تشد دول الساحل الأفريقي بانقلاباتها أنظار العالم الآن الذي انقسم في الموقف من الأحداث في النيجر التي لحقت بركب مالي وبوركينا فاسو، غير أن المشهد يكشف عن صراع ظاهره مواجهة الفساد والجماعات المسلحة، لكن يخفي صراعا بين القوى الدولية التي لم تغادر ساحة الحرب الباردة.
وما يجري في القارة الأفريقية، لا يمكن أن يقرأ بمعزل عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي قادت للتساؤل عن نظام عالمي بقوى جديدة بدأ في التكون، لتأتي أحداث دول غرب أفريقيا لتكرس شكلا جديدا من الصراع بين القوى العالمية.
ويندرج الانقلاب العسكري في النيجر وقبلها دول أفريقية أخرى ضمن هذا الإطار، حيث تسعى القوى الرافضة للوجود الفرنسي لإنهاء وجوده، والذي تعتبره هذه القوى استغلالا ونهبا لثرواتها الطبيعية منها النفط والذهب واليورانيوم وغيرها من الثروات الطبيعية النفيسة.
والتحقت النيجر، أواخر الشهر الماضي بقائمة الدول التي شهدت انقلابا في منطقة الساحل، في الثلاث سنوات الأخيرة، بعد الجارتين مالي (2020) وبوركينا فاسو (2022).
وتكشف سلسلة التطورات أن الصراع يحتدم، فالآن تنقسم دول القارة السوداء بين دعم ومعارضة الانقلاب في النيجر التي انتهت أمس مهلة الأسبوع التي حددتها المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) لعودة الحكومة الشرعية إلى النيجر، فيما عمد قادة الانقلاب الذين رفضوا التراجع إلى إغلاق المجال الجوي للبلاد والذي اعتبرته دول غربية انتكاسة.
وفي حين شهدت النيجر الجمعة والسبت الماضيين تظاهرات لدعم الانقلابيين في مختلف أنحاء البلاد، رفع خلالها العلمان النيجري والروسي، ما يكشف عن مدى حجم التأثير الخارجي والتدخل في أحداث الانقلاب من قبل القوى الدولية.
غير أنه بالإضافة إلى وجود عوامل خارجية تتمثل بـ'صراع المصالح' بين القوى الدولية دفعت لهذه الانقلابات ، كانت هناك عوامل سياسية داخلية تمثلت بـ'هشاشة' الأنظمة المتهمة بتبعيتها للقوى 'الاستعمارية'، وعوامل اجتماعية كرست الرفض الشعبي لـ'نهب' الثروات في هذه الدول الفقيرة، بحسب خبراء.
وفي هذا الصدد بين رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، أن الصراع على الموارد والنفوذ كان جزءا أساسيا في السياسة الدولية بشكل عام، وفي قارة أفريقيا كانت ساحة للتنافس الدولي والإقليمي إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السفويتي السابق والولايات المتحدة قطبا الحرب الباردة، وكان الاستقطاب الحاد جزءا من الحرب باردة، لقناعات بأن حسم الحرب الباردة قد يساعد على الانتصار بها هو السيطرة على أفريقيا.
وقال 'ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كان إعلان روسيا والصين بأن النظام الدولي الحالي لا يمكن أن يستمر'، مبينا أن الأحداث في أفريقيا تكشف عن المحاولات المعادية للفرنسيين وللغرب بشكل عام وهذا يؤشر لتغير البيئة الدولية بسبب الحرب الباردة، فها هي قوة فاغنر الموجودة في أفريقيا أصبح لها دور في أفريقيا، وقد حققت نجاحا معتبرا في ذلك'.
ويرى المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، أن التقييم الأفريقي العام لنتائج المقاربات الغربية في أفريقيا خلال العقود الماضية كان سلبيا، خصوصا مع إشكالية التمسك بالتطور الديمقراطي الأفريقي، وهو ما ظهر جليا في الموقف الفرنسي من التطورات غير الدستورية في عدد من دول غرب أفريقيا، واستمرار آليات النزوح للثروات الأفريقية عبر الشركات العابرة للجنسية بعوائد مالية غير عادلة للاقتصادات الأفريقية.
وتابع 'هذا التقييم الأفريقي السلبي، للغرب عموما وفرنسا خصوصا، لم يقتصر على النخب الرسمية، ولكنه اخترق المجال العام الأفريقي ليجري التعبير عنه في تظاهرات شعبية خرجت ضد النفوذ الفرنسي في تشاد والنيجر ومالي وبروكينا فاسو وأخيرا في النيجر، كما أنه يمكن رصد اتجاهات الشباب الأفريقي من خلال مسارات وحوارات المؤتمرات الفرنسية الأفريقية، سواء في مؤتمر منظمات المجتمع المدني الذي عقد في كانون الثاني2021، أو في مؤتمر الشباب الصيف الماضي، وهما آليتان لجأت إليهما باريس بهدف تحسين صورتها، وتجاوز مشكلاتها مع عدد من الدول الأفريقية أبرزها: الجزائر ومالي اللتان وصل فيهما التلاسن السياسي بين الأطراف إلى مستويات غير مسبوقة، وكشف عن حجم الخسارة الفرنسية في أفريقيا'.
وبالنسبة لدلالات التحول السياسي لدول غرب أفريقيا، يقول الحجاحجة إن تلك الدول تشهد تناميا ملحوظا في الاضطرابات الداخلية وحالة عدم الاستقرار، وسط سيناريوهات ضبابية تلف المستقبل القريب لتلك المنطقة على وجه التحديد، والمهددة باتساع رقعة الفوضى والتهديدات، لا سيما في ضوء الأزمات السياسية الطاحنة، وغياب الحكم الرشيد في عدد من دول الإقليم، مع تآكل أو اهتراء المؤسسات الديمقراطية، ما كان عاملا لتكرار الانقلابات العسكرية، والتي كان آخرها الانقلاب في النيجر.
وأضاف ' على وقع تلك المعطيات لم يكن من الغريب أن تشهد منطقة غرب أفريقيا خلال الأعوام الماضية محاولات انقلاب، بالتزامن مع ما تشهده من تنام واسع لجماعات العنف والتطرف التي تستغل تأزم الأوضاع وغياب البنية الديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية، للانتشار في بيئة مواتية وجاذبة للإرهاب والعنف، بينما في الأخير يدفع السكان في عديد من دول غرب القارة السمراء ثمنا باهظا لذلك المشهد المأساوي شديد التعقيد.
ويرى الحجاحجة أن بيئة المتغيرات الراهنة على المستوى الداخلي تتميز بمفارقة مشتركة بين دول غرب أفريقيا، هي وفرة الموارد الطبيعية خصوصا النفط والمعادن وأهمها اليورانيوم، وضعف الاقتصادات، ولعل هذه المفارقة تعد معطى رئيسا في إنتاج هشاشة مؤسسة الدولة كناتج لسياسات تفتقد العدالة الاجتماعية بين نخبة مترفة مرتبطة بمصالح شركات عابرة للجنسية منتمية للدول الغربية خصوصا، وغالبية تعاني ثلاثية الفقر والجهل والمرض، وبطبيعة الحال هذه البيئة تلعب الدور الرئيس في إنتاج حالة عدم استقرار سياسي أعادت ظاهرة الانقلابات العسكرية التي تمركزت في إقليم غرب أفريقيا خلال الأعوام الماضية.
وعن أسباب الانقلاب والتوقعات لمآلات الوضع، يقول السفير السابق أحمد مبيضين، إن هذا الانقلاب يعود الى عوامل متداخلة فيها ما هو داخلي وما هو خارجي، على المستوى الداخلي هذا الانقلاب يعتبر في جزء كبير منه ناتج عن هشاشة الوضع داخل الدول الأفريقية التي لم تتمكن من إرساء مؤسسات مستقرة، ولم تراكم تجربة تنموية قادرة على تجاوز التبعية للخارج وتجاوز المعضلات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية التي تهم عددا من البلدان الواقعة في منطقة الساحل الأفريقي.
أما على المستوى الخارجي، يقول مبيضين،'لا تخفى على المتابع للمشهد حقيقة احتدام التنافس الشديد بين مجموعة من القوى الدولية الكبرى وانتقاله الى أفريقيا، موضحا أن هذا التنافس برز في مالي وعدد من الدول، وتجلى ذلك في شكل رفض للتواجد الفرنسي داخل أفريقيا في مقابل تصاعد أدوار بعض القوى الدولية والإقليمية كما هو الأمر بالنسبة لروسيا والصين.
ويرى مبيضين أن هشاشة بعض الأنظمة وعدم وجود مقومات تدعم سيادة الدول في أبعادها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية هو الذي فتح المجال أمام القوى الدولية لتمارس المزيد من التدخل بغية تحقيق مصالحها الأمنية والإستراتيجية وتوظفها في سياق الصراع الحالي لإرساء نظام دولي تعددي تسعى كل من روسيا والصين للعب دور طلائعي فيه.
وبرأي مبيضين، فإن السياق الإقليمي يشجع وبقوة على تنفيذ الانقلابات، مع تأكد نظرية العدوى الانقلابية، فخلال الأعوام الأخيرة كانت القارة الأفريقية مسرحا لسبعة انقلابات؛ مرتان في كل من مالي 2020 و2021، وبوركينا فاسو 2022، وانقلاب في كل من غينيا 2021، وتشاد 2021، والسودان 2021، فضلا عن تطورات السياق الدولي التي حولت منطقة غرب أفريقيا إلى بؤرة للصراع والتنافس بين المعسكرين القديم والجديد، ففرنسا ممثلة المعسكر الأول تدافع باستماتة عن الاستقرار المرادف الموضوعي لاستغلال عمره عقودا، فيما تحاول روسيا ممثلة المعسكر الثاني، تسخير كل الأساليب الناعمة والخشنة لبسط نفوذها على أوسع نطاق داخل القارة الأفريقية.
من زاوية أخرى، يرى مبيضين أن الوضع في المنطقة الأفريقية حاليا، يعزز النضال الشعبي ضد أي تدخل محتمل خاصة في منطقة غرب القارة في ظل تتنامى الشعبوية المعادية لفرنسا، التي اتضح عقب انسحابها من مالي وبوركينا فاسو من مهمة عملية مكافحة الإرهاب، أنها لم تعد الشريك المثالي للحرب على الإرهاب، وهو ما دفع قادة بعض الدول الأفريقية إلى الاستعانة بروسيا في ملف مكافحة الإرهاب الأفريقي.
وخلال الأيام الماضية، تصاعد ضغط المجتمع الدولي، على الانقلابيين في النيجر عشية انتهاء إنذار وجهته الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) مؤكدة استعدادها للتدخل عسكريا.
كما أكدت الخارجية الفرنسية السبت الماضي، دعمها بحزم وتصميم لجهود إيكواس لدحر محاولة الانقلاب، وقالت في بيان إن مستقبل النيجر واستقرار المنطقة بأكملها على المحك.
والجمعة، اجتمع القادة العسكريون لدول المجموعة في العاصمة النيجيرية أبوجا لمناقشة سبل التعامل مع أحدث انقلاب في منطقة الساحل الأفريقي.
وقال مفوض الشؤون السياسية والأمن في المنظمة الإقليمية، نريد أن تنجح الدبلوماسية ونريد نقل هذه الرسالة لهم (المجلس العسكري) بوضوح، بأننا نمنحهم كل فرصة للعودة عما قاموا به.
من جهته، يقول الخبير القانوني رياض الصرايرة، إن الانقلاب المعلن في النيجر ما يزال يثير ردود فعل واسعة إقليمية ودولية، خاصة وأن النيجر تمثل أهمية جيوسياسية بالنسبة للدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة باعتبار ما تملكانه في تلك المنطقة من قواعد عسكرية هامة.
وتابع 'النيجر التي تعد واحدة من أفقر دول العالم وأقلها نموا على الإطلاق، هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم الذي يعتبر ضرورة لفرنسا ومن ورائها الدول الغربية، ويدخل في الصناعات النووية والكهربائية الهامة.
وأضاف 'لعل التساؤل الأهم هو هل بدأت فرنسا تخسر نفوذها في القارة الأفريقية خاصة وأن انقلاب النيجر جاء بعد سلسلة انقلابات عرفتها المنطقة في مالي وبوركينا فاسو وأسقطت أنظمة حليفة لباريس والغرب عموما'.
بحسب الصرايرة، يعد هذا الانقلاب ضربة لمصالح فرنسا في هذا البلد خاصة بعد انسحابها من مالي إثر انقلاب أطاح بالرئيس الحليف الرئيسي لباريس، ومن شأن انقلاب النيجر أن يسهم في تشكيل خريطة جيوسياسية جديدة تعد جزءا من تحولات كبرى تشهدها القارة، خاصة مع دخول قوى على خط المعادلات مثل روسيا والصين واللتان تعتبران بالنسبة للمجتمعات الأفريقية جزءا من مرحلة جديدة هي مرحلة التخلص من النفود الفرنسي التقليدي الاستعماري وبناء شراكات جديدة مع قوى أخرى تقوم على الندية.
ويرى الصرايرة ، أنه بات من الواضح اليوم الترابط القوي بين المجلس العسكري في النيجر وروسيا خاصة بعد أن طلب الأخير رسميا دعم مجموعة 'فاغنر' العسكرية الروسية الخاصة، لمواجهة أي ضربة خارجية قد تنفذ ضدهم، من قبل مجموعة 'ايكواس' التي وضعت خطة لتدخل عسكري محتمل في النيجر.
ويرى الصرايرة أن أي عملية تدخل عسكري تدعمها فرنسا وأميركا، ستؤثر بشكل كبير على المنطقة بشكل كامل، فيما تخشى العديد من الدول التدخل العسكري في النيجر، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات ارتباطا بالجماعات المتطرفة والإرهابية في المنطقة.
وبحسب الصرايرة، تشكل المقاربات الفرنسية في غرب أفريقيا حالة تنافس وصراع بين إستراتيجيات الدول الكبرى الساعية إلى الموارد الطبيعية والنفوذ، بينما تشكل الطموحات الأفريقية المحلية الساعية إلى الاستقرار والنمو بيئة التفاعلات الراهنة في منطقة غرب أفريقيا، حيث تقدم الدول الكبرى نفسها، خصوصا فرنسا، داعمة لدول الغرب الأفريقي لمحاربة الإرهاب والحفاظ على استقرار الدول، بيد أن المقاربات الفرنسية على مدى عقد كامل لم يحالفها نجاح، وأنتجت مزيدا من الهشاشة والضعف لدول غرب أفريقيا التي كانت مستعمراتها القديمة.
يذكر أن آخر محاولة انقلاب فاشلة نفذت في النيجر كانت في آذار عام 2021، قبل أيام من أداء الرئيس بازوم اليمين الدستورية لتولي منصبه، حيث تحركت قوة من الجيش للاستيلاء على السلطة دون جدوى.
الغد
تشد دول الساحل الأفريقي بانقلاباتها أنظار العالم الآن الذي انقسم في الموقف من الأحداث في النيجر التي لحقت بركب مالي وبوركينا فاسو، غير أن المشهد يكشف عن صراع ظاهره مواجهة الفساد والجماعات المسلحة، لكن يخفي صراعا بين القوى الدولية التي لم تغادر ساحة الحرب الباردة.
وما يجري في القارة الأفريقية، لا يمكن أن يقرأ بمعزل عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي قادت للتساؤل عن نظام عالمي بقوى جديدة بدأ في التكون، لتأتي أحداث دول غرب أفريقيا لتكرس شكلا جديدا من الصراع بين القوى العالمية.
ويندرج الانقلاب العسكري في النيجر وقبلها دول أفريقية أخرى ضمن هذا الإطار، حيث تسعى القوى الرافضة للوجود الفرنسي لإنهاء وجوده، والذي تعتبره هذه القوى استغلالا ونهبا لثرواتها الطبيعية منها النفط والذهب واليورانيوم وغيرها من الثروات الطبيعية النفيسة.
والتحقت النيجر، أواخر الشهر الماضي بقائمة الدول التي شهدت انقلابا في منطقة الساحل، في الثلاث سنوات الأخيرة، بعد الجارتين مالي (2020) وبوركينا فاسو (2022).
وتكشف سلسلة التطورات أن الصراع يحتدم، فالآن تنقسم دول القارة السوداء بين دعم ومعارضة الانقلاب في النيجر التي انتهت أمس مهلة الأسبوع التي حددتها المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) لعودة الحكومة الشرعية إلى النيجر، فيما عمد قادة الانقلاب الذين رفضوا التراجع إلى إغلاق المجال الجوي للبلاد والذي اعتبرته دول غربية انتكاسة.
وفي حين شهدت النيجر الجمعة والسبت الماضيين تظاهرات لدعم الانقلابيين في مختلف أنحاء البلاد، رفع خلالها العلمان النيجري والروسي، ما يكشف عن مدى حجم التأثير الخارجي والتدخل في أحداث الانقلاب من قبل القوى الدولية.
غير أنه بالإضافة إلى وجود عوامل خارجية تتمثل بـ'صراع المصالح' بين القوى الدولية دفعت لهذه الانقلابات ، كانت هناك عوامل سياسية داخلية تمثلت بـ'هشاشة' الأنظمة المتهمة بتبعيتها للقوى 'الاستعمارية'، وعوامل اجتماعية كرست الرفض الشعبي لـ'نهب' الثروات في هذه الدول الفقيرة، بحسب خبراء.
وفي هذا الصدد بين رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، أن الصراع على الموارد والنفوذ كان جزءا أساسيا في السياسة الدولية بشكل عام، وفي قارة أفريقيا كانت ساحة للتنافس الدولي والإقليمي إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السفويتي السابق والولايات المتحدة قطبا الحرب الباردة، وكان الاستقطاب الحاد جزءا من الحرب باردة، لقناعات بأن حسم الحرب الباردة قد يساعد على الانتصار بها هو السيطرة على أفريقيا.
وقال 'ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كان إعلان روسيا والصين بأن النظام الدولي الحالي لا يمكن أن يستمر'، مبينا أن الأحداث في أفريقيا تكشف عن المحاولات المعادية للفرنسيين وللغرب بشكل عام وهذا يؤشر لتغير البيئة الدولية بسبب الحرب الباردة، فها هي قوة فاغنر الموجودة في أفريقيا أصبح لها دور في أفريقيا، وقد حققت نجاحا معتبرا في ذلك'.
ويرى المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، أن التقييم الأفريقي العام لنتائج المقاربات الغربية في أفريقيا خلال العقود الماضية كان سلبيا، خصوصا مع إشكالية التمسك بالتطور الديمقراطي الأفريقي، وهو ما ظهر جليا في الموقف الفرنسي من التطورات غير الدستورية في عدد من دول غرب أفريقيا، واستمرار آليات النزوح للثروات الأفريقية عبر الشركات العابرة للجنسية بعوائد مالية غير عادلة للاقتصادات الأفريقية.
وتابع 'هذا التقييم الأفريقي السلبي، للغرب عموما وفرنسا خصوصا، لم يقتصر على النخب الرسمية، ولكنه اخترق المجال العام الأفريقي ليجري التعبير عنه في تظاهرات شعبية خرجت ضد النفوذ الفرنسي في تشاد والنيجر ومالي وبروكينا فاسو وأخيرا في النيجر، كما أنه يمكن رصد اتجاهات الشباب الأفريقي من خلال مسارات وحوارات المؤتمرات الفرنسية الأفريقية، سواء في مؤتمر منظمات المجتمع المدني الذي عقد في كانون الثاني2021، أو في مؤتمر الشباب الصيف الماضي، وهما آليتان لجأت إليهما باريس بهدف تحسين صورتها، وتجاوز مشكلاتها مع عدد من الدول الأفريقية أبرزها: الجزائر ومالي اللتان وصل فيهما التلاسن السياسي بين الأطراف إلى مستويات غير مسبوقة، وكشف عن حجم الخسارة الفرنسية في أفريقيا'.
وبالنسبة لدلالات التحول السياسي لدول غرب أفريقيا، يقول الحجاحجة إن تلك الدول تشهد تناميا ملحوظا في الاضطرابات الداخلية وحالة عدم الاستقرار، وسط سيناريوهات ضبابية تلف المستقبل القريب لتلك المنطقة على وجه التحديد، والمهددة باتساع رقعة الفوضى والتهديدات، لا سيما في ضوء الأزمات السياسية الطاحنة، وغياب الحكم الرشيد في عدد من دول الإقليم، مع تآكل أو اهتراء المؤسسات الديمقراطية، ما كان عاملا لتكرار الانقلابات العسكرية، والتي كان آخرها الانقلاب في النيجر.
وأضاف ' على وقع تلك المعطيات لم يكن من الغريب أن تشهد منطقة غرب أفريقيا خلال الأعوام الماضية محاولات انقلاب، بالتزامن مع ما تشهده من تنام واسع لجماعات العنف والتطرف التي تستغل تأزم الأوضاع وغياب البنية الديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية، للانتشار في بيئة مواتية وجاذبة للإرهاب والعنف، بينما في الأخير يدفع السكان في عديد من دول غرب القارة السمراء ثمنا باهظا لذلك المشهد المأساوي شديد التعقيد.
ويرى الحجاحجة أن بيئة المتغيرات الراهنة على المستوى الداخلي تتميز بمفارقة مشتركة بين دول غرب أفريقيا، هي وفرة الموارد الطبيعية خصوصا النفط والمعادن وأهمها اليورانيوم، وضعف الاقتصادات، ولعل هذه المفارقة تعد معطى رئيسا في إنتاج هشاشة مؤسسة الدولة كناتج لسياسات تفتقد العدالة الاجتماعية بين نخبة مترفة مرتبطة بمصالح شركات عابرة للجنسية منتمية للدول الغربية خصوصا، وغالبية تعاني ثلاثية الفقر والجهل والمرض، وبطبيعة الحال هذه البيئة تلعب الدور الرئيس في إنتاج حالة عدم استقرار سياسي أعادت ظاهرة الانقلابات العسكرية التي تمركزت في إقليم غرب أفريقيا خلال الأعوام الماضية.
وعن أسباب الانقلاب والتوقعات لمآلات الوضع، يقول السفير السابق أحمد مبيضين، إن هذا الانقلاب يعود الى عوامل متداخلة فيها ما هو داخلي وما هو خارجي، على المستوى الداخلي هذا الانقلاب يعتبر في جزء كبير منه ناتج عن هشاشة الوضع داخل الدول الأفريقية التي لم تتمكن من إرساء مؤسسات مستقرة، ولم تراكم تجربة تنموية قادرة على تجاوز التبعية للخارج وتجاوز المعضلات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية التي تهم عددا من البلدان الواقعة في منطقة الساحل الأفريقي.
أما على المستوى الخارجي، يقول مبيضين،'لا تخفى على المتابع للمشهد حقيقة احتدام التنافس الشديد بين مجموعة من القوى الدولية الكبرى وانتقاله الى أفريقيا، موضحا أن هذا التنافس برز في مالي وعدد من الدول، وتجلى ذلك في شكل رفض للتواجد الفرنسي داخل أفريقيا في مقابل تصاعد أدوار بعض القوى الدولية والإقليمية كما هو الأمر بالنسبة لروسيا والصين.
ويرى مبيضين أن هشاشة بعض الأنظمة وعدم وجود مقومات تدعم سيادة الدول في أبعادها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية هو الذي فتح المجال أمام القوى الدولية لتمارس المزيد من التدخل بغية تحقيق مصالحها الأمنية والإستراتيجية وتوظفها في سياق الصراع الحالي لإرساء نظام دولي تعددي تسعى كل من روسيا والصين للعب دور طلائعي فيه.
وبرأي مبيضين، فإن السياق الإقليمي يشجع وبقوة على تنفيذ الانقلابات، مع تأكد نظرية العدوى الانقلابية، فخلال الأعوام الأخيرة كانت القارة الأفريقية مسرحا لسبعة انقلابات؛ مرتان في كل من مالي 2020 و2021، وبوركينا فاسو 2022، وانقلاب في كل من غينيا 2021، وتشاد 2021، والسودان 2021، فضلا عن تطورات السياق الدولي التي حولت منطقة غرب أفريقيا إلى بؤرة للصراع والتنافس بين المعسكرين القديم والجديد، ففرنسا ممثلة المعسكر الأول تدافع باستماتة عن الاستقرار المرادف الموضوعي لاستغلال عمره عقودا، فيما تحاول روسيا ممثلة المعسكر الثاني، تسخير كل الأساليب الناعمة والخشنة لبسط نفوذها على أوسع نطاق داخل القارة الأفريقية.
من زاوية أخرى، يرى مبيضين أن الوضع في المنطقة الأفريقية حاليا، يعزز النضال الشعبي ضد أي تدخل محتمل خاصة في منطقة غرب القارة في ظل تتنامى الشعبوية المعادية لفرنسا، التي اتضح عقب انسحابها من مالي وبوركينا فاسو من مهمة عملية مكافحة الإرهاب، أنها لم تعد الشريك المثالي للحرب على الإرهاب، وهو ما دفع قادة بعض الدول الأفريقية إلى الاستعانة بروسيا في ملف مكافحة الإرهاب الأفريقي.
وخلال الأيام الماضية، تصاعد ضغط المجتمع الدولي، على الانقلابيين في النيجر عشية انتهاء إنذار وجهته الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) مؤكدة استعدادها للتدخل عسكريا.
كما أكدت الخارجية الفرنسية السبت الماضي، دعمها بحزم وتصميم لجهود إيكواس لدحر محاولة الانقلاب، وقالت في بيان إن مستقبل النيجر واستقرار المنطقة بأكملها على المحك.
والجمعة، اجتمع القادة العسكريون لدول المجموعة في العاصمة النيجيرية أبوجا لمناقشة سبل التعامل مع أحدث انقلاب في منطقة الساحل الأفريقي.
وقال مفوض الشؤون السياسية والأمن في المنظمة الإقليمية، نريد أن تنجح الدبلوماسية ونريد نقل هذه الرسالة لهم (المجلس العسكري) بوضوح، بأننا نمنحهم كل فرصة للعودة عما قاموا به.
من جهته، يقول الخبير القانوني رياض الصرايرة، إن الانقلاب المعلن في النيجر ما يزال يثير ردود فعل واسعة إقليمية ودولية، خاصة وأن النيجر تمثل أهمية جيوسياسية بالنسبة للدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة باعتبار ما تملكانه في تلك المنطقة من قواعد عسكرية هامة.
وتابع 'النيجر التي تعد واحدة من أفقر دول العالم وأقلها نموا على الإطلاق، هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم الذي يعتبر ضرورة لفرنسا ومن ورائها الدول الغربية، ويدخل في الصناعات النووية والكهربائية الهامة.
وأضاف 'لعل التساؤل الأهم هو هل بدأت فرنسا تخسر نفوذها في القارة الأفريقية خاصة وأن انقلاب النيجر جاء بعد سلسلة انقلابات عرفتها المنطقة في مالي وبوركينا فاسو وأسقطت أنظمة حليفة لباريس والغرب عموما'.
بحسب الصرايرة، يعد هذا الانقلاب ضربة لمصالح فرنسا في هذا البلد خاصة بعد انسحابها من مالي إثر انقلاب أطاح بالرئيس الحليف الرئيسي لباريس، ومن شأن انقلاب النيجر أن يسهم في تشكيل خريطة جيوسياسية جديدة تعد جزءا من تحولات كبرى تشهدها القارة، خاصة مع دخول قوى على خط المعادلات مثل روسيا والصين واللتان تعتبران بالنسبة للمجتمعات الأفريقية جزءا من مرحلة جديدة هي مرحلة التخلص من النفود الفرنسي التقليدي الاستعماري وبناء شراكات جديدة مع قوى أخرى تقوم على الندية.
ويرى الصرايرة ، أنه بات من الواضح اليوم الترابط القوي بين المجلس العسكري في النيجر وروسيا خاصة بعد أن طلب الأخير رسميا دعم مجموعة 'فاغنر' العسكرية الروسية الخاصة، لمواجهة أي ضربة خارجية قد تنفذ ضدهم، من قبل مجموعة 'ايكواس' التي وضعت خطة لتدخل عسكري محتمل في النيجر.
ويرى الصرايرة أن أي عملية تدخل عسكري تدعمها فرنسا وأميركا، ستؤثر بشكل كبير على المنطقة بشكل كامل، فيما تخشى العديد من الدول التدخل العسكري في النيجر، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات ارتباطا بالجماعات المتطرفة والإرهابية في المنطقة.
وبحسب الصرايرة، تشكل المقاربات الفرنسية في غرب أفريقيا حالة تنافس وصراع بين إستراتيجيات الدول الكبرى الساعية إلى الموارد الطبيعية والنفوذ، بينما تشكل الطموحات الأفريقية المحلية الساعية إلى الاستقرار والنمو بيئة التفاعلات الراهنة في منطقة غرب أفريقيا، حيث تقدم الدول الكبرى نفسها، خصوصا فرنسا، داعمة لدول الغرب الأفريقي لمحاربة الإرهاب والحفاظ على استقرار الدول، بيد أن المقاربات الفرنسية على مدى عقد كامل لم يحالفها نجاح، وأنتجت مزيدا من الهشاشة والضعف لدول غرب أفريقيا التي كانت مستعمراتها القديمة.
يذكر أن آخر محاولة انقلاب فاشلة نفذت في النيجر كانت في آذار عام 2021، قبل أيام من أداء الرئيس بازوم اليمين الدستورية لتولي منصبه، حيث تحركت قوة من الجيش للاستيلاء على السلطة دون جدوى.
الغد
تشد دول الساحل الأفريقي بانقلاباتها أنظار العالم الآن الذي انقسم في الموقف من الأحداث في النيجر التي لحقت بركب مالي وبوركينا فاسو، غير أن المشهد يكشف عن صراع ظاهره مواجهة الفساد والجماعات المسلحة، لكن يخفي صراعا بين القوى الدولية التي لم تغادر ساحة الحرب الباردة.
وما يجري في القارة الأفريقية، لا يمكن أن يقرأ بمعزل عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي قادت للتساؤل عن نظام عالمي بقوى جديدة بدأ في التكون، لتأتي أحداث دول غرب أفريقيا لتكرس شكلا جديدا من الصراع بين القوى العالمية.
ويندرج الانقلاب العسكري في النيجر وقبلها دول أفريقية أخرى ضمن هذا الإطار، حيث تسعى القوى الرافضة للوجود الفرنسي لإنهاء وجوده، والذي تعتبره هذه القوى استغلالا ونهبا لثرواتها الطبيعية منها النفط والذهب واليورانيوم وغيرها من الثروات الطبيعية النفيسة.
والتحقت النيجر، أواخر الشهر الماضي بقائمة الدول التي شهدت انقلابا في منطقة الساحل، في الثلاث سنوات الأخيرة، بعد الجارتين مالي (2020) وبوركينا فاسو (2022).
وتكشف سلسلة التطورات أن الصراع يحتدم، فالآن تنقسم دول القارة السوداء بين دعم ومعارضة الانقلاب في النيجر التي انتهت أمس مهلة الأسبوع التي حددتها المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) لعودة الحكومة الشرعية إلى النيجر، فيما عمد قادة الانقلاب الذين رفضوا التراجع إلى إغلاق المجال الجوي للبلاد والذي اعتبرته دول غربية انتكاسة.
وفي حين شهدت النيجر الجمعة والسبت الماضيين تظاهرات لدعم الانقلابيين في مختلف أنحاء البلاد، رفع خلالها العلمان النيجري والروسي، ما يكشف عن مدى حجم التأثير الخارجي والتدخل في أحداث الانقلاب من قبل القوى الدولية.
غير أنه بالإضافة إلى وجود عوامل خارجية تتمثل بـ'صراع المصالح' بين القوى الدولية دفعت لهذه الانقلابات ، كانت هناك عوامل سياسية داخلية تمثلت بـ'هشاشة' الأنظمة المتهمة بتبعيتها للقوى 'الاستعمارية'، وعوامل اجتماعية كرست الرفض الشعبي لـ'نهب' الثروات في هذه الدول الفقيرة، بحسب خبراء.
وفي هذا الصدد بين رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، أن الصراع على الموارد والنفوذ كان جزءا أساسيا في السياسة الدولية بشكل عام، وفي قارة أفريقيا كانت ساحة للتنافس الدولي والإقليمي إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السفويتي السابق والولايات المتحدة قطبا الحرب الباردة، وكان الاستقطاب الحاد جزءا من الحرب باردة، لقناعات بأن حسم الحرب الباردة قد يساعد على الانتصار بها هو السيطرة على أفريقيا.
وقال 'ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كان إعلان روسيا والصين بأن النظام الدولي الحالي لا يمكن أن يستمر'، مبينا أن الأحداث في أفريقيا تكشف عن المحاولات المعادية للفرنسيين وللغرب بشكل عام وهذا يؤشر لتغير البيئة الدولية بسبب الحرب الباردة، فها هي قوة فاغنر الموجودة في أفريقيا أصبح لها دور في أفريقيا، وقد حققت نجاحا معتبرا في ذلك'.
ويرى المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، أن التقييم الأفريقي العام لنتائج المقاربات الغربية في أفريقيا خلال العقود الماضية كان سلبيا، خصوصا مع إشكالية التمسك بالتطور الديمقراطي الأفريقي، وهو ما ظهر جليا في الموقف الفرنسي من التطورات غير الدستورية في عدد من دول غرب أفريقيا، واستمرار آليات النزوح للثروات الأفريقية عبر الشركات العابرة للجنسية بعوائد مالية غير عادلة للاقتصادات الأفريقية.
وتابع 'هذا التقييم الأفريقي السلبي، للغرب عموما وفرنسا خصوصا، لم يقتصر على النخب الرسمية، ولكنه اخترق المجال العام الأفريقي ليجري التعبير عنه في تظاهرات شعبية خرجت ضد النفوذ الفرنسي في تشاد والنيجر ومالي وبروكينا فاسو وأخيرا في النيجر، كما أنه يمكن رصد اتجاهات الشباب الأفريقي من خلال مسارات وحوارات المؤتمرات الفرنسية الأفريقية، سواء في مؤتمر منظمات المجتمع المدني الذي عقد في كانون الثاني2021، أو في مؤتمر الشباب الصيف الماضي، وهما آليتان لجأت إليهما باريس بهدف تحسين صورتها، وتجاوز مشكلاتها مع عدد من الدول الأفريقية أبرزها: الجزائر ومالي اللتان وصل فيهما التلاسن السياسي بين الأطراف إلى مستويات غير مسبوقة، وكشف عن حجم الخسارة الفرنسية في أفريقيا'.
وبالنسبة لدلالات التحول السياسي لدول غرب أفريقيا، يقول الحجاحجة إن تلك الدول تشهد تناميا ملحوظا في الاضطرابات الداخلية وحالة عدم الاستقرار، وسط سيناريوهات ضبابية تلف المستقبل القريب لتلك المنطقة على وجه التحديد، والمهددة باتساع رقعة الفوضى والتهديدات، لا سيما في ضوء الأزمات السياسية الطاحنة، وغياب الحكم الرشيد في عدد من دول الإقليم، مع تآكل أو اهتراء المؤسسات الديمقراطية، ما كان عاملا لتكرار الانقلابات العسكرية، والتي كان آخرها الانقلاب في النيجر.
وأضاف ' على وقع تلك المعطيات لم يكن من الغريب أن تشهد منطقة غرب أفريقيا خلال الأعوام الماضية محاولات انقلاب، بالتزامن مع ما تشهده من تنام واسع لجماعات العنف والتطرف التي تستغل تأزم الأوضاع وغياب البنية الديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية، للانتشار في بيئة مواتية وجاذبة للإرهاب والعنف، بينما في الأخير يدفع السكان في عديد من دول غرب القارة السمراء ثمنا باهظا لذلك المشهد المأساوي شديد التعقيد.
ويرى الحجاحجة أن بيئة المتغيرات الراهنة على المستوى الداخلي تتميز بمفارقة مشتركة بين دول غرب أفريقيا، هي وفرة الموارد الطبيعية خصوصا النفط والمعادن وأهمها اليورانيوم، وضعف الاقتصادات، ولعل هذه المفارقة تعد معطى رئيسا في إنتاج هشاشة مؤسسة الدولة كناتج لسياسات تفتقد العدالة الاجتماعية بين نخبة مترفة مرتبطة بمصالح شركات عابرة للجنسية منتمية للدول الغربية خصوصا، وغالبية تعاني ثلاثية الفقر والجهل والمرض، وبطبيعة الحال هذه البيئة تلعب الدور الرئيس في إنتاج حالة عدم استقرار سياسي أعادت ظاهرة الانقلابات العسكرية التي تمركزت في إقليم غرب أفريقيا خلال الأعوام الماضية.
وعن أسباب الانقلاب والتوقعات لمآلات الوضع، يقول السفير السابق أحمد مبيضين، إن هذا الانقلاب يعود الى عوامل متداخلة فيها ما هو داخلي وما هو خارجي، على المستوى الداخلي هذا الانقلاب يعتبر في جزء كبير منه ناتج عن هشاشة الوضع داخل الدول الأفريقية التي لم تتمكن من إرساء مؤسسات مستقرة، ولم تراكم تجربة تنموية قادرة على تجاوز التبعية للخارج وتجاوز المعضلات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية التي تهم عددا من البلدان الواقعة في منطقة الساحل الأفريقي.
أما على المستوى الخارجي، يقول مبيضين،'لا تخفى على المتابع للمشهد حقيقة احتدام التنافس الشديد بين مجموعة من القوى الدولية الكبرى وانتقاله الى أفريقيا، موضحا أن هذا التنافس برز في مالي وعدد من الدول، وتجلى ذلك في شكل رفض للتواجد الفرنسي داخل أفريقيا في مقابل تصاعد أدوار بعض القوى الدولية والإقليمية كما هو الأمر بالنسبة لروسيا والصين.
ويرى مبيضين أن هشاشة بعض الأنظمة وعدم وجود مقومات تدعم سيادة الدول في أبعادها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية هو الذي فتح المجال أمام القوى الدولية لتمارس المزيد من التدخل بغية تحقيق مصالحها الأمنية والإستراتيجية وتوظفها في سياق الصراع الحالي لإرساء نظام دولي تعددي تسعى كل من روسيا والصين للعب دور طلائعي فيه.
وبرأي مبيضين، فإن السياق الإقليمي يشجع وبقوة على تنفيذ الانقلابات، مع تأكد نظرية العدوى الانقلابية، فخلال الأعوام الأخيرة كانت القارة الأفريقية مسرحا لسبعة انقلابات؛ مرتان في كل من مالي 2020 و2021، وبوركينا فاسو 2022، وانقلاب في كل من غينيا 2021، وتشاد 2021، والسودان 2021، فضلا عن تطورات السياق الدولي التي حولت منطقة غرب أفريقيا إلى بؤرة للصراع والتنافس بين المعسكرين القديم والجديد، ففرنسا ممثلة المعسكر الأول تدافع باستماتة عن الاستقرار المرادف الموضوعي لاستغلال عمره عقودا، فيما تحاول روسيا ممثلة المعسكر الثاني، تسخير كل الأساليب الناعمة والخشنة لبسط نفوذها على أوسع نطاق داخل القارة الأفريقية.
من زاوية أخرى، يرى مبيضين أن الوضع في المنطقة الأفريقية حاليا، يعزز النضال الشعبي ضد أي تدخل محتمل خاصة في منطقة غرب القارة في ظل تتنامى الشعبوية المعادية لفرنسا، التي اتضح عقب انسحابها من مالي وبوركينا فاسو من مهمة عملية مكافحة الإرهاب، أنها لم تعد الشريك المثالي للحرب على الإرهاب، وهو ما دفع قادة بعض الدول الأفريقية إلى الاستعانة بروسيا في ملف مكافحة الإرهاب الأفريقي.
وخلال الأيام الماضية، تصاعد ضغط المجتمع الدولي، على الانقلابيين في النيجر عشية انتهاء إنذار وجهته الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) مؤكدة استعدادها للتدخل عسكريا.
كما أكدت الخارجية الفرنسية السبت الماضي، دعمها بحزم وتصميم لجهود إيكواس لدحر محاولة الانقلاب، وقالت في بيان إن مستقبل النيجر واستقرار المنطقة بأكملها على المحك.
والجمعة، اجتمع القادة العسكريون لدول المجموعة في العاصمة النيجيرية أبوجا لمناقشة سبل التعامل مع أحدث انقلاب في منطقة الساحل الأفريقي.
وقال مفوض الشؤون السياسية والأمن في المنظمة الإقليمية، نريد أن تنجح الدبلوماسية ونريد نقل هذه الرسالة لهم (المجلس العسكري) بوضوح، بأننا نمنحهم كل فرصة للعودة عما قاموا به.
من جهته، يقول الخبير القانوني رياض الصرايرة، إن الانقلاب المعلن في النيجر ما يزال يثير ردود فعل واسعة إقليمية ودولية، خاصة وأن النيجر تمثل أهمية جيوسياسية بالنسبة للدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة باعتبار ما تملكانه في تلك المنطقة من قواعد عسكرية هامة.
وتابع 'النيجر التي تعد واحدة من أفقر دول العالم وأقلها نموا على الإطلاق، هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم الذي يعتبر ضرورة لفرنسا ومن ورائها الدول الغربية، ويدخل في الصناعات النووية والكهربائية الهامة.
وأضاف 'لعل التساؤل الأهم هو هل بدأت فرنسا تخسر نفوذها في القارة الأفريقية خاصة وأن انقلاب النيجر جاء بعد سلسلة انقلابات عرفتها المنطقة في مالي وبوركينا فاسو وأسقطت أنظمة حليفة لباريس والغرب عموما'.
بحسب الصرايرة، يعد هذا الانقلاب ضربة لمصالح فرنسا في هذا البلد خاصة بعد انسحابها من مالي إثر انقلاب أطاح بالرئيس الحليف الرئيسي لباريس، ومن شأن انقلاب النيجر أن يسهم في تشكيل خريطة جيوسياسية جديدة تعد جزءا من تحولات كبرى تشهدها القارة، خاصة مع دخول قوى على خط المعادلات مثل روسيا والصين واللتان تعتبران بالنسبة للمجتمعات الأفريقية جزءا من مرحلة جديدة هي مرحلة التخلص من النفود الفرنسي التقليدي الاستعماري وبناء شراكات جديدة مع قوى أخرى تقوم على الندية.
ويرى الصرايرة ، أنه بات من الواضح اليوم الترابط القوي بين المجلس العسكري في النيجر وروسيا خاصة بعد أن طلب الأخير رسميا دعم مجموعة 'فاغنر' العسكرية الروسية الخاصة، لمواجهة أي ضربة خارجية قد تنفذ ضدهم، من قبل مجموعة 'ايكواس' التي وضعت خطة لتدخل عسكري محتمل في النيجر.
ويرى الصرايرة أن أي عملية تدخل عسكري تدعمها فرنسا وأميركا، ستؤثر بشكل كبير على المنطقة بشكل كامل، فيما تخشى العديد من الدول التدخل العسكري في النيجر، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات ارتباطا بالجماعات المتطرفة والإرهابية في المنطقة.
وبحسب الصرايرة، تشكل المقاربات الفرنسية في غرب أفريقيا حالة تنافس وصراع بين إستراتيجيات الدول الكبرى الساعية إلى الموارد الطبيعية والنفوذ، بينما تشكل الطموحات الأفريقية المحلية الساعية إلى الاستقرار والنمو بيئة التفاعلات الراهنة في منطقة غرب أفريقيا، حيث تقدم الدول الكبرى نفسها، خصوصا فرنسا، داعمة لدول الغرب الأفريقي لمحاربة الإرهاب والحفاظ على استقرار الدول، بيد أن المقاربات الفرنسية على مدى عقد كامل لم يحالفها نجاح، وأنتجت مزيدا من الهشاشة والضعف لدول غرب أفريقيا التي كانت مستعمراتها القديمة.
يذكر أن آخر محاولة انقلاب فاشلة نفذت في النيجر كانت في آذار عام 2021، قبل أيام من أداء الرئيس بازوم اليمين الدستورية لتولي منصبه، حيث تحركت قوة من الجيش للاستيلاء على السلطة دون جدوى.
الغد
التعليقات