، الذي انسحبت منه القوات الإسرائيلية في 2005، إذ يبدوان تمهيداً لاجتياح بري، ربما يماثل، إن لم يتخطَّ، توغلي إسرائيل في 2008 و2014.
وقال مصدر أمني إسرائيلي لرويترز إن الهجوم البري بات الآن محتوماً.
وقال يامن حمد: “الناس تخوفت أن القصف قرب الحدود هو عبارة عن تكتيك بهدف خلق ما يسمى بسياسة الأرض المحروقة، قبل أن تتحرك الدبابات للداخل”. وحمد والد لأربعة أبناء فرّوا مع أسرته وآخرين من بيت حانون، بالقرب من حدود غزة الشمالية، حيث جعلت الحفر الناجمة عن القصف السير على الطرق مستحيلاً، وحيث تحولت المباني القريبة إلى أنقاض.
جيش الاحتلال استغرق 48 ساعة لاستعادة توازنه للرد على عملية أخذت أقوى جيوش الشرق الأوسط على حين غرة
وقالت مصادر أمنية إسرائيلية إن الجيش استغرق 48 ساعة لاستعادة توازنه وصدّ المتسللين وتصفية مقاتلي “حماس” من بلدات اجتاحوها، يوم السبت، في عملية أخذت أقوى جيوش الشرق الأوسط على حين غرة.
قتل مسلحو “حماس” أكثر من ألف إسرائيلي واحتجزوا العشرات رهائن، في تحرك يحتمل أن يعقّد أي رد إسرائيلي، وذلك بالاستعانة بحملة تضليل معلوماتي، وبالاعتماد على الدراجات النارية والمظلات ومعدات أساسية أخرى.
لكن رد إسرائيل كان عنيفاً. فقد أشارت أرقام الأمم المتحدة إلى أن حصيلة الشهداء جراء الضربات الجوية على غزة بلغت 830 على الأقل، أمس الثلاثاء، وتحول أكثر من 180 ألفاً إلى مشردين.
وقال مصدر أمني إسرائيلي، طلب عدم ذكر اسمه مثل آخرين، إنه يعتقد بأن الاجتياح البري الإسرائيلي “لا يمكن تفاديه، بسبب الثمن الباهظ الذي دفعناه. سيكون هذا بعد الضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو”.
لا يمكنكم الدخول فحسب
ذكر المصدر أن الهدف هو “إضعاف الطرف الآخر، وفي غضون هذا جعْل الأفراد يفرّون (من المناطق المكدسة). ويتعلق الأمر أيضاً بحجم القوة والإستراتيجية وعنصر المفاجأة. لا يمكنكم الدخول فحسب”.
وكان تدمير الطرق أسلوباً معتاداً في التمهيد للهجوميين الإسرائيليين البريين السابقين على غزة، بالإضافة إلى تشويش الاتصالات، وعرقلة حركة “حماس” وجماعات مسلحة أخرى. يقول سكان إنه عند دخول إسرائيل، فإن جرافات قواتها غالباً ما تعبّد مسارات جديدة لتتفادى مركباتها الألغام الأرضية في الطرق الحالية.
لكن إرسال القوات إلى بيئة حضرية مكتظة بالسكان ليس بالخيار السهل، على الرغم من توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “بانتقام ساحق” رداً على حصيلة القتلى الضخمة التي أنزلها مقاتلو “حماس” بإسرائيل، في أسوأ اختراق لدفاعاتها المنيعة، منذ حرب أكتوبر تشرين الأول 1973 أمام جيوش عربية.
وقال جيورا إيلاند، المستشار السابق للأمن القومي الاسرائيلي إن الضربات الجوية على غزة “بدت مماثلة للغاية للعمليات الإسرائيلية السابقة”، لكن هذه الأساليب لم تردع “حماس” في الماضي.
مصدر أمني إسرائيلي يعتقد بأن الاجتياح البري الإسرائيلي لا يمكن تفاديه، بسبب الثمن الباهظ
وذكر إيلاند أن الهجوم البري قد يكون أكثر فعالية في قتل مسلحي “حماس” وتدمير سلسلة قيادتهم، لكنه أضاف: “ما تزال الحكومة مترددة في اتخاذ هذه المبادرة، لأنها قد تنطوي على سقوط قتلى إسرائيليين أكثر بكثير”.
وتقوّض الحرب في المدن تفوق إسرائيل العسكري الساحق، إذ تضعها في مواجهة حركة متمرسة في المعارك، بسبب خوضها صراعات سابقة، وجيدة التسليح بدعم من إيران. واستغرقت الحركة، التي سيطرت على غزة في 2007، سنوات أيضاً لبناء شبكة من الأنفاق التي تساعد المقاتلين في التواري عن الأنظار. وأحياناً تطلق القوات الإسرائيلية على شبكة الأنفاق اسم “مترو غزة”.
في 2008، فقدت إسرائيل تسعة جنود خلال توغلها في غزة. وفي 2014، زاد عدد القتلى إلى 66.
لكن “حماس” في هذه المرة احتجزت أيضاً العشرات من الأسرى، خلال عملية السابع من أكتوبر تشرين الأول، وبعض الأسرى من الجنود، وكثير منهم من المدنيين. ويمثل ذلك تحدياً ضخماً لأمة عقيدتها عدم التخلي عن أحد. وفي 2011، وافقت إسرائيل على مبادلة المئات من السجناء الفلسطينيين مقابل جندي إسرائيلي وحيد هو جلعاد شاليط، الذي ظل محتجزاً خمس سنوات.
تدفع الثمن
قال طلال عوكل، المحلل المقيم في غزة، الذي يكتب لصحيفة “الأيام”: “إسرائيل تعلم مدى حجم الاستعداد لدى فصائل المقاومة وقدرتها على التعامل مع مثل التوغلات البرية”، قائلاً إن إسرائيل ربما تتردد في شن هجوم بري.
وأضاف: “هي تريد أن تدفع غزة الثمن، ولكني لا أعتقد أنها جاهزة لدفع أثمان إضافية إذا ما دخلت غزة”.
وحتى مع حشد إسرائيل قوات على حدود القطاع وتعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط، لم تقل الحكومة إذا ما كانت سترسل قوات أم لا.
وقال الميجر عمير دينار، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: “نهاجم بنية حماس التحتية، وسنهاجم بقوة وسنستمر في الهجوم”، وذلك عند سؤاله عن اجتياح بري محتمل. ولم يخض في التفاصيل.
ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارة الخارجية التعليق.
جنرال إسرائيلي: انهارت اتصالات الجنوب وقيادته ولم تكن ثمة اتصالات. استغرق فهم الصورة الكاملة وقتاً
ولم يكن متحدثان باسم “حماس” متاحين للتعليق على هذا الموضوع.
وقال مسؤول من أحد فصائل المقاومة طلب عدم ذكر اسمه: “في تاريخ، حقبة زمنية ما بين 2008، 2014 و ما بين 2023، لم تعد المقاومة قليلة العدة أو العتاد”.
وأضاف المسؤول: “نحن دائماً على جاهزية تامة، وإذا ما دفعت إسرائيل بمزيد من الجنود فمصيرهم سيكون إما جثثاً أو رهائن”.
وأثبتت “حماس” بالفعل أنها قوة أشرس وأكثر قدرة مما توقعت إسرائيل بشنّها هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وتمثل العملية الفلسطينية إخفاقاً مخابراتياً ذريعاً لإسرائيل، التي تتفاخر بقدرتها على اختراق صفوف المسلحين ومراقبتهم. وتكشف العملية أيضاً ضعف القيادة الجنوبية في إسرائيل.
وقال دافيد تسور، الرئيس السابق لشرطة الحدود الإسرائيلية، الذي قاد أيضاً وحدة “يمام” الخاصة لمكافحة الإرهاب: “انهارت اتصالات الجنوب وقيادته ولم تكن ثمة اتصالات. استغرق فهم الصورة الكاملة وقتاً”، لكنه قال إن القوات تعافت الآن.
وأضاف: “بمجرد تأهب جميع القوات، سيكون ثمة رد فعل ناجز”.
(رويترز)
لملمَ الجيش الإسرائيلي شتات نفسه بعد أن هبَّ في بادئ الأمر على نحو فوضوي لصد هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وردّ بتنفيذ ضربات جوية على الطرق والمباني ومواقع أخرى في غزة، مع إرسال تعزيزات ضخمة إلى القطاع.
وتبدو تعبئة الجيش الإسرائيلي وقصفه مألوفين، إلى حد يُنذر بالشؤم لكثير من 2.3 مليون نسمة، هم سكان قطاع غزة، الذي انسحبت منه القوات الإسرائيلية في 2005، إذ يبدوان تمهيداً لاجتياح بري، ربما يماثل، إن لم يتخطَّ، توغلي إسرائيل في 2008 و2014.
وقال مصدر أمني إسرائيلي لرويترز إن الهجوم البري بات الآن محتوماً.
وقال يامن حمد: “الناس تخوفت أن القصف قرب الحدود هو عبارة عن تكتيك بهدف خلق ما يسمى بسياسة الأرض المحروقة، قبل أن تتحرك الدبابات للداخل”. وحمد والد لأربعة أبناء فرّوا مع أسرته وآخرين من بيت حانون، بالقرب من حدود غزة الشمالية، حيث جعلت الحفر الناجمة عن القصف السير على الطرق مستحيلاً، وحيث تحولت المباني القريبة إلى أنقاض.
جيش الاحتلال استغرق 48 ساعة لاستعادة توازنه للرد على عملية أخذت أقوى جيوش الشرق الأوسط على حين غرة
وقالت مصادر أمنية إسرائيلية إن الجيش استغرق 48 ساعة لاستعادة توازنه وصدّ المتسللين وتصفية مقاتلي “حماس” من بلدات اجتاحوها، يوم السبت، في عملية أخذت أقوى جيوش الشرق الأوسط على حين غرة.
قتل مسلحو “حماس” أكثر من ألف إسرائيلي واحتجزوا العشرات رهائن، في تحرك يحتمل أن يعقّد أي رد إسرائيلي، وذلك بالاستعانة بحملة تضليل معلوماتي، وبالاعتماد على الدراجات النارية والمظلات ومعدات أساسية أخرى.
لكن رد إسرائيل كان عنيفاً. فقد أشارت أرقام الأمم المتحدة إلى أن حصيلة الشهداء جراء الضربات الجوية على غزة بلغت 830 على الأقل، أمس الثلاثاء، وتحول أكثر من 180 ألفاً إلى مشردين.
وقال مصدر أمني إسرائيلي، طلب عدم ذكر اسمه مثل آخرين، إنه يعتقد بأن الاجتياح البري الإسرائيلي “لا يمكن تفاديه، بسبب الثمن الباهظ الذي دفعناه. سيكون هذا بعد الضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو”.
لا يمكنكم الدخول فحسب
ذكر المصدر أن الهدف هو “إضعاف الطرف الآخر، وفي غضون هذا جعْل الأفراد يفرّون (من المناطق المكدسة). ويتعلق الأمر أيضاً بحجم القوة والإستراتيجية وعنصر المفاجأة. لا يمكنكم الدخول فحسب”.
وكان تدمير الطرق أسلوباً معتاداً في التمهيد للهجوميين الإسرائيليين البريين السابقين على غزة، بالإضافة إلى تشويش الاتصالات، وعرقلة حركة “حماس” وجماعات مسلحة أخرى. يقول سكان إنه عند دخول إسرائيل، فإن جرافات قواتها غالباً ما تعبّد مسارات جديدة لتتفادى مركباتها الألغام الأرضية في الطرق الحالية.
لكن إرسال القوات إلى بيئة حضرية مكتظة بالسكان ليس بالخيار السهل، على الرغم من توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “بانتقام ساحق” رداً على حصيلة القتلى الضخمة التي أنزلها مقاتلو “حماس” بإسرائيل، في أسوأ اختراق لدفاعاتها المنيعة، منذ حرب أكتوبر تشرين الأول 1973 أمام جيوش عربية.
وقال جيورا إيلاند، المستشار السابق للأمن القومي الاسرائيلي إن الضربات الجوية على غزة “بدت مماثلة للغاية للعمليات الإسرائيلية السابقة”، لكن هذه الأساليب لم تردع “حماس” في الماضي.
مصدر أمني إسرائيلي يعتقد بأن الاجتياح البري الإسرائيلي لا يمكن تفاديه، بسبب الثمن الباهظ
وذكر إيلاند أن الهجوم البري قد يكون أكثر فعالية في قتل مسلحي “حماس” وتدمير سلسلة قيادتهم، لكنه أضاف: “ما تزال الحكومة مترددة في اتخاذ هذه المبادرة، لأنها قد تنطوي على سقوط قتلى إسرائيليين أكثر بكثير”.
وتقوّض الحرب في المدن تفوق إسرائيل العسكري الساحق، إذ تضعها في مواجهة حركة متمرسة في المعارك، بسبب خوضها صراعات سابقة، وجيدة التسليح بدعم من إيران. واستغرقت الحركة، التي سيطرت على غزة في 2007، سنوات أيضاً لبناء شبكة من الأنفاق التي تساعد المقاتلين في التواري عن الأنظار. وأحياناً تطلق القوات الإسرائيلية على شبكة الأنفاق اسم “مترو غزة”.
في 2008، فقدت إسرائيل تسعة جنود خلال توغلها في غزة. وفي 2014، زاد عدد القتلى إلى 66.
لكن “حماس” في هذه المرة احتجزت أيضاً العشرات من الأسرى، خلال عملية السابع من أكتوبر تشرين الأول، وبعض الأسرى من الجنود، وكثير منهم من المدنيين. ويمثل ذلك تحدياً ضخماً لأمة عقيدتها عدم التخلي عن أحد. وفي 2011، وافقت إسرائيل على مبادلة المئات من السجناء الفلسطينيين مقابل جندي إسرائيلي وحيد هو جلعاد شاليط، الذي ظل محتجزاً خمس سنوات.
تدفع الثمن
قال طلال عوكل، المحلل المقيم في غزة، الذي يكتب لصحيفة “الأيام”: “إسرائيل تعلم مدى حجم الاستعداد لدى فصائل المقاومة وقدرتها على التعامل مع مثل التوغلات البرية”، قائلاً إن إسرائيل ربما تتردد في شن هجوم بري.
وأضاف: “هي تريد أن تدفع غزة الثمن، ولكني لا أعتقد أنها جاهزة لدفع أثمان إضافية إذا ما دخلت غزة”.
وحتى مع حشد إسرائيل قوات على حدود القطاع وتعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط، لم تقل الحكومة إذا ما كانت سترسل قوات أم لا.
وقال الميجر عمير دينار، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: “نهاجم بنية حماس التحتية، وسنهاجم بقوة وسنستمر في الهجوم”، وذلك عند سؤاله عن اجتياح بري محتمل. ولم يخض في التفاصيل.
ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارة الخارجية التعليق.
جنرال إسرائيلي: انهارت اتصالات الجنوب وقيادته ولم تكن ثمة اتصالات. استغرق فهم الصورة الكاملة وقتاً
ولم يكن متحدثان باسم “حماس” متاحين للتعليق على هذا الموضوع.
وقال مسؤول من أحد فصائل المقاومة طلب عدم ذكر اسمه: “في تاريخ، حقبة زمنية ما بين 2008، 2014 و ما بين 2023، لم تعد المقاومة قليلة العدة أو العتاد”.
وأضاف المسؤول: “نحن دائماً على جاهزية تامة، وإذا ما دفعت إسرائيل بمزيد من الجنود فمصيرهم سيكون إما جثثاً أو رهائن”.
وأثبتت “حماس” بالفعل أنها قوة أشرس وأكثر قدرة مما توقعت إسرائيل بشنّها هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وتمثل العملية الفلسطينية إخفاقاً مخابراتياً ذريعاً لإسرائيل، التي تتفاخر بقدرتها على اختراق صفوف المسلحين ومراقبتهم. وتكشف العملية أيضاً ضعف القيادة الجنوبية في إسرائيل.
وقال دافيد تسور، الرئيس السابق لشرطة الحدود الإسرائيلية، الذي قاد أيضاً وحدة “يمام” الخاصة لمكافحة الإرهاب: “انهارت اتصالات الجنوب وقيادته ولم تكن ثمة اتصالات. استغرق فهم الصورة الكاملة وقتاً”، لكنه قال إن القوات تعافت الآن.
وأضاف: “بمجرد تأهب جميع القوات، سيكون ثمة رد فعل ناجز”.
(رويترز)
التعليقات