يسود التوتر الأمني 'مخيم عين الحلوة' في جنوب لبنان منذ بدأت اشتباكات ليل السبت الماضي، وأدت إلى إصابة العديد من الأشخاص، قبل التوصل إلى اتفاق للتهدئة في المخيم، ثم تجدد الاشتباكات مساء الأحد، وبوتيرة أشد، ليسمع دوي القذائف وأصوات طلقات الرصاص في المخيم وفي ضواحي مدينة صيدا القريبة.
وأدت الاشتباكات إلى مقتل 9 أشخاص على الأقل، وإصابة أكثر من 30 شخصاً في المخيم وفي محيطه، كما تسببت في تضرر محال ومنازل في المخيم وخارجه، ما دفع بالقوى الأمنية اللبنانية التي تحيط بالمخيم من الخارج إلى وقف حركة المرور في الشوارع القريبة، وإغلاق جميع مداخل المخيم.
وفي حين تجري جهات فلسطينية ولبنانية اتصالات مكثفة من أجل فرض هدنة وعودة الحياة إلى طبيعتها في المخيم، تسببت الاشتباكات في نزوح عدد كبير من العائلات، وقدرت مصادر من داخل المخيم أعداد النازحين بأكثر من 500 شخص، غالبيتهم توجهوا إلى مدينة صيدا.
والاشتباكات بين مجموعات مُتنافسة أمر شائع في مخيّم عين الحلوة الذي يؤوي نحو 47,500 لاجئ فلسطيني بحسب آخر إحصاء لأونروا في عام 2017، وانضمّ إليهم خلال السنوات الأخيرة بضعة آلاف من الفلسطينيّين الفارّين من سورية. وتأتي بعد نحو شهرين من اشتباكات مماثلة أدت إلى مقتل عضو في حركة فتح داخل المخيّم.
وتحدث عدد من النازحين إلى خارج المخيم مع 'العربي الجديد' عن الأوضاع الملتهبة والخسائر التي خلفتها الاشتباكات. تقول إلهام سعيد البدوي، النازحة من مخيم اليرموك السوري، إنها كانت تقيم في حي الطوارئ، وهو مدخل مخيم عين الحلوة، وإنها ظلت محاصرة في المنزل لمدة ثلاثة أيام ولم تستطع الخروج منه إلا صباح يوم الاثنين.
تضيف البدوي: 'قبل فترة تعرض زوجي لأزمة قلبية، وهو يخضع حالياً للعلاج، وكنت وزوجي وزوجة ابني وثلاثة أطفال محاصرين في البيت، وبينما كنا نغادر سقطت قذيفة أمامه، وكانت رشقات الرصاص لا تتوقف، حتى أن زوجي ترك دواءه في البيت، ومن شدة خوفنا لم نستطع حمل أي شيء سوى كيس صغير وضعنا فيه بعض الأغراض، والآن نحتمي بالجوامع، ولا نعرف ما الذي سيحل بنا. كل فترة تحصل اشتباكات، وفي كل مرة نخرج من بيوتنا هرباً. من غير المعقول أن نكون مرتهنين للخوف والموت مع النزوح. لن أعود إلى البيت في حال وقف إطلاق النار لأننا في كل مرة نهرب من بيوتنا إلى الطرقات والجوامع. نريد حلاً نهائياً لهذا الوضع الذي يعرض حياتنا وحياة أطفالنا للخطر'.
الشابة بتول حيدر، وهي لبنانية من أم فلسطينية وتقيم مع أسرتها في منطقة التعمير بالمخيم، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة وتتنقل عبر كرسي متحرك، تقول: 'كنا في البيت، وفجأة سمعنا أصوات القذائف، ولم نكن نعرف ما الذي يحصل، فقررنا ترك البيت خوفاً على أرواحنا. خرجت مع أهلي، وها نحن في جامع الموصلي. هل يعقل أن تترك فتاة مثلي تجلس على كرسي متحرك منزلها لتعيش في مسجد؟ وصلت إلى المسجد بصعوبة كبيرة، وحالياً أجد صعوبة بالغة في دخول المرحاض، وأجلس منذ أن تركت البيت على الكرسي المتحرك، فليس لدينا مكان آخر نذهب إليه'.
تضيف حيدر: 'لدي أختان تقيمان في منطقتي البركسات والصفصاف، لكنهما لم تستطيعا الخروج من المخيم، بينما نحن غادرنا، لكننا لا نرغب في الرجوع إلى البيت في مثل هذا الوضع، لأننا في كل اشتباكات مماثلة نتعرض للمصير ذاته، وأنا شخص يصعب عليه التنقل، فما بالكم بالنزوح تحت الرصاص'.
غادرت النازحة الفلسطينية أم حسام مخيم اليرموك في عام 2013 لتقيم في منطقة 'الطوارئ' بمخيم عين الحلوة، وتقول: 'غادرنا مساء الأحد بعدما سقطت قذيفة على البيت، عندي أولاد صغار، وحتى الآن لا أعرف كيف أمسكتهم وخرجت بهم من البيت، لقد ساعدنا في الخروج عدد من الشبان الذين لا أعرفهم، وسرنا في زواريب بالمخيم لم أكن أعرفها من قبل. عندما سقطت القذيفة علينا، كنت وابنتي وأولادها في البيت. في الصباح، خرج زوج ابنتي إلى عمله ولم تكن هناك أي اشتباكات، وفجأة عند الظهر، بدأنا نسمع أصوات القذائف والرصاص، وانقطت الكهرباء، وانقطع الإنترنت، لينقطع تواصلنا مع زوج ابنتي والآخرين، كما لم نستطع الخروج من المنزل بسبب حدة الاشتباكات'.
تتابع: 'بعدما أخرجنا الشبان من بيتنا، وضعونا في بيت آخر بعيد عن الاشتباكات لمدة ساعتين، وعند حلول المساء أخرجونا من الزواريب، وإذا طلب أحد مني العودة من الطريق ذاته فلن أعرف. خرجنا بالملابس التي علينا، حتى بطاقات هوياتنا لم نستطع حملها. أنا أحمل الهوية السورية، وكذلك ابنتي وأولادها، وإن ضاعت منا لا أعرف ما الذي نستطيع فعله. زوج ابنتي ما زال بملابس العمل، وقد التقيناه في الجامع، وبعض كبار السن نسوا أدويتهم في بيوتهم'.
تواصل: 'هناك أشخاص خيّرون يقدمون لنا ما نحتاجه من ماء وطعام، لكن هذا لا يعني أن المكان أفضل من بيوتنا، فالأطفال بحاجة لحياة هادئة وآمنة، وأولاد ابنتي لم يناموا إلا عند الرابعة فجراً، ولا نستطيع أن نستأجر منزلاً خارج المخيم، فأقل بيت في المخيم تبلغ قيمة إيجاره 100 دولار، وبالطبع ستكون كلفة الإيجار خارج المخيم أكبر، ووكالة (أونروا) لا تقدم لنا مقابل الإيجار سوى 50 دولاراً، و25 دولاراً كبدل طعام للشخص الواحد شهرياً، وهذا المبلغ لا يكفي بالطبع، كما أننا لا نستطيع العودة إلى سورية، فبيوتنا هناك مهدمة. ما زالت أصوات الرصاص تسمع من المخيم، ما يعني أننا لا نستطيع العودة إلى البيت إلا بعد إنهاء تلك الأزمة تماماً. الشعب الفلسطيني قدره التشرد، ومن تشرد إلى تشرد، ونحن حاليا مشردون في الشوارع والجوامع'.
قدر عدد النازحين من المخيم بسبب الاشتباكات بأكثر من 500 شخص
تتحدر النازحة الفلسطينية عفيفة داود من سعسع، وهي مقيمة بمنطقة التعمير في المخيم، وتقول: 'خرجنا من بيتنا عندما سمعنا أصوات القذائف والرصاص، فالرصاص والقذائف وصلت إلى بيتنا، وبعد خروجنا من البيت سقطت قذيفة في الطابق الثاني من المبنى الذي نسكنه، وهذا الطابق كانت تسكنه ابنتي، وحتى اللحظة لا تعلم أن بيتها أصيب بقذيفة واحترق أثاثه، ولا نستطيع إخبارها لأنها ستنهار، وهي مصابة بارتفاع ضغط الدم، وقد انتقل الحريق إلى بيتنا، ولا نعرف كيف تركته النيران'.
تتابع: 'غادرنا البيت لأن معنا أطفال صغار، كما أن معنا فتاة قعيدة، ولا نعرف كيف خرجنا، فقد ساعدنا بعض الشبان. المسؤولون عن الاشتباكات أشخاص ليس عندهم ضمير، فما ذنب الأطفال والنساء والشيوخ في كل ما يحصل، وبعد توقف الاشتباكات، من سيعيد بناء منازل الناس التي تهدمت؟ لقد كنت من سكان مخيم نهر البارد الذي تهدم في عام 2007، وذقت نكبته، ولم يُعَد بناء البيوت حتى الآن. من يقوم بهذا العمل لا يتذكر أن هناك مسنين وأطفال ونساء أجبروا على النزوح والتشرد في الطرقات، وأوضاع الناس المادية لا تحتمل هذا النزوح، ولا هذا الدمار الذي تعرضت له بيوتهم. ينبغي إنهاء هذه المظاهر المسلحة، أو إخراجنا إلى مكان آخر، أو بلد آخر'.
لجوء واغتراب
وتشهد مدينة صيدا شللاً كاملاً في كل مناحي الحياة منذ بدء الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، إذ تم إقفال كل المصالح الرسمية والبنوك، كما توقفت خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في المخيم، وقالت الوكالة في بيان: 'في ضوء الأحداث الجارية في مخيم عين الحلوة واستخدام الأسلحة الثقيلة، قررت أونروا تعليق جميع خدماتها وعملياتها في المخيم'.
وتشير التقارير الواردة من المخيم إلى أن الأوضاع لا تزال متوترة، وتعرضت مدرستان تابعتان لوكالة 'أونروا' لأضرار متباينة. وطالبت الوكالة كافة أطراف الاشتباكات بضرورة الوقف الفوري لهذه الاشتباكات لحماية المدنيين، كما دعت جميع الأطراف المعنية إلى احترام حرمة مباني الأمم المتحدة، مؤكدة أنها ستواصل مراقبة تطورات الأوضاع وستقدم تحديثات عن مواصلة خدماتها وفقاً لذلك.
ويوجد أكثر من 180 ألف لاجئ فلسطيني مسجّلين لدى وكالة أونروا في لبنان، ويعيش معظمهم في 12 مخيّماً رسمياً، ويعانون من ظروف بائسة فاقمتها الأزمة الاقتصادية، ويواجهون مجموعة من القيود القانونيّة، خصوصاً في العمل.
يسود التوتر الأمني 'مخيم عين الحلوة' في جنوب لبنان منذ بدأت اشتباكات ليل السبت الماضي، وأدت إلى إصابة العديد من الأشخاص، قبل التوصل إلى اتفاق للتهدئة في المخيم، ثم تجدد الاشتباكات مساء الأحد، وبوتيرة أشد، ليسمع دوي القذائف وأصوات طلقات الرصاص في المخيم وفي ضواحي مدينة صيدا القريبة.
وأدت الاشتباكات إلى مقتل 9 أشخاص على الأقل، وإصابة أكثر من 30 شخصاً في المخيم وفي محيطه، كما تسببت في تضرر محال ومنازل في المخيم وخارجه، ما دفع بالقوى الأمنية اللبنانية التي تحيط بالمخيم من الخارج إلى وقف حركة المرور في الشوارع القريبة، وإغلاق جميع مداخل المخيم.
وفي حين تجري جهات فلسطينية ولبنانية اتصالات مكثفة من أجل فرض هدنة وعودة الحياة إلى طبيعتها في المخيم، تسببت الاشتباكات في نزوح عدد كبير من العائلات، وقدرت مصادر من داخل المخيم أعداد النازحين بأكثر من 500 شخص، غالبيتهم توجهوا إلى مدينة صيدا.
والاشتباكات بين مجموعات مُتنافسة أمر شائع في مخيّم عين الحلوة الذي يؤوي نحو 47,500 لاجئ فلسطيني بحسب آخر إحصاء لأونروا في عام 2017، وانضمّ إليهم خلال السنوات الأخيرة بضعة آلاف من الفلسطينيّين الفارّين من سورية. وتأتي بعد نحو شهرين من اشتباكات مماثلة أدت إلى مقتل عضو في حركة فتح داخل المخيّم.
وتحدث عدد من النازحين إلى خارج المخيم مع 'العربي الجديد' عن الأوضاع الملتهبة والخسائر التي خلفتها الاشتباكات. تقول إلهام سعيد البدوي، النازحة من مخيم اليرموك السوري، إنها كانت تقيم في حي الطوارئ، وهو مدخل مخيم عين الحلوة، وإنها ظلت محاصرة في المنزل لمدة ثلاثة أيام ولم تستطع الخروج منه إلا صباح يوم الاثنين.
تضيف البدوي: 'قبل فترة تعرض زوجي لأزمة قلبية، وهو يخضع حالياً للعلاج، وكنت وزوجي وزوجة ابني وثلاثة أطفال محاصرين في البيت، وبينما كنا نغادر سقطت قذيفة أمامه، وكانت رشقات الرصاص لا تتوقف، حتى أن زوجي ترك دواءه في البيت، ومن شدة خوفنا لم نستطع حمل أي شيء سوى كيس صغير وضعنا فيه بعض الأغراض، والآن نحتمي بالجوامع، ولا نعرف ما الذي سيحل بنا. كل فترة تحصل اشتباكات، وفي كل مرة نخرج من بيوتنا هرباً. من غير المعقول أن نكون مرتهنين للخوف والموت مع النزوح. لن أعود إلى البيت في حال وقف إطلاق النار لأننا في كل مرة نهرب من بيوتنا إلى الطرقات والجوامع. نريد حلاً نهائياً لهذا الوضع الذي يعرض حياتنا وحياة أطفالنا للخطر'.
الشابة بتول حيدر، وهي لبنانية من أم فلسطينية وتقيم مع أسرتها في منطقة التعمير بالمخيم، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة وتتنقل عبر كرسي متحرك، تقول: 'كنا في البيت، وفجأة سمعنا أصوات القذائف، ولم نكن نعرف ما الذي يحصل، فقررنا ترك البيت خوفاً على أرواحنا. خرجت مع أهلي، وها نحن في جامع الموصلي. هل يعقل أن تترك فتاة مثلي تجلس على كرسي متحرك منزلها لتعيش في مسجد؟ وصلت إلى المسجد بصعوبة كبيرة، وحالياً أجد صعوبة بالغة في دخول المرحاض، وأجلس منذ أن تركت البيت على الكرسي المتحرك، فليس لدينا مكان آخر نذهب إليه'.
تضيف حيدر: 'لدي أختان تقيمان في منطقتي البركسات والصفصاف، لكنهما لم تستطيعا الخروج من المخيم، بينما نحن غادرنا، لكننا لا نرغب في الرجوع إلى البيت في مثل هذا الوضع، لأننا في كل اشتباكات مماثلة نتعرض للمصير ذاته، وأنا شخص يصعب عليه التنقل، فما بالكم بالنزوح تحت الرصاص'.
غادرت النازحة الفلسطينية أم حسام مخيم اليرموك في عام 2013 لتقيم في منطقة 'الطوارئ' بمخيم عين الحلوة، وتقول: 'غادرنا مساء الأحد بعدما سقطت قذيفة على البيت، عندي أولاد صغار، وحتى الآن لا أعرف كيف أمسكتهم وخرجت بهم من البيت، لقد ساعدنا في الخروج عدد من الشبان الذين لا أعرفهم، وسرنا في زواريب بالمخيم لم أكن أعرفها من قبل. عندما سقطت القذيفة علينا، كنت وابنتي وأولادها في البيت. في الصباح، خرج زوج ابنتي إلى عمله ولم تكن هناك أي اشتباكات، وفجأة عند الظهر، بدأنا نسمع أصوات القذائف والرصاص، وانقطت الكهرباء، وانقطع الإنترنت، لينقطع تواصلنا مع زوج ابنتي والآخرين، كما لم نستطع الخروج من المنزل بسبب حدة الاشتباكات'.
تتابع: 'بعدما أخرجنا الشبان من بيتنا، وضعونا في بيت آخر بعيد عن الاشتباكات لمدة ساعتين، وعند حلول المساء أخرجونا من الزواريب، وإذا طلب أحد مني العودة من الطريق ذاته فلن أعرف. خرجنا بالملابس التي علينا، حتى بطاقات هوياتنا لم نستطع حملها. أنا أحمل الهوية السورية، وكذلك ابنتي وأولادها، وإن ضاعت منا لا أعرف ما الذي نستطيع فعله. زوج ابنتي ما زال بملابس العمل، وقد التقيناه في الجامع، وبعض كبار السن نسوا أدويتهم في بيوتهم'.
تواصل: 'هناك أشخاص خيّرون يقدمون لنا ما نحتاجه من ماء وطعام، لكن هذا لا يعني أن المكان أفضل من بيوتنا، فالأطفال بحاجة لحياة هادئة وآمنة، وأولاد ابنتي لم يناموا إلا عند الرابعة فجراً، ولا نستطيع أن نستأجر منزلاً خارج المخيم، فأقل بيت في المخيم تبلغ قيمة إيجاره 100 دولار، وبالطبع ستكون كلفة الإيجار خارج المخيم أكبر، ووكالة (أونروا) لا تقدم لنا مقابل الإيجار سوى 50 دولاراً، و25 دولاراً كبدل طعام للشخص الواحد شهرياً، وهذا المبلغ لا يكفي بالطبع، كما أننا لا نستطيع العودة إلى سورية، فبيوتنا هناك مهدمة. ما زالت أصوات الرصاص تسمع من المخيم، ما يعني أننا لا نستطيع العودة إلى البيت إلا بعد إنهاء تلك الأزمة تماماً. الشعب الفلسطيني قدره التشرد، ومن تشرد إلى تشرد، ونحن حاليا مشردون في الشوارع والجوامع'.
قدر عدد النازحين من المخيم بسبب الاشتباكات بأكثر من 500 شخص
تتحدر النازحة الفلسطينية عفيفة داود من سعسع، وهي مقيمة بمنطقة التعمير في المخيم، وتقول: 'خرجنا من بيتنا عندما سمعنا أصوات القذائف والرصاص، فالرصاص والقذائف وصلت إلى بيتنا، وبعد خروجنا من البيت سقطت قذيفة في الطابق الثاني من المبنى الذي نسكنه، وهذا الطابق كانت تسكنه ابنتي، وحتى اللحظة لا تعلم أن بيتها أصيب بقذيفة واحترق أثاثه، ولا نستطيع إخبارها لأنها ستنهار، وهي مصابة بارتفاع ضغط الدم، وقد انتقل الحريق إلى بيتنا، ولا نعرف كيف تركته النيران'.
تتابع: 'غادرنا البيت لأن معنا أطفال صغار، كما أن معنا فتاة قعيدة، ولا نعرف كيف خرجنا، فقد ساعدنا بعض الشبان. المسؤولون عن الاشتباكات أشخاص ليس عندهم ضمير، فما ذنب الأطفال والنساء والشيوخ في كل ما يحصل، وبعد توقف الاشتباكات، من سيعيد بناء منازل الناس التي تهدمت؟ لقد كنت من سكان مخيم نهر البارد الذي تهدم في عام 2007، وذقت نكبته، ولم يُعَد بناء البيوت حتى الآن. من يقوم بهذا العمل لا يتذكر أن هناك مسنين وأطفال ونساء أجبروا على النزوح والتشرد في الطرقات، وأوضاع الناس المادية لا تحتمل هذا النزوح، ولا هذا الدمار الذي تعرضت له بيوتهم. ينبغي إنهاء هذه المظاهر المسلحة، أو إخراجنا إلى مكان آخر، أو بلد آخر'.
لجوء واغتراب
وتشهد مدينة صيدا شللاً كاملاً في كل مناحي الحياة منذ بدء الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، إذ تم إقفال كل المصالح الرسمية والبنوك، كما توقفت خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في المخيم، وقالت الوكالة في بيان: 'في ضوء الأحداث الجارية في مخيم عين الحلوة واستخدام الأسلحة الثقيلة، قررت أونروا تعليق جميع خدماتها وعملياتها في المخيم'.
وتشير التقارير الواردة من المخيم إلى أن الأوضاع لا تزال متوترة، وتعرضت مدرستان تابعتان لوكالة 'أونروا' لأضرار متباينة. وطالبت الوكالة كافة أطراف الاشتباكات بضرورة الوقف الفوري لهذه الاشتباكات لحماية المدنيين، كما دعت جميع الأطراف المعنية إلى احترام حرمة مباني الأمم المتحدة، مؤكدة أنها ستواصل مراقبة تطورات الأوضاع وستقدم تحديثات عن مواصلة خدماتها وفقاً لذلك.
ويوجد أكثر من 180 ألف لاجئ فلسطيني مسجّلين لدى وكالة أونروا في لبنان، ويعيش معظمهم في 12 مخيّماً رسمياً، ويعانون من ظروف بائسة فاقمتها الأزمة الاقتصادية، ويواجهون مجموعة من القيود القانونيّة، خصوصاً في العمل.
يسود التوتر الأمني 'مخيم عين الحلوة' في جنوب لبنان منذ بدأت اشتباكات ليل السبت الماضي، وأدت إلى إصابة العديد من الأشخاص، قبل التوصل إلى اتفاق للتهدئة في المخيم، ثم تجدد الاشتباكات مساء الأحد، وبوتيرة أشد، ليسمع دوي القذائف وأصوات طلقات الرصاص في المخيم وفي ضواحي مدينة صيدا القريبة.
وأدت الاشتباكات إلى مقتل 9 أشخاص على الأقل، وإصابة أكثر من 30 شخصاً في المخيم وفي محيطه، كما تسببت في تضرر محال ومنازل في المخيم وخارجه، ما دفع بالقوى الأمنية اللبنانية التي تحيط بالمخيم من الخارج إلى وقف حركة المرور في الشوارع القريبة، وإغلاق جميع مداخل المخيم.
وفي حين تجري جهات فلسطينية ولبنانية اتصالات مكثفة من أجل فرض هدنة وعودة الحياة إلى طبيعتها في المخيم، تسببت الاشتباكات في نزوح عدد كبير من العائلات، وقدرت مصادر من داخل المخيم أعداد النازحين بأكثر من 500 شخص، غالبيتهم توجهوا إلى مدينة صيدا.
والاشتباكات بين مجموعات مُتنافسة أمر شائع في مخيّم عين الحلوة الذي يؤوي نحو 47,500 لاجئ فلسطيني بحسب آخر إحصاء لأونروا في عام 2017، وانضمّ إليهم خلال السنوات الأخيرة بضعة آلاف من الفلسطينيّين الفارّين من سورية. وتأتي بعد نحو شهرين من اشتباكات مماثلة أدت إلى مقتل عضو في حركة فتح داخل المخيّم.
وتحدث عدد من النازحين إلى خارج المخيم مع 'العربي الجديد' عن الأوضاع الملتهبة والخسائر التي خلفتها الاشتباكات. تقول إلهام سعيد البدوي، النازحة من مخيم اليرموك السوري، إنها كانت تقيم في حي الطوارئ، وهو مدخل مخيم عين الحلوة، وإنها ظلت محاصرة في المنزل لمدة ثلاثة أيام ولم تستطع الخروج منه إلا صباح يوم الاثنين.
تضيف البدوي: 'قبل فترة تعرض زوجي لأزمة قلبية، وهو يخضع حالياً للعلاج، وكنت وزوجي وزوجة ابني وثلاثة أطفال محاصرين في البيت، وبينما كنا نغادر سقطت قذيفة أمامه، وكانت رشقات الرصاص لا تتوقف، حتى أن زوجي ترك دواءه في البيت، ومن شدة خوفنا لم نستطع حمل أي شيء سوى كيس صغير وضعنا فيه بعض الأغراض، والآن نحتمي بالجوامع، ولا نعرف ما الذي سيحل بنا. كل فترة تحصل اشتباكات، وفي كل مرة نخرج من بيوتنا هرباً. من غير المعقول أن نكون مرتهنين للخوف والموت مع النزوح. لن أعود إلى البيت في حال وقف إطلاق النار لأننا في كل مرة نهرب من بيوتنا إلى الطرقات والجوامع. نريد حلاً نهائياً لهذا الوضع الذي يعرض حياتنا وحياة أطفالنا للخطر'.
الشابة بتول حيدر، وهي لبنانية من أم فلسطينية وتقيم مع أسرتها في منطقة التعمير بالمخيم، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة وتتنقل عبر كرسي متحرك، تقول: 'كنا في البيت، وفجأة سمعنا أصوات القذائف، ولم نكن نعرف ما الذي يحصل، فقررنا ترك البيت خوفاً على أرواحنا. خرجت مع أهلي، وها نحن في جامع الموصلي. هل يعقل أن تترك فتاة مثلي تجلس على كرسي متحرك منزلها لتعيش في مسجد؟ وصلت إلى المسجد بصعوبة كبيرة، وحالياً أجد صعوبة بالغة في دخول المرحاض، وأجلس منذ أن تركت البيت على الكرسي المتحرك، فليس لدينا مكان آخر نذهب إليه'.
تضيف حيدر: 'لدي أختان تقيمان في منطقتي البركسات والصفصاف، لكنهما لم تستطيعا الخروج من المخيم، بينما نحن غادرنا، لكننا لا نرغب في الرجوع إلى البيت في مثل هذا الوضع، لأننا في كل اشتباكات مماثلة نتعرض للمصير ذاته، وأنا شخص يصعب عليه التنقل، فما بالكم بالنزوح تحت الرصاص'.
غادرت النازحة الفلسطينية أم حسام مخيم اليرموك في عام 2013 لتقيم في منطقة 'الطوارئ' بمخيم عين الحلوة، وتقول: 'غادرنا مساء الأحد بعدما سقطت قذيفة على البيت، عندي أولاد صغار، وحتى الآن لا أعرف كيف أمسكتهم وخرجت بهم من البيت، لقد ساعدنا في الخروج عدد من الشبان الذين لا أعرفهم، وسرنا في زواريب بالمخيم لم أكن أعرفها من قبل. عندما سقطت القذيفة علينا، كنت وابنتي وأولادها في البيت. في الصباح، خرج زوج ابنتي إلى عمله ولم تكن هناك أي اشتباكات، وفجأة عند الظهر، بدأنا نسمع أصوات القذائف والرصاص، وانقطت الكهرباء، وانقطع الإنترنت، لينقطع تواصلنا مع زوج ابنتي والآخرين، كما لم نستطع الخروج من المنزل بسبب حدة الاشتباكات'.
تتابع: 'بعدما أخرجنا الشبان من بيتنا، وضعونا في بيت آخر بعيد عن الاشتباكات لمدة ساعتين، وعند حلول المساء أخرجونا من الزواريب، وإذا طلب أحد مني العودة من الطريق ذاته فلن أعرف. خرجنا بالملابس التي علينا، حتى بطاقات هوياتنا لم نستطع حملها. أنا أحمل الهوية السورية، وكذلك ابنتي وأولادها، وإن ضاعت منا لا أعرف ما الذي نستطيع فعله. زوج ابنتي ما زال بملابس العمل، وقد التقيناه في الجامع، وبعض كبار السن نسوا أدويتهم في بيوتهم'.
تواصل: 'هناك أشخاص خيّرون يقدمون لنا ما نحتاجه من ماء وطعام، لكن هذا لا يعني أن المكان أفضل من بيوتنا، فالأطفال بحاجة لحياة هادئة وآمنة، وأولاد ابنتي لم يناموا إلا عند الرابعة فجراً، ولا نستطيع أن نستأجر منزلاً خارج المخيم، فأقل بيت في المخيم تبلغ قيمة إيجاره 100 دولار، وبالطبع ستكون كلفة الإيجار خارج المخيم أكبر، ووكالة (أونروا) لا تقدم لنا مقابل الإيجار سوى 50 دولاراً، و25 دولاراً كبدل طعام للشخص الواحد شهرياً، وهذا المبلغ لا يكفي بالطبع، كما أننا لا نستطيع العودة إلى سورية، فبيوتنا هناك مهدمة. ما زالت أصوات الرصاص تسمع من المخيم، ما يعني أننا لا نستطيع العودة إلى البيت إلا بعد إنهاء تلك الأزمة تماماً. الشعب الفلسطيني قدره التشرد، ومن تشرد إلى تشرد، ونحن حاليا مشردون في الشوارع والجوامع'.
قدر عدد النازحين من المخيم بسبب الاشتباكات بأكثر من 500 شخص
تتحدر النازحة الفلسطينية عفيفة داود من سعسع، وهي مقيمة بمنطقة التعمير في المخيم، وتقول: 'خرجنا من بيتنا عندما سمعنا أصوات القذائف والرصاص، فالرصاص والقذائف وصلت إلى بيتنا، وبعد خروجنا من البيت سقطت قذيفة في الطابق الثاني من المبنى الذي نسكنه، وهذا الطابق كانت تسكنه ابنتي، وحتى اللحظة لا تعلم أن بيتها أصيب بقذيفة واحترق أثاثه، ولا نستطيع إخبارها لأنها ستنهار، وهي مصابة بارتفاع ضغط الدم، وقد انتقل الحريق إلى بيتنا، ولا نعرف كيف تركته النيران'.
تتابع: 'غادرنا البيت لأن معنا أطفال صغار، كما أن معنا فتاة قعيدة، ولا نعرف كيف خرجنا، فقد ساعدنا بعض الشبان. المسؤولون عن الاشتباكات أشخاص ليس عندهم ضمير، فما ذنب الأطفال والنساء والشيوخ في كل ما يحصل، وبعد توقف الاشتباكات، من سيعيد بناء منازل الناس التي تهدمت؟ لقد كنت من سكان مخيم نهر البارد الذي تهدم في عام 2007، وذقت نكبته، ولم يُعَد بناء البيوت حتى الآن. من يقوم بهذا العمل لا يتذكر أن هناك مسنين وأطفال ونساء أجبروا على النزوح والتشرد في الطرقات، وأوضاع الناس المادية لا تحتمل هذا النزوح، ولا هذا الدمار الذي تعرضت له بيوتهم. ينبغي إنهاء هذه المظاهر المسلحة، أو إخراجنا إلى مكان آخر، أو بلد آخر'.
لجوء واغتراب
وتشهد مدينة صيدا شللاً كاملاً في كل مناحي الحياة منذ بدء الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، إذ تم إقفال كل المصالح الرسمية والبنوك، كما توقفت خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في المخيم، وقالت الوكالة في بيان: 'في ضوء الأحداث الجارية في مخيم عين الحلوة واستخدام الأسلحة الثقيلة، قررت أونروا تعليق جميع خدماتها وعملياتها في المخيم'.
وتشير التقارير الواردة من المخيم إلى أن الأوضاع لا تزال متوترة، وتعرضت مدرستان تابعتان لوكالة 'أونروا' لأضرار متباينة. وطالبت الوكالة كافة أطراف الاشتباكات بضرورة الوقف الفوري لهذه الاشتباكات لحماية المدنيين، كما دعت جميع الأطراف المعنية إلى احترام حرمة مباني الأمم المتحدة، مؤكدة أنها ستواصل مراقبة تطورات الأوضاع وستقدم تحديثات عن مواصلة خدماتها وفقاً لذلك.
ويوجد أكثر من 180 ألف لاجئ فلسطيني مسجّلين لدى وكالة أونروا في لبنان، ويعيش معظمهم في 12 مخيّماً رسمياً، ويعانون من ظروف بائسة فاقمتها الأزمة الاقتصادية، ويواجهون مجموعة من القيود القانونيّة، خصوصاً في العمل.
التعليقات