رباب دوله - تنتشر عادة "حق الملح" في دول المغرب العربي، فمع نهاية الشهر الفضيل واستقبال أول أيام عيد الفطر، وشرب قهوة صباحه، لا يرجع الفنجان إلى الطاولة خاليًا من هدية تقدم للمرأة تكريمًا وتقديرًا لجهودها بعد شهر كامل من التعب في الإعداد وتحضير الإفطار.
وترجع تسمية "حق الملح" بذلك إلى اضطرار الزوجة أحيانا -عند إعدادها الطعام لأسرتها- إلى تذوّق الأكل دون ابتلاعه للتأكد من اعتدال ملوحته، و كلمة "الملح" تعني "العشرة" و"حق الملح" يعني "رد الجميل بالجميل"، أي إنصاف المرأة بهدية في عيد الفطر على "الملح" أو "الأكلات" التي قدمتها لعائلتها طوال شهر رمضان.
وهي عادة تعزز معاني الارتباط في العائلات وتربي النشء على تقدير المرأة وجهودها المبذولة لأجل عائلتها، وتجسد عمق العلاقات الأسرية بين الأزواج.
وأكدت بعض الدراسات أن هذه العادة قديمة منذ 5 قرون وكانت تتواجد في الجزائر، وانتقلت إلى كل من تونس وبعض البلدان المجاورة خلال فترة تواجد العثمانيين بهذه المنطقة العربية منذ القرن السادس عشر، وانتقلت بعد ذلك إلى المغرب.
ولم تعد هذه العادة مقتصرة على المنطقة المغاربية وأخذت تتوسع رقعتها لتصل دول الخليج وبلاد الشام، فهي تعزز أواصر الود وتكرم المرأة بعد شهر طويل ضاعفت فيه جهدها لترضي أذواق الحاضرين على مائدتها.
تقول سناء سعد (اسم مستعار) إنها سمعت من ابنة خالتها في السعودية بأنهم باتوا يلتزمون بعادة "الملحة" أو "حق الملح" في السنوات الأخيرة، ويقوم الأزواج عندهم بتقديم هديةٍ للنساء صبيحة العيد كنوع من العرفان ورد الجميل، وهو ما يسعدهم ويعزز الود والترابط بين الأزواج.
وذكرت مريم عبيد أن هذه العادة سمعت أصدقاء لها في الخليج يقومون بها كذلك، الأمر الذي أسعدها وعزمت منذ ثلاثة أعوام على تطبيقها في منزلها كنوع من التآلف والرحمة والود وهو "ما أدخل السرور على قلبي، بأن جهدي خلال الشهر الكريم يتم تقديره ويقابل بنوع من التقدير والحب، قائلة: لا تهم القيمة المادية للهدية، ولو كانت شيئًا رمزيًا فهي بقيمتها المعنوية تسعد القلب.
وذكر عمر سامي حول "حق الملح" أنه يشعر بأن التزامه بهذا التقليد هو أمر فطري وديني وأنه تقدير للأرحام ومكانتهن في نفوسنا، وهذا أمر يحتمه علينا ديننا وعاداتنا التي تربينا عليها، إضافة إلى المواكبة لما نتشر من تقاليد ثقافات مبهجة ومحمودة.
وبيّن أن العادات الجميلة في بلد ما تنتقل وتنتشر بين البلدان، وهذا يجعل الطرف الآخر يشعر بسعادة عند مقابلته بتقدير وتثمين لجهوده التي يقدمها، مبينًا ان الأنثى بطبيعتها العاطفية تميل للتقدير ولمثل هذه الأمور التي تجعلها تعيش حالة شعورية رائعة "ونحن نلمح هذا الشعور في وجوههن".
ولفت إلى أن هذه العادة تفقد قيمتها في جميع الدول إن ارتبطت بحد معين من قيمة مالية، فالهدية بأثرها -وحسب استطاعة الرجل- لا بقيمتها المالية.
ونوّه إلى أن الرسول -عليه السلام- وصّى بالأرحام وهذا نوع من التودد لهنّ وصلتهنّ، خاصةً أن "حق الملح" مرتبطة بارتكاز ديني بعد شهر الصوم والإعداد والتقرب لله، بالإضافة إلى الطبيعة البشرية التي تحب إسعاد الآخرين.