يحذر رئيس سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سلطات الاحتلال من التورط بـ “الوحل الفلسطيني”، ويتوقف عند مخاطر الحملة العسكرية الواسعة في الضفة الغربية المحتلة، على غرار “السور الواقي”. ويقول الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية، والباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، عاموس يدلين، وأودي أفنطال، الباحث المتخصص في الإستراتيجيات والتخطيط السياسي، ضمن مقال مشترك، إن التصرف من دون دراسة بالساحة الفلسطينية سيعود كيداً مرتداً على إسرائيل في عدة أوجه.
ويقول يادلين وأفنطال، في المقال المنشور في موقع القناة 12 العبرية، إن العملية الدامية في مستوطنة عيلي وقعت بينما كانت الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية في حالة من التردّد بشأن القيام بعملية عسكرية واسعة ضد مراكز “الإرهاب” في الضفة الغربية، وبصورة خاصة في محافظتي جنين ونابلس، هدفها الأساسي منح مواطني إسرائيل الأمان.
وطبقاً لهما، تركّزَ النقاش، وخصوصاً في الإعلام العبري، على الأبعاد العملياتية، وهو نقاش ضروري في ظل المطالبات بـ “سور واقي 2″، لكن في نهاية المطاف، تبدو السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية مسألة أوسع بكثير، ولها انعكاسات إستراتيجية من الدرجة الأولى. ويقولان إن الظروف العملياتية والإستراتيجية التي سادت خلال عملية “السور الواقي”، عام 2002، تختلف كلياً عن الوضع الحالي، وإنه من المهم جداً دراسة الهدف الإستراتيجي لعملية كهذه، أولاً من ناحية الإنجازات المتوقعة، وثانياً من ناحية الأثمان. ويتساءلان؛ بمَ ستساهم العملية مع طريقة العمل المتبعة حالياً، وكيف يمكن دفع الوضع إلى الاستقرار من بعدها؟ هل عبْر سيطرة عملياتية مباشرة لقوات الجيش المعززة في الميدان؟ أم العودة إلى روتين “كاسر الأمواج” والاقتحامات والاعتقالات؟ أم عودة أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية للسيطرة بالتدريج على الميدان، وضمنها التنسيق الأمني الفعّال؟ وينبهان إلى أنه من أجل قيادة سليمة لقطار الأمن القومي، على المستوى السياسي أن يصغي جيداً لتوصيات الجيش و”الشاباك”، وألّا يتخذ قراراته على أساس حسابات وحجج سياسية، أو من أجل خدمة الأجندات المسيانية الغيبية للمستوطنين المتطرّفين في الحكومة، الذين يسعون لتفكيك السلطة الفلسطينية، والسيطرة العسكرية من جديد على كامل أراضي الضفة وضمّها.
اتجاهات التصعيد والتحذير من الاشتعال
ويعتبر يادلين وأفينطال العملية في عيلي، وما سبقها من “حادث مؤلم جرّاء تفجير عبوة ناسفة ضد جنود الجيش في جنين، هما جزء من اتجاه نحو التصعيد في مناطق الضفة الغربية، وخصوصاً في شمالها. وبرأيهما هذا الاتجاه ينعكس من خلال ارتفاع وتيرة “الإرهاب” وقدرته على القتل، وفي العمليات على المحاور، ومحاولات اقتحام المستوطنات، وإطلاق النار على المستوطنات داخل إسرائيل، والاحتكاك المتصاعد بين مسلحين وقوات الجيش، وتصنيع عبوات ذكية أكثر، وغيرها. كما ينبهان إلى أن جزءاً كبيراً من هذه العمليات ينفّذ على يد شبّان في إطار تنظيمات محلية، أو على يد أفراد، وبعضهم يتم توجيهه من جانب “منظّمات إرهابية”، فيما
تبذل إيران جهوداً لإيصال الأموال والسلاح إلى الميدان، وزيادة ضغط “الإرهاب” على إسرائيل.
ومن أجل توضيح الرسالة، يعود الباحثان الإسرائيليان للوراء: “قبل عدة أعوام، وضعت شعبة الاستخبارات العسكرية على طاولة المستوى السياسي تحذيراً إستراتيجياً من انفجار واسع في الضفة الغربية، سيُترجم عبر تصعيد واسع “للإرهاب” على مستوى الحجم، والمساحة الجغرافية، والمشاركة الشعبية والوقت. ويبدو أن هذا التحذير لا يزال قائماً اليوم، حتى لو لم يتحقق كاملاً فإن ظروف الانفجار قائمة: جيل لم يعرف الانتفاضة وأثمانها الكبيرة؛ استمرار الاحتلال من دون أمل أو أفق سياسي؛ تراجع مكانة السلطة الفلسطينية كمنظومة حكم في نهايات حكم عباس، وضعف أجهزتها الأمنية الفاعلة في ظل فجوات في السيادة والشرعية، ومنطقة مليئة بالسلاح، بالإضافة إلى تشجيع “الإرهاب” من جانب إيران و”حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وجهات أُخرى”.
لماذا تُعتبر العملية العسكرية الواسعة مسألة إستراتيجية؟
هكذا يتساءل يادلين وأفينطال، ويجيبان على السؤال بالقول: أولاً، لأنه من الضروري تعريف أهدافها السياسية، والإنجازات العسكرية المطلوب تحقيقها، وما هي تداعيات العملية على سلم الأولويات القومي، كأهداف إسرائيل في مقابل إيران، و”حزب الله” وقطاع غزة، وعلاقاتها مع دول المنطقة والساحة الدولية. ثانياً، لأنه يمكن أن تكون لكل عملية عسكرية تداعيات غير مرغوب فيها، كأن لا تسير العملية العسكرية كما خطط لها، أو أن تلحق ضرراً كبيراً بالأبرياء، أو تدفع قواتنا إلى داخل البلدات ومخيمات اللجوء، وتلحق الضرر بروتين حياة المواطنين الفلسطينيين، وتوسيع دائرة المشاركين بـ “الإرهاب”، وهو ما يؤدي عملياً إلى جعل الواقع أسوأ، بما معناه تحقق التحذير الإستراتيجي، وهو ما يمكن أن يرافقه ضرر كبير في مكانة إسرائيل الدولية واقتصادها.
وطبقاً لهما، ففي هذه المرحلة، لا يزال جيش الاحتلال يوصي بعمليات محدودة ضد جهات “إرهابية”، مع الإبقاء على الفصل بين المجتمع المدني و”الإرهاب” على أساس معلومات استخباراتية دقيقة، لكنه من دون شك يبحث في البدائل الأُخرى، وعلى رأسها طريقة العمل العملياتية، الاستخباراتية المختلفة في شمال الضفة الغربية، مع التشديد على ألا ينزلق الوضع هناك إلى مناطق أُخرى لا تزال تسيطر عليها أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. ثالثاً، كما تعلمنا من الأحداث الأمنية خلال العامين الماضيين، فإن التصعيد الحاد في ساحة يمكن أن يشكّل “عدوى” تنتقل إلى ساحات إضافية، كغزة والقدس والمدن المختلطة الساحلية، كما حصل في عكا ويافا واللد، في مايو/ أيار 2021، وحتى الساحة الشمالية، وهذا من شأنه أن يوسّع دائرة المواجهة، وأن يزيد حدة التوتر في مواجهة “حزب الله”، الذي انفتحت شهيته على تحدّي إسرائيل. هذا بالإضافة إلى أن من الواضح أن تخصيص قوات إضافية للضفة الغربية سيكون على حساب جاهزيتهم للحرب ضد “حزب الله”، التهديد الأكبر على حدودنا. ورغم ذلك، يجب على المجلس الوزاري المصغر أن يبحث في سياسته تجاه “حماس” في قطاع غزة، التي توجّه “الإرهاب” في الضفة، وتتمتّع بالهدوء والمال في غزة. رابعاً، إن تصعيداً واسعاً ومستمراً في الضفة الغربية، وخصوصاً في سيناريو متعدّد الجبهات، سيؤثر في الواقع السياسي- الأمني الإستراتيجي لإسرائيل: ويلحق الضرر بشكل كبير بقدرة إسرائيل على التعامل مع التطورات المركّبة في مجال الملف النووي الإيراني، ويستنزف الفرصة غير المؤكدة بشأن التطبيع مع السعودية.
ويتابعان في استعراض المخاطر المترتبة على حملة إسرائيلية واسعة: “أمّا الإدارة الأمريكية، التي تزعزعت علاقاتنا معها أصلاً، فإنها تحذّر منذ الآن من أن الأحداث في الساحة الفلسطينية يمكنها أن تلحق الضرر بجهود التطبيع، وأيضاً بالسياسة تجاه الملف النووي الإيراني والإستراتيجية الإسرائيلية التي تستند في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة وإدارة بايدن”.
سلم الأولويات الوطني
وضمن الاستخلاصات، يقول الباحثان إنه في ظل أوضاع كهذه، وبالتزامن مع مواجهة الجهات “الإرهابية”، والجهود المركّزة لإعادة الأمن لكل مواطني إسرائيل، يجب عدم اتخاذ خطوات تصعيدية متسرّعة تؤدي إلى تراجع الوضع الاقتصادي في الضفة وغزة، وتغيير السياسة التي تفصل بين المجتمع الفلسطيني و”الإرهاب”، والتدخّل السياسي الفجّ بشأن تفعيل قوات الأمن، وخطوات الضم، تشريع البؤر، والبناء غير المسيطر عليه في المستوطنات، وهو ما يعزّز الإدانات على نطاق عالمي، ويجعل علاقاتنا مع واشنطن أسوأ؛ هجمات الإرهاب اليهودية ضد الفلسطينيين؛ إضعاف إضافي للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية (التي تعتقد جميع الجهات الأمنية أنها لا تزال تؤدي وظيفة مهمة في الحفاظ على الاستقرار)، والأهم من هذا كله أحداث في المسجد الأقصى تفسّر على أنها تغيير للوضع القائم هناك.
ويؤكدان أنه، في نهاية المطاف، على الحكومة الإسرائيلية أن تجد الرد اللازم تجاه “الإرهاب” المتصاعد، لكن عليها أيضاً أن تقرّر إن كانت غايتها الإبقاء على الأهداف الإستراتيجية التي وضعتْها، أي وقف مسار تحول إيران إلى نووية وعلاقات مع السعودية، أم الغرق في “الوحل الفلسطيني” الذي يريد المتطرّفون الإسرائيليون وإيران أن يدفعوا إسرائيل إليه.
وبرأيهما، يجب أن تكون طريقة العمل العملياتي واضحة وذكية من حيث الوقت والمكان، وأن تسمح بتحسين الوضع الأمني، من دون أن تسيطر الساحة الفلسطينية كلياً على سلم الأولويات الوطني، وجر الجيش إلى داخل المدن الفلسطينية في الضفة استجابة لرغبات أعداء إسرائيل، فيصبح مستقبلها كدولة يهودية و”ديمقراطية” بخطر.
ختاماً، يؤكد الباحثان الإسرائيليان أنه من الواضح أن الواقع الأمني المركّب يرتبط مباشرة بالأزمة التي دخلتها إسرائيل نتيجة الانقلاب القضائي. ويعللان ذلك بالقول إن المواجهة الداخلية في إسرائيل بهذا الشأن، كما أزمة جنود الاحتياط، والعلاقات المتزعزعة بين وزير الأمن والأجهزة الأمنية من جهة، ورئيس الحكومة من جهة ثانية، كما الفجوة مع واشنطن، جميعها أمور تبث الضعف.
ويضيفان: “هذا هو الوقت المناسب للامتناع عن الخطوة المضرّة، والتركيز على التحديات الإستراتيجية الكبيرة أمامنا، التي تستوجب وحدة وطنية وقدرة على الصمود والقيادة”.
يحذر رئيس سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سلطات الاحتلال من التورط بـ “الوحل الفلسطيني”، ويتوقف عند مخاطر الحملة العسكرية الواسعة في الضفة الغربية المحتلة، على غرار “السور الواقي”. ويقول الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية، والباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، عاموس يدلين، وأودي أفنطال، الباحث المتخصص في الإستراتيجيات والتخطيط السياسي، ضمن مقال مشترك، إن التصرف من دون دراسة بالساحة الفلسطينية سيعود كيداً مرتداً على إسرائيل في عدة أوجه.
ويقول يادلين وأفنطال، في المقال المنشور في موقع القناة 12 العبرية، إن العملية الدامية في مستوطنة عيلي وقعت بينما كانت الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية في حالة من التردّد بشأن القيام بعملية عسكرية واسعة ضد مراكز “الإرهاب” في الضفة الغربية، وبصورة خاصة في محافظتي جنين ونابلس، هدفها الأساسي منح مواطني إسرائيل الأمان.
وطبقاً لهما، تركّزَ النقاش، وخصوصاً في الإعلام العبري، على الأبعاد العملياتية، وهو نقاش ضروري في ظل المطالبات بـ “سور واقي 2″، لكن في نهاية المطاف، تبدو السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية مسألة أوسع بكثير، ولها انعكاسات إستراتيجية من الدرجة الأولى. ويقولان إن الظروف العملياتية والإستراتيجية التي سادت خلال عملية “السور الواقي”، عام 2002، تختلف كلياً عن الوضع الحالي، وإنه من المهم جداً دراسة الهدف الإستراتيجي لعملية كهذه، أولاً من ناحية الإنجازات المتوقعة، وثانياً من ناحية الأثمان. ويتساءلان؛ بمَ ستساهم العملية مع طريقة العمل المتبعة حالياً، وكيف يمكن دفع الوضع إلى الاستقرار من بعدها؟ هل عبْر سيطرة عملياتية مباشرة لقوات الجيش المعززة في الميدان؟ أم العودة إلى روتين “كاسر الأمواج” والاقتحامات والاعتقالات؟ أم عودة أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية للسيطرة بالتدريج على الميدان، وضمنها التنسيق الأمني الفعّال؟ وينبهان إلى أنه من أجل قيادة سليمة لقطار الأمن القومي، على المستوى السياسي أن يصغي جيداً لتوصيات الجيش و”الشاباك”، وألّا يتخذ قراراته على أساس حسابات وحجج سياسية، أو من أجل خدمة الأجندات المسيانية الغيبية للمستوطنين المتطرّفين في الحكومة، الذين يسعون لتفكيك السلطة الفلسطينية، والسيطرة العسكرية من جديد على كامل أراضي الضفة وضمّها.
اتجاهات التصعيد والتحذير من الاشتعال
ويعتبر يادلين وأفينطال العملية في عيلي، وما سبقها من “حادث مؤلم جرّاء تفجير عبوة ناسفة ضد جنود الجيش في جنين، هما جزء من اتجاه نحو التصعيد في مناطق الضفة الغربية، وخصوصاً في شمالها. وبرأيهما هذا الاتجاه ينعكس من خلال ارتفاع وتيرة “الإرهاب” وقدرته على القتل، وفي العمليات على المحاور، ومحاولات اقتحام المستوطنات، وإطلاق النار على المستوطنات داخل إسرائيل، والاحتكاك المتصاعد بين مسلحين وقوات الجيش، وتصنيع عبوات ذكية أكثر، وغيرها. كما ينبهان إلى أن جزءاً كبيراً من هذه العمليات ينفّذ على يد شبّان في إطار تنظيمات محلية، أو على يد أفراد، وبعضهم يتم توجيهه من جانب “منظّمات إرهابية”، فيما
تبذل إيران جهوداً لإيصال الأموال والسلاح إلى الميدان، وزيادة ضغط “الإرهاب” على إسرائيل.
ومن أجل توضيح الرسالة، يعود الباحثان الإسرائيليان للوراء: “قبل عدة أعوام، وضعت شعبة الاستخبارات العسكرية على طاولة المستوى السياسي تحذيراً إستراتيجياً من انفجار واسع في الضفة الغربية، سيُترجم عبر تصعيد واسع “للإرهاب” على مستوى الحجم، والمساحة الجغرافية، والمشاركة الشعبية والوقت. ويبدو أن هذا التحذير لا يزال قائماً اليوم، حتى لو لم يتحقق كاملاً فإن ظروف الانفجار قائمة: جيل لم يعرف الانتفاضة وأثمانها الكبيرة؛ استمرار الاحتلال من دون أمل أو أفق سياسي؛ تراجع مكانة السلطة الفلسطينية كمنظومة حكم في نهايات حكم عباس، وضعف أجهزتها الأمنية الفاعلة في ظل فجوات في السيادة والشرعية، ومنطقة مليئة بالسلاح، بالإضافة إلى تشجيع “الإرهاب” من جانب إيران و”حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وجهات أُخرى”.
لماذا تُعتبر العملية العسكرية الواسعة مسألة إستراتيجية؟
هكذا يتساءل يادلين وأفينطال، ويجيبان على السؤال بالقول: أولاً، لأنه من الضروري تعريف أهدافها السياسية، والإنجازات العسكرية المطلوب تحقيقها، وما هي تداعيات العملية على سلم الأولويات القومي، كأهداف إسرائيل في مقابل إيران، و”حزب الله” وقطاع غزة، وعلاقاتها مع دول المنطقة والساحة الدولية. ثانياً، لأنه يمكن أن تكون لكل عملية عسكرية تداعيات غير مرغوب فيها، كأن لا تسير العملية العسكرية كما خطط لها، أو أن تلحق ضرراً كبيراً بالأبرياء، أو تدفع قواتنا إلى داخل البلدات ومخيمات اللجوء، وتلحق الضرر بروتين حياة المواطنين الفلسطينيين، وتوسيع دائرة المشاركين بـ “الإرهاب”، وهو ما يؤدي عملياً إلى جعل الواقع أسوأ، بما معناه تحقق التحذير الإستراتيجي، وهو ما يمكن أن يرافقه ضرر كبير في مكانة إسرائيل الدولية واقتصادها.
وطبقاً لهما، ففي هذه المرحلة، لا يزال جيش الاحتلال يوصي بعمليات محدودة ضد جهات “إرهابية”، مع الإبقاء على الفصل بين المجتمع المدني و”الإرهاب” على أساس معلومات استخباراتية دقيقة، لكنه من دون شك يبحث في البدائل الأُخرى، وعلى رأسها طريقة العمل العملياتية، الاستخباراتية المختلفة في شمال الضفة الغربية، مع التشديد على ألا ينزلق الوضع هناك إلى مناطق أُخرى لا تزال تسيطر عليها أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. ثالثاً، كما تعلمنا من الأحداث الأمنية خلال العامين الماضيين، فإن التصعيد الحاد في ساحة يمكن أن يشكّل “عدوى” تنتقل إلى ساحات إضافية، كغزة والقدس والمدن المختلطة الساحلية، كما حصل في عكا ويافا واللد، في مايو/ أيار 2021، وحتى الساحة الشمالية، وهذا من شأنه أن يوسّع دائرة المواجهة، وأن يزيد حدة التوتر في مواجهة “حزب الله”، الذي انفتحت شهيته على تحدّي إسرائيل. هذا بالإضافة إلى أن من الواضح أن تخصيص قوات إضافية للضفة الغربية سيكون على حساب جاهزيتهم للحرب ضد “حزب الله”، التهديد الأكبر على حدودنا. ورغم ذلك، يجب على المجلس الوزاري المصغر أن يبحث في سياسته تجاه “حماس” في قطاع غزة، التي توجّه “الإرهاب” في الضفة، وتتمتّع بالهدوء والمال في غزة. رابعاً، إن تصعيداً واسعاً ومستمراً في الضفة الغربية، وخصوصاً في سيناريو متعدّد الجبهات، سيؤثر في الواقع السياسي- الأمني الإستراتيجي لإسرائيل: ويلحق الضرر بشكل كبير بقدرة إسرائيل على التعامل مع التطورات المركّبة في مجال الملف النووي الإيراني، ويستنزف الفرصة غير المؤكدة بشأن التطبيع مع السعودية.
ويتابعان في استعراض المخاطر المترتبة على حملة إسرائيلية واسعة: “أمّا الإدارة الأمريكية، التي تزعزعت علاقاتنا معها أصلاً، فإنها تحذّر منذ الآن من أن الأحداث في الساحة الفلسطينية يمكنها أن تلحق الضرر بجهود التطبيع، وأيضاً بالسياسة تجاه الملف النووي الإيراني والإستراتيجية الإسرائيلية التي تستند في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة وإدارة بايدن”.
سلم الأولويات الوطني
وضمن الاستخلاصات، يقول الباحثان إنه في ظل أوضاع كهذه، وبالتزامن مع مواجهة الجهات “الإرهابية”، والجهود المركّزة لإعادة الأمن لكل مواطني إسرائيل، يجب عدم اتخاذ خطوات تصعيدية متسرّعة تؤدي إلى تراجع الوضع الاقتصادي في الضفة وغزة، وتغيير السياسة التي تفصل بين المجتمع الفلسطيني و”الإرهاب”، والتدخّل السياسي الفجّ بشأن تفعيل قوات الأمن، وخطوات الضم، تشريع البؤر، والبناء غير المسيطر عليه في المستوطنات، وهو ما يعزّز الإدانات على نطاق عالمي، ويجعل علاقاتنا مع واشنطن أسوأ؛ هجمات الإرهاب اليهودية ضد الفلسطينيين؛ إضعاف إضافي للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية (التي تعتقد جميع الجهات الأمنية أنها لا تزال تؤدي وظيفة مهمة في الحفاظ على الاستقرار)، والأهم من هذا كله أحداث في المسجد الأقصى تفسّر على أنها تغيير للوضع القائم هناك.
ويؤكدان أنه، في نهاية المطاف، على الحكومة الإسرائيلية أن تجد الرد اللازم تجاه “الإرهاب” المتصاعد، لكن عليها أيضاً أن تقرّر إن كانت غايتها الإبقاء على الأهداف الإستراتيجية التي وضعتْها، أي وقف مسار تحول إيران إلى نووية وعلاقات مع السعودية، أم الغرق في “الوحل الفلسطيني” الذي يريد المتطرّفون الإسرائيليون وإيران أن يدفعوا إسرائيل إليه.
وبرأيهما، يجب أن تكون طريقة العمل العملياتي واضحة وذكية من حيث الوقت والمكان، وأن تسمح بتحسين الوضع الأمني، من دون أن تسيطر الساحة الفلسطينية كلياً على سلم الأولويات الوطني، وجر الجيش إلى داخل المدن الفلسطينية في الضفة استجابة لرغبات أعداء إسرائيل، فيصبح مستقبلها كدولة يهودية و”ديمقراطية” بخطر.
ختاماً، يؤكد الباحثان الإسرائيليان أنه من الواضح أن الواقع الأمني المركّب يرتبط مباشرة بالأزمة التي دخلتها إسرائيل نتيجة الانقلاب القضائي. ويعللان ذلك بالقول إن المواجهة الداخلية في إسرائيل بهذا الشأن، كما أزمة جنود الاحتياط، والعلاقات المتزعزعة بين وزير الأمن والأجهزة الأمنية من جهة، ورئيس الحكومة من جهة ثانية، كما الفجوة مع واشنطن، جميعها أمور تبث الضعف.
ويضيفان: “هذا هو الوقت المناسب للامتناع عن الخطوة المضرّة، والتركيز على التحديات الإستراتيجية الكبيرة أمامنا، التي تستوجب وحدة وطنية وقدرة على الصمود والقيادة”.
يحذر رئيس سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سلطات الاحتلال من التورط بـ “الوحل الفلسطيني”، ويتوقف عند مخاطر الحملة العسكرية الواسعة في الضفة الغربية المحتلة، على غرار “السور الواقي”. ويقول الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية، والباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، عاموس يدلين، وأودي أفنطال، الباحث المتخصص في الإستراتيجيات والتخطيط السياسي، ضمن مقال مشترك، إن التصرف من دون دراسة بالساحة الفلسطينية سيعود كيداً مرتداً على إسرائيل في عدة أوجه.
ويقول يادلين وأفنطال، في المقال المنشور في موقع القناة 12 العبرية، إن العملية الدامية في مستوطنة عيلي وقعت بينما كانت الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية في حالة من التردّد بشأن القيام بعملية عسكرية واسعة ضد مراكز “الإرهاب” في الضفة الغربية، وبصورة خاصة في محافظتي جنين ونابلس، هدفها الأساسي منح مواطني إسرائيل الأمان.
وطبقاً لهما، تركّزَ النقاش، وخصوصاً في الإعلام العبري، على الأبعاد العملياتية، وهو نقاش ضروري في ظل المطالبات بـ “سور واقي 2″، لكن في نهاية المطاف، تبدو السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية مسألة أوسع بكثير، ولها انعكاسات إستراتيجية من الدرجة الأولى. ويقولان إن الظروف العملياتية والإستراتيجية التي سادت خلال عملية “السور الواقي”، عام 2002، تختلف كلياً عن الوضع الحالي، وإنه من المهم جداً دراسة الهدف الإستراتيجي لعملية كهذه، أولاً من ناحية الإنجازات المتوقعة، وثانياً من ناحية الأثمان. ويتساءلان؛ بمَ ستساهم العملية مع طريقة العمل المتبعة حالياً، وكيف يمكن دفع الوضع إلى الاستقرار من بعدها؟ هل عبْر سيطرة عملياتية مباشرة لقوات الجيش المعززة في الميدان؟ أم العودة إلى روتين “كاسر الأمواج” والاقتحامات والاعتقالات؟ أم عودة أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية للسيطرة بالتدريج على الميدان، وضمنها التنسيق الأمني الفعّال؟ وينبهان إلى أنه من أجل قيادة سليمة لقطار الأمن القومي، على المستوى السياسي أن يصغي جيداً لتوصيات الجيش و”الشاباك”، وألّا يتخذ قراراته على أساس حسابات وحجج سياسية، أو من أجل خدمة الأجندات المسيانية الغيبية للمستوطنين المتطرّفين في الحكومة، الذين يسعون لتفكيك السلطة الفلسطينية، والسيطرة العسكرية من جديد على كامل أراضي الضفة وضمّها.
اتجاهات التصعيد والتحذير من الاشتعال
ويعتبر يادلين وأفينطال العملية في عيلي، وما سبقها من “حادث مؤلم جرّاء تفجير عبوة ناسفة ضد جنود الجيش في جنين، هما جزء من اتجاه نحو التصعيد في مناطق الضفة الغربية، وخصوصاً في شمالها. وبرأيهما هذا الاتجاه ينعكس من خلال ارتفاع وتيرة “الإرهاب” وقدرته على القتل، وفي العمليات على المحاور، ومحاولات اقتحام المستوطنات، وإطلاق النار على المستوطنات داخل إسرائيل، والاحتكاك المتصاعد بين مسلحين وقوات الجيش، وتصنيع عبوات ذكية أكثر، وغيرها. كما ينبهان إلى أن جزءاً كبيراً من هذه العمليات ينفّذ على يد شبّان في إطار تنظيمات محلية، أو على يد أفراد، وبعضهم يتم توجيهه من جانب “منظّمات إرهابية”، فيما
تبذل إيران جهوداً لإيصال الأموال والسلاح إلى الميدان، وزيادة ضغط “الإرهاب” على إسرائيل.
ومن أجل توضيح الرسالة، يعود الباحثان الإسرائيليان للوراء: “قبل عدة أعوام، وضعت شعبة الاستخبارات العسكرية على طاولة المستوى السياسي تحذيراً إستراتيجياً من انفجار واسع في الضفة الغربية، سيُترجم عبر تصعيد واسع “للإرهاب” على مستوى الحجم، والمساحة الجغرافية، والمشاركة الشعبية والوقت. ويبدو أن هذا التحذير لا يزال قائماً اليوم، حتى لو لم يتحقق كاملاً فإن ظروف الانفجار قائمة: جيل لم يعرف الانتفاضة وأثمانها الكبيرة؛ استمرار الاحتلال من دون أمل أو أفق سياسي؛ تراجع مكانة السلطة الفلسطينية كمنظومة حكم في نهايات حكم عباس، وضعف أجهزتها الأمنية الفاعلة في ظل فجوات في السيادة والشرعية، ومنطقة مليئة بالسلاح، بالإضافة إلى تشجيع “الإرهاب” من جانب إيران و”حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وجهات أُخرى”.
لماذا تُعتبر العملية العسكرية الواسعة مسألة إستراتيجية؟
هكذا يتساءل يادلين وأفينطال، ويجيبان على السؤال بالقول: أولاً، لأنه من الضروري تعريف أهدافها السياسية، والإنجازات العسكرية المطلوب تحقيقها، وما هي تداعيات العملية على سلم الأولويات القومي، كأهداف إسرائيل في مقابل إيران، و”حزب الله” وقطاع غزة، وعلاقاتها مع دول المنطقة والساحة الدولية. ثانياً، لأنه يمكن أن تكون لكل عملية عسكرية تداعيات غير مرغوب فيها، كأن لا تسير العملية العسكرية كما خطط لها، أو أن تلحق ضرراً كبيراً بالأبرياء، أو تدفع قواتنا إلى داخل البلدات ومخيمات اللجوء، وتلحق الضرر بروتين حياة المواطنين الفلسطينيين، وتوسيع دائرة المشاركين بـ “الإرهاب”، وهو ما يؤدي عملياً إلى جعل الواقع أسوأ، بما معناه تحقق التحذير الإستراتيجي، وهو ما يمكن أن يرافقه ضرر كبير في مكانة إسرائيل الدولية واقتصادها.
وطبقاً لهما، ففي هذه المرحلة، لا يزال جيش الاحتلال يوصي بعمليات محدودة ضد جهات “إرهابية”، مع الإبقاء على الفصل بين المجتمع المدني و”الإرهاب” على أساس معلومات استخباراتية دقيقة، لكنه من دون شك يبحث في البدائل الأُخرى، وعلى رأسها طريقة العمل العملياتية، الاستخباراتية المختلفة في شمال الضفة الغربية، مع التشديد على ألا ينزلق الوضع هناك إلى مناطق أُخرى لا تزال تسيطر عليها أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. ثالثاً، كما تعلمنا من الأحداث الأمنية خلال العامين الماضيين، فإن التصعيد الحاد في ساحة يمكن أن يشكّل “عدوى” تنتقل إلى ساحات إضافية، كغزة والقدس والمدن المختلطة الساحلية، كما حصل في عكا ويافا واللد، في مايو/ أيار 2021، وحتى الساحة الشمالية، وهذا من شأنه أن يوسّع دائرة المواجهة، وأن يزيد حدة التوتر في مواجهة “حزب الله”، الذي انفتحت شهيته على تحدّي إسرائيل. هذا بالإضافة إلى أن من الواضح أن تخصيص قوات إضافية للضفة الغربية سيكون على حساب جاهزيتهم للحرب ضد “حزب الله”، التهديد الأكبر على حدودنا. ورغم ذلك، يجب على المجلس الوزاري المصغر أن يبحث في سياسته تجاه “حماس” في قطاع غزة، التي توجّه “الإرهاب” في الضفة، وتتمتّع بالهدوء والمال في غزة. رابعاً، إن تصعيداً واسعاً ومستمراً في الضفة الغربية، وخصوصاً في سيناريو متعدّد الجبهات، سيؤثر في الواقع السياسي- الأمني الإستراتيجي لإسرائيل: ويلحق الضرر بشكل كبير بقدرة إسرائيل على التعامل مع التطورات المركّبة في مجال الملف النووي الإيراني، ويستنزف الفرصة غير المؤكدة بشأن التطبيع مع السعودية.
ويتابعان في استعراض المخاطر المترتبة على حملة إسرائيلية واسعة: “أمّا الإدارة الأمريكية، التي تزعزعت علاقاتنا معها أصلاً، فإنها تحذّر منذ الآن من أن الأحداث في الساحة الفلسطينية يمكنها أن تلحق الضرر بجهود التطبيع، وأيضاً بالسياسة تجاه الملف النووي الإيراني والإستراتيجية الإسرائيلية التي تستند في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة وإدارة بايدن”.
سلم الأولويات الوطني
وضمن الاستخلاصات، يقول الباحثان إنه في ظل أوضاع كهذه، وبالتزامن مع مواجهة الجهات “الإرهابية”، والجهود المركّزة لإعادة الأمن لكل مواطني إسرائيل، يجب عدم اتخاذ خطوات تصعيدية متسرّعة تؤدي إلى تراجع الوضع الاقتصادي في الضفة وغزة، وتغيير السياسة التي تفصل بين المجتمع الفلسطيني و”الإرهاب”، والتدخّل السياسي الفجّ بشأن تفعيل قوات الأمن، وخطوات الضم، تشريع البؤر، والبناء غير المسيطر عليه في المستوطنات، وهو ما يعزّز الإدانات على نطاق عالمي، ويجعل علاقاتنا مع واشنطن أسوأ؛ هجمات الإرهاب اليهودية ضد الفلسطينيين؛ إضعاف إضافي للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية (التي تعتقد جميع الجهات الأمنية أنها لا تزال تؤدي وظيفة مهمة في الحفاظ على الاستقرار)، والأهم من هذا كله أحداث في المسجد الأقصى تفسّر على أنها تغيير للوضع القائم هناك.
ويؤكدان أنه، في نهاية المطاف، على الحكومة الإسرائيلية أن تجد الرد اللازم تجاه “الإرهاب” المتصاعد، لكن عليها أيضاً أن تقرّر إن كانت غايتها الإبقاء على الأهداف الإستراتيجية التي وضعتْها، أي وقف مسار تحول إيران إلى نووية وعلاقات مع السعودية، أم الغرق في “الوحل الفلسطيني” الذي يريد المتطرّفون الإسرائيليون وإيران أن يدفعوا إسرائيل إليه.
وبرأيهما، يجب أن تكون طريقة العمل العملياتي واضحة وذكية من حيث الوقت والمكان، وأن تسمح بتحسين الوضع الأمني، من دون أن تسيطر الساحة الفلسطينية كلياً على سلم الأولويات الوطني، وجر الجيش إلى داخل المدن الفلسطينية في الضفة استجابة لرغبات أعداء إسرائيل، فيصبح مستقبلها كدولة يهودية و”ديمقراطية” بخطر.
ختاماً، يؤكد الباحثان الإسرائيليان أنه من الواضح أن الواقع الأمني المركّب يرتبط مباشرة بالأزمة التي دخلتها إسرائيل نتيجة الانقلاب القضائي. ويعللان ذلك بالقول إن المواجهة الداخلية في إسرائيل بهذا الشأن، كما أزمة جنود الاحتياط، والعلاقات المتزعزعة بين وزير الأمن والأجهزة الأمنية من جهة، ورئيس الحكومة من جهة ثانية، كما الفجوة مع واشنطن، جميعها أمور تبث الضعف.
ويضيفان: “هذا هو الوقت المناسب للامتناع عن الخطوة المضرّة، والتركيز على التحديات الإستراتيجية الكبيرة أمامنا، التي تستوجب وحدة وطنية وقدرة على الصمود والقيادة”.
التعليقات