بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
أستاذ مشارك سياسات عامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
السجال كبيرٌ في الولايات المتحدة بين أعضاء الحزبين الرئيسيين؛ الديمقراطيين والجمهوريين، حول قضية إصدار قانون يسمح بتجاوز سقف الدَّين الأمريكي، أي الاقتراض بأكثر ممّا يسمح به الدستور الأمريكي من سقف مديونية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وهو مفهوم يعني ببساطة رفع قدرة الحكومة على الاقتراض لتغطية العجز في تمويل نفقاتها، ما يعني أن يتم تجاوز حجم الدَّين العام التراكمي القائم، الذي أقرَّه الكونجرس الأمريكي سابقاً، ما يسمح للرئيس الأمريكي وحكومته الاقتراض، ودفع المستحقات المالية والنفقات المطلوبة من الحكومة، والتي جلُّها نفقات جارية، في مجال التأمينات الاجتماعية، والتغطية الصحية، وبعض التكاليف الجارية لتسيير أمور الحكومة اليومية، ومن الواضح أن هناك توجه نحو اتفاق للخروج من تلك الأزمة قريباً. الدَّين العام الأمريكي يشكِّل اليوم نحو ثلث حجم إجمالي المديونية العالمية العامة، وما يقرب من 11% من حجم المديونية العالمية العامة والخاصة مجتمعة، وبات- بعد أن وصل إلى نحو 31.4 تريليون دولار- يقترب من تجاوز حاجز 130% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الذي يسمح به قانون تجاوز الدَّين السابق إقراره عام 2021، بيد أنَّ تاريخ التخلي عن سقف الدَّين ورفعه في الولايات المتحدة طويلٌ يتجاوز المئة عام، حينما سمح الكونجرس برفع سقف الدَّين عام 1917 بسبب تداعيات الحرب العالمية الأولى، وقد استمر الأمر سجالاً بين قطبي السياسة على مدى تلك الفترة، حيث تمَّ تغيير أو تعليق سقف الدَّين لنحو 78 مرة منذ عام 1960.
واليوم يقف العالم على مفترق جديد في ظل مديونية متفاقمة، وسقف دَين لن يقف بالضرورة عند ما سيتم تحديده من قِبَل الكونجرس، ذلك أنَّ مؤشرات المديونية العامة للولايات المتحدة لا تشير إلى أنَّ الحاجة إلى تمويل العجز القائم، أو القادم، حاجة قصيرة الأمد، بل هي حاجة هيكلية فرضها هيكل الإنفاق العام وتطوراته على مدى الأعوام المنصرمة من القرن الحالي، وتحديداً منذ عام 2001. والمقلق عالمياً أن تتوقَّف الحكومة الأمريكية عن سداد مستحقات دَينها، ما سيعني للعالم أجمع تهديداً للقوة الشرائية للدولار الأمريكي، وقد يؤدي إلى انهيار قيمته، وبالتالي تهديد الاستقرار النقدي لمعظم دول العالم التي ربطت عملاتها به منذ التخلي عن قاعدة الذهب، والتحوُّل تجاه اعتبار الدولار عملة للتسويات العالمية منذ عام 1971. ولكن المؤشرات والتجربة العملية، على مدى نصف قرن تشير إلى أنَّ الشدَّ والجذب بين القطبين الأمريكيين ينتهي بتفهام ومكاسب هنا وهناك، ويتم على إثرها إصدار قانون رفع سقف الدَّين، أو تعطيل السقف القائم لفترة من الزمن. بيد أنَّ موضوع المديونية العامة لا يخصُّ مديونية الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، لأنَّ المديونية العامة لكافة دول العالم، البالغة نحو 94 تريلون دولار، تشكِّل نحو 97% من الناتج المحلي العالمي، حسب الإحصاءات الرسمية، وإذا أضيف إليها مديونية الأفراد والمؤسَّسات، تصبح نحو 303 تريليونات دولار وتشكِّل في مجموعها ما يقرب من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وفي حالة الاقتصادات الناشئة والنامية، فإنَّ الإحصاءات تشير إلى أنَّ المديونية الإجمالية للدول والمؤسَّسات والأفراد تتجاوز 256% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. وتعدُّ اليابان، حسب إحصاءات 2021 أكبر دول العالم مديونية بنسبة مديونية تصل إلى نحو 256% من ناتجها المحلي، يأتي بعدها اليونان، بنسبة تتجاوز 205%، ومن ثمَّ السودان ولبنان وإيطاليا، بنسب 205% إلى 170% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. الشاهد ممَّا سبق أنَّ المديونية باتت سمة من سمات تسيير الأعمال والموازنات العامة في شتى دول العالم، إلا أنَّ ما يحدِّد ما إذا كانت تلك المديونية هي داعم لعمل الاقتصاد، ومحرك لقطاعاته، أي إنها رافعة له، أم إنها مديونية خطرة ومؤرِّقة، أي إنها عامل إغراق للاقتصاد، وتكبيل مستوى نموه وتنميته، يتحدَّد بأربعة عوامل أساسية، تجعل من تلك المديونية إمّا رافعة وداعمة للاقتصاد، أو غارقة مغرقة له. تلك العوامل تتحدَّد أولاً في سبب نشأة المديونية، وثانياً، في مصدر الحصول عليها، أي مصدر تمويلها، وثالثاً، في هيكل إطارها الزمني قصير أم طويل الأمد، وأخيراً وليس آخراً، موارد تمويل سدادها داخلياً أم خارجياً. وفي هذا الإطار، تعدُّ المديونية الناشئة عن تمويل مشاريع رأسمالية استثمارية رافعة للاقتصاد، ذلك أنها تنشأ عن استثمارات في المشاريع الكبرى المُجدية، ومشاريع البنية التحتية التي تدعم جذب الاستثمارات وتحِّفزها. في حين إنَّ المديونية الناشئة عن تمويل العجز المالي الجاري، مديونية هيكلية أساسها الإنفاق خارج الإمكانات، وعدم ضبط النفقات، وسوء توزيع أولويات الإنفاق، وعدم العدالة في تحصيل الإيرادات، أو في توسيع القاعدة الضريبية، وهو ما يُسمّى سوء الهندسة المالية للنفقات والإيرادات العامة، وينتج عن ذلك عجزٌ ناشئٌ عن عدم قدرة الدولة على دفع وتغطية نفقاتها الجارية من رواتب، وتقاعد، وخدمات صحية وتعليمية وغيرها من شؤون إدارة الدولة اليومية، من مصادرها المحلية. وهي مديونية مقلقة أساسها ضعف الهندسة المالية للدولة. وهي مديونية غارقة، يصعب على الدول تعويمها، أو تسويتها دون برامج إصلاح مالي حقيقية، ما يستدعي اتخاذ إجراءات قاسية مستقبلاً لغايات تصويب الأوضاع، والرضوخ لبرامج تصحيح اقتصادي مريرة ومؤلمة، خاصة على أصحاب الدخل المحدود والمنخفض، أي الطبقات الفقيرة وفئات أصحاب الدخل المحدود من الموظفين والعاملين. ويزيد من عبء المديونية مصدر تمويلها؛ إن كان عبر قنوات تجارية محلية أو خارجية، ما يعني زيادة أعباء خدمتها، من حيث سعر الفائدة، وفترات السداد، فالمديونية من مصادر تجارية تعتبر مرتفعة الثمن، من حيث أسعار الفائدة، وهي في العادة ذات فترات قصيرة أو متوسطة الأمد، لطبيعة الديون التجارية التي تتمركز حول فترات قصيرة ومتوسطة، من عام إلى خمسة أعوام على أقصى تقدير. وهي مديونية مغرِقة للدول، خاصة إن كانت مديونية مرتبطة بنفقات جارية، حيث تلجأ العديد من الدول إلى تسديدها عبر دوّامة الاستدانة المستمرة لغايات تسديد الديون القديمة والدخول في ديون جديدة، ذات كلف مرتفعة بشكل مستمر، ما يؤدّي إلى إرهاق الموازنات السنوية ببنود خدمة الدَّين، أي دفع الاقساط والفوائد، عاماً بعد عام، وبقيم مرتفعة بشكل مضطرد، إلى حين الوصول إلى حالة الغرق في خدمة دَين غير قابلة للاستدامة أو التمويل إلا من خلال إجراءات قاسية، عبر بيع الأصول، أو تطبيق برامج تصحيح تقوم على زيادة الضرائب والرسوم، ورفع الدعم، والمعونات، ما يؤثِّر سلباً في مستويات الدخل والقوة الشرائية للأفراد. ويفاقم من مشكلة المديونية العامل الثالث من العوامل المشار إليها سابقاً، خاصة إن كان مصدرها خارجياً، ما يعني استنزاف موارد الدولة، واحتياطياتها الأجنبية، لسداد مديونية جارية غير داعمة وغير رافعة للاقتصاد وبكلف عالية، لجهات تجارية. وهو أمر يؤدي في النهاية إلى تخفيض قيمة العملة بنسب كبيرة، تضرب بشكل أساس القوة الشرائية لأصحاب الدخل الثابت، المحدود والمنخفض. فالمديونية الجارية، الممولة من مصادر تجارية خارجية، تعني في النهاية استنزاف الاحتياطيات الأجنبية للدول المدينة، بشكل مستمر، لتكون المحصِلة ضرورة تخفيض العملة، وما يستتبعه ذلك من انخفاض القوة الشرائية وتلاشي الدخول. في حين أنَّ المديونية الرافعة، المموّلة للمشاريع الاستثمارية، إنما تؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد، وخلق الوظائف، وتأمين دخل للدولة يساعدها على سداد ديونها من جهة، ومن جهة أخرى يؤدي إلى مكافحة البطالة والفقر وتحقيق معدلات نمو وتنمية في مناطق الدولة كافَّة. وعلى صعيد آخر، فإنَّ المديونية الناشئة عن نفقات جارية ومموّلة من مصادر تجارية محلية، تؤدّي في النهاية إلى لجوء بعض الدول إلى سدادها عبر طبع النقود، وما يعنيه ذلك من معدلات تضخُّم عالية، وفقدان للقوة الشرائية للعملة، وبالتالي تآكل مستويات الدخل الثابت للفئات محدودة ومنخفضة الدخل. الشاهد ممّا سبق جميعه، أنَّ معضلة المديونية ودورها في رفع الاقتصاد أو إغراقه، إنما يظهر اعتماداً على قدرة الدول على هندسة شؤونها المالية، وحصافة المخطَّط المالي فيها وقدرتها على ترشيد النفقات، وهندسة توزيعها بعدالة، وإيقاف أي استنزاف لموارد الدولة المالية، وأخيراً، والأهم، قدرته على وضع سياسات تؤدي إلى استغلال موارد الدولة واستثمارها في توليد مصادر مستدامة للدخل عبر استثمارات حقيقية، مشتركة، من خلال قانون الشراكة مع القطاع الخاص، أو من مصادر خاصة، عبر سياسات تحفيز، وجذب الاستثمارات المحلية والخارجية. المديونية تكون رافعة حينما تموّل مشاريع استثمارية، من مصادر استثمارية، ورسمية، وتكون غارقة حينما يكون الهدف منها تمويل نفقات جارية، نابعة عن ضعف الهندسة المالية العامة للدولة.
والمديونية الغارقة هي النفق الذي تدخله الدول، بما يحويه من معدلات تضخُّم وبطالة، وسوء إدارة مالية عامة، ولا تخرج منه إلا ببرامج تصحيح قاسية وصعبة على الأجيال الحالية والقادمة، وإجراءات تضرب بعنف القوة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود، وتُغرق الدول لفترة طويلة في مستويات تنمية متراجعة، وفي تراجع ملموس لجودة الحياة. ولعلَّ المخرج ليس فقط في برامج تصحيح قاسية، بالرغم من أهميتها، ولكن في توجُّهات مستدامة تؤدي إلى سداد الديون القائمة عبر معادلة استثمارية من خلال مشاريع كبرى يتم من خلالها عقد اتفاقات مع استثمارات عالمية تقوم بالمساعدة على سداد خدمة الدَّين على مدى فترة استحقاقه، مقابل تفويضها بمشاريع كبرى في الدول، بما يحقِّق هدفين بإجراء واحد؛ هدف سداد الدَّين المُرهق المُغرق، وهدف دخول استثمارات كبرى تؤدي إلى تحقيق التنمية، وخلق الوظائف، وتحقيق إيرادات عامة آنية ومستقبلية، شريطة أن تتعهَّد الدول بضبط ماليتها، وحسن هندستها، وعدم الدخول في نفق الديون الغارقة من جديد.
khwazani@gmail.com
بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
أستاذ مشارك سياسات عامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
السجال كبيرٌ في الولايات المتحدة بين أعضاء الحزبين الرئيسيين؛ الديمقراطيين والجمهوريين، حول قضية إصدار قانون يسمح بتجاوز سقف الدَّين الأمريكي، أي الاقتراض بأكثر ممّا يسمح به الدستور الأمريكي من سقف مديونية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وهو مفهوم يعني ببساطة رفع قدرة الحكومة على الاقتراض لتغطية العجز في تمويل نفقاتها، ما يعني أن يتم تجاوز حجم الدَّين العام التراكمي القائم، الذي أقرَّه الكونجرس الأمريكي سابقاً، ما يسمح للرئيس الأمريكي وحكومته الاقتراض، ودفع المستحقات المالية والنفقات المطلوبة من الحكومة، والتي جلُّها نفقات جارية، في مجال التأمينات الاجتماعية، والتغطية الصحية، وبعض التكاليف الجارية لتسيير أمور الحكومة اليومية، ومن الواضح أن هناك توجه نحو اتفاق للخروج من تلك الأزمة قريباً. الدَّين العام الأمريكي يشكِّل اليوم نحو ثلث حجم إجمالي المديونية العالمية العامة، وما يقرب من 11% من حجم المديونية العالمية العامة والخاصة مجتمعة، وبات- بعد أن وصل إلى نحو 31.4 تريليون دولار- يقترب من تجاوز حاجز 130% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الذي يسمح به قانون تجاوز الدَّين السابق إقراره عام 2021، بيد أنَّ تاريخ التخلي عن سقف الدَّين ورفعه في الولايات المتحدة طويلٌ يتجاوز المئة عام، حينما سمح الكونجرس برفع سقف الدَّين عام 1917 بسبب تداعيات الحرب العالمية الأولى، وقد استمر الأمر سجالاً بين قطبي السياسة على مدى تلك الفترة، حيث تمَّ تغيير أو تعليق سقف الدَّين لنحو 78 مرة منذ عام 1960.
واليوم يقف العالم على مفترق جديد في ظل مديونية متفاقمة، وسقف دَين لن يقف بالضرورة عند ما سيتم تحديده من قِبَل الكونجرس، ذلك أنَّ مؤشرات المديونية العامة للولايات المتحدة لا تشير إلى أنَّ الحاجة إلى تمويل العجز القائم، أو القادم، حاجة قصيرة الأمد، بل هي حاجة هيكلية فرضها هيكل الإنفاق العام وتطوراته على مدى الأعوام المنصرمة من القرن الحالي، وتحديداً منذ عام 2001. والمقلق عالمياً أن تتوقَّف الحكومة الأمريكية عن سداد مستحقات دَينها، ما سيعني للعالم أجمع تهديداً للقوة الشرائية للدولار الأمريكي، وقد يؤدي إلى انهيار قيمته، وبالتالي تهديد الاستقرار النقدي لمعظم دول العالم التي ربطت عملاتها به منذ التخلي عن قاعدة الذهب، والتحوُّل تجاه اعتبار الدولار عملة للتسويات العالمية منذ عام 1971. ولكن المؤشرات والتجربة العملية، على مدى نصف قرن تشير إلى أنَّ الشدَّ والجذب بين القطبين الأمريكيين ينتهي بتفهام ومكاسب هنا وهناك، ويتم على إثرها إصدار قانون رفع سقف الدَّين، أو تعطيل السقف القائم لفترة من الزمن. بيد أنَّ موضوع المديونية العامة لا يخصُّ مديونية الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، لأنَّ المديونية العامة لكافة دول العالم، البالغة نحو 94 تريلون دولار، تشكِّل نحو 97% من الناتج المحلي العالمي، حسب الإحصاءات الرسمية، وإذا أضيف إليها مديونية الأفراد والمؤسَّسات، تصبح نحو 303 تريليونات دولار وتشكِّل في مجموعها ما يقرب من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وفي حالة الاقتصادات الناشئة والنامية، فإنَّ الإحصاءات تشير إلى أنَّ المديونية الإجمالية للدول والمؤسَّسات والأفراد تتجاوز 256% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. وتعدُّ اليابان، حسب إحصاءات 2021 أكبر دول العالم مديونية بنسبة مديونية تصل إلى نحو 256% من ناتجها المحلي، يأتي بعدها اليونان، بنسبة تتجاوز 205%، ومن ثمَّ السودان ولبنان وإيطاليا، بنسب 205% إلى 170% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. الشاهد ممَّا سبق أنَّ المديونية باتت سمة من سمات تسيير الأعمال والموازنات العامة في شتى دول العالم، إلا أنَّ ما يحدِّد ما إذا كانت تلك المديونية هي داعم لعمل الاقتصاد، ومحرك لقطاعاته، أي إنها رافعة له، أم إنها مديونية خطرة ومؤرِّقة، أي إنها عامل إغراق للاقتصاد، وتكبيل مستوى نموه وتنميته، يتحدَّد بأربعة عوامل أساسية، تجعل من تلك المديونية إمّا رافعة وداعمة للاقتصاد، أو غارقة مغرقة له. تلك العوامل تتحدَّد أولاً في سبب نشأة المديونية، وثانياً، في مصدر الحصول عليها، أي مصدر تمويلها، وثالثاً، في هيكل إطارها الزمني قصير أم طويل الأمد، وأخيراً وليس آخراً، موارد تمويل سدادها داخلياً أم خارجياً. وفي هذا الإطار، تعدُّ المديونية الناشئة عن تمويل مشاريع رأسمالية استثمارية رافعة للاقتصاد، ذلك أنها تنشأ عن استثمارات في المشاريع الكبرى المُجدية، ومشاريع البنية التحتية التي تدعم جذب الاستثمارات وتحِّفزها. في حين إنَّ المديونية الناشئة عن تمويل العجز المالي الجاري، مديونية هيكلية أساسها الإنفاق خارج الإمكانات، وعدم ضبط النفقات، وسوء توزيع أولويات الإنفاق، وعدم العدالة في تحصيل الإيرادات، أو في توسيع القاعدة الضريبية، وهو ما يُسمّى سوء الهندسة المالية للنفقات والإيرادات العامة، وينتج عن ذلك عجزٌ ناشئٌ عن عدم قدرة الدولة على دفع وتغطية نفقاتها الجارية من رواتب، وتقاعد، وخدمات صحية وتعليمية وغيرها من شؤون إدارة الدولة اليومية، من مصادرها المحلية. وهي مديونية مقلقة أساسها ضعف الهندسة المالية للدولة. وهي مديونية غارقة، يصعب على الدول تعويمها، أو تسويتها دون برامج إصلاح مالي حقيقية، ما يستدعي اتخاذ إجراءات قاسية مستقبلاً لغايات تصويب الأوضاع، والرضوخ لبرامج تصحيح اقتصادي مريرة ومؤلمة، خاصة على أصحاب الدخل المحدود والمنخفض، أي الطبقات الفقيرة وفئات أصحاب الدخل المحدود من الموظفين والعاملين. ويزيد من عبء المديونية مصدر تمويلها؛ إن كان عبر قنوات تجارية محلية أو خارجية، ما يعني زيادة أعباء خدمتها، من حيث سعر الفائدة، وفترات السداد، فالمديونية من مصادر تجارية تعتبر مرتفعة الثمن، من حيث أسعار الفائدة، وهي في العادة ذات فترات قصيرة أو متوسطة الأمد، لطبيعة الديون التجارية التي تتمركز حول فترات قصيرة ومتوسطة، من عام إلى خمسة أعوام على أقصى تقدير. وهي مديونية مغرِقة للدول، خاصة إن كانت مديونية مرتبطة بنفقات جارية، حيث تلجأ العديد من الدول إلى تسديدها عبر دوّامة الاستدانة المستمرة لغايات تسديد الديون القديمة والدخول في ديون جديدة، ذات كلف مرتفعة بشكل مستمر، ما يؤدّي إلى إرهاق الموازنات السنوية ببنود خدمة الدَّين، أي دفع الاقساط والفوائد، عاماً بعد عام، وبقيم مرتفعة بشكل مضطرد، إلى حين الوصول إلى حالة الغرق في خدمة دَين غير قابلة للاستدامة أو التمويل إلا من خلال إجراءات قاسية، عبر بيع الأصول، أو تطبيق برامج تصحيح تقوم على زيادة الضرائب والرسوم، ورفع الدعم، والمعونات، ما يؤثِّر سلباً في مستويات الدخل والقوة الشرائية للأفراد. ويفاقم من مشكلة المديونية العامل الثالث من العوامل المشار إليها سابقاً، خاصة إن كان مصدرها خارجياً، ما يعني استنزاف موارد الدولة، واحتياطياتها الأجنبية، لسداد مديونية جارية غير داعمة وغير رافعة للاقتصاد وبكلف عالية، لجهات تجارية. وهو أمر يؤدي في النهاية إلى تخفيض قيمة العملة بنسب كبيرة، تضرب بشكل أساس القوة الشرائية لأصحاب الدخل الثابت، المحدود والمنخفض. فالمديونية الجارية، الممولة من مصادر تجارية خارجية، تعني في النهاية استنزاف الاحتياطيات الأجنبية للدول المدينة، بشكل مستمر، لتكون المحصِلة ضرورة تخفيض العملة، وما يستتبعه ذلك من انخفاض القوة الشرائية وتلاشي الدخول. في حين أنَّ المديونية الرافعة، المموّلة للمشاريع الاستثمارية، إنما تؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد، وخلق الوظائف، وتأمين دخل للدولة يساعدها على سداد ديونها من جهة، ومن جهة أخرى يؤدي إلى مكافحة البطالة والفقر وتحقيق معدلات نمو وتنمية في مناطق الدولة كافَّة. وعلى صعيد آخر، فإنَّ المديونية الناشئة عن نفقات جارية ومموّلة من مصادر تجارية محلية، تؤدّي في النهاية إلى لجوء بعض الدول إلى سدادها عبر طبع النقود، وما يعنيه ذلك من معدلات تضخُّم عالية، وفقدان للقوة الشرائية للعملة، وبالتالي تآكل مستويات الدخل الثابت للفئات محدودة ومنخفضة الدخل. الشاهد ممّا سبق جميعه، أنَّ معضلة المديونية ودورها في رفع الاقتصاد أو إغراقه، إنما يظهر اعتماداً على قدرة الدول على هندسة شؤونها المالية، وحصافة المخطَّط المالي فيها وقدرتها على ترشيد النفقات، وهندسة توزيعها بعدالة، وإيقاف أي استنزاف لموارد الدولة المالية، وأخيراً، والأهم، قدرته على وضع سياسات تؤدي إلى استغلال موارد الدولة واستثمارها في توليد مصادر مستدامة للدخل عبر استثمارات حقيقية، مشتركة، من خلال قانون الشراكة مع القطاع الخاص، أو من مصادر خاصة، عبر سياسات تحفيز، وجذب الاستثمارات المحلية والخارجية. المديونية تكون رافعة حينما تموّل مشاريع استثمارية، من مصادر استثمارية، ورسمية، وتكون غارقة حينما يكون الهدف منها تمويل نفقات جارية، نابعة عن ضعف الهندسة المالية العامة للدولة.
والمديونية الغارقة هي النفق الذي تدخله الدول، بما يحويه من معدلات تضخُّم وبطالة، وسوء إدارة مالية عامة، ولا تخرج منه إلا ببرامج تصحيح قاسية وصعبة على الأجيال الحالية والقادمة، وإجراءات تضرب بعنف القوة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود، وتُغرق الدول لفترة طويلة في مستويات تنمية متراجعة، وفي تراجع ملموس لجودة الحياة. ولعلَّ المخرج ليس فقط في برامج تصحيح قاسية، بالرغم من أهميتها، ولكن في توجُّهات مستدامة تؤدي إلى سداد الديون القائمة عبر معادلة استثمارية من خلال مشاريع كبرى يتم من خلالها عقد اتفاقات مع استثمارات عالمية تقوم بالمساعدة على سداد خدمة الدَّين على مدى فترة استحقاقه، مقابل تفويضها بمشاريع كبرى في الدول، بما يحقِّق هدفين بإجراء واحد؛ هدف سداد الدَّين المُرهق المُغرق، وهدف دخول استثمارات كبرى تؤدي إلى تحقيق التنمية، وخلق الوظائف، وتحقيق إيرادات عامة آنية ومستقبلية، شريطة أن تتعهَّد الدول بضبط ماليتها، وحسن هندستها، وعدم الدخول في نفق الديون الغارقة من جديد.
khwazani@gmail.com
بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
أستاذ مشارك سياسات عامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
السجال كبيرٌ في الولايات المتحدة بين أعضاء الحزبين الرئيسيين؛ الديمقراطيين والجمهوريين، حول قضية إصدار قانون يسمح بتجاوز سقف الدَّين الأمريكي، أي الاقتراض بأكثر ممّا يسمح به الدستور الأمريكي من سقف مديونية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وهو مفهوم يعني ببساطة رفع قدرة الحكومة على الاقتراض لتغطية العجز في تمويل نفقاتها، ما يعني أن يتم تجاوز حجم الدَّين العام التراكمي القائم، الذي أقرَّه الكونجرس الأمريكي سابقاً، ما يسمح للرئيس الأمريكي وحكومته الاقتراض، ودفع المستحقات المالية والنفقات المطلوبة من الحكومة، والتي جلُّها نفقات جارية، في مجال التأمينات الاجتماعية، والتغطية الصحية، وبعض التكاليف الجارية لتسيير أمور الحكومة اليومية، ومن الواضح أن هناك توجه نحو اتفاق للخروج من تلك الأزمة قريباً. الدَّين العام الأمريكي يشكِّل اليوم نحو ثلث حجم إجمالي المديونية العالمية العامة، وما يقرب من 11% من حجم المديونية العالمية العامة والخاصة مجتمعة، وبات- بعد أن وصل إلى نحو 31.4 تريليون دولار- يقترب من تجاوز حاجز 130% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الذي يسمح به قانون تجاوز الدَّين السابق إقراره عام 2021، بيد أنَّ تاريخ التخلي عن سقف الدَّين ورفعه في الولايات المتحدة طويلٌ يتجاوز المئة عام، حينما سمح الكونجرس برفع سقف الدَّين عام 1917 بسبب تداعيات الحرب العالمية الأولى، وقد استمر الأمر سجالاً بين قطبي السياسة على مدى تلك الفترة، حيث تمَّ تغيير أو تعليق سقف الدَّين لنحو 78 مرة منذ عام 1960.
واليوم يقف العالم على مفترق جديد في ظل مديونية متفاقمة، وسقف دَين لن يقف بالضرورة عند ما سيتم تحديده من قِبَل الكونجرس، ذلك أنَّ مؤشرات المديونية العامة للولايات المتحدة لا تشير إلى أنَّ الحاجة إلى تمويل العجز القائم، أو القادم، حاجة قصيرة الأمد، بل هي حاجة هيكلية فرضها هيكل الإنفاق العام وتطوراته على مدى الأعوام المنصرمة من القرن الحالي، وتحديداً منذ عام 2001. والمقلق عالمياً أن تتوقَّف الحكومة الأمريكية عن سداد مستحقات دَينها، ما سيعني للعالم أجمع تهديداً للقوة الشرائية للدولار الأمريكي، وقد يؤدي إلى انهيار قيمته، وبالتالي تهديد الاستقرار النقدي لمعظم دول العالم التي ربطت عملاتها به منذ التخلي عن قاعدة الذهب، والتحوُّل تجاه اعتبار الدولار عملة للتسويات العالمية منذ عام 1971. ولكن المؤشرات والتجربة العملية، على مدى نصف قرن تشير إلى أنَّ الشدَّ والجذب بين القطبين الأمريكيين ينتهي بتفهام ومكاسب هنا وهناك، ويتم على إثرها إصدار قانون رفع سقف الدَّين، أو تعطيل السقف القائم لفترة من الزمن. بيد أنَّ موضوع المديونية العامة لا يخصُّ مديونية الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، لأنَّ المديونية العامة لكافة دول العالم، البالغة نحو 94 تريلون دولار، تشكِّل نحو 97% من الناتج المحلي العالمي، حسب الإحصاءات الرسمية، وإذا أضيف إليها مديونية الأفراد والمؤسَّسات، تصبح نحو 303 تريليونات دولار وتشكِّل في مجموعها ما يقرب من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وفي حالة الاقتصادات الناشئة والنامية، فإنَّ الإحصاءات تشير إلى أنَّ المديونية الإجمالية للدول والمؤسَّسات والأفراد تتجاوز 256% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. وتعدُّ اليابان، حسب إحصاءات 2021 أكبر دول العالم مديونية بنسبة مديونية تصل إلى نحو 256% من ناتجها المحلي، يأتي بعدها اليونان، بنسبة تتجاوز 205%، ومن ثمَّ السودان ولبنان وإيطاليا، بنسب 205% إلى 170% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. الشاهد ممَّا سبق أنَّ المديونية باتت سمة من سمات تسيير الأعمال والموازنات العامة في شتى دول العالم، إلا أنَّ ما يحدِّد ما إذا كانت تلك المديونية هي داعم لعمل الاقتصاد، ومحرك لقطاعاته، أي إنها رافعة له، أم إنها مديونية خطرة ومؤرِّقة، أي إنها عامل إغراق للاقتصاد، وتكبيل مستوى نموه وتنميته، يتحدَّد بأربعة عوامل أساسية، تجعل من تلك المديونية إمّا رافعة وداعمة للاقتصاد، أو غارقة مغرقة له. تلك العوامل تتحدَّد أولاً في سبب نشأة المديونية، وثانياً، في مصدر الحصول عليها، أي مصدر تمويلها، وثالثاً، في هيكل إطارها الزمني قصير أم طويل الأمد، وأخيراً وليس آخراً، موارد تمويل سدادها داخلياً أم خارجياً. وفي هذا الإطار، تعدُّ المديونية الناشئة عن تمويل مشاريع رأسمالية استثمارية رافعة للاقتصاد، ذلك أنها تنشأ عن استثمارات في المشاريع الكبرى المُجدية، ومشاريع البنية التحتية التي تدعم جذب الاستثمارات وتحِّفزها. في حين إنَّ المديونية الناشئة عن تمويل العجز المالي الجاري، مديونية هيكلية أساسها الإنفاق خارج الإمكانات، وعدم ضبط النفقات، وسوء توزيع أولويات الإنفاق، وعدم العدالة في تحصيل الإيرادات، أو في توسيع القاعدة الضريبية، وهو ما يُسمّى سوء الهندسة المالية للنفقات والإيرادات العامة، وينتج عن ذلك عجزٌ ناشئٌ عن عدم قدرة الدولة على دفع وتغطية نفقاتها الجارية من رواتب، وتقاعد، وخدمات صحية وتعليمية وغيرها من شؤون إدارة الدولة اليومية، من مصادرها المحلية. وهي مديونية مقلقة أساسها ضعف الهندسة المالية للدولة. وهي مديونية غارقة، يصعب على الدول تعويمها، أو تسويتها دون برامج إصلاح مالي حقيقية، ما يستدعي اتخاذ إجراءات قاسية مستقبلاً لغايات تصويب الأوضاع، والرضوخ لبرامج تصحيح اقتصادي مريرة ومؤلمة، خاصة على أصحاب الدخل المحدود والمنخفض، أي الطبقات الفقيرة وفئات أصحاب الدخل المحدود من الموظفين والعاملين. ويزيد من عبء المديونية مصدر تمويلها؛ إن كان عبر قنوات تجارية محلية أو خارجية، ما يعني زيادة أعباء خدمتها، من حيث سعر الفائدة، وفترات السداد، فالمديونية من مصادر تجارية تعتبر مرتفعة الثمن، من حيث أسعار الفائدة، وهي في العادة ذات فترات قصيرة أو متوسطة الأمد، لطبيعة الديون التجارية التي تتمركز حول فترات قصيرة ومتوسطة، من عام إلى خمسة أعوام على أقصى تقدير. وهي مديونية مغرِقة للدول، خاصة إن كانت مديونية مرتبطة بنفقات جارية، حيث تلجأ العديد من الدول إلى تسديدها عبر دوّامة الاستدانة المستمرة لغايات تسديد الديون القديمة والدخول في ديون جديدة، ذات كلف مرتفعة بشكل مستمر، ما يؤدّي إلى إرهاق الموازنات السنوية ببنود خدمة الدَّين، أي دفع الاقساط والفوائد، عاماً بعد عام، وبقيم مرتفعة بشكل مضطرد، إلى حين الوصول إلى حالة الغرق في خدمة دَين غير قابلة للاستدامة أو التمويل إلا من خلال إجراءات قاسية، عبر بيع الأصول، أو تطبيق برامج تصحيح تقوم على زيادة الضرائب والرسوم، ورفع الدعم، والمعونات، ما يؤثِّر سلباً في مستويات الدخل والقوة الشرائية للأفراد. ويفاقم من مشكلة المديونية العامل الثالث من العوامل المشار إليها سابقاً، خاصة إن كان مصدرها خارجياً، ما يعني استنزاف موارد الدولة، واحتياطياتها الأجنبية، لسداد مديونية جارية غير داعمة وغير رافعة للاقتصاد وبكلف عالية، لجهات تجارية. وهو أمر يؤدي في النهاية إلى تخفيض قيمة العملة بنسب كبيرة، تضرب بشكل أساس القوة الشرائية لأصحاب الدخل الثابت، المحدود والمنخفض. فالمديونية الجارية، الممولة من مصادر تجارية خارجية، تعني في النهاية استنزاف الاحتياطيات الأجنبية للدول المدينة، بشكل مستمر، لتكون المحصِلة ضرورة تخفيض العملة، وما يستتبعه ذلك من انخفاض القوة الشرائية وتلاشي الدخول. في حين أنَّ المديونية الرافعة، المموّلة للمشاريع الاستثمارية، إنما تؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد، وخلق الوظائف، وتأمين دخل للدولة يساعدها على سداد ديونها من جهة، ومن جهة أخرى يؤدي إلى مكافحة البطالة والفقر وتحقيق معدلات نمو وتنمية في مناطق الدولة كافَّة. وعلى صعيد آخر، فإنَّ المديونية الناشئة عن نفقات جارية ومموّلة من مصادر تجارية محلية، تؤدّي في النهاية إلى لجوء بعض الدول إلى سدادها عبر طبع النقود، وما يعنيه ذلك من معدلات تضخُّم عالية، وفقدان للقوة الشرائية للعملة، وبالتالي تآكل مستويات الدخل الثابت للفئات محدودة ومنخفضة الدخل. الشاهد ممّا سبق جميعه، أنَّ معضلة المديونية ودورها في رفع الاقتصاد أو إغراقه، إنما يظهر اعتماداً على قدرة الدول على هندسة شؤونها المالية، وحصافة المخطَّط المالي فيها وقدرتها على ترشيد النفقات، وهندسة توزيعها بعدالة، وإيقاف أي استنزاف لموارد الدولة المالية، وأخيراً، والأهم، قدرته على وضع سياسات تؤدي إلى استغلال موارد الدولة واستثمارها في توليد مصادر مستدامة للدخل عبر استثمارات حقيقية، مشتركة، من خلال قانون الشراكة مع القطاع الخاص، أو من مصادر خاصة، عبر سياسات تحفيز، وجذب الاستثمارات المحلية والخارجية. المديونية تكون رافعة حينما تموّل مشاريع استثمارية، من مصادر استثمارية، ورسمية، وتكون غارقة حينما يكون الهدف منها تمويل نفقات جارية، نابعة عن ضعف الهندسة المالية العامة للدولة.
والمديونية الغارقة هي النفق الذي تدخله الدول، بما يحويه من معدلات تضخُّم وبطالة، وسوء إدارة مالية عامة، ولا تخرج منه إلا ببرامج تصحيح قاسية وصعبة على الأجيال الحالية والقادمة، وإجراءات تضرب بعنف القوة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود، وتُغرق الدول لفترة طويلة في مستويات تنمية متراجعة، وفي تراجع ملموس لجودة الحياة. ولعلَّ المخرج ليس فقط في برامج تصحيح قاسية، بالرغم من أهميتها، ولكن في توجُّهات مستدامة تؤدي إلى سداد الديون القائمة عبر معادلة استثمارية من خلال مشاريع كبرى يتم من خلالها عقد اتفاقات مع استثمارات عالمية تقوم بالمساعدة على سداد خدمة الدَّين على مدى فترة استحقاقه، مقابل تفويضها بمشاريع كبرى في الدول، بما يحقِّق هدفين بإجراء واحد؛ هدف سداد الدَّين المُرهق المُغرق، وهدف دخول استثمارات كبرى تؤدي إلى تحقيق التنمية، وخلق الوظائف، وتحقيق إيرادات عامة آنية ومستقبلية، شريطة أن تتعهَّد الدول بضبط ماليتها، وحسن هندستها، وعدم الدخول في نفق الديون الغارقة من جديد.
khwazani@gmail.com
التعليقات