من مكان ينظر الله إليهن مباهياً ملائكته، اجتمعت مئات الحافظات في مشهد مهيب، مستحضرات روح القدس، وهو يتنزل على النبي محمد أن 'اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ'، يرتلن القرآن عن ظهر قلب، يجلسن متفرقات، ولكنهن متلاحمات، تدوي أصواتهم في صحن المسجد كمزامير داود.
هكذا بدت الصورة في مسجدي فلسطين والتقوى غرب مدينة غزة، وهما يحتضنان 710 حافظات لكتاب الله، ما بين ربة بيت وطبيبة ومهندسة ومُسنات وفتات في عمر الزهور، قدمن من مختلف محافظات قطاع غزة من أجل سرد القرآن على جلسة واحدة ضمن مشروع 'صفوة الحفاظ'، الذي تنظمه دار القرآن الكريم والسنة للعام الثاني على التوالي، بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة.
المُحفظة وطالباتها
بتركيز عميق ظهر في عينيها وهي تستحضر الآيات، جلست علاء سكيك (48 عامًا) على كرسي بلاستيكي مقابل مُحفظتها، بعد أن أتعبها الجلوس أرضاً تُسمِّع، فقد بدأت من بعد صلاة الفجر مباشرة بالتسميع في محاولة لاجتياز السرد القرآني قبل انتهاء الوقت المقرر بنحو 12 ساعة.
لم تكن علا بمفردها في المشروع القرآني الأضخم على مستوى فلسطين ودول عربية وإسلامية، وفق المنظمين، إذ جاورتها شقيقتها (49 عامًا)، وابنتها جمانة أبو شعبان (24 عامًا)، إلى جانب 11 طالبة ممن أشرفت على تحفيظهن للقرآن، في حين كان ابنها عمر (17 عامًا) يسرد مع الحَفَظَة في مسجد الإمام الشافعي جنوب شرقي مدينة غزة.
تقول علا: 'عملي كمحفظة شجعني على البدء في حفظ القرآن، وتحفيز أبنائي على ذلك لنكون جميعًا ضمن هذا المشهد الذي يجتمع فيه الخوف والرهبة والأمل برجاء الله، أشعر أنها أمانة في عنقي، خاصة أن ذلك لم يأتِ إلا بعد مجاهدة وتعاهد دائم، واستعانة بالله'.
وقبل أن تعود لمسارها وإكمال تسميعها، وجهت علا رسالة إلى الحفظة وغير الحافظين، 'ارجعوا إلى القرآن فهو عز الأمة، فعمر ابن الخطاب يقول: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما أنه ليس حفظ فقط، بل تدبر لمعانيه'.
ويفوق عدد المشاركين في البرنامج ما سبقه من فعالية كبيرة أيضًا نُظمت العام الماضي لحفاظ سردوا المصحف غيباً على جلسة واحدة بمشارك 581 حافظًا وحافظة، في حين بلغ إجمالي الحفاظ الساردين في النسخة الثانية من المشروع 1471 منهم 761 حافظاً و710 حافظة.
ليلة العيد
بوقار وصوت ندي أخذت الحافظة سحر الوحيدي تتداول آيات القرآن، في جلسة ملأتها الروحانية والسكينة بدت في محياها.
الوحيدي (22 عامًا) في عامها الجامعي الخامس بكلية الطب البشري، وضعت القرآن الكريم على رأس أولوياتها، فبدأت بحفظه في الصف التاسع، وأتمته في الثانوية العامة، وشرعت بتثبيته مباشرة دون أن تسمح لأحد أن يعبث في جدول اهتماماتها.
فكانت تراجع ما حفظته بنفسها، ومن ثم التحقت بديوان الحافظات التابع لوزارة الأوقاف، مرت خلالها بعشر مراحل من الختمات والاختبارات، إلى أن وصلت إلى المكان الذي يجتمع في الصفوة لسرد القرآن غيباً على جلسة واحدة.
لم تستطع سحر حبس مشاعرها وهي تتحدث عما انتابها ليلة استعدادها لهذه اليوم، 'الليلة شعرت وكأنه عيد، لم أستطع النوم، وأتمنى أن أتمكن من سرد القرآن بالقراءات'.
سعادة لا توصف
في صحن المسجد تجلت عظمة القرآن وأثره في قلوب الحافظات وأرواحهن، كما هو الحال مع الساردة القرآنية الأكبر سنًّا بين الحافظات، فريال الرملاوي.
تقول الحاجة البالغة من العمر (74 عامًا) بابتهاج كبير: 'مررت بمناسبات سعيدة كثيرة من زواجي وإنجاب أبنائي ونجاحهم وتخرجهم عندما أصبحوا أطباء وزواجهم ورؤية أحفادهم، إلا أنني لم أشعر بسعادة كالتي أعيشها اليوم. ما أعيشه اليوم هو أنني ذاهبة إلى ربي'.
لم تتمالك الرملاوي دموعها وهي تخبر بأنها شرعت في حفظ القرآن بعد أن تجاوز عمرها 55 عامًا، وبدأت ذاتيًّا، ثم التحقت بحلقات التحفيظ، وتمكنت من حفظه كاملًا خلال 5 أعوام.
وتضيف: 'كنت أفرح عندما أتم حفظ صفحة واحدة وأكررها وأرددها مرارًا لتثبيتها، حتى تمكنت اليوم من سرده على جلسة واحدة، كما حصلت على دورات مختلفة في التلاوة والتجويد، ووصلت إلى السند المتصل عن رسولنا الأعظم'.
مظلة قرآنية
من جهتها تصف أم عبد القادر فرحات عضو اللجنة العليا لمشروع صفوة الحفاظ، الحدث القرآني بأنه 'يوم من أيام الله تعالى، فمشروع الصفوة أظهر وجه غزة المشرق، وعزز ثقافة إتقان القرآن وتعاهده وتثبيته، كما أنه يوم فلسطين بأسرها'.
وتقول مديرة منطقة غرب غزة في دار القرآن الكريم والسنة، لـ'فلسطين': إن العدد المشارك يناهز نصف العدد الإجمالي للمتقدمين للمشروع، إذ خضع 3200 حافظ وحافظة للاختبارات، اجتازها بنجاح 1471 حافظًا من مختلف الفئات والشرائح.
وأصغر حافظ مشارك في مشروع الصفوة هذا العام عمره 8 أعوام، وهو الحافظ أحمد رمضان الشيخ عمر، بالإضافة إلى 26 من ذوي الإعاقة، 34 من قوى الأمن، و163 معلمًا ومعلمة، و90 حافظًا ما بين طبيب وحكيم وصيدلي، و51 مهندساً ومهندسة.
وتشدد على أن لمشروع 'صفوة الحفاظ' دور وطني يتمثل بتوحيد جهود المؤسسات تحت مظلة قرآنية واحدة، وهذه المؤسسات القرآنية تشمل: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ودار القرآن الكريم والسنة، ودار الإتقان لتعليم القرآن، وجمعية الشابات المسلمات، وجمعية الصحابة لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية، وجمعية دار الكتاب والسنة، وجمعية اقرأ الخيرية.
وتضيف: 'نريد من تلك المشاريع ألا يكون في كل بيت فلسطيني حافظ واحد فقط، بل جميع العائلة حافظة لكتاب الله، فالقرآن هو أسرع السبل لتحرير المسجد الأقصى المبارك، الاهتمام بتعلمه وتربية الأجيال الصاعدة على مبادئه يسهم بشكل كبير في تهيئة جيل قادر على التحرير'.
وختمت بالقول: 'نريد تربية أجيال مختلفة على مائدة القرآن، لنستحق نصر الله وتأييده، مثل هذه المشاريع تقصر من دورة الحياة للاحتلال المغتصب لأرضنا، وهي أيضًا الطريق لوحدتنا وقوة تماسك جبهتنا الداخلية ومجتمعنا'.
من مكان ينظر الله إليهن مباهياً ملائكته، اجتمعت مئات الحافظات في مشهد مهيب، مستحضرات روح القدس، وهو يتنزل على النبي محمد أن 'اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ'، يرتلن القرآن عن ظهر قلب، يجلسن متفرقات، ولكنهن متلاحمات، تدوي أصواتهم في صحن المسجد كمزامير داود.
هكذا بدت الصورة في مسجدي فلسطين والتقوى غرب مدينة غزة، وهما يحتضنان 710 حافظات لكتاب الله، ما بين ربة بيت وطبيبة ومهندسة ومُسنات وفتات في عمر الزهور، قدمن من مختلف محافظات قطاع غزة من أجل سرد القرآن على جلسة واحدة ضمن مشروع 'صفوة الحفاظ'، الذي تنظمه دار القرآن الكريم والسنة للعام الثاني على التوالي، بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة.
المُحفظة وطالباتها
بتركيز عميق ظهر في عينيها وهي تستحضر الآيات، جلست علاء سكيك (48 عامًا) على كرسي بلاستيكي مقابل مُحفظتها، بعد أن أتعبها الجلوس أرضاً تُسمِّع، فقد بدأت من بعد صلاة الفجر مباشرة بالتسميع في محاولة لاجتياز السرد القرآني قبل انتهاء الوقت المقرر بنحو 12 ساعة.
لم تكن علا بمفردها في المشروع القرآني الأضخم على مستوى فلسطين ودول عربية وإسلامية، وفق المنظمين، إذ جاورتها شقيقتها (49 عامًا)، وابنتها جمانة أبو شعبان (24 عامًا)، إلى جانب 11 طالبة ممن أشرفت على تحفيظهن للقرآن، في حين كان ابنها عمر (17 عامًا) يسرد مع الحَفَظَة في مسجد الإمام الشافعي جنوب شرقي مدينة غزة.
تقول علا: 'عملي كمحفظة شجعني على البدء في حفظ القرآن، وتحفيز أبنائي على ذلك لنكون جميعًا ضمن هذا المشهد الذي يجتمع فيه الخوف والرهبة والأمل برجاء الله، أشعر أنها أمانة في عنقي، خاصة أن ذلك لم يأتِ إلا بعد مجاهدة وتعاهد دائم، واستعانة بالله'.
وقبل أن تعود لمسارها وإكمال تسميعها، وجهت علا رسالة إلى الحفظة وغير الحافظين، 'ارجعوا إلى القرآن فهو عز الأمة، فعمر ابن الخطاب يقول: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما أنه ليس حفظ فقط، بل تدبر لمعانيه'.
ويفوق عدد المشاركين في البرنامج ما سبقه من فعالية كبيرة أيضًا نُظمت العام الماضي لحفاظ سردوا المصحف غيباً على جلسة واحدة بمشارك 581 حافظًا وحافظة، في حين بلغ إجمالي الحفاظ الساردين في النسخة الثانية من المشروع 1471 منهم 761 حافظاً و710 حافظة.
ليلة العيد
بوقار وصوت ندي أخذت الحافظة سحر الوحيدي تتداول آيات القرآن، في جلسة ملأتها الروحانية والسكينة بدت في محياها.
الوحيدي (22 عامًا) في عامها الجامعي الخامس بكلية الطب البشري، وضعت القرآن الكريم على رأس أولوياتها، فبدأت بحفظه في الصف التاسع، وأتمته في الثانوية العامة، وشرعت بتثبيته مباشرة دون أن تسمح لأحد أن يعبث في جدول اهتماماتها.
فكانت تراجع ما حفظته بنفسها، ومن ثم التحقت بديوان الحافظات التابع لوزارة الأوقاف، مرت خلالها بعشر مراحل من الختمات والاختبارات، إلى أن وصلت إلى المكان الذي يجتمع في الصفوة لسرد القرآن غيباً على جلسة واحدة.
لم تستطع سحر حبس مشاعرها وهي تتحدث عما انتابها ليلة استعدادها لهذه اليوم، 'الليلة شعرت وكأنه عيد، لم أستطع النوم، وأتمنى أن أتمكن من سرد القرآن بالقراءات'.
سعادة لا توصف
في صحن المسجد تجلت عظمة القرآن وأثره في قلوب الحافظات وأرواحهن، كما هو الحال مع الساردة القرآنية الأكبر سنًّا بين الحافظات، فريال الرملاوي.
تقول الحاجة البالغة من العمر (74 عامًا) بابتهاج كبير: 'مررت بمناسبات سعيدة كثيرة من زواجي وإنجاب أبنائي ونجاحهم وتخرجهم عندما أصبحوا أطباء وزواجهم ورؤية أحفادهم، إلا أنني لم أشعر بسعادة كالتي أعيشها اليوم. ما أعيشه اليوم هو أنني ذاهبة إلى ربي'.
لم تتمالك الرملاوي دموعها وهي تخبر بأنها شرعت في حفظ القرآن بعد أن تجاوز عمرها 55 عامًا، وبدأت ذاتيًّا، ثم التحقت بحلقات التحفيظ، وتمكنت من حفظه كاملًا خلال 5 أعوام.
وتضيف: 'كنت أفرح عندما أتم حفظ صفحة واحدة وأكررها وأرددها مرارًا لتثبيتها، حتى تمكنت اليوم من سرده على جلسة واحدة، كما حصلت على دورات مختلفة في التلاوة والتجويد، ووصلت إلى السند المتصل عن رسولنا الأعظم'.
مظلة قرآنية
من جهتها تصف أم عبد القادر فرحات عضو اللجنة العليا لمشروع صفوة الحفاظ، الحدث القرآني بأنه 'يوم من أيام الله تعالى، فمشروع الصفوة أظهر وجه غزة المشرق، وعزز ثقافة إتقان القرآن وتعاهده وتثبيته، كما أنه يوم فلسطين بأسرها'.
وتقول مديرة منطقة غرب غزة في دار القرآن الكريم والسنة، لـ'فلسطين': إن العدد المشارك يناهز نصف العدد الإجمالي للمتقدمين للمشروع، إذ خضع 3200 حافظ وحافظة للاختبارات، اجتازها بنجاح 1471 حافظًا من مختلف الفئات والشرائح.
وأصغر حافظ مشارك في مشروع الصفوة هذا العام عمره 8 أعوام، وهو الحافظ أحمد رمضان الشيخ عمر، بالإضافة إلى 26 من ذوي الإعاقة، 34 من قوى الأمن، و163 معلمًا ومعلمة، و90 حافظًا ما بين طبيب وحكيم وصيدلي، و51 مهندساً ومهندسة.
وتشدد على أن لمشروع 'صفوة الحفاظ' دور وطني يتمثل بتوحيد جهود المؤسسات تحت مظلة قرآنية واحدة، وهذه المؤسسات القرآنية تشمل: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ودار القرآن الكريم والسنة، ودار الإتقان لتعليم القرآن، وجمعية الشابات المسلمات، وجمعية الصحابة لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية، وجمعية دار الكتاب والسنة، وجمعية اقرأ الخيرية.
وتضيف: 'نريد من تلك المشاريع ألا يكون في كل بيت فلسطيني حافظ واحد فقط، بل جميع العائلة حافظة لكتاب الله، فالقرآن هو أسرع السبل لتحرير المسجد الأقصى المبارك، الاهتمام بتعلمه وتربية الأجيال الصاعدة على مبادئه يسهم بشكل كبير في تهيئة جيل قادر على التحرير'.
وختمت بالقول: 'نريد تربية أجيال مختلفة على مائدة القرآن، لنستحق نصر الله وتأييده، مثل هذه المشاريع تقصر من دورة الحياة للاحتلال المغتصب لأرضنا، وهي أيضًا الطريق لوحدتنا وقوة تماسك جبهتنا الداخلية ومجتمعنا'.
من مكان ينظر الله إليهن مباهياً ملائكته، اجتمعت مئات الحافظات في مشهد مهيب، مستحضرات روح القدس، وهو يتنزل على النبي محمد أن 'اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ'، يرتلن القرآن عن ظهر قلب، يجلسن متفرقات، ولكنهن متلاحمات، تدوي أصواتهم في صحن المسجد كمزامير داود.
هكذا بدت الصورة في مسجدي فلسطين والتقوى غرب مدينة غزة، وهما يحتضنان 710 حافظات لكتاب الله، ما بين ربة بيت وطبيبة ومهندسة ومُسنات وفتات في عمر الزهور، قدمن من مختلف محافظات قطاع غزة من أجل سرد القرآن على جلسة واحدة ضمن مشروع 'صفوة الحفاظ'، الذي تنظمه دار القرآن الكريم والسنة للعام الثاني على التوالي، بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة.
المُحفظة وطالباتها
بتركيز عميق ظهر في عينيها وهي تستحضر الآيات، جلست علاء سكيك (48 عامًا) على كرسي بلاستيكي مقابل مُحفظتها، بعد أن أتعبها الجلوس أرضاً تُسمِّع، فقد بدأت من بعد صلاة الفجر مباشرة بالتسميع في محاولة لاجتياز السرد القرآني قبل انتهاء الوقت المقرر بنحو 12 ساعة.
لم تكن علا بمفردها في المشروع القرآني الأضخم على مستوى فلسطين ودول عربية وإسلامية، وفق المنظمين، إذ جاورتها شقيقتها (49 عامًا)، وابنتها جمانة أبو شعبان (24 عامًا)، إلى جانب 11 طالبة ممن أشرفت على تحفيظهن للقرآن، في حين كان ابنها عمر (17 عامًا) يسرد مع الحَفَظَة في مسجد الإمام الشافعي جنوب شرقي مدينة غزة.
تقول علا: 'عملي كمحفظة شجعني على البدء في حفظ القرآن، وتحفيز أبنائي على ذلك لنكون جميعًا ضمن هذا المشهد الذي يجتمع فيه الخوف والرهبة والأمل برجاء الله، أشعر أنها أمانة في عنقي، خاصة أن ذلك لم يأتِ إلا بعد مجاهدة وتعاهد دائم، واستعانة بالله'.
وقبل أن تعود لمسارها وإكمال تسميعها، وجهت علا رسالة إلى الحفظة وغير الحافظين، 'ارجعوا إلى القرآن فهو عز الأمة، فعمر ابن الخطاب يقول: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما أنه ليس حفظ فقط، بل تدبر لمعانيه'.
ويفوق عدد المشاركين في البرنامج ما سبقه من فعالية كبيرة أيضًا نُظمت العام الماضي لحفاظ سردوا المصحف غيباً على جلسة واحدة بمشارك 581 حافظًا وحافظة، في حين بلغ إجمالي الحفاظ الساردين في النسخة الثانية من المشروع 1471 منهم 761 حافظاً و710 حافظة.
ليلة العيد
بوقار وصوت ندي أخذت الحافظة سحر الوحيدي تتداول آيات القرآن، في جلسة ملأتها الروحانية والسكينة بدت في محياها.
الوحيدي (22 عامًا) في عامها الجامعي الخامس بكلية الطب البشري، وضعت القرآن الكريم على رأس أولوياتها، فبدأت بحفظه في الصف التاسع، وأتمته في الثانوية العامة، وشرعت بتثبيته مباشرة دون أن تسمح لأحد أن يعبث في جدول اهتماماتها.
فكانت تراجع ما حفظته بنفسها، ومن ثم التحقت بديوان الحافظات التابع لوزارة الأوقاف، مرت خلالها بعشر مراحل من الختمات والاختبارات، إلى أن وصلت إلى المكان الذي يجتمع في الصفوة لسرد القرآن غيباً على جلسة واحدة.
لم تستطع سحر حبس مشاعرها وهي تتحدث عما انتابها ليلة استعدادها لهذه اليوم، 'الليلة شعرت وكأنه عيد، لم أستطع النوم، وأتمنى أن أتمكن من سرد القرآن بالقراءات'.
سعادة لا توصف
في صحن المسجد تجلت عظمة القرآن وأثره في قلوب الحافظات وأرواحهن، كما هو الحال مع الساردة القرآنية الأكبر سنًّا بين الحافظات، فريال الرملاوي.
تقول الحاجة البالغة من العمر (74 عامًا) بابتهاج كبير: 'مررت بمناسبات سعيدة كثيرة من زواجي وإنجاب أبنائي ونجاحهم وتخرجهم عندما أصبحوا أطباء وزواجهم ورؤية أحفادهم، إلا أنني لم أشعر بسعادة كالتي أعيشها اليوم. ما أعيشه اليوم هو أنني ذاهبة إلى ربي'.
لم تتمالك الرملاوي دموعها وهي تخبر بأنها شرعت في حفظ القرآن بعد أن تجاوز عمرها 55 عامًا، وبدأت ذاتيًّا، ثم التحقت بحلقات التحفيظ، وتمكنت من حفظه كاملًا خلال 5 أعوام.
وتضيف: 'كنت أفرح عندما أتم حفظ صفحة واحدة وأكررها وأرددها مرارًا لتثبيتها، حتى تمكنت اليوم من سرده على جلسة واحدة، كما حصلت على دورات مختلفة في التلاوة والتجويد، ووصلت إلى السند المتصل عن رسولنا الأعظم'.
مظلة قرآنية
من جهتها تصف أم عبد القادر فرحات عضو اللجنة العليا لمشروع صفوة الحفاظ، الحدث القرآني بأنه 'يوم من أيام الله تعالى، فمشروع الصفوة أظهر وجه غزة المشرق، وعزز ثقافة إتقان القرآن وتعاهده وتثبيته، كما أنه يوم فلسطين بأسرها'.
وتقول مديرة منطقة غرب غزة في دار القرآن الكريم والسنة، لـ'فلسطين': إن العدد المشارك يناهز نصف العدد الإجمالي للمتقدمين للمشروع، إذ خضع 3200 حافظ وحافظة للاختبارات، اجتازها بنجاح 1471 حافظًا من مختلف الفئات والشرائح.
وأصغر حافظ مشارك في مشروع الصفوة هذا العام عمره 8 أعوام، وهو الحافظ أحمد رمضان الشيخ عمر، بالإضافة إلى 26 من ذوي الإعاقة، 34 من قوى الأمن، و163 معلمًا ومعلمة، و90 حافظًا ما بين طبيب وحكيم وصيدلي، و51 مهندساً ومهندسة.
وتشدد على أن لمشروع 'صفوة الحفاظ' دور وطني يتمثل بتوحيد جهود المؤسسات تحت مظلة قرآنية واحدة، وهذه المؤسسات القرآنية تشمل: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ودار القرآن الكريم والسنة، ودار الإتقان لتعليم القرآن، وجمعية الشابات المسلمات، وجمعية الصحابة لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية، وجمعية دار الكتاب والسنة، وجمعية اقرأ الخيرية.
وتضيف: 'نريد من تلك المشاريع ألا يكون في كل بيت فلسطيني حافظ واحد فقط، بل جميع العائلة حافظة لكتاب الله، فالقرآن هو أسرع السبل لتحرير المسجد الأقصى المبارك، الاهتمام بتعلمه وتربية الأجيال الصاعدة على مبادئه يسهم بشكل كبير في تهيئة جيل قادر على التحرير'.
وختمت بالقول: 'نريد تربية أجيال مختلفة على مائدة القرآن، لنستحق نصر الله وتأييده، مثل هذه المشاريع تقصر من دورة الحياة للاحتلال المغتصب لأرضنا، وهي أيضًا الطريق لوحدتنا وقوة تماسك جبهتنا الداخلية ومجتمعنا'.
التعليقات