أصدر المركز الأردني لحقوق العمل “بيت العمال” تقريره السنوي بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل الذي يصادف في الثامن والعشرين من نيسان من كل عام، أشار فيه إلى فجوات تشريعية وتنظيمية في مجال السلامة والصحة المهنية، سواء من حيث مدى تغطية التشريعات للمؤسسات والعاملين في ظل عدم شمول قطاعات واسعة من العاملين بالتغطية والحماية في قانوني العمل والضمان الإجتماعي خاصة العاملين في الإقتصاد غير المنظم، وعدم قدرة الجهات الرسمية على فرض رقابتها على معظم المؤسسات ومواقع العمل، إضافة إلى أن التوسع في أشكال العمل المرنة والعمل عن بعد لم يواكبة وضع إطار تشريعي ناظم للعلاقة بين العامل وصاحب العمل، ومن ذلك ما يتعلق بحدود مسؤوليات صاحب العمل عن توفير شروط وبيئة العمل اللائقة والآمنة التي تؤدى خارج مقر العمل، ومسؤوليته تجاه حوادث العمل خلال تأدية هذه الأعمال.
وبين بأن الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي تشير إلى وقوع ما معدله 20 ألف حادث عمل سنويا، وإلى أن معدل وقوع إصابات العمل يبلغ (11.7) إصابة لكل (1000) مؤمن عليه، وأن (25.3%) من إجمالي الوفيات الناجمة عن إصابات العمل هي في قطاع الصناعات التحويلية يليه قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة (17.7%)، ويشكل قطاع الصناعات التحويلية أعلى نسبة في إصابات العمل بنسبة (31.6%) من إجمالي الإصابات يليه قطاع الصحه والعمل الاجتماعي بما نسبته (%22)، كما تشير الإحصائيات إلى تسجيل وفاة إصابية كل (1.9) يوم للمشمولين بقانون الضمان، وتسجيل حادث عمل كل (25) دقيقة في مختلف القطاعات.
ويشير التقرير إلى أن سقوط الأشخاص هو أكثر الأسباب المؤدية الى إصابات العمل، حيث بلغت نسبة الإصابات الناجمة عن سقوط الأشخاص (28.03%) من إجمالي الإصابات، يليها الإصابات بسبب أدوات العمل اليدوي بما نسبته (11.9%)، ثم الإصابات الناجمة عن سقوط الاشياء وبنسبة (9.68%). فيما تشير الأرقام إلى أن حوادث الطريق هي أكثر الأسباب المؤدية إلى وقوع الوفيات الإصابية بنسبة (46.8%) من إجمالي الوفيات الإصابية، يليها الإنفجارات والحرائق وسقوط الأشخاص بنسبة (10.1%) من إجمالي الوفيات الإصابية.
وأن 45.9% من إصابات العمل المسجلة لدى المؤسسة العامة للضمان الإجتماعي تقع لمصابين تقل أعمارهم عن (30) عاماً، الأمر الذي يستوجب التأكيد على الاهتمام بسلامة وصحة العاملين من فئة الشباب من خلال زيادة الوعي والتدريب المتخصص والبرامج الموجهة لهم بدءاً من المناهج التعليمية في المدارس ومراكز التدريب المهني والكليات والجامعات وانتهاءً بالتدريب المتخصص بالسلامة والصحة المهنية والتعامل مع المخاطر في مواقع العمل.
ويلفت التقرير إلى أن هذه الارقام لا تعكس الأعداد الفعلية لإصابات العمل في الأردن، والتي من المؤكد بأنها أكثر من ذلك بكثير لعدة أسباب، فالعاملون في الإقتصاد غير المنظم الذين تشير التقديرات بأنهم يشكلون ما يقرب من 48% من مجموع العاملين في المملكة هم في الغالب غير مشمولين بالضمان الإجتماعي، كما أن القطاع الزراعي الذي ما زال عاملوه غير مشمولين بالضمان يعتبر عالميا الأعلى في نسب إصابات العمل من بين مختلف قطاعات العمل الأخرى، في وقت لا تزيد نسبة المنشآت المشمولة على 31% من المنشآت العاملة، وأكثر من نصف مليون عامل غير مشمول بالضمان، يضاف إلى ذلك أن بعض المنشآت المشمولة بالضمان تعمد إلى عدم التبليغ عن الإصابات وتفضل تغطية النفقات المترتبة عليها من خلال شركات التأمين بهدف الحفاظ على ملفها نظيفا لدى الضمان الإجتماعي.
ويؤشر التقرير على نقص واضح لدى وزارة العمل في الكوادر البشرية المتخصصة بالرقابة على مدى الإلتزام بشروط السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل، الأمر الذي تسبب في أن تبقى العديد من المنشآت خارج نطاق عمليات التفتيش ولا تحظى بالمساعدة الفنية الكافية أو بالنصح والإرشاد الذي تقدمه الوزارة لأصحاب العمل والتوجيه الفني حول السبل اللازمة لتطوير أدائها في هذا الشأن وفي توفير الحمايات من الحوادث والإصابات، فالمعدل السنوي للزيارات التي يقوم بها مفتشو العمل في مجال السلامة والصحة المهنية بحدود 5 آلاف زيارة، بينما يبلغ عدد المؤسسات العاملة في المملكة حسب دائرة الإحصاءات العامة (180680) مؤسسة، الأمر الذي يتطلب دعم وزارة العمل بكوادر متخصصة ومؤهلة وبأعداد كافية، واعتماد الوسائل الحديثة للتفتيش وحوسبة أعماله وتفعيل وسائل التفتيش عن بعد وبأقل عدد من الزيارات الميدانية ووضع وتنفيذ القواعد الخاصة بالتفتيش الذاتي للمنشآت.
وعلى الصعيد التشريعي، يشير التقرير إلى أنه وبالرغم من أن قانون العمل قد أفرد فصلا خاصا لموضوع السلامة والصحة المهنية وصدر بموجبه عدد من الأنظمة والتعليمات خاصة فيما يتعلق بالاحتياطات اللازمة لحماية المؤسسة والعاملين فيها من أخطار العمل ووسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين وغير ذلك، إلا أن التشريع الأردني لا زال بحاجة إلى نصوص أكثر شمولية وتفصيلا من النواحي الفنية تتضمن توجيهات متخصصة للوقاية من الأخطار على مستوى كل قطاع، وبصورة خاصة في القطاعات الأكثر تعرضا لحوادث العمل وهي الزراعة والإنشاءات والصناعات التحويلية، إضافة إلى أهمية المصادقة على إتفاقيات العمل الدولية الأساسية في السلامة والصحة المهنية وعلى رأسها الاتفاقية رقم 187 الخاصة بالإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنية، والإتفاقية رقم 155 الخاصة بالسلامة والصحة المهنيتين، الأمر الذي سيساهم في تطوير الأداء التشريعي والتنظيمي للأردن في هذا المجال وتحفيز الجهات والمنظمات الدولية لتقديم الدعم الفني اللازم لذلك، أما فيما يتعلق بالقطاع الزراعي فنظرا لصدور نظام عمال الزراعة في عام 2021 والذي شمل عمال الزراعة بموجبه بقانون العمل، فقد تم إصدار تعليمات شروط وتدابير السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل الزراعي لسنة 2021، حيث حددت التزامات صاحب العمل الزراعي بخصوص توفير بيئات عمل آمنة وخالية من المخاطر للعاملين فيها، إلا أنه رغم ذلك لم يتم لغاية الآن تطبيق نظام عمال الزراعة ولا هذه التعليمات ولم يتم تفعيل تفتيش العمل على هذا القطاع حتى الآن والذي يعتبر من القطاعات الأشد خطورة في العمل.
ويؤكد تقرير “بيت العمال” على أهمية وجود استراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية أهمية كبرى للدولة لتطوير أدائها وللحد بأكبر قدر ممكن من حوادث وإصابات العمل ولضمان التنسيق الكامل بين كافة الجهات المعنية بحيث تتحمل كل منها مسؤوليات القيام بالمهام والواجبات المطلوبة منها، عملا بالمعايير الدولية بهذا الخصوص والممارسات الفضلى التي أولت موضوع التخطيط الإستراتيجي والبرامج والخطط الوطنية المرتبطة بها أولوية كبرى، خاصة وأن 4% من الناتج المحلي الإجمالي يضيع نتيجة تكاليف الإصابات والإعاقات والوفيات الناجمة عنها والعلاجات والتعويضات والتغيب عن العمل.
مبينا أنه في ظل تعدد الجهات المعنية بالسلامة والصحة المهنية، وتنوع القطاعات الإقتصادية التي تتطلب معالجات خاصة لكل منها وسياسات وبرامج متخصصة تراعي طبيعة بيئة العمل فيها والأجهزة والآليات المستخدمة وأشكال الأخطار التي قد يتعرض لها العاملين فيها للحوادث والإصابات، فما زالت جهودنا غير موحدة وما زالت الشراكة مع القطاع الخاص في أدنى مستوياتها، فغياب التنسيق بين الجهات المعنية يظهر جليا من خلال عدم وجود آليات واضحة للرصد وللتحقيق في حوادث وإصابات العمل بالتنسيق بين الجهات الرقابية والأمنية والصحية، كما أن دور النقابات العمالية والهيئات الممثلة لأصحاب العمل لازال قاصرا في بعديه الاقتصادي والاجتماعي، ولا نكاد نرى لها أي مشاركات سوى في بعض الأنشطة التدريبية.