ابتدأ أمس في فرنسا عام دراسي جديد يعاني فيه التلاميذ والمعلمون معاً من مشكلات بنيوية مستعصية بعضها قديم متجذر ومتأصل وبعضها الآخر متجدد أو مستجد، مثل نقص الكادر التدريسي ومحدودية المدارس على الاستيعاب وحرمان شرائح غير قليلة من حق التعليم الذي يكفله الدستور فضلاً عن تأمين متطلبات ذوي الحاجات الخاصة والمعاقين.
وقد يكون لافتاً ومفاجئاً أن نحو 18.000 تلميذ فرنسي يندرجون في واحد أو أكثر من أنساق فقدان التعليم، وأن هذا الرقم يفوق نظيره في سنة 2021 بمعدل 33٪ في بلد متقدم مثل فرنسا، أو أن يبلغ عدد نقص المعلمين 4.000 هذا العام، أو أن تتوجه لجنة حقوق الأطفال التابعة للأمم المتحدة بطلب رسمي إلى الحكومة الفرنسية كي تتخذ الإجراءات الكفيلة بتحسين إدخال الأطفال المعاقين إلى المدارس.
ورغم ذلك شاء وزير التربية الفرنسي ألا تهيمن على نقاش العام الدراسي الجديد هذه المشكلات العضوية أو سواها، واستقر على طراز آخر لا ينبثق بالضرورة من اعتبارات تعليمية وتربوية بقدر ما يعكس سجالات إيديولوجية وثقافية ترفع راية الدفاع عن العلمانية وقيم الجمهورية ولكنها في واقع الأمر لا تبتعد كثيراً عن المناورات السياسية والمزاودات الحزبية.
هذه حال القرار بحظر ارتداء العباءة للفتيات والقميص الطويل للفتيان، وذلك لأنها حسب تعميم وزارة التربية أزياء «تعبر عن انتماء ديني في البيئة المدرسية ولا يمكن التسامح معه» وبالتالي «لا مكان للرموز الدينية في المدرسة» طبقاً لتصريح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون نفسه. غير خاف بالطبع أن الحظر يخص المسلمات والمسلمين من التلاميذ أبناء نحو 3.5 إلى 6 ملايين مسلم يعيشون في فرنسا ويشكلون الجالية المسلمة الأكبر عدداً في أوروبا، مما ينقل القرار إلى ميادين أخرى أشد تعقيداً تخص أدوار الأديان في المجتمع الفرنسي وظواهر العداء للإسلام وشيوع الإسلاموفوبيا وصدق أو زيف السجالات حول مفهوم العلمانية ومعانيها وتطبيقاتها الاجتماعية.
وكان قرار الحظر سيبدو قابلاً للنقاش أو حتى سليماً لو أن وزارة التربية الفرنسية تفرض على التلاميذ زياً موحداً لا يجوز مخالفته، وهذا غير قائم حالياً. كما كان النقاش سيتخذ وجهة واقعية وعلمية لو طُرح سؤال العباءة والقميص من زاوية تعبيرهما عن «رمز» ديني إسلامي على غرار الحجاب أو النقاب مثلاً، أو الصلبان والقبعة بالنسبة إلى الديانتين المسيحية واليهودية. ولهذا فقد كان طبيعياً أن تغييب خيار الحوار هذا أسفر عن رفض من أحزاب يسارية معارضة، وعن ترحيب من أحزاب يمينية ويمينية متشددة، كما أفسح مجالاً للطعن في قانونية التعميم أمام مجلس الدولة بوصف الحظر تدبيراً غير دستوري، عدا عن أنه يحوّل المدرسة إلى «مخفر لباس» تمييزي أكثر منها مؤسسة تعليم توحيدية.
بذلك فإن قرار حظر العباءة والقميص يضيف فصلاً جديداً إلى مآزق نمط من عقيدة فرنسية متشددة تختزل العلمانية وقيم الجمهورية في مظاهر لا تقارب الجوهر إلا من زوايا شكلية وظاهرية، تنطوي مع ذلك على عواقب اجتماعية وخيمة وأخطار على السلم الأهلي بعيدة الأثر.
ابتدأ أمس في فرنسا عام دراسي جديد يعاني فيه التلاميذ والمعلمون معاً من مشكلات بنيوية مستعصية بعضها قديم متجذر ومتأصل وبعضها الآخر متجدد أو مستجد، مثل نقص الكادر التدريسي ومحدودية المدارس على الاستيعاب وحرمان شرائح غير قليلة من حق التعليم الذي يكفله الدستور فضلاً عن تأمين متطلبات ذوي الحاجات الخاصة والمعاقين.
وقد يكون لافتاً ومفاجئاً أن نحو 18.000 تلميذ فرنسي يندرجون في واحد أو أكثر من أنساق فقدان التعليم، وأن هذا الرقم يفوق نظيره في سنة 2021 بمعدل 33٪ في بلد متقدم مثل فرنسا، أو أن يبلغ عدد نقص المعلمين 4.000 هذا العام، أو أن تتوجه لجنة حقوق الأطفال التابعة للأمم المتحدة بطلب رسمي إلى الحكومة الفرنسية كي تتخذ الإجراءات الكفيلة بتحسين إدخال الأطفال المعاقين إلى المدارس.
ورغم ذلك شاء وزير التربية الفرنسي ألا تهيمن على نقاش العام الدراسي الجديد هذه المشكلات العضوية أو سواها، واستقر على طراز آخر لا ينبثق بالضرورة من اعتبارات تعليمية وتربوية بقدر ما يعكس سجالات إيديولوجية وثقافية ترفع راية الدفاع عن العلمانية وقيم الجمهورية ولكنها في واقع الأمر لا تبتعد كثيراً عن المناورات السياسية والمزاودات الحزبية.
هذه حال القرار بحظر ارتداء العباءة للفتيات والقميص الطويل للفتيان، وذلك لأنها حسب تعميم وزارة التربية أزياء «تعبر عن انتماء ديني في البيئة المدرسية ولا يمكن التسامح معه» وبالتالي «لا مكان للرموز الدينية في المدرسة» طبقاً لتصريح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون نفسه. غير خاف بالطبع أن الحظر يخص المسلمات والمسلمين من التلاميذ أبناء نحو 3.5 إلى 6 ملايين مسلم يعيشون في فرنسا ويشكلون الجالية المسلمة الأكبر عدداً في أوروبا، مما ينقل القرار إلى ميادين أخرى أشد تعقيداً تخص أدوار الأديان في المجتمع الفرنسي وظواهر العداء للإسلام وشيوع الإسلاموفوبيا وصدق أو زيف السجالات حول مفهوم العلمانية ومعانيها وتطبيقاتها الاجتماعية.
وكان قرار الحظر سيبدو قابلاً للنقاش أو حتى سليماً لو أن وزارة التربية الفرنسية تفرض على التلاميذ زياً موحداً لا يجوز مخالفته، وهذا غير قائم حالياً. كما كان النقاش سيتخذ وجهة واقعية وعلمية لو طُرح سؤال العباءة والقميص من زاوية تعبيرهما عن «رمز» ديني إسلامي على غرار الحجاب أو النقاب مثلاً، أو الصلبان والقبعة بالنسبة إلى الديانتين المسيحية واليهودية. ولهذا فقد كان طبيعياً أن تغييب خيار الحوار هذا أسفر عن رفض من أحزاب يسارية معارضة، وعن ترحيب من أحزاب يمينية ويمينية متشددة، كما أفسح مجالاً للطعن في قانونية التعميم أمام مجلس الدولة بوصف الحظر تدبيراً غير دستوري، عدا عن أنه يحوّل المدرسة إلى «مخفر لباس» تمييزي أكثر منها مؤسسة تعليم توحيدية.
بذلك فإن قرار حظر العباءة والقميص يضيف فصلاً جديداً إلى مآزق نمط من عقيدة فرنسية متشددة تختزل العلمانية وقيم الجمهورية في مظاهر لا تقارب الجوهر إلا من زوايا شكلية وظاهرية، تنطوي مع ذلك على عواقب اجتماعية وخيمة وأخطار على السلم الأهلي بعيدة الأثر.
ابتدأ أمس في فرنسا عام دراسي جديد يعاني فيه التلاميذ والمعلمون معاً من مشكلات بنيوية مستعصية بعضها قديم متجذر ومتأصل وبعضها الآخر متجدد أو مستجد، مثل نقص الكادر التدريسي ومحدودية المدارس على الاستيعاب وحرمان شرائح غير قليلة من حق التعليم الذي يكفله الدستور فضلاً عن تأمين متطلبات ذوي الحاجات الخاصة والمعاقين.
وقد يكون لافتاً ومفاجئاً أن نحو 18.000 تلميذ فرنسي يندرجون في واحد أو أكثر من أنساق فقدان التعليم، وأن هذا الرقم يفوق نظيره في سنة 2021 بمعدل 33٪ في بلد متقدم مثل فرنسا، أو أن يبلغ عدد نقص المعلمين 4.000 هذا العام، أو أن تتوجه لجنة حقوق الأطفال التابعة للأمم المتحدة بطلب رسمي إلى الحكومة الفرنسية كي تتخذ الإجراءات الكفيلة بتحسين إدخال الأطفال المعاقين إلى المدارس.
ورغم ذلك شاء وزير التربية الفرنسي ألا تهيمن على نقاش العام الدراسي الجديد هذه المشكلات العضوية أو سواها، واستقر على طراز آخر لا ينبثق بالضرورة من اعتبارات تعليمية وتربوية بقدر ما يعكس سجالات إيديولوجية وثقافية ترفع راية الدفاع عن العلمانية وقيم الجمهورية ولكنها في واقع الأمر لا تبتعد كثيراً عن المناورات السياسية والمزاودات الحزبية.
هذه حال القرار بحظر ارتداء العباءة للفتيات والقميص الطويل للفتيان، وذلك لأنها حسب تعميم وزارة التربية أزياء «تعبر عن انتماء ديني في البيئة المدرسية ولا يمكن التسامح معه» وبالتالي «لا مكان للرموز الدينية في المدرسة» طبقاً لتصريح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون نفسه. غير خاف بالطبع أن الحظر يخص المسلمات والمسلمين من التلاميذ أبناء نحو 3.5 إلى 6 ملايين مسلم يعيشون في فرنسا ويشكلون الجالية المسلمة الأكبر عدداً في أوروبا، مما ينقل القرار إلى ميادين أخرى أشد تعقيداً تخص أدوار الأديان في المجتمع الفرنسي وظواهر العداء للإسلام وشيوع الإسلاموفوبيا وصدق أو زيف السجالات حول مفهوم العلمانية ومعانيها وتطبيقاتها الاجتماعية.
وكان قرار الحظر سيبدو قابلاً للنقاش أو حتى سليماً لو أن وزارة التربية الفرنسية تفرض على التلاميذ زياً موحداً لا يجوز مخالفته، وهذا غير قائم حالياً. كما كان النقاش سيتخذ وجهة واقعية وعلمية لو طُرح سؤال العباءة والقميص من زاوية تعبيرهما عن «رمز» ديني إسلامي على غرار الحجاب أو النقاب مثلاً، أو الصلبان والقبعة بالنسبة إلى الديانتين المسيحية واليهودية. ولهذا فقد كان طبيعياً أن تغييب خيار الحوار هذا أسفر عن رفض من أحزاب يسارية معارضة، وعن ترحيب من أحزاب يمينية ويمينية متشددة، كما أفسح مجالاً للطعن في قانونية التعميم أمام مجلس الدولة بوصف الحظر تدبيراً غير دستوري، عدا عن أنه يحوّل المدرسة إلى «مخفر لباس» تمييزي أكثر منها مؤسسة تعليم توحيدية.
بذلك فإن قرار حظر العباءة والقميص يضيف فصلاً جديداً إلى مآزق نمط من عقيدة فرنسية متشددة تختزل العلمانية وقيم الجمهورية في مظاهر لا تقارب الجوهر إلا من زوايا شكلية وظاهرية، تنطوي مع ذلك على عواقب اجتماعية وخيمة وأخطار على السلم الأهلي بعيدة الأثر.
التعليقات