إعداد وكتابة: عبدالله محمد الغويري.
أقيمت بطولة كأس العالم الثالثة عشرة في المكسيك عام ١٩٨٦م، وكان من المقرر أن تقام البطولة في كولومبيا - والتي بدورها اعتذرت قبل عام ونصف عن الاستضافة لعدم قدرتها على تغطية تكاليف البطولة وعدم تمكنها من تشييد الملاعب والبنية التحتية، بعد ذلك تم اختيار المكسيك لتستضيف البطولة - لتكون بذلك أول بلد يستضيف كأس العالم مرتين (بعد عام ١٩٧٠م)، حتى المكسيك نفسها كانت قاب قوسين أو أدنى من أنْ تعتذر عن البطولة بعد الزلزال المدمر الذي أصابها عام ١٩٨٥م.
ربما تكون هي البطولة الأكثر من حيث زخامة اسماء النجوم مثل البرازيليان زيكو وسقراطيس، الألمانيان كارل-هاينتس رومينيغه ولوتار ماتيوس، الأوروغوياني إنتسو فرانتشيسكولي، من المكسيك بوتراغينيو، والإنجليزي لينيكر، لكن من بين هؤلاء لم يبزغ نجم في البطولة مثل الأرجنتيني الأسطورة (دييغو ارماندو مارادونا).
ربما لا يتسع المقام لذكر جميع ما فعله في البطولة خلال ال ٧ مباريات التي لعبها، ولكن يكفي أنْ نسلط الضوء على مباراة الأرجنتين ضد إنجلترا في الدور ربع النهائي، وعلى وجه الخصوص في الشوط الثاني، وتحديدا خلال ٤ دقايق فعل فيهما مارداونا الممكن وغير الممكن، وسجل أغرب هدفين في تاريخ بطولات كؤوس العالم.
أقيمت المباراة في ملعب (أزتيكا) الشهير وتحت أنظار ١١٤ ألف متفرج في المدرجات وغيرهم من الملايين عبر الشاشات - وذلك بتاريخ ١٩٨٦/٦/٢٢م، ومما زاد من أجواء المنافسة في المباراة هو قضية سياسية خارج الملعب وخارج إطار الرياضة وهي حرب (جزر الفوكلاند الأرجنتينية) بعدما قامت إنجلترا بأحتلالها بدون وجه حق عام ١٩٨٢م، وقُتِل في تلك الحرب العديد من الجنود الأرجنتينيِن، وبالتالي خيمت الأجواء المشحونة والرغبة في الثأر على المباراة وعلى اللاعبين وعلى جمهور الطرفين.
جرت المباراة في النهار وتحت وطأة الشمس والرطوبة العالية، وانتهى الشوط الأول بين الفريقين بالتعادل (٠-٠)، وكان ماردونا نجم الشوط الأول بلا منازع من حيث المهارات الفنية وسرعة الاختراق والتمريرات وغيرها.. ولكن ما الذي حدث في الشوط الثاني، وما الذي حصل في الدقيقة ٥١ تحديداً وجعل من تلك المباراة هي الأكثر جدلاً في تاريخ كؤوس العالم.
استقبل مارادونا الكرة بعد منتصف الملعب وشق طريقه باتجاه منطقة الجزاء ثم مرر الكرة لزميله (فالدانو) - لكن مدافع منتخب إنجلترا كان اسرع وأرجع الكرة عالية مرتفعة باتجاه حارس مرمى، في تلك اللحظة كان مارادونا يمضي بسرعة تجاه المرمى، قفز مارادونا (طوله ١٦٥ سم) وقفز أيضا الحارس بيتر شليتون (طوله ١٨٤ سم).. في تلك الحالة اضطر مارادونا أن يستخدم الحِيلة والتمويه وأن يضرب الكرة بقبضة يده اليسرى.. وحصل ما أراد.. ودخلت الكرة الشباك، كأحد أغرب أهداف كأس العالم على مدار التاريخ.
اعترض لاعبو إنجلترا كلهم على الحكم عندما احتسبها هدفاً، وشاطوا غضباً على ذلك القرار، المصادفة العجيبة أنَّ الحكم كان عربي ومسلم وهو الحكم التونسي (علي بن ناصر)، والذي قال في تصريحهِ بعد المباراة: أنَّ زاوية الرؤية أمامه لم تكن واضحة لتشخيص وضع الهدف، وأنَّهُ نظر مباشرة إلى زميله المساعد من بلغاريا (حكم الراية) الذي رفع يديه وأعلنْ صحة الهدف، وبالتالي كان (علي بن ناصر) مضطراً لإحتساب ذلك الهدف (الغير شرعي)..!!.
مارادونا بعد دخول الكرة إلى الشباك، ركض فرِحاً وأشار بيديه وعينيه إلى زملائه في الفريق أن يركضوا ورائه إلى طرف الملعب ليشاركوهُ فرحة الهدف وذلك حتى يُبعد أي شيء يُثير الشك والريبة وأنَّ الأمور طبيعية.. وفعلاً كان ذلك أحد الأسباب التي ساهمت في اقناع الحكم بصحة الهدف. قالت الصحافة وقتها أنَّ ذلك هو نوع من الثقة بالنفس والمكر الأرجنتيني، حتى مارادونا صرح بعد المباراة : أنَّ القوة الإلهية تدخلت حتى يحصل الهدف، وأنَّ ذلك الهدف هو انتقام وثأر من احتلال إنجلترا لجزر الفوكلاند، وكان يُبرر قائلاً: أنَّكَ إذا سرقت شيئا من اللص لا عليكَ شيء وتشملك المغفرة.. الأمر أشبه بسرقة محفظة من الإنجليز (على حد زعمهِ وقوله)...!!.
أثناء المباراة قال أحد مُعلِّقي المبارة المتعاطف مع إنجلترا - الفرنسي الشهير ميشيل لاركي وهو غاضب : ' يا له من وغد حقير، لقد سجل الشيطان بيده، انها لقطة لا تليق بلاعب محترف، انه صعلوك من الحارات، وحده الحكم بن ناصر لم يشاهد تلك المهزلة'..!!.
بسبب ذلك الهدف كان أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية قد كرهوا مارادونا على ما قام به والنصف الثاني كان مذهولاً، كان (غشاشاً عند البعض.. وذكياً عند البعض الأخر بنفس الوقت)، ثم مرت أربع دقائق فقط وقام مارادونا بتصليح غلطتهِ وأبهر العالم أجمع بالهدف الثاني - عندما سجل هدف من مراوغة مُذهلة - وتم تصنيف ذلك الهدف بأنَّهُ أعظم أهداف كأس العالم على الإطلاق - وتم تسميته فيما يُعرف (بهدف القرن).
الذي يُميز الهدف الثاني ما يلي:
* ركض ماردونا بالكرة أكثر من نصف الملعب قرابة ٦٨متر والكرة بحوزتهِ.
* راوغ خمس مدافعين من إنجلترا، ثم راوغ الحارس بيتر شيلتون ليصبح المجموع ٦ لاعبين، ولم يتمكن أحدٌ منهم على إيقافهِ.
*خلال تلك المسافة التي ركضها ماردونا لمسَ الكرة ١١ لمسة، واحتاج فقط إلى ١١ ثانية للوصول إلى المرمى وهو رقم قياسي.
* كان ماردونا خلال الهدف يستخدم قدمه اليسرى فقط ولم يستخدم رجله اليمنى إطلاقاً.
* يقول مهاجم منتخب إنجلترا (غاري لينكر) عن الهدف وهو أحد اللاعبين الموجودين في الملعب لحظة الهدف : 'سجل مارادونا الهدف الثاني في شباكنا ، شعرت بالرغبة في التصفيق ، كان من المستحيل تسجيل مثل هذا الهدف الجميل ، إنه أعظم لاعب في كل العصور بفارق كبير عن أقرب من خلفه ، ظاهرة حقيقية'.
* قال حكم المباره (علي بن ناصر) عن الهدف : عندما تُحكِّم مباراة لمارادونا لا يمكن أنْ تغمض عينيك، لأنَّ المدافعين حاولوا إسقاطه أكثر من مرة، لكنني منحتهُ الفرصة حتى تمكّن من هزّ الشباك وتسجيل الهدف الثاني في المرمى - الذي أصبح أفضل هدف في تاريخ كأس العالم، وتم اختياره هدف القرن'.
* المعلق الأورغوياني الشهير فيكتور هوغو موراليس بكى وهو يعلق على الهدف وهو يصرخ قائلاً : من أي كوكبٍ أتيت؟... وقال كلمات وعِبارات رومنسية شاعريّة على الهدف ظَلَّت محفورة في ذهن كل مشجع أرجنتيني.
في النهاية.. انتهت المبارة بنتيجة ٢-١ لصالح الأرجنتين.. وودعت إنجلترا البطولة - بعد قبضة مارادونا اليُسرى في الهدف الأول وقدمهِ اليُسرى فقط في الهدف الثاني، وأكمل ماردونا مشواره مع بلاده عندما سجل هدفين رائعين ضد بلجيكا في المباراة النصف نهائية، ثم ساهم بتمريرة حاسمة في المباراة النهائية ضد ألمانيا الغربية وكانت تلك التمريرة سبب الفوز في الوقت الحاسم، وفازت الارجنتين بكأس العالم للمرة الثانية بتاريخها.
يُقال في كل بطولة لكأس العالم يفوز فريق في البطولة، إلّا بطولة عام ١٩٨٦م فلقد أقرَّ النُّقاد والعالم أجمع أنَّ مارادونا فاز بالبطولة لوحدهِ - بعد أدائهِ الفردي (الغير مسبوق)، حيث قام بتسجيل ٥ أهداف من أصل ١٤ هدف للأرجنتين وساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بكل هدف، قام ب ٥٥ مراوغة ناجحة خلال البطولة وهذا رقم قياسي، تعرض مارادونا في تلك البطولة إلى ١٤٤ ضربة من ركلات أقدام المدافعين الذين كانوا يحاولون إيقافه على مستوى البطولة (وهو أيضاً رقم قياسي).. ناهِيكَ عن التحفيز والتشجيع لزملائه والكاريزما والقيادة وقوة الشخصية التي كان يتمتع بها، كان عملاق بالرغم من قصر قامته.
قبل بداية تلك البطولة كانت الصحافة العالمية وحتى الأرجنتينية تُشكِك في المنتخب الأرجنتيني - الذي تأهل بصعوبة إلى المونديال، وكانت جميع تلك الوسائل الإعلامية تُقلِّل من مارادونا - حيثُ اتهموهُ بأنه مغرور.. بدين وقصير القامة.. ولنْ يُقدم أي شيء يُذكر.. وأنَّهُ سيُطرد من البطولة مثل ما تمَّ طردهُ من كأس العالم ١٩٨٢م - بعدما تمَّ استفزازهُ في أحد المباريات، لكنَّ مارادونا أثبت العكس وفاز بالبطولة وادهش الجميع ولمْ يسمح للمُحبطين أنْ يؤثِّروا عليهِ أو على فريقهِ.
بعد البطولة وحتى منتصف التسعينات أصبح مارادونا أشهر شخصية على وجه الأرض بعد استفتائات قامت بها مجلات عالمية تختص بالمشاهير، وحصل عام ٢٠٠٠م على لقب (لاعب القرن) بعد استفتاء قام به الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA. إنّهُ أكثر شخصية رياضية مثيرة للجدل وحياتهُ مليئة بالصخب والمُفارقات، فلقد كان في جانب من حياته حنوناً.. عطوفاً..يبكي كطفل.. يحب أسرته ويحب الفقراء لأنهُ كان منهمَ.. بل إنهُ كان يلعب مباريات خيرية كثيرة بدون مقابل - ليذهب ريع تلك المباريات إلى علاج بعض المرضى في المستشفيات وإلى الجمعيات الخيرية والإنسانية.
لكنه في جانب أخر كان متورطاً في فضائح المنشطات والمخدرات وبعض حياة الليل، وتلك هي اللعنة التي رافقتهُ طوال حياته، إنه شيطان وقديس في نفس اللحظة.. طفل طائش وأسطورة في آنٍ واحد.. غير مألوف ومتناقض، كان يحب الحياة ويحب كرة القدم، بل لم تعرف الكرة ساحراً يداعبها بكل أجزاء جسمهِ مثله..في النهاية... هل هو غشاش أم عبقري..؟!
ام أنهُ استخدم القليل من الغش.. مع الكثير من العبقرية؟!.
إعداد وكتابة: عبدالله محمد الغويري.
أقيمت بطولة كأس العالم الثالثة عشرة في المكسيك عام ١٩٨٦م، وكان من المقرر أن تقام البطولة في كولومبيا - والتي بدورها اعتذرت قبل عام ونصف عن الاستضافة لعدم قدرتها على تغطية تكاليف البطولة وعدم تمكنها من تشييد الملاعب والبنية التحتية، بعد ذلك تم اختيار المكسيك لتستضيف البطولة - لتكون بذلك أول بلد يستضيف كأس العالم مرتين (بعد عام ١٩٧٠م)، حتى المكسيك نفسها كانت قاب قوسين أو أدنى من أنْ تعتذر عن البطولة بعد الزلزال المدمر الذي أصابها عام ١٩٨٥م.
ربما تكون هي البطولة الأكثر من حيث زخامة اسماء النجوم مثل البرازيليان زيكو وسقراطيس، الألمانيان كارل-هاينتس رومينيغه ولوتار ماتيوس، الأوروغوياني إنتسو فرانتشيسكولي، من المكسيك بوتراغينيو، والإنجليزي لينيكر، لكن من بين هؤلاء لم يبزغ نجم في البطولة مثل الأرجنتيني الأسطورة (دييغو ارماندو مارادونا).
ربما لا يتسع المقام لذكر جميع ما فعله في البطولة خلال ال ٧ مباريات التي لعبها، ولكن يكفي أنْ نسلط الضوء على مباراة الأرجنتين ضد إنجلترا في الدور ربع النهائي، وعلى وجه الخصوص في الشوط الثاني، وتحديدا خلال ٤ دقايق فعل فيهما مارداونا الممكن وغير الممكن، وسجل أغرب هدفين في تاريخ بطولات كؤوس العالم.
أقيمت المباراة في ملعب (أزتيكا) الشهير وتحت أنظار ١١٤ ألف متفرج في المدرجات وغيرهم من الملايين عبر الشاشات - وذلك بتاريخ ١٩٨٦/٦/٢٢م، ومما زاد من أجواء المنافسة في المباراة هو قضية سياسية خارج الملعب وخارج إطار الرياضة وهي حرب (جزر الفوكلاند الأرجنتينية) بعدما قامت إنجلترا بأحتلالها بدون وجه حق عام ١٩٨٢م، وقُتِل في تلك الحرب العديد من الجنود الأرجنتينيِن، وبالتالي خيمت الأجواء المشحونة والرغبة في الثأر على المباراة وعلى اللاعبين وعلى جمهور الطرفين.
جرت المباراة في النهار وتحت وطأة الشمس والرطوبة العالية، وانتهى الشوط الأول بين الفريقين بالتعادل (٠-٠)، وكان ماردونا نجم الشوط الأول بلا منازع من حيث المهارات الفنية وسرعة الاختراق والتمريرات وغيرها.. ولكن ما الذي حدث في الشوط الثاني، وما الذي حصل في الدقيقة ٥١ تحديداً وجعل من تلك المباراة هي الأكثر جدلاً في تاريخ كؤوس العالم.
استقبل مارادونا الكرة بعد منتصف الملعب وشق طريقه باتجاه منطقة الجزاء ثم مرر الكرة لزميله (فالدانو) - لكن مدافع منتخب إنجلترا كان اسرع وأرجع الكرة عالية مرتفعة باتجاه حارس مرمى، في تلك اللحظة كان مارادونا يمضي بسرعة تجاه المرمى، قفز مارادونا (طوله ١٦٥ سم) وقفز أيضا الحارس بيتر شليتون (طوله ١٨٤ سم).. في تلك الحالة اضطر مارادونا أن يستخدم الحِيلة والتمويه وأن يضرب الكرة بقبضة يده اليسرى.. وحصل ما أراد.. ودخلت الكرة الشباك، كأحد أغرب أهداف كأس العالم على مدار التاريخ.
اعترض لاعبو إنجلترا كلهم على الحكم عندما احتسبها هدفاً، وشاطوا غضباً على ذلك القرار، المصادفة العجيبة أنَّ الحكم كان عربي ومسلم وهو الحكم التونسي (علي بن ناصر)، والذي قال في تصريحهِ بعد المباراة: أنَّ زاوية الرؤية أمامه لم تكن واضحة لتشخيص وضع الهدف، وأنَّهُ نظر مباشرة إلى زميله المساعد من بلغاريا (حكم الراية) الذي رفع يديه وأعلنْ صحة الهدف، وبالتالي كان (علي بن ناصر) مضطراً لإحتساب ذلك الهدف (الغير شرعي)..!!.
مارادونا بعد دخول الكرة إلى الشباك، ركض فرِحاً وأشار بيديه وعينيه إلى زملائه في الفريق أن يركضوا ورائه إلى طرف الملعب ليشاركوهُ فرحة الهدف وذلك حتى يُبعد أي شيء يُثير الشك والريبة وأنَّ الأمور طبيعية.. وفعلاً كان ذلك أحد الأسباب التي ساهمت في اقناع الحكم بصحة الهدف. قالت الصحافة وقتها أنَّ ذلك هو نوع من الثقة بالنفس والمكر الأرجنتيني، حتى مارادونا صرح بعد المباراة : أنَّ القوة الإلهية تدخلت حتى يحصل الهدف، وأنَّ ذلك الهدف هو انتقام وثأر من احتلال إنجلترا لجزر الفوكلاند، وكان يُبرر قائلاً: أنَّكَ إذا سرقت شيئا من اللص لا عليكَ شيء وتشملك المغفرة.. الأمر أشبه بسرقة محفظة من الإنجليز (على حد زعمهِ وقوله)...!!.
أثناء المباراة قال أحد مُعلِّقي المبارة المتعاطف مع إنجلترا - الفرنسي الشهير ميشيل لاركي وهو غاضب : ' يا له من وغد حقير، لقد سجل الشيطان بيده، انها لقطة لا تليق بلاعب محترف، انه صعلوك من الحارات، وحده الحكم بن ناصر لم يشاهد تلك المهزلة'..!!.
بسبب ذلك الهدف كان أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية قد كرهوا مارادونا على ما قام به والنصف الثاني كان مذهولاً، كان (غشاشاً عند البعض.. وذكياً عند البعض الأخر بنفس الوقت)، ثم مرت أربع دقائق فقط وقام مارادونا بتصليح غلطتهِ وأبهر العالم أجمع بالهدف الثاني - عندما سجل هدف من مراوغة مُذهلة - وتم تصنيف ذلك الهدف بأنَّهُ أعظم أهداف كأس العالم على الإطلاق - وتم تسميته فيما يُعرف (بهدف القرن).
الذي يُميز الهدف الثاني ما يلي:
* ركض ماردونا بالكرة أكثر من نصف الملعب قرابة ٦٨متر والكرة بحوزتهِ.
* راوغ خمس مدافعين من إنجلترا، ثم راوغ الحارس بيتر شيلتون ليصبح المجموع ٦ لاعبين، ولم يتمكن أحدٌ منهم على إيقافهِ.
*خلال تلك المسافة التي ركضها ماردونا لمسَ الكرة ١١ لمسة، واحتاج فقط إلى ١١ ثانية للوصول إلى المرمى وهو رقم قياسي.
* كان ماردونا خلال الهدف يستخدم قدمه اليسرى فقط ولم يستخدم رجله اليمنى إطلاقاً.
* يقول مهاجم منتخب إنجلترا (غاري لينكر) عن الهدف وهو أحد اللاعبين الموجودين في الملعب لحظة الهدف : 'سجل مارادونا الهدف الثاني في شباكنا ، شعرت بالرغبة في التصفيق ، كان من المستحيل تسجيل مثل هذا الهدف الجميل ، إنه أعظم لاعب في كل العصور بفارق كبير عن أقرب من خلفه ، ظاهرة حقيقية'.
* قال حكم المباره (علي بن ناصر) عن الهدف : عندما تُحكِّم مباراة لمارادونا لا يمكن أنْ تغمض عينيك، لأنَّ المدافعين حاولوا إسقاطه أكثر من مرة، لكنني منحتهُ الفرصة حتى تمكّن من هزّ الشباك وتسجيل الهدف الثاني في المرمى - الذي أصبح أفضل هدف في تاريخ كأس العالم، وتم اختياره هدف القرن'.
* المعلق الأورغوياني الشهير فيكتور هوغو موراليس بكى وهو يعلق على الهدف وهو يصرخ قائلاً : من أي كوكبٍ أتيت؟... وقال كلمات وعِبارات رومنسية شاعريّة على الهدف ظَلَّت محفورة في ذهن كل مشجع أرجنتيني.
في النهاية.. انتهت المبارة بنتيجة ٢-١ لصالح الأرجنتين.. وودعت إنجلترا البطولة - بعد قبضة مارادونا اليُسرى في الهدف الأول وقدمهِ اليُسرى فقط في الهدف الثاني، وأكمل ماردونا مشواره مع بلاده عندما سجل هدفين رائعين ضد بلجيكا في المباراة النصف نهائية، ثم ساهم بتمريرة حاسمة في المباراة النهائية ضد ألمانيا الغربية وكانت تلك التمريرة سبب الفوز في الوقت الحاسم، وفازت الارجنتين بكأس العالم للمرة الثانية بتاريخها.
يُقال في كل بطولة لكأس العالم يفوز فريق في البطولة، إلّا بطولة عام ١٩٨٦م فلقد أقرَّ النُّقاد والعالم أجمع أنَّ مارادونا فاز بالبطولة لوحدهِ - بعد أدائهِ الفردي (الغير مسبوق)، حيث قام بتسجيل ٥ أهداف من أصل ١٤ هدف للأرجنتين وساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بكل هدف، قام ب ٥٥ مراوغة ناجحة خلال البطولة وهذا رقم قياسي، تعرض مارادونا في تلك البطولة إلى ١٤٤ ضربة من ركلات أقدام المدافعين الذين كانوا يحاولون إيقافه على مستوى البطولة (وهو أيضاً رقم قياسي).. ناهِيكَ عن التحفيز والتشجيع لزملائه والكاريزما والقيادة وقوة الشخصية التي كان يتمتع بها، كان عملاق بالرغم من قصر قامته.
قبل بداية تلك البطولة كانت الصحافة العالمية وحتى الأرجنتينية تُشكِك في المنتخب الأرجنتيني - الذي تأهل بصعوبة إلى المونديال، وكانت جميع تلك الوسائل الإعلامية تُقلِّل من مارادونا - حيثُ اتهموهُ بأنه مغرور.. بدين وقصير القامة.. ولنْ يُقدم أي شيء يُذكر.. وأنَّهُ سيُطرد من البطولة مثل ما تمَّ طردهُ من كأس العالم ١٩٨٢م - بعدما تمَّ استفزازهُ في أحد المباريات، لكنَّ مارادونا أثبت العكس وفاز بالبطولة وادهش الجميع ولمْ يسمح للمُحبطين أنْ يؤثِّروا عليهِ أو على فريقهِ.
بعد البطولة وحتى منتصف التسعينات أصبح مارادونا أشهر شخصية على وجه الأرض بعد استفتائات قامت بها مجلات عالمية تختص بالمشاهير، وحصل عام ٢٠٠٠م على لقب (لاعب القرن) بعد استفتاء قام به الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA. إنّهُ أكثر شخصية رياضية مثيرة للجدل وحياتهُ مليئة بالصخب والمُفارقات، فلقد كان في جانب من حياته حنوناً.. عطوفاً..يبكي كطفل.. يحب أسرته ويحب الفقراء لأنهُ كان منهمَ.. بل إنهُ كان يلعب مباريات خيرية كثيرة بدون مقابل - ليذهب ريع تلك المباريات إلى علاج بعض المرضى في المستشفيات وإلى الجمعيات الخيرية والإنسانية.
لكنه في جانب أخر كان متورطاً في فضائح المنشطات والمخدرات وبعض حياة الليل، وتلك هي اللعنة التي رافقتهُ طوال حياته، إنه شيطان وقديس في نفس اللحظة.. طفل طائش وأسطورة في آنٍ واحد.. غير مألوف ومتناقض، كان يحب الحياة ويحب كرة القدم، بل لم تعرف الكرة ساحراً يداعبها بكل أجزاء جسمهِ مثله..في النهاية... هل هو غشاش أم عبقري..؟!
ام أنهُ استخدم القليل من الغش.. مع الكثير من العبقرية؟!.
إعداد وكتابة: عبدالله محمد الغويري.
أقيمت بطولة كأس العالم الثالثة عشرة في المكسيك عام ١٩٨٦م، وكان من المقرر أن تقام البطولة في كولومبيا - والتي بدورها اعتذرت قبل عام ونصف عن الاستضافة لعدم قدرتها على تغطية تكاليف البطولة وعدم تمكنها من تشييد الملاعب والبنية التحتية، بعد ذلك تم اختيار المكسيك لتستضيف البطولة - لتكون بذلك أول بلد يستضيف كأس العالم مرتين (بعد عام ١٩٧٠م)، حتى المكسيك نفسها كانت قاب قوسين أو أدنى من أنْ تعتذر عن البطولة بعد الزلزال المدمر الذي أصابها عام ١٩٨٥م.
ربما تكون هي البطولة الأكثر من حيث زخامة اسماء النجوم مثل البرازيليان زيكو وسقراطيس، الألمانيان كارل-هاينتس رومينيغه ولوتار ماتيوس، الأوروغوياني إنتسو فرانتشيسكولي، من المكسيك بوتراغينيو، والإنجليزي لينيكر، لكن من بين هؤلاء لم يبزغ نجم في البطولة مثل الأرجنتيني الأسطورة (دييغو ارماندو مارادونا).
ربما لا يتسع المقام لذكر جميع ما فعله في البطولة خلال ال ٧ مباريات التي لعبها، ولكن يكفي أنْ نسلط الضوء على مباراة الأرجنتين ضد إنجلترا في الدور ربع النهائي، وعلى وجه الخصوص في الشوط الثاني، وتحديدا خلال ٤ دقايق فعل فيهما مارداونا الممكن وغير الممكن، وسجل أغرب هدفين في تاريخ بطولات كؤوس العالم.
أقيمت المباراة في ملعب (أزتيكا) الشهير وتحت أنظار ١١٤ ألف متفرج في المدرجات وغيرهم من الملايين عبر الشاشات - وذلك بتاريخ ١٩٨٦/٦/٢٢م، ومما زاد من أجواء المنافسة في المباراة هو قضية سياسية خارج الملعب وخارج إطار الرياضة وهي حرب (جزر الفوكلاند الأرجنتينية) بعدما قامت إنجلترا بأحتلالها بدون وجه حق عام ١٩٨٢م، وقُتِل في تلك الحرب العديد من الجنود الأرجنتينيِن، وبالتالي خيمت الأجواء المشحونة والرغبة في الثأر على المباراة وعلى اللاعبين وعلى جمهور الطرفين.
جرت المباراة في النهار وتحت وطأة الشمس والرطوبة العالية، وانتهى الشوط الأول بين الفريقين بالتعادل (٠-٠)، وكان ماردونا نجم الشوط الأول بلا منازع من حيث المهارات الفنية وسرعة الاختراق والتمريرات وغيرها.. ولكن ما الذي حدث في الشوط الثاني، وما الذي حصل في الدقيقة ٥١ تحديداً وجعل من تلك المباراة هي الأكثر جدلاً في تاريخ كؤوس العالم.
استقبل مارادونا الكرة بعد منتصف الملعب وشق طريقه باتجاه منطقة الجزاء ثم مرر الكرة لزميله (فالدانو) - لكن مدافع منتخب إنجلترا كان اسرع وأرجع الكرة عالية مرتفعة باتجاه حارس مرمى، في تلك اللحظة كان مارادونا يمضي بسرعة تجاه المرمى، قفز مارادونا (طوله ١٦٥ سم) وقفز أيضا الحارس بيتر شليتون (طوله ١٨٤ سم).. في تلك الحالة اضطر مارادونا أن يستخدم الحِيلة والتمويه وأن يضرب الكرة بقبضة يده اليسرى.. وحصل ما أراد.. ودخلت الكرة الشباك، كأحد أغرب أهداف كأس العالم على مدار التاريخ.
اعترض لاعبو إنجلترا كلهم على الحكم عندما احتسبها هدفاً، وشاطوا غضباً على ذلك القرار، المصادفة العجيبة أنَّ الحكم كان عربي ومسلم وهو الحكم التونسي (علي بن ناصر)، والذي قال في تصريحهِ بعد المباراة: أنَّ زاوية الرؤية أمامه لم تكن واضحة لتشخيص وضع الهدف، وأنَّهُ نظر مباشرة إلى زميله المساعد من بلغاريا (حكم الراية) الذي رفع يديه وأعلنْ صحة الهدف، وبالتالي كان (علي بن ناصر) مضطراً لإحتساب ذلك الهدف (الغير شرعي)..!!.
مارادونا بعد دخول الكرة إلى الشباك، ركض فرِحاً وأشار بيديه وعينيه إلى زملائه في الفريق أن يركضوا ورائه إلى طرف الملعب ليشاركوهُ فرحة الهدف وذلك حتى يُبعد أي شيء يُثير الشك والريبة وأنَّ الأمور طبيعية.. وفعلاً كان ذلك أحد الأسباب التي ساهمت في اقناع الحكم بصحة الهدف. قالت الصحافة وقتها أنَّ ذلك هو نوع من الثقة بالنفس والمكر الأرجنتيني، حتى مارادونا صرح بعد المباراة : أنَّ القوة الإلهية تدخلت حتى يحصل الهدف، وأنَّ ذلك الهدف هو انتقام وثأر من احتلال إنجلترا لجزر الفوكلاند، وكان يُبرر قائلاً: أنَّكَ إذا سرقت شيئا من اللص لا عليكَ شيء وتشملك المغفرة.. الأمر أشبه بسرقة محفظة من الإنجليز (على حد زعمهِ وقوله)...!!.
أثناء المباراة قال أحد مُعلِّقي المبارة المتعاطف مع إنجلترا - الفرنسي الشهير ميشيل لاركي وهو غاضب : ' يا له من وغد حقير، لقد سجل الشيطان بيده، انها لقطة لا تليق بلاعب محترف، انه صعلوك من الحارات، وحده الحكم بن ناصر لم يشاهد تلك المهزلة'..!!.
بسبب ذلك الهدف كان أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية قد كرهوا مارادونا على ما قام به والنصف الثاني كان مذهولاً، كان (غشاشاً عند البعض.. وذكياً عند البعض الأخر بنفس الوقت)، ثم مرت أربع دقائق فقط وقام مارادونا بتصليح غلطتهِ وأبهر العالم أجمع بالهدف الثاني - عندما سجل هدف من مراوغة مُذهلة - وتم تصنيف ذلك الهدف بأنَّهُ أعظم أهداف كأس العالم على الإطلاق - وتم تسميته فيما يُعرف (بهدف القرن).
الذي يُميز الهدف الثاني ما يلي:
* ركض ماردونا بالكرة أكثر من نصف الملعب قرابة ٦٨متر والكرة بحوزتهِ.
* راوغ خمس مدافعين من إنجلترا، ثم راوغ الحارس بيتر شيلتون ليصبح المجموع ٦ لاعبين، ولم يتمكن أحدٌ منهم على إيقافهِ.
*خلال تلك المسافة التي ركضها ماردونا لمسَ الكرة ١١ لمسة، واحتاج فقط إلى ١١ ثانية للوصول إلى المرمى وهو رقم قياسي.
* كان ماردونا خلال الهدف يستخدم قدمه اليسرى فقط ولم يستخدم رجله اليمنى إطلاقاً.
* يقول مهاجم منتخب إنجلترا (غاري لينكر) عن الهدف وهو أحد اللاعبين الموجودين في الملعب لحظة الهدف : 'سجل مارادونا الهدف الثاني في شباكنا ، شعرت بالرغبة في التصفيق ، كان من المستحيل تسجيل مثل هذا الهدف الجميل ، إنه أعظم لاعب في كل العصور بفارق كبير عن أقرب من خلفه ، ظاهرة حقيقية'.
* قال حكم المباره (علي بن ناصر) عن الهدف : عندما تُحكِّم مباراة لمارادونا لا يمكن أنْ تغمض عينيك، لأنَّ المدافعين حاولوا إسقاطه أكثر من مرة، لكنني منحتهُ الفرصة حتى تمكّن من هزّ الشباك وتسجيل الهدف الثاني في المرمى - الذي أصبح أفضل هدف في تاريخ كأس العالم، وتم اختياره هدف القرن'.
* المعلق الأورغوياني الشهير فيكتور هوغو موراليس بكى وهو يعلق على الهدف وهو يصرخ قائلاً : من أي كوكبٍ أتيت؟... وقال كلمات وعِبارات رومنسية شاعريّة على الهدف ظَلَّت محفورة في ذهن كل مشجع أرجنتيني.
في النهاية.. انتهت المبارة بنتيجة ٢-١ لصالح الأرجنتين.. وودعت إنجلترا البطولة - بعد قبضة مارادونا اليُسرى في الهدف الأول وقدمهِ اليُسرى فقط في الهدف الثاني، وأكمل ماردونا مشواره مع بلاده عندما سجل هدفين رائعين ضد بلجيكا في المباراة النصف نهائية، ثم ساهم بتمريرة حاسمة في المباراة النهائية ضد ألمانيا الغربية وكانت تلك التمريرة سبب الفوز في الوقت الحاسم، وفازت الارجنتين بكأس العالم للمرة الثانية بتاريخها.
يُقال في كل بطولة لكأس العالم يفوز فريق في البطولة، إلّا بطولة عام ١٩٨٦م فلقد أقرَّ النُّقاد والعالم أجمع أنَّ مارادونا فاز بالبطولة لوحدهِ - بعد أدائهِ الفردي (الغير مسبوق)، حيث قام بتسجيل ٥ أهداف من أصل ١٤ هدف للأرجنتين وساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بكل هدف، قام ب ٥٥ مراوغة ناجحة خلال البطولة وهذا رقم قياسي، تعرض مارادونا في تلك البطولة إلى ١٤٤ ضربة من ركلات أقدام المدافعين الذين كانوا يحاولون إيقافه على مستوى البطولة (وهو أيضاً رقم قياسي).. ناهِيكَ عن التحفيز والتشجيع لزملائه والكاريزما والقيادة وقوة الشخصية التي كان يتمتع بها، كان عملاق بالرغم من قصر قامته.
قبل بداية تلك البطولة كانت الصحافة العالمية وحتى الأرجنتينية تُشكِك في المنتخب الأرجنتيني - الذي تأهل بصعوبة إلى المونديال، وكانت جميع تلك الوسائل الإعلامية تُقلِّل من مارادونا - حيثُ اتهموهُ بأنه مغرور.. بدين وقصير القامة.. ولنْ يُقدم أي شيء يُذكر.. وأنَّهُ سيُطرد من البطولة مثل ما تمَّ طردهُ من كأس العالم ١٩٨٢م - بعدما تمَّ استفزازهُ في أحد المباريات، لكنَّ مارادونا أثبت العكس وفاز بالبطولة وادهش الجميع ولمْ يسمح للمُحبطين أنْ يؤثِّروا عليهِ أو على فريقهِ.
بعد البطولة وحتى منتصف التسعينات أصبح مارادونا أشهر شخصية على وجه الأرض بعد استفتائات قامت بها مجلات عالمية تختص بالمشاهير، وحصل عام ٢٠٠٠م على لقب (لاعب القرن) بعد استفتاء قام به الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA. إنّهُ أكثر شخصية رياضية مثيرة للجدل وحياتهُ مليئة بالصخب والمُفارقات، فلقد كان في جانب من حياته حنوناً.. عطوفاً..يبكي كطفل.. يحب أسرته ويحب الفقراء لأنهُ كان منهمَ.. بل إنهُ كان يلعب مباريات خيرية كثيرة بدون مقابل - ليذهب ريع تلك المباريات إلى علاج بعض المرضى في المستشفيات وإلى الجمعيات الخيرية والإنسانية.
لكنه في جانب أخر كان متورطاً في فضائح المنشطات والمخدرات وبعض حياة الليل، وتلك هي اللعنة التي رافقتهُ طوال حياته، إنه شيطان وقديس في نفس اللحظة.. طفل طائش وأسطورة في آنٍ واحد.. غير مألوف ومتناقض، كان يحب الحياة ويحب كرة القدم، بل لم تعرف الكرة ساحراً يداعبها بكل أجزاء جسمهِ مثله..في النهاية... هل هو غشاش أم عبقري..؟!
ام أنهُ استخدم القليل من الغش.. مع الكثير من العبقرية؟!.
التعليقات